أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - شهادة روائية السردية في الرواية الشعرية















المزيد.....



شهادة روائية السردية في الرواية الشعرية


صبري هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 4389 - 2014 / 3 / 10 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


***
شهادة روائية
السردية في الرواية الشعرية

***
" هذه الشهادة الروائية قُدمت إلى المُلتقى الأول للرواية العراقية المغتربة بلندن ، الذي افتتح أعماله في 19 ـ 10 إلى 22 / 10 / 2013 " .
***
" على كُلِّ روائيٍّ ـ في كلِّ روايةٍ ـ أنْ يخترعَ شكلَهُ الخاص "
آلان روب غرييه
***
لا يكتبُ نصّاً جميلاً مَن لم يكن جميلَ الرّوحِ
ولا يُضئُ نفوسَ الناسِ مَن لم يكن مُضيءَ النّفسِ
***
على حذرٍ أُلامسُ المُصطلحاتِ .. وعلى حذرٍ أكبرَ أقتربُ مِن وضعِ المفاهيمِ وبشيءٍ مِن التوجُّسِ أُحاولُ أنْ أمسَّها لأنني لم أعرفْ مفازةً مِن هذا النوعِ ولم أطرقْ لأحوالِها سبيلاً حتى لو كانت معلومةً . لستُ على عُجالةٍ مِن أمري كي أنحتَ مُصطلحاً لستُ واثقاً مِن سلامتِهِ ، والأصح أنني أتعبتُ نفسي طويلاً في إيجادِ مخرجٍ لما أنا عليهِ مِن كتابةٍ خاصةً بعد أنْ أنجزتُ كتابةَ روايتي " الخلاسيون " في حزيران مِن العامِ 1998 ، التي سبقتْها روايتان تخطّان مساراً شعرياً بحدودٍ مُعينةٍ . ماذا أسمي عملاً كُتبَ في معظمِهِ شعراً ؟ هل أُسميه " قصيدةً / رواية" ، "روايةً شعرية" ، "روايةَ لحظةٍ" .. "ملحمةً قصيرةً" ماذا وقد أعياني البحثُ؟ عندئذٍ تركتُ الأمرَ للنقّادِ والباحثين ـ إنْ وِجِدوا واقتربوا منّي ـ لقناعتي أنَّ الشعرَ ومضةٌ ، برقةٌ ، لحظةٌ تأتي خلافاً لإرادةِ الشاعرِ أو لرغبتِهِ ، تنكتبُ أو لا تنكتبُ .. ربما تذهبُ سدىً، لا يُمسكُ بها أحدٌ فكيف بنصٍّ روائيٍّ طويلٍ يستدعي تدخُلَ العقلِ ؟ نُحيلُ الأمرَ إلى إدغار آلان بو الذي ينفي وجودَ قصيدةٍ طويلةٍ ـ طبعاً هو يقصدُ قصيدةَ شعرٍ ـ لماذا ؟ لأنَّ الشعرَ يستدعي التوترَ النفسيَّ العاليَ والدائمَ للشاعرِ وهو يعتقدُ أنَّ هذا التوترَ لا يمكنُ أنْ يستمرَ زمناً طويلاً يسمح بإنتاجِ نصٍّ شعريٍّ طويلٍ ، وعليهِ فإنَّ القصيدةَ يجبُ أنْ تكونَ مُكثّفةً وليستْ طويلةً مُملّةً ويعتبرُ القصيدةَ " الشعريةَ " الطويلةَ لا أساسَ لها ويراها عملاً مفتعلاً إذ لا يستطيعُ أيُّ شاعرٍ مهما كان عظيماً أنْ يُحافظَ على وتيرةٍ واحدةٍ مِن التوتُّرِ ولفترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ ، لكن حينَ نسألُهُ عن الفردوسِ المفقود لجون ميلتون وهي مِن أكبر القصائد الشعريةِ أو عن الإلياذةِ لهوميروس وهي أثرٌ شعريٌّ كبير ، ينبري واثقاً : " إنَّ هاتين الملحمتين وأشكالَهما عبارة عن قصائدَ قصيرةٍ ، ولكنها متتاليةٌ وراء بعضِها البعض ، وبالتالي فلا ينبغي أنْ نعتبرَها شعريةً مِن أولِها إلى آخرِها ، فهناك لحظاتٌ يتوقّفُ فيها التوترُ الشعريُّ ويتباطأُ قبلَ أن يتوصّلَ الشاعرُ إلى زخمٍ جديدٍ وهكذا دواليك " .
نعم هذا كلامٌ مقنعٌ إلى حدٍّ ما فإدغار آلان بو يبحثُ عن كميةِ الشعرِ في القصيدةِ والأعمالُ الشعريةُ الطويلةُ هي مجموعةٌ مِن البرقاتِ ، الومضاتِ ، الدفقاتِ التي تتخللها استراحاتٌ في مفاصلِها الكثيرةِ وهذه التوقفاتُ هي شيءٌ مِن الترهُّلِ الشعريِّ الذي يقتربُ مِن النثرِ أحياناً الذي يُصيبُ أجزاءَ مهمةً مِن المنجزِ الشعريِّ الملحمي كلّما اقتربتَ مِن التفاصيلِ في السياقِ السرديّ ويُصيبُ أجزاءَ مِن الحوارِ لكنّ هذا لا يمنعُ النصَّ مِن الإحتفاظِ بطاقتِهِ الشعريةِ .. وخفوتُ الصوتِ الشعريّ في أيِّ مفصلٍ مِن القصيدةِ ليس دليلاً على غيابِهِ . ربما تكتبُ قصيدةً طويلةً فيها مِن الشعريةِ القليلِ وما تبقّى يدخلُ في بابِ النُّظمِ الذي لا يستوجبُ التوترَ العالي والدائمَ للشاعرِ أو لكاتبِ " الرواية الشعرية " إنّما يندرجُ هذا في بابِ الشعرِ بغضِ النظرِ عن كميةِ الشعرِ في النصِّ فلقد جرت العادةُ عند العربِ بإطلاقِ تسميةِ صناعةِ الشعرِ على النظمِ الشعري . أما "القصيدةُ / الروايةُ" ربما انكتبت بشاعريةٍ أو نُظِمتْ على غرارِ قصيدةِ النثرِ مثلاً وبالتالي فهي نصٌّ نثريٌّ يحملُ بين ثناياهُ شحنتَهُ الشعريةَ وسحرَهُ اللغويّ . والآن ربما قال قائلٌ لا يمكن كتابةُ روايةٍ شعريةٍ مهما كان الكاتبُ خارقاً ، ونستطيعُ ـ في الوقتِ نفسهِ ـ كتابةَ روايةٍ بلغةِ الشعرِ أو تنكتبُ في معظمِها شعراً تتخللها وقفاتٌ تُحيلُ إلى الإجهادِ ـ الذي يُصيبُ كاتبَها ـ والذي يتجلّى في الإستراحاتِ التي يكتنفُها هذا المفصلُ الحواريُّ أو ذاك المقطعُ التأريخيُّ أو الأسطوريُّ " المُضمنُ " فيها ، عندئذٍ يدفعُنا هذا القولُ إلى الإقرارِ بأنّه لا يوجدُ على امتدادِ التاريخِ شاعرٌ ظلَّ متوتراً في عملٍ طويلٍ ـ روائيّ أو شعريّ ـ وأنهاهُ بدونِ إنهاكٍ أو انحدارٍ إلى فردوسِ النثرِ ففي هذا القولِ إجحافٌ بحقِّ المُنجزِ الإنسانيِّ وإنَّ الوقفاتِ والإستراحاتِ لا تنفي صفةَ الشعريةِ عن العملِ طالما تسيّدَ الشعرُ معظمَ صفحاتِ النصِّ .
مرّةً كتبَ مسؤولُ صفحةٍ ثقافيةٍ ـ وهو شاعرٌ أيضاً ـ عن شاعرٍ مشهورٍ قال : إنّهُ الشاعرُ العربيُّ الوحيدُ الذي يكتبُ قصيدةً أو اثنتين يومياً .. أما رأيتم هو قال قصيدةً أو اثنتين ولم يُقرر فيما إذا كانت القصائدُ نثراً أم شعراً ؟ وهذا الكلامُ ـ بالطبعِ ـ فيه الكثيرُ مِنِ الريبةِ لأنهُ سوف يُحسبُ على الشاعرِ العربيّ وليس لهُ .. لماذا ؟ لأنّهُ سيكونُ مِن العسيرِ عليهِ أنْ يظلَّ متوتراً كلَّ هذا الزمنِ .. لكنَّ الشاعرَ يكتبُ شعراً بتوترٍ عالٍ وقصائدُهُ فيها مِن الشعريةِ الكثير .. ماذا نسمي هذا يا سيد " بو " ؟
وهكذا نجدُ أنَّ طرحَ أيّ مصطلحٍ يتطلبُ التأنيَ والمراجعةَ والحذرَ مِن الوقوعِ في شراكِ الخطأِ ويستوجبُ درايةً وثراءً لغوياً ومعرفةً وقدرةً على استيعابِ أبعادِ المصطلحِ وأنْ يُلَمَّ بجميعِ أطرافِهِ وتُدرسَ جذورَهُ اللغويةَ .
لكن ماذا نسمي نصّاً روائياً مكتوباً في مُعظمِهِ شعراً ؟ أنا لا أملكُ تسميةً لهُ ، ألآن على الأقل ، لذلك تركتُ الروايةَ كجنسٍ مُتفقٍ عليهِ تتصدرُ أغلفةَ كتبي .. ربما كانَ غيري على درجةٍ مِن الشجاعةِ وأطلقَ بدرايةٍ أو بدونِ درايةٍ مصطلحاً مثلَ: "الرواية الشعرية" أو "الرواية / القصيدة" ـ وجعلهُ جِنساً يتصدّرُ عملَهُ أو أعمالَه أو ربما جعلَهُ شكلاً روائياً جديداً . أجل لقد تركتُ رواياتي يُمارسْنَ قدراً أكبرَ مِن الحريةِ فاكتفيتُ بالجنسِ الذي آثرتُهُ للكتابةِ كي أُفرغَ مِن خلالِهِ كلَّ هديرِ الدفقِ الشعريّ الذي يعتملُ في جائشتي بالرغمِ مِن إعتقادي أنَّ الروايةَ الشعريةَ ـ إنْ وجدتْ ـ على حدِّ علمي ، وِلدتْ مع " الخلاسيون " فيما الحديثُ كان قد جرى عن شعريةِ الروايةِ لا عن " الروايةِ الشعرية " .. ربما كتبتُ بأسلوبٍ مُختلفٍ مُغايرٍ .. ربما خرجتُ عن السائدِ وتمرّدتُ عليه .. ربما ضيّقتُ الخناقَ على " التناصِّ " ونهرتُهُ بكلِّ طاقتي وبهذا أكونُ قد أغظتُ السيدةَ " جوليا كريستيفا " التي أسستْ لهُ بعدَ زيارتِها مختبر " حوارية" ميشائيل باختين .. ربما ركزتُ أكثرَ على القيمِ الجماليةِ والبلاغيةِ لكنني مازلتُ ضمنَ محاورِ النصِّ السرديِّ دون أنْ أسمحَ للحبلِ الذي رمى به "جيرار جينيت" أنْ يُطوقَني بمحاورِهِ التي تُكوّنُ النصَّ السرديَّ .
يرى باختين ـ ما معناه ـ أنّ الروايةَ الحديثةَ سَخّرتْ اللغةَ الشعريةَ لكي تؤثرَ بالمُتلقي تأثيراً إيجابياً بفعلِ سحرِها وتكثيفِها وجماليتِها وتوترِها العالي ، وهي تُغطّي على الأبعادِ الأيديولوجيا التي تُبنى عليها النصوصُ وتتستّرُ على الأفكارِ التي يحتضنُها المتنُ . ربما عملتُ على هذه الجزئيةِ بهذا القدرِ أو ذاك لكنّ عملي الأهمّ كان على الشعرِ في حدودِ النصِّ لا على اللغةِ الشعريةِ وحسب .
إذاً هل كان "المؤلفُ تفصيلاً لا معنى له" كما أكّدَ الشاعرُ الفرنسيُّ فاليري 1871 ـ 1945 واقتفى أثرهُ فيما بعد عددٌ مِن المُفكرين الفرنسيين مِن مثل : رولان بارت ، ميشال فوكو ، جيرار جينيت ، وآخرين ؟ لماذا ينبغي على المؤلفِ أنْ يموتَ ؟ لماذا نعتقدُ ـ طالما بنا يستبدُّ التناصُّ ـ أننا نكتبُ منذُ الأزلِ كتاباً واحداً .. في أيِّ مجالٍ نكتبُ وفي أيِّ جنسٍ نُقررُ؟ كم مِن التناصِّ في الإلياذة والأوديسا لهوميروس وكانت الملحمتان قد أُنْجِزتا في القرنِ التاسعِ أو الثامنِ قبل الميلادِ بعد حربِ طروادة ؟ كم مِن الكتبِ اُستوجبَ الإطلاعُ عليها مِن قبل هوميروس ولأيٍّ مِن الشعراءِ والكُتّابِ الذين سبقوهُ ولا نعلمُ عنهم شيئاً ؟ مع أيِّ المصادرِ جرى التناصُ في ملحمةِ جلجامش ؟ إنها أسئلةٌ بريئةٌ وحسب رغم قناعتي بوجودِ التناصِ .
كتبتُ روايتي " الخلاسيون " بكثيرٍ مِن التوتُّر الشعريِّ وخلالِ فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ قياساً بكتابةِ الروايةِ فعندما أقبلَ ربيعُ العام 1998 إلى برلين كنتُ أشبهُ بالممسوسِ .. في حالةٍ غريبةٍ مِن الشدِّ العصبيّ .. بعد ثلاثةِ أشهر أتيتُ على نهايتِها وقبلَ " الخلاسيون " بعشرةِ أعوامٍ كنتُ قد أنجزتُ روايتي " رقصة التماثيل " كتبتُها في عدن لكنني كنتُ أقلَّ توتراً ربما لأنني كتبتُها في أزمانٍ مُتفاوتةٍ . هنا لا أنْحَتُ في فراغٍ إنّما أُفرّغُ الحجرَ مِن محتواهُ .. أشذِّبُ قوامَهُ الصلدَ .. أُزيلُ عنه ما لحِقَ به مِن تشوّهاتٍ ليبقى رشيقاً .. هكذا جاءت كلُّ رواياتي ـ تقريباً ـ بلا زوائدَ . سبعُ رواياتٍ تصهلُ بين ثناياه روحُ الشعرِ تارةً وتهمسُ تارةً هذا ما يجعلُهنَّ عصياتٍ على النقدِ .. ليس هناك ناقدٌ يجرؤ على الإقترابِ مِن نصٍّ مكتوبٍ في معظمِهِ شعراً .. فنقّادُنا لا يقربون نصّاً جديداً .. لا يفككون نصّاً كهذا .. استهواهُم التنظيرُ النقديُّ وابتعدوا عن التطبيقِ ، هم يؤسسون رؤاهم على نظرياتٍ جاهزةٍ . مرّةً يسهرون في بيتِ البنيويةِ ومرّةً يَرِدون ماءَ التفكيكيةِ . يطرحون شيئاً غائماً ، غامضاً ، مُبهماً لا تفهمُ منه مُراداً .. على العمومِ فالنصُّ المُجحفلُ بالشعرِ يتنكبُ سبيلَهُ النقادُ لصعوبةِ تناولِهِ فهو يكثرُ مِن الاستعاراتِ وفيه تُخصّبُ المجازاتُ وتتوالدُ في متنِهِ الأساطيرُ .. سحرُ التدفُّقِ اللغويّ يجعلُهُ خارجَ دائرةِ الإغواءِ النقديّ . حاولتُ أنْ أغادرَ السائدَ .. أتجنبَ المألوفَ . كنتُ واعياً لفعلتي التي ربما قادتني إلى شكلٍ روائيٍّ جديدٍ لكنني لستُ مستعدّاً للتفاوضِ على التجنيسِ فالجنسُ الروائيُّ وسيلتي إلى إيصالِ صرختي .. المكانُ الحقيقيُّ الذي يصلحُ للمُبارزةِ . رواياتٌ هنَّ مزيجٌ مِن طغيانِ روحٍ شعريٍّ وتكثيفٍ نثريٍّ اُستخدِمت فيه مُحسّناتُ البديعِ بطاقتِها القصوى لكن السرديةَ أو الإيقاعَ السرديَّ ـ إنْ أصبتُ في القولِ ـ ظلَّ متمسكاً : بالراوي والمروي والمروي له ؟ وظلَّت البابُ التي توصلُ إلى الحكايةِ مفتوحةً على مصراعيها ، إنما بلا قيودٍ وقوانينَ مِن هذا السيدِ الفيلسوف ولا مِن ذلكَ المُفكرِ أو الناقدِ . ما حدثَ عندي حُلمُ السائرِ على حافّةِ الجنون .. رؤيا المُسافرِ على ظهرِ الريحِ .. واقعٌ يتصاعدُ بخيطِ دخانٍ إلى اللامنتهى .. خيالٌ يؤسطرُ واقعاً .. صرخاتٌ تطلُّ برؤوسِها مِن حواراتٍ مُقتضَبةٍ في الغالبِ وإن تكاملتْ اتخذتْ مساراً شعرياً . وحسب جاكوبسون " اللغةُ الشعريةُ هي كلُّ ما يمكنُ الإمساكُ به ".
عندما أنهيتُ كتابةَ " الخلاسيون " ـ ووضعتُ النقطةَ بعد الجملةِ الأخيرةِ التي شكّلت الفصلَ الأخيرَ ـ صرختُ مُتَعجباً مما فعلَهُ بي الخيالُ : الله ! كنتُ أكتبُ في زاويةٍ مهملةٍ مِن بيتي أسماها كاتبٌ صديقٌ لي : الزائدةُ الدوديةُ . تَذكرتُ مايكل انجلو الفنّانَ الإيطاليَّ العظيمَ عندما أكملَ تمثالَ موسى أعظمَ وأشهرَ أعمالهِ النحتيةِ وكان قد أنجزَهُ في العام ( 1516) نـــزوﻻ-;-ً عنـــدَ رغبـــةِ البابا يوليوس الثاني في كنيسةِ القديس بطرس حينئذٍ وقفَ أمامَ التمثالِ وقال له بصوتٍ واثقٍ : هيّا انهضْ الآن وانطقْ يا موسى .
إذاً أنا كاتبٌ / شاعرٌ لستُ شرّيراً هذا ما أعتقدهُ " فالرجلُ الشرّيرُ ـ حسب الشاعر الروسي بوريس باسترناك ـ لا يمكنُ أن يكونَ شاعراً عظيماً " وأنا أسعى كغيري مِن الشعراء والروائيين وبكلِّ طاقتي إلى مداعبةِ هامةِ الكوكبِ . ربما كنتُ محبطاً أُحققُ رغباتي عن طريقِ الخيالِ كما يُقرر فرويد : " الفنانُ إنسانٌ محبطٌ في الواقع يحققُ رغباتِهِ عن طريقِ الخيالِ ، فالحرمان يُنشط الإبداعَ ويؤججُ جمرةَ الخيال " ربما كنتُ كذلك ، فعندما باشرتُ كتابةَ روايتي الأولى " رقصة التماثيل " ـ التي جاءت مزدحمةً بالأخطاء الإملائيةِ والنحويةِ والطباعيةِ ـ كنتُ مُغضَباً ، مُدجَجاً بالتمرُّدِ الذي أفرَغْتُهُ في نصٍّ جاء في أغلبِهِ بلغةِ الشعرِ . أجل هو الحرمانُ الذي يُذكي جمرةَ الخيالِ ، والحساسية التي يرى فيها الروائي الفرنسي ستاندال جُرحاً غائراً : " الحساسيةُ تلتهمُني إلتهاماً فما يمسُّ الآخرين مسّاً يجرحُني أنا جرحاً ويُنزف دمائي".
" استهوتْني الأمواجُ وطلبتُ مِن البحرِ أنْ يأخذَني إليه حينما رأيتُ الحربَ تنضو خلفَ أستارِ الليلِ ثياباً ، ثم نزلتْ إلى نهرِ الحكمةِ به تغتسلُ وكان النهرُ يجري بآثامِهِ وراءَ تلك الكُثبانِ. كنتُ أسمعُ أنينَ الوردةِ وصيحاتِ الجندِ ، فطُلبَ إليَّ أن أجمعَ الأنينَ بخوذِ الجندِ وأُودعَها الرمالَ . أصرخُ : لِمَ لا تأخذني أيها البحرُ ؟ هل خفتَ قمراً برأسِ الحَوَرِ يتنزّهُ ؟ "
أجل هي القصيدةُ / الشعرُ الذي يستفزُّ المتلقي ويجعلُهُ ينتفضُ ثم يتركُ المقعدَ حين ينهضُ واقفاً، مُحيياً . أو كما يقول " بو " ( كلُّ قصيدةٍ لا تُحرضُني ، لا تنهرُني ، لا ترتفعُ بي إلى ما فوق الحياةِ اليوميةِ ليست قصيدةً " .
هي اللحظةُ الفاجرةُ التي قادتني إلى التساؤلِ ماذا أكتبُ ؟
هل أكتبُ نصاً كبقيةِ النصوصِ أم أكتبُ شيئاً مُغايراً يحملُ أقلَّ ما يمكنُ مِن شحناتِ التناصِ ؟ بحثتُ عن الطاقةِ القصوى التي تمتلكُها اللغةُ / المفردةُ وقررتُ استخدامَها في أولِ عملٍ يحملُ في معظمِهِ تلك القصائدَ الشعريةَ المتتاليةَ واللاهثةَ الواحدة تلو الأخرى لتولدَ روايةُ " الخلاسيون " ومِن حدثٍ يبدو للقارئِ بسيطاً . جعلتُ الأصواتَ تتداخلُ في السردِ الروائيِّ فتجري على ألسنةِ الشخصياتِ جميعِها وفي تَعدُدٍ على مستوى الخطابِ الروائيِّ وهو في تقديري ما يُعرّفُ بلاغياً بــ " الإلتفاتِ " الذي ظلَّ يُلهِبُ ظهرَ النصِّ . كان على الراوي أنْ يقنعَ المتلقي " المروي له" بسحرِ الروي / الحكاية . إذاً كانت " الخلاسيون " الصادرة عن دارِ الكنوزِ الأدبيةِ ـ بيروت في آب من العام 2000 تتويجاً لعملين روائيين سابقين لها هما " رقصة التماثيل " عن دار المدى 1995 دمشق وخليج الفيل عن دار المدى أيضاً 1997 . بدأتُ الروايةَ بفعلٍ طلبيٍّ " تَوَغَلي في النشيجِ يا ربةَ الشبقِ " ، ثم اعتمدَ البناءُ الروائيُّ على تتابعِ الخطابِ السردي وعدمِ الفصلِ بين الفصولِ بحدودٍ ما عدا مقاطعَ شعريةً تُحيلكَ إلى نقلةٍ جديدةٍ وهنا تتطلّبُ القراءةُ قارئاً " خارقاً " ـ كما يسميه ( مايكل ريفاتير) ـ أو القارئَ الناقدَ ، المطّلِع ، المتفحص . لماذا ؟ لأن البنيةَ الروائية اعتمدتْ :
1 ـ اللغةُ التي في معظمِها شعريةٌ والتي تركتْ الأشكالَ الشعريةَ تتجاورُ وتتحاور أحياناً . بمعنى أنها يمكنُ أنْ تشكّلَ شكلاً شعرياً جديداً .
2 ـ يجري الروي على لسانِ جميعِ الشخصياتِ وكلُّ شخصيةٍ تتحدّثُ عن الأخرى .
3 ـ تتداخلُ الفصولُ ولا يفصلُها سوى خيطٍ واهنٍ مِن برقاتٍ شعريةٍ تعتمدُ على نباهةِ القاريءِ.
4 ـ التقشفُ الشديدُ في الحوارِ الذي يأخذُ هو الآخر مساراً شعرياً .
5 ـ زَيّنتْ شخصياتُ الروايةِ صدرَ النصِّ كما هو الحال في المسرحياتِ ، والفرقُ هنا : إنَّ كلَّ شخصيةٍ تنطقُ بما فيها .
6 ـ أُستخدمت الأسطورةُ كما في بقيةِ الرواياتِ بما ينسجمُ وسيرورةَ السردِ وبما يخدمُ المتن .
7 ـ الميلُ الشديدُ إلى المُحسناتِ واستُخدِمت الأسجاعُ في كلِّ الفصولِ تقريباً .
8 ـ الإعتمادُ على تعددِ مستوياتِ الخطابِ في النصِ " الإلتفات " " وتعددُ الأصواتِ كما يرى باختين ".
9 ـ محاولةُ الإفلاتِ مِن المركّب الزماني أو المكاني أحياناً وذلك لإعطاءِ النصِّ الطاقة القصوى في حريةِ التعبيرِ وكأن الراوي يسردُ في فراغٍ أو هو خارجُ الوجودِ . وهذه المُغادرةُ ليست قسريةً .
10 ـ التخلُّص مِن الوصفِ الإعتيادي الذي أُسست عليه معظمُ الأعمالِ الروائيةِ ومنحُ النصِّ بعداً وصفياً مُختلفاً تماماً عما درجتْ عليه الروايةُ التقليديةُ .
تلك كانت " الخلاسيون " الدهشةُ الكبرى عندي أخذتُها نموذجاً لأنَّ ما تلاها مِن رواياتٍ لا يفترقُ ـ لغةً ـ عنها كثيراً . فالكتابةُ عندي سحرُ اللامكانِ في المكانِ.. سيادةُ اللازمانِ في الزمانِ. عندما أَنجزتُها وهي مازالت بين يديَّ مخطوطةً كنتُ أُريدُ ـ لدهشتي ـ أن أوزعَها نُسخاً على كلِّ البشرِ حتى لو كان بعضُهم لا يجيدُ القراءةَ . قلتُ سبقتْها " خليج الفيل " كانت محكمةَ البناءِ الروائيِّ وفيها تكثيفٌ نثريٌّ ثريٌّ ، إنما هذه شيءٌ آخر ، فوق العادةِ حسب رأيي . لم أقرأْ ـ على حدِّ علمِ ذاكرتي ـ عملاً روائياً ـ مِن حيثُ اللغة ـ بمستوى هذا العملِ وأنا رجلٌ أسعى للقراءةِ كقاريءٍ ناقدٍ مُطلعٍ .. أنا قاريءٌ طوّحت بكيانِهِ صورةُ سهامِ الخلاسية التي سَمَت فوق الوصفِ الاعتيادي ونالتْ وصفاً مُدهشاً ، وصورةُ جابر المسحورِ ذاك الذي اختزلَ الزمنَ في فضاء النصِّ أو صورةُ المُصوّرِ الجوّالِ الذي جسّدَ تاريخَ المدينةِ في عدَسَتِهِ التي رأينا فيها كلَّ ما هو غيرُ مرئيٍّ . قُطِّعتْ خيوطُ المُخيِّلة وأُطلقتْ ومنذُ ذلك الحينِ وهي تجوبُ الأرجاءَ .
في مَشفى " الشارتيه " في شهر ديسمبر العام 2002 م كنتُ قد بدأتُ كتابةَ روايتي " حديثُ الكمأةِ " التي أسستُ فيها "يوتوبياي" ـ الوطن المُتَخَيّل الضائع ـ بكثيرٍ مِن الجهدِ لكنني مازلتُ حزيناً على تغييرِ العنوانِ في اللحظةِ الأخيرة . لماذا استبدلتُ الحديثَ بالأرضِ ؟ سؤالٌ أطرحُهُ على نفسي مراراً .. أظنُّ تسميةَ " أرض الكمأة " هو الأقربُ لما وردَ في المَتْنِ وهو الأنسبُ لجوهرِ الحكايةِ وربما كان عاملاً مساعداً لانسيابيةِ السردِ . بعد عامٍ وشهرين تقريباً مِن الشروعِ بكتابتِها أنجزتُها في ذاتِ المشفى في فبراير 2004 .
الحكايةُ تقولُ، إنَّ طارقَ الشاهين يعيشُ في مكانٍ مُتَخيلٍ اسمُهُ "أرض الكمأة" ، التي هي في واقعِ الحالِ “حيُّ" يُكرمُ أبناءَهُ باستمرارٍ ويُغدقُ عليهم مِن خيراتِهِ ، مع هذا فإنَّهُ لا يُعرفُ عن سُكّانهِ الأصليين والوافدين ، أنّهم دافعوا عنهُ في كلِّ تاريخِهم ، مرّةً .
في أحدِ الأيامِ تصلُ الحيَّ عائلةٌ كريمةٌ مِن بلدةٍ مُتَخَيّلةٍ أُخرى تُسمى " تُفاحةَ الرِّيح" وسببُ هجرتِها هو تَعرُّضُ تلك البلدةِ إلى كارثةٍ ، حصلتْ مِن حالةٍ طبيعيةٍ غريبةٍ تماماً، حالة تعودُ إلى توقُّفِ الهواءِ في سَماء البلدةِ وانقطاعِهِ . يتعرّفُ طارقُ الشاهين على ابنةِ العائلةِ خولة الياسين .. يرتبطُ وإياها بعلاقةِ حبٍّ عاصفةٍ، تُتَوجُ بالزواجِ . بعدئذٍ يتعرّضُ الحيُّ للقرصنةِ على يدِ مجموعةٍ مِن اللصوصِ الذين يعبثون بمقدراتِ الحيِّ بكاملهِ:
"مَن يُخلّص سفينتَنا المُختطفةَ مِن يدِ القُرصان؟
مَن ينقذُنا مِن الغرقِ؟
مَن يا أهلَ أرضِ الكمأة يُضئُ الليلَ؟ "
يضطرُ طارقُ الشاهين وخولةُ الياسين إلى الهربِ مِن الحيِّ ، وينتهي بهما المطافُ، كلاجئين، في ألمانيا، في مدينةٍ تُسمى "زلتسا". وبعد مدةٍ تطلبُ خولةُ الياسين مِن طارق الشاهين الإنفصالَ .. أنْ يمنَحَها حريتَها فيفعل، رغمَ حبّهِ العظيمِ لها، ومع هجرانِها له إلا أنّها تظلُّ تزورُهُ كلّما تهبُّ عليها أنفاسُ اللوعةِ . هذه بإيجازٍ خلاصةُ الحكايةِ التي كُتبتْ على شكلِ قصائدَ شعريةٍ متتابعةٍ ومتدفقةٍ . مع ملاحظةِ أنَّ اختيارَ المدينةِ الألمانية " زلتسا " ليس عبثاً فهذهِ المدينةُ جرتْ على أرضِها حربُ الثلاثين عاماً مِن 1618 ـ 1648 م وسُميت أحياناً بالحرب السلزية على اسم المدينة .
قِفْ على قمةِ جبلٍ
واحملْ على كفّيكَ حَجَرين
انشرْ في المدى يديكَ
ثم انتظرْ بُرهةً
فعلى هامِها ستحطُّ بكلِ الحنانِ نسورُ
هذا ما فعلتُهُ تماماً في مُصادفةٍ أخرى في ضاحيةٍ من ضواحي برلين اسمها شارلوتن بورك .. في شهر شباط / فبراير 2005 حيثُ أدلقتُ جائشتي على الورقِ .. كنتُ أتسابقُ مع الأفكارِ وكأنني سأموتُ غداً . روايةٌ اختمرت أحداثُها في ذاكرتي منذُ سنواتٍ طويلةٍ .. منذُ أنْ كنتُ أمارسُ فعلاً ثورياً رومانسياً في أعلى تلك القممِ الجبليةِ الكائنةِ على الخطوطِ الحمراء بين البلدانِ . " هوركي أرض آشور " القلعةُ التي عندما أقبلتُ نحوَها فتحتْ أبوابَها للفرسانِ الذين أقبلوا لمقاتلتي وبعد استبسالٍ في القتالِ استطعتُ دخولَها . الروايةُ / المحنةُ ، حيثُ اليوتوبيا الحقيقيةُ / اللامكان .. اللازمان . سقطتْ أمامي جميعُ التنظيراتِ . أين المكانُ لكي أكتبَ ؟ لا مكان . أين الزمانُ ؟ لا زمان . قمةُ جبلٍ حاضرةٌ وأخرى واقعٌ مُتَخَيّلٌ.
لماذا هوركي ؟
هوركي قريةٌ آشوريةٌ تقعُ في وادٍ ضيّقٍ نسبياً إلى جوارِ جلك نصارى فيها أطلالٌ لكنيسةٍ قديمةٍ اسمها " مار قرداغ " هَجَرَ أهلُها القريةَ في العام 1928م بعد أنْ قُتلَ شابٌّ كان يرعى الغنمَ اسمهُ " توما هرمز خمو " وقعت الحادثةُ في غروبِ يومٍ لم يتذكّرْهُ أحدٌ ومِن حينِها هاجرت القريةُ المتكوّنةُ مِن عشرِ عائلاتٍ أو أكثر قليلاً إلى جلك نصارى والقرى القريبةِ الأخرى . كما يدعي الآشوريون وكما يروي ويكتبُ بعضُهم ـ ساقتْنا الأقدارُ إلى قمةِ جبلِ هوركي . أرضٌ خلاءٌ .. لا مكان . جعلتُ الراوي يتحدثُ مع جنينٍ في بطنِ أُمهِ فيما قواتُ الأتراكِ الجندرمة تتقدّمُ نحو القمةِ وفي نفسِ الوقتِ يفرُّ هاني بن رواحة إلى أعلى قمةٍ في جبلِ قنديل هرباً مِن المذبحةِ التي نُفِّذت بحقِّ الأنصارِ الشيوعيين في الأولِ مِن أيار عام 1983 والتي سُميت فيما بعد بــ " مجزرة بشتاشان " . المسافةُ بين القمتين تستغرقُ زمناً .. عشرة أيامٍ مِن الزمانِ ـ ربما زادتْ أو نقصتْ قليلاً ـ سيراً على الأقدامِ. الروايةُ اعتمدت على المُقابلةِ : "النصّ" الذي يرويهِ سهيلُ بن حبيب الأنصاري للجنين عن هاني بن رواحة وهو في أعلى قمةِ جبل هوركي و" الصدى" الذي يرويه هاني بن رواحة عن سهيل الأنصاري ، حيثُ الحديثُ حديثُ نفسٍ مرةً ومع شبحِ أروى التي فُقدت في ليلةِ زفافِها على هاني بن رواحة وضاعَ أثرُها مرّةً أُخرى وهو في أعلى قمةٍ مِن جبلِ قنديل اسمها " عين الحمام ". الرواية قُسّمت إلى تسعةِ فصولٍ : خمسةٌ للنصِّ يرويها سهيل الأنصاري وأربعةٌ للصدى يرويها هاني بن رواحة. عموماً فأعمالي الروائية لم تُوزّعْ مِن قِبلِ الناشرِ ومِن قِبلي أيضاً كما يجب ولم تُقرأْ كما يجبُ ، وكأنها ما وِجِدتْ. صدرتِ الروايةُ في العام 2008 م عن دار كنعان في دمشق .
وكان عليَّ أنْ أعملَ على الميثولوجيا .. أنْ أمزجَ الوقائعَ التاريخيةَ ـ رغم عدمِ قناعتي ببعضِ التاريخِ المكتوبِ والمُتناقلِ شفاهاً ـ وأصبَّ فوقَها زيتَ الأساطير . وكانَ عليَّ أنْ أكونَ شاهداً على الأحداثِ الجِسامِ التي مرّت بها البلادُ . سجّلتُ جميعَ الوقائعَ الحربيةِ مِن خلالِ يومياتٍ تضمنتْ المُشاهدةَ والمُتابعةَ لدقائقِ الأمورِ .. أعدتُ قراءةَ تأريخِ العراقِ مراراً وتأريخِ المحيطِ الإقليمي وأعطيتُ نفسي وقتاً آخر لكي تستقرَّ بي الحال فلربما تغيّرتْ بعضُ وجهاتِ نظري أو اهتزَ شيءٌ مِن قناعاتي . في السادسِ مِن حزيران / يونيو مِن العامِ 2003 كان قد طُلبَ مني أنْ ألقيَ مُحاضرةً في الجامعةِ التكنولوجياTU في برلين عن احتلالِ العراقِ . فقدمتُ المُحاضرةَ بعنوان " مطرٌ أسودُ في بلادِ ما بين النهرين " كانت ـ كما وِصِفتْ مِن قِبلِ البعضِ ـ قصيدةً تاريخيةً فجعلتُها فيما بعد أساساً لعملٍ روائيٍّ أسميتُه " قيثارة مَدْيَن " . صدرتِ الروايةُ عن دارِ كنعان في دمشق في العامِ 2009 م . كان على حمدان الخصيبي أنْ يستغرقَ في التفاصيلِ أكثرَ مما ينبغي وكان على السردِ أنْ يُمنحَ طاقتَهُ القصوى لكن الخوفَ مِن ترهُّلِ اللغةِ جعلَ التقشفَ مُتسيداً .
الواقعُ المُتخيّلُ تجلّى بصورةٍ أخرى في " قبيلةِ الوهم " لم تكُن في تقديري روايةَ سيرةٍ مُتَخَيّلةً إنما مقطعٌ جزئيٌّ مِن صورةِ الكاتبِ يظهرُ أحياناً في بعضِ أعمالهِ بدونِ إرادتِهِ ففضاءُ الروايةِ شاسعٌ جداً وخيامُ الصغير مع الزرقاء كانا في بِركةِ ماء في شتاءٍ يبدو قاسياً تحت ندفِ الثلجِ ونوارسُ بِيضٌ تحيطُ بالبركةِ . تقاسمتِ الروايةَ تسعُ دهشاتٍ يرويها ابتداءً مالك بن كثير الشيباني .. الأولى دهشةُ الروحِ والتاسعة دهشةُ الراوي . فالراوي يُلازمُ شخصيةَ خيام بن الربيع ويروي عنهُ وعن لسانِهِ كما يروي خيامُ لزرقاء عن لسانِ متمم بن سويد الحارثي فينتقلُ الرويُّ على لسانِ مالك وهكذا تتداخلُ الأصواتُ وتتعددُ مستوياتُ الخطابِ الروائيِّ لنجدَ أنفسَنا أمام دفقاتٍ شعريةٍ تستبدُّ بالسردِ وتمضي بهِ إلى الخاتمةِ .


19 ـ 9 ـ 2013 برلين

***

المراجع المُعتَمدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ كتاب السردية العربية / بحث في البنيةِ السردية للموروث الحكائي العربي / الدكتور عبدالله ابراهيم .
2 ـ الرواية الشعرية واشكالية التجنيس / دراسة للدكتورة بشرى البستاني .
3 ـ كتاب المصطلح النقدي / الدكتور عبدالسلام المسدي .
4 ـ ادغار آلان بو : القصيدة الطويلة كذبة كبيرة / النص الابداعي يرتقي بالحياة اليومية / مقال رضوان السائح .
5 . مجلة نزوى ـ شعرية اللغة وتجلياتها في الرواية العربية ـ دور اللغة في تشكيل حداثة الرواية / مقال مفيد نجم .
6 ـ مفهوم التناص ـ المصطلح والاشكالية / مليكة فريحي ـ الجزائر
7 ـ البنيوية ـ الموسوعة الحرة / ويكبيديا
8 ـ مدخل نظري الى قراءة الحكاية الشعبية / د . معجب العدواني
9 ـ روايات الكاتب صبري هاشم :/ الخلاسيون ، حديث الكمأة ، هوركي أرض آشور ، قيثارة مدين ، قبيلة الوهم .
10 ـ الكلام والخبر / مقدمة السرد العربي / كتاب سعيد يقطين



#صبري_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قمّة النسور
- كُنّا عَلى وَشَكِ اللقَاء
- هوركي
- الملكةُ بكلِّ أُبهتها
- سلّةُ الحكايا
- عشقٌ اُسطوريٌّ
- الفراشة والجياد
- لا تغلقْ بوجهِ الريحِ باباً 2
- ساحة الشعراء
- لا تغلقْ بوجهِ الريحِ باباً 1
- مِن المتن إلى الهامش
- ابن الرمال
- لا تَرْمِي كلَّ الأقمارِ
- مِن أجلِها لا تنمْ أيها الليل
- هذا الشاعر العظيم
- الضابط الصغير
- ذاكرة للمسافة
- امرأة الكوثر
- أنتِ مَن يقود البحر
- غيمةٌ في شرفة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري هاشم - شهادة روائية السردية في الرواية الشعرية