أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - امجد ابراهيم - اوهام الامبريالية في السيطرة على الفوضى















المزيد.....



اوهام الامبريالية في السيطرة على الفوضى


امجد ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 4386 - 2014 / 3 / 7 - 21:31
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


اعتقد ان هذه المحاضرة القيمة تستحق القراءة المتأنية لما تحمله من جهد فكري... وهذه الترجمة ( وأرجو ان اكون قد وفقت فيها ) ليس لها هدف سوى دعم وتنشيط الجدل القائم في وسطنا اليساري الناطق بالعربية حول ازمة النظام الرأسمالي الراهنة ومآلاتها...
جورج بيانستين
1 - 2
يعتقد الناس ان الحلول تأتي من قدرتهم على الدراسة بطريقة راشدة للواقع المراد ادراكه. في الواقع ان العالم لا يسير بهذه الطريقة. فنحن اليوم امبراطورية كبيرة وحينما نتصرف ، فأننا نخلق بذلك واقعنا الخاص. فبينما انتم في طور دراسة هذا الواقع ، يصدر عنا تصرف جديد وهذا يعني خلق واقع جديد يتوجب عليكم دراسته ايضا. نحن من يصنع التاريخ. وليس لكم ،انتم جميعا، شيء سوى دراسة ما يصدر عنا من افعال. (كارل روف ، مستشار جورج بوش، صيف 2002).
بعض المفاهيم مثل الكنزية العسكرية او اقتصاد الحرب الدائمة تمثل خير مقاربة لفهم مرحلة الازدهار طويلة الامد التي عرفتها الامبريالية الامريكية : فمنذ انطلاقها قبل 70 عاما وصولا الى ذروتها وبدء انحدارها الحالي كانت نتيجة لسيرورة عسكرية بدأنا نشهد انحطاطها الان.
وضع مايكل كيلكي في عام 1942 مبادئ القواعد لما سوف يعرف بالكنزية العسكرية ، مستلهما التجربة الالمانية في عسكرة الاقتصاد ابان المرحلة النازية. وقد لاحظ المؤلف ان البرجوازية الاوربية والأمريكية كانتا تقاومان اية ضغوط تدفع باتجاه التشغيل الكامل في القطاع المدني ولكنها تُظهر تجاوبا تاما وداعما لهذا الاتجاه (اي التشغيل الكامل) حينما يصب في مجال الانشطة العسكرية. وقبل هذا، كان كيلكي قد وضع توصيفا محددا، إبان الحرب الباردة، لما اعتبره " مثلثا لهيمنة" الرأسمالية الامريكية، حيث يرتبط الازدهار الداخلي مع عسكرة الاقتصاد ، ويقوم على مثلث يوفق ما بين المصروفات العسكرية والتلاعب بالرأي العام اعلاميا مع مستوى عال من التشغيل.
هذه الفكرة كان قد تشاطرها من بين اخرين،كل من هاري مكدوف وبول باران وبول سويزي، والتي تقوم على النجاحات في مدياتها الاستراتيجية القصيرة والمتوسطة الأجل لما عرف " باقتصاد المدفع والزبدة" ، حيث اسهمت في تعزيز اللحمة الاجتماعية الداخلية في الولايات المتحدة وأمنت لها في نفس الوقت حضورا عسكريا على الصعيد العالمي ، ولكنها من جهة اخرى ارست اسسا لانحطاطها الذي لا يمكن تلافيه على المدى البعيد.
لقد شخص كل من سويزي وباران في اواسط عقد التسعينات، بان هناك افاقا محدودة جدا لإعادة انتاج نظام الكنزية العسكرية، وهذه ناتجة عن الفاعلية المحضة للتكنلوجيا، ضمن معيار يكون فيه نمو هذه التكنولوجيا المعقدة لصناعة الاسلحة ،عاملا رئيسا في ارتفاع انتاجية العمل. حيث تسهم بدورها في نفي الجوانب الايجابية للإنتاج الكبير على صعيد التشغيل، وفي نهاية المطاف فان الصناعات العسكرية الباهظة التكلفة ستكون مخرجاتها صفرا ان لم تكن سالبة على صعيد التشغيل العام. هذا ما اصبح حقيقة واقعة منذ عام 1990 حينما بدأت مرحلة جديدة من الانفاق العسكري المتزايد والذي ما زال مستمرا الى الان ، واضعا بذلك نهاية لعصر الكنزية العسكرية.
اما اليوم، فان تطور الصناعة العسكرية وكذلك القطاعات الملحقة بها في الولايات المتحدة ، هو الذي يقود الى زيادة الانفاق العام ؛ ونتيجة لنقص الايرادات الضريبية ، فقد اسهمت في ارتفاع الدين العام دون ان يكون لها اي مُدخل ايجابي على صعيد التشغيل. في الحقيقة، ان تكلفة هذه الصناعة من الناحية المالية مع اتمتتها العالية كانت عاملا حاسما في الابقاء على مستويات عالية من البطالة مع نمو اقتصادي ضعيف او سلبي ، وأصبحت ( اي الصناعة العسكرية) بذلك محفزا ومسرعا ومعمقا لازمة الامبراطورية الامريكية.
من جهة اخرى، فان النصوص الاولى لما سمي ب "اقتصاد الحرب الدائمة " والتي يرجع ظهورها الى بداية العقد الرابع من القرن الماضي في الولايات المتحدة؛ كانت تمثل وجهة نظر تبسيطية قللت من شأن الايقاعات الداخلية لحركة هذا الاقتصاد ، اضافة الى تقزيم الجانب التاريخي لسيرورته. اما اليوم فإننا لا نستطيع ان نفهم مسار تطور عسكرة الاقتصاد من دون الاخذ بنظر الاعتبار هذين العاملين.
في عام 1944 تمكن والتر اوكس من تحديد دخول الرأسمالية الى مرحلة جديدة حيث يحتل الانفاق العسكري موقعا مركزيا في الاقتصاد. وهذه المرحلة لم تكن نتاجا للحرب العالمية الثانية التي ما تزال رحاها دائرة ، بل انها نتيجة لتحول نوعي في النظام نفسه ، حيث ان الانتاج العام المعروض خلال قرن من الزمن انتهى الى تعظيم كتلة رأسمال فائض لم يجد له مكانا او منفذا الى الاقتصاد المدني المُنتِج للبضائع والخدمات الموجهة الى الاستهلاك المباشر او الداخل في الدورة الانتاجية.
ان تجربة الثلاثينات ، كما اشار اوكس الى ذلك ، اظهرت بان لا السندات العامة (للخطة الجديدة ) التي وضعها روزفلت لإنقاذ الاقتصاد ، ولا خطة بناء شبكة الطرق في المانيا النازية ، استطاعتا ان تنقذا الاقتصاد والعمل بشكل مميز؛ لكن يعود الفضل فقط في الوصول الى الاهداف المرسومة ( انقاذ الاقتصاد والعمل ) الى تطبيق خطة اقتصاد الحرب في المانيا اولا ومن ثم في الولايات المتحدة منذ عام 1940. اما النتائج التي تمخضت عنها خطة عسكرة الاقتصاد في الحالة الالمانية فقد انتهت الى هزيمة كارثية كما هو معلوم، في حين ان انتصار الولايات المتحدة في الحرب لم يفضي الى الحد من النظام القائم على عسكرة الصناعات بل على العكس ادى الى زيادة توسيعه وانتشاره.
كان لتقليل الجهد المتعلق بالحرب اثره الواضح على الاقتصاد الامريكي ، فقد بدأت مظاهر الفتور والركود الاقتصادي تلوح في الافق ؛ لكن ابتداء مرحلة الحرب الباردة والحرب الكورية عام 1950 اسهمت كليهما في ابعاد هذا المنظور المظلم وانفتحت الافاق على فصل جديد من الانفاق العسكري. فقد اشار سومر سلاتر الاستاذ الشهير في جامعة هارفارد عهد ذاك، في اكتوبر من عام 1949 الى " ان ازدياد الطلب على البضائع يسهم في دعم مستويات عالية من العمالة ، ويسرع التطور التكنولوجي، وكلها اشياء من شأنها تحسين مستوى الحياة في بلدنا. وبالنتيجة علينا ان نشكر روسيا ايضا لمساهمتها ( في اشارة الى الحرب الباردة) في جعل عجلة النظام الرأسمالي تدور بشكل افضل من اي وقت مضى في الولايات المتحدة ". في عام 1954 جاء التوكيد التالي في المجلة الامريكية للأخبار والتقارير العالمية :" ماذا تمثل القنبلة الهايدروجينية بالنسبة للسوق التجارية ؟ انها تمثل مرحلة طويلة الامد من زيادة المبيعات خلال السنوات القادمة. وعليه يمكننا ان نستخلص الاتي : لقد القت القنبلة الهيدروجينية بالركود الاقتصادي خارجا ".
من جهته فان ت.ن. فانس، وهو احد اهم منظري " اقتصاد الحرب الدائمة " كان قد لاحظ في الخمسينات من القرن الماضي، ان الولايات المتحدة التي دخلت في حروب متتالية قد وسمت بميسمها ،منذ الحرب الكورية، طبيعة التوجهات اللاحقة للمجتمع ، ولم يبقى امامه ( المجتمع ) شيئا سوى انتظار حروب جديدة.
اما والتر اوكس فقد وضع تشخيصين في نصه التأسيسي لهذه النظرية حيث يذهب الى القول : اولا ، بانعدام امكانية تلافي حدوث حرب عالمية ثالثة في عقد الستينات (حسب توقعه) وثانيا ، ان حالة الافقار التي تعاني منها الطبقة العاملة الامريكية منذ نهاية الاربعينات، كان مصدرها ديناميكية تمركز الموارد المتجهة الى مجمع الصناعات العسكرية.
نستطيع القول ان هذا التشخيص يعتبر لاغيا.
حيث ان الحرب العالمية الثالثة لم تقع على الرغم من الضغوط العسكرية الشديدة التي خلقتها الحرب الباردة خلال الاربعينات وما صاحبها من حروب محلية ( كوريا، فيتنام) وسلسلة اخرى من التدخلات المباشرة وغير المباشرة لهذه للإمبراطورية. اما بخصوص الحرب الباردة فقد آلت الى الانتهاء إثر مرحلة قصيرة من التحولات في عقد التسعينات، لكن حرب هذه الامبراطورية استمرت ضد " اعداء" جدد ، حيث سوغت استخدامها لأغراض ("حروب انسانية "، " حرب عالمية ضد الارهاب "...الخ) كما انها اتخذت اشكال اخرى كما هو الامر في العروض المقدمة على هيئة خدمات عسكرية ، كانت تخترعها وتقدمها " الماكنة العسكرية" والقطاعات المتعلقة بها خدمة لمتطلباتها الخاصة.
اما بخصوص افقار الطبقات الادنى في الولايات المتحدة فلم يشهد تسارعا هو الاخر بفضل اعادة التوزيع الموارد على المنهج الكنزي الذي استمر الى عقد السبعينات من القرن الماضي ، بل على العكس فان مستوى حياة العمال والطبقات الوسطى قد تحسن بشكل ملحوظ. وهكذا فان آلية التقاطع الايجابي بين عسكرة الاقتصاد وازدياد الرفاه العام كانت تعمل بشكل جيد.
هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في تحقيق ذلك، من ضمنها الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية وذلك بفضل تدخلها (الولايات المتحدة) عالميا مدعومة بقوتها العسكرية باعتبارها قوة عظمى، وأيضا من خلال اعادة بناء القوى الرأسمالية التي اصابها ضررا بالغا اثناء الحرب العالمية الثانية ( اليابان وأوربا الغربية) والتي وجدت نفسها مرتبطة بقوة مع الولايات المتحدة في هذه المرحلة الجديدة ، كما لا ننسى ، على الصعيد الداخلي ، التأثير الهائل للإنفاق العسكري على كل من الاستهلاك وسوق العمل وتحديث التكنولوجيا.
لقد قلل اوكس من شأن بعض هذه العوامل، التي سبق وان اشار اليها كل من سويزي وباران منتصف الستينات. غير ان وصول رونالد ريغان الى البيت الابيض مثل انقطاعا لذلك المنهج { من المؤكد ان اعراض المرض بدأت تظهر على النظام منذ بداية السبعينات } وبداية جديدة لعملية تمركز كبيرة للموارد حيث تسارعت بدرجات عظيمة خلال الاعوام اللاحقة.
كان الواحد بالمائة (1% ) من الاكثر غنى في الولايات المتحدة ، خلال العقود 1950-1980، يستحوذون على ما يقرب من العشرة بالمائة (10%) من الناتج الوطني {في بعض الاحيان كان اقل من 1% بين 1968 و 1978} ولكن منذ بداية عقد الثمانينات ارتفعت هذه النسبة لتصل في عام 1990 الى 15% وقد اقتربت من 25% عام 2009.
من جهة اخرى فان العشرة بالمائة (10%) من الاكثر غنى كانوا يستحوذون على ما يقرب من 33% من الناتج الوطني في خمسينات القرن الماضي، واستمروا يستحوذون على ما هو ادنى قليلا من 35% الى نهاية السبعينات، ولكن في التسعينات كانوا قد وصلوا الى 40% وفي عام 2007 ووصلت النسبة الى 50%.
كان متوسط اجر ساعة العمل الخام ( من دون استقطاعات) في حالة تصاعد منذ الاربعينات وصولا الى عقد السبعينات حيث بدأ بالانخفاض. وبعد مضي ربع قرن من الزمن وصل الانخفاض الى ما يقرب من 20%. ولكن منذ بداية الازمة الحالية 2007-2008 التي صاحبها تصاعد في وتائر البطالة ، شهدنا تمركزا متسارعا ( للأرباح) مع انخفاض حاد في الأجور حتى ان بعض الكتاب استخدم مصطلح " انهيار الاجور ".
ان مؤشر ارتفاع عدد المتقدمين للحصول على بطاقات غذائية مجانية يعكس حجم التدهور الاجتماعي. فقد كان عدد هؤلاء الناس المسحوقين ثلاثة ملاين شخص عام 1980 ( في اوج الرفاة الكنزي) وقد ارتفع هذا الرقم ليصل الى 21 مليون انسان عام 1990 ثم وصل الى 25 مليون عام 1995 ليصل اخيرا الى 47 مليون عام2012.
في هذه الاثناء شهد الانفاق العسكري ارتفاعا مستمرا تحت ضغط موجات من الحروب المتتالية ، بما فيها الحرب الباردة (1946-1991) والجزء الثاني من " الحرب على الارهاب " وكذلك " الحروب الانسانية " منذ نهاية عقد التسعينات الى الان ( الحرب الكورية، الحرب الفيتنامية، " حرب النجوم" الريغانية، حرب كوسوفو، الحرب في العراق وفي افغانستان،...الخ).
نستطيع تقسيم مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الامريكية الى مرحلتين متباينتين بشكل دقيق فيما يخص العلاقة القائمة بين الانفاق العام والنمو الاقتصادي ( بما فيه سوق العمل).
الاولى تبتدئ من منتصف الاربعينات الى نهاية عقد الستينات. في هذه المرحلة كان الانفاق العام يمثل رافعة للنمو الاقتصادي ويحافظ على مستويات عالية من النمو طيلة الاعوام الذهبية لمنهج " الكنزية العسكرية ".
تبع ذلك مرحلة استمرت فيها مؤشرات الانفاق العام بالميل نحو الارتفاع فيما كانت مؤشرات النمو الاقتصادي تميل نحو الانخفاض مشيرة بذلك الى نهاية المرحلة الكنزية : حيث بدأ الاثر الايجابي لمضاعفة الانفاق يفقد اثره شيئا فشيئا وصولا الى مأزقه الحقيقي من دون وجود حلول واضحة المعالم؛ وان كانت السنوات الاخيرة قد اظهرت نوعا من نمو اقتصادي لكنه بقي شديد الضعف. ففي الوقت الذي يكون فيه اي تقليل في الانفاق عاملا مؤثرا في تشديد الركود فان اي زيادة ممكنة في الانفاق ( وهو امر بات ضعيف التحقق) سوف لا تسهم في تحسين الموقف بشكل لافت.
وهكذا ، فمثلما خلقت " النجاحات " التاريخية للرأسمالية الليبرالية في القرن التاسع عشر شروط ازمتها ، فان الكنزية التي تجاوزت تلك الازمة ولدت هي الاخرى عوامل تفسخها اللاحق.
ان مسيرة نجاحات الرأسمالية الليبرالية انتهت الى ازمة فائض انتاج عظيمة وتركز هائل في الرأسمال ، فجر تنافسا حادا بين الامبرياليين ، واشتدادا في ظاهرة العسكرة التي تفجرت على هيئة حرب عالمية (1914-1918). كان " الحل " حينها ، يقوم على تضخيم الدولة وبشكل خاص في بناها العسكرية ، وكانت المانيا واليابان رائدتين في هذا المجال.
استمر الانتقال القلق والمليء بالاضطرابات من النظام القديم الى النظام الجديد ما يقرب من ثلاث عقود (1914-1945). في هذه المرحلة ظهرت الولايات المتحدة كقوة رأسمالية عظمى وحيدة ادمجت استراتيجيا ضمن فضاء سيطرتها بقية القوى الاقتصادية الكبرى للنظام الرأسمالي العالمي؛ وقد ظهرت " الكنزية العسكرية الاميركية " كوسيلة تقبع في مركز الهيمنة الامريكية وسط العالم الرأسمالي. لقد لاحظ فانس ( ان الولايات المتحدة الامريكية والرأسمالية العالمية دخلتا في مرحلة جديدة من اقتصاد الحرب الدائمة منذ بداية الحرب العالمية الثانية )، وهكذا فإننا نستطيع القول ان النظام الجديد قد ثبت اركان انتصاره ، آخذين بنظر الاعتبار مرحلة اعداد معقدة امتدت على مدار عقد من الزمان (1910-1920).
كانت اولى تجارب " الكنزية العسكرية " قد وسمته النازية بميسمها ، حيث آلت نجاحاتها الى كارثة حقيقية. اما لحمة وسدى هذه الايديولوجية والتي وصلت الى اقصى مدياتها الهذيانية بالحديث عن تفوق الغرب المطلق ، فقد استمرت بتقديم افكارٍ شديدة التطرف للامبرياليين الغربيين ، كما هو الحال مع صقور جورج بوش او الصهاينة من النازيين الجدد للقرن الحادي والعشرين. ومن جهة اخرى، فهناك دراسات جادة للظاهرة النازية وضعت لاكتشاف ليس فقط جذورها الاوربية (الفاشية الايطالية، القومية الفرنسية...الخ) ولكن ايضا لاكتشاف جذورها في الولايات المتحدة الامريكية. ولم يكن ليظهر الاقتصاد المُتَعَسكِر ( الذي يخدم الاهداف العسكرية ) في الولايات المتحدة بمظهر " مدني " و " ديمقراطي " والذي يخفي اصوله الحربية، لولا الانتصار في الحرب العالمية.
ان انحطاط الكنزية العسكرية يمكن ان يجد تفسيره من خلال تضخمها واندماجها في وسط امبريالي طفيلي واسع حيث تلعب الدسائس المالية دورا مقررا. ففي المرحلة الاولى اخذت الماكنة العسكرية–الصناعية وملحقاتها سعتها القصوى، عبر توجيه الإنفاق العام لخدمة الاستثمار المباشر او غير المباشر، في التحولات التكنولوجية التي زادت من ديناميكية القطاع الخاص من اجل لضمان متطلبات التجارة الخارجية للإمبراطورية ..الخ. ولكن مع مرور الوقت، وزيادة ألازدهار فقد تشجعت كما شجعتها الكثير من المنظمات الاجتماعية التي تعتاش بشكل طفيلي على حساب بقية العالم، لكي تأخذ، بمرور الوقت، ثقلا وحجما متعاظما على الصعيد الداخلي.
علاوة على ذلك، فان النمو الاقتصادي المستمر سبب حالة اشباع متزايد في الاسواق الداخلية ، وتراكما متزايدا في الرأسمال وتمركزا في المؤسسات الاقتصادية وكذلك في الموارد. وعليه فقد اتجهت الرأسمالية الامريكية والعالمية، في نهاية الستينات، نحو ازمة فائض انتاج تسببت في اولى الاختلالات الكبرى التي تبدت على هيئة ازمات مالية (ازمة الجنيه الاسترليني ، وانتهاء التعامل بقاعدة الذهب عام 1971) ومن ثم ازمات الطاقة ( ازمات النفط في الاعوام 1973-1974 و1979) وقد تساوقت تلك الأزمات وان بشكل منفصل، مع حالات من التضخم والركود الاقتصادي( " الركود التضخمي ").
وعقب ذلك ، وخلال السنوات العشر اللاحقة لم يجري تجاوز الازمة بل جرى تحجيمها والحد من تصاعدها عبر استغلال مفرط للعالم واستثمارات مالية وإنفاق عسكري متعاظم...الخ. كل هذا لم يسهم في ارجاع الحيوية الى الاقتصاد بعد انتهاء الحرب ، لكنه تمكن من اعاقة الانهيار الكامل وخفف الى حد ما من حدة امراضها... لكنه ، من جهة اخرى ، سيساهم في مفاقمة الازمات على المدى البعيد.
اتخذ النمو الاقتصادي الامريكي منحى غير منتظم في انحداره، وبالنتيجة فان الانفاق المتنامي لم يكن مثمراً ، كما ان العوائد الضريبية اصبحت غير قادرة على تغطية هذا الانفاق. يضاف لهذا العجز الضريبي، عجز دائم في الميزان التجاري الخارجي بسبب فقدان صناعاتها القدرة على المنافسة عالميا.
اصبحت هذه الامبراطورية عبارة عن طفيلي هائل الحجم يعتاش على العالم عبر مراكمة الديون العامة والخاصة وقد دخل بذلك في حلقة مفرغة سبق وان عرفتها الامبراطوريات البائدة. ان حجم التطفل المتزايد يحطم الطفيلي بحيث يجعله معتمدا اكثر فأكثر على بقية العالم، ويفاقم حالات تدخله عالميا ويزيد من عدوانيته العسكرية.
ان العالم اكبر من ان تغطيه موارد هذه الامبراطورية المتاحة فعليا (ماليا وعسكريا...الخ) وبما ان الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الامبراطورية، كإمبراطورية ، يأتي عبر تحقيق هدف السيطرة على العالم، لذلك فهو هدف مستحيل التحقيق. ان النفقات العسكرية المتزايدة وتفاقم حالة التطفل وتنامي العجوزات المالية عموما وتعمق الركود الاقتصادي وتفتت النسيج الاجتماعي.... والذي يصفه بول كندي " بالتوسع الامبراطوري المفرط " هو هدف حاسم حددته الحاجات الامبريالية وهو فخ تاريخي في نفس اللحظة يصعب الخروج منه.

وهم سيطرة الامبريالية على الفوضى
( 2-2)

يبدو ان هناك ابخاس في تقدير حجم النفقات العسكرية الامريكية من قبل الدوائر الاحصائية الرسمية. فقد قدرت نفقات وزارة الدفاع لعام 2012 بحوالي 700.000 مليون دولار (سبع مئة مليار). اما اذا اضفنا اليها الموازنات الاخرى التي تتكامل معها ( جزء من موازنة وزارة الخارجية ، المساعدات الامريكية ، وزارة الطاقة ، وكالة المخابرات المركزية ، والمؤسسات الامنية الاخرى ...الخ) فسوف يصل الرقم الى 1.3 ترليون دولار ، حيث يمثل هذا الرقم ما معدله 9% من الناتج المحلي الاجمالي ، وما يعادل 50% من قيمة الايرادات الضريبية التخمينية ، ويمثل 100% كعجز مالي. وهذه النفقات تمثل ما يعادل 60% من كامل النفقات العسكرية عالميا. اما اذا اضفنا الانفاق العسكري لبلدان حلف الناتو وبعض البلدان المرتبطة بها خارج هذا الحلف مثل العربية السعودية ، وإسرائيل او استراليا ، فإننا نصل الى ما يعادل 75% من كامل الانفاق العالمي على اقل تقدير.
شهدت النفقات العسكرية الامريكية تأرجحا ذو منحى تصاعدي ، ابتداءً من الطفرة الكبرى ، حينما انفجرت الحرب العالمية الثانية ، وصولا الى الهدوء النسبي ما بعد الحرب ، وقد مرت في اربعة مراحل من الحروب وأشباه حروب : الحرب الكورية في الخمسينات ، حرب فيتنام في الستينات وصولا الى منتصف السبعينات ، " حرب النجوم " في عهد ريغان في الثمانينات وحروب ما بعد الحرب الباردة مثل " الحروب الانسانية " و "الحروب ضد الارهاب ".
تعتبر الكنزية العسكرية من مخلفات الماضي إلا ان فكرة الحرب الخارجية والازدهار الداخلي المترابطتان ما زالت مسيطرة على خيال قطاع واسع في الولايات المتحدة. انها جزء من مخلفات ايديولوجية ليس لها اساس واقعي في الوقت الحاضر ، إلا انها نافعة لإضفاء طابعا شرعيا على المغامرات العسكرية.
كشف الرئيس الارجنتيني نيسترو كيرشنر في مقابلة مع المخرج اوليفر ستون الذي اخرج الفلم الوثائقي " جنوب الحدود " عن ان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش كان مقتنعا تماما بفكرة كون الحرب طريقا لتنمية الاقتصاد الامريكي. علما ان اللقاء بين الرئيسين حصل اثناء قمة مونتيري في المكسيك في كانون الثاني عام 2004 ، حيث يقول الرئيس الارجنتيني بالنص : " قلت من اجل حل المشاكل الحالية علينا بخطة مارشال ، قلت هذا لبوش. وقد بان عليه الغضب ثم قال ان خطة ماريشال غير معقولة بالنسبة للديمقراطيين وان افضل طريقة لإعادة الحيوية الى الاقتصاد ، هي الحرب. ان الولايات المتحدة اصبحت اقوى من خلال الحرب ".
في الاونة الاخيرة كتب بيتر شيف رئيس شركة الاستشارات المالية " ايرو باسيفيك كابيتال" مقالا هذيانيا لاقى انتشارا واسعا لدى الناشرين المختصين وكان تحت عنوان لافت " لماذا لا نذهب الى حرب عالمية اخرى؟". وقد بدأ مقاله بالتذكير بان الاقتصاديين متفقون على ان الحرب العالمية الثانية سمحت للولايات المتحدة بالخروج من الازمة الاقتصادية الكبرى وان حروب العراق وأفغانستان لم يكن في استطاعتها اعادة الحيوية على المدى الطويل للاقتصاد الامريكي ذلك لان ( " هذه الحروب كانت اصغر من ان تكون ذات اثر اقتصادي فعال ").
دعونا نركز الان على تحليل العلاقة بين الانفاق العسكري والناتج المحلي الاجمالي والعمل ، حيث نجد ما يلي :
-ارتفعت النفقات العسكرية من مبلغ 2.800 مليار دولار عام 1940 الى 91 مليار دولار عام 1944
-وهذه ادت الى ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي من 101 مليار دولار في عام 1940 الى 214 مليار دولار (اي ان الناتج المحلي الاجمالي قد تضاعف خلال 4 سنوات فقط)
-كان معدل البطالة يتراوح بين 8% الى 9% بين عامي 1939-1940، في حين شهد انخفاضا هائلا لكي يصل الى 0.7% فقط
حصلت القفزة الاولى المهمة في النفقات العسكرية في عامي 1940 و 1941 حينما ارتفعت من 2.800 مليار دولار الى 12.700 مليار دولار وكانت تمثل 10% من الناتج المحلي الاجمالي ، وهي نسبة تشابه النسبة المئوية لهذه النفقات عام 2012 ( 1.3 ترليون دولار بما يعادل 9% من الناتج المحلي الاجمالي تقريبا).
هذا يعني ان الانفاق العسكري في عام 1944 كان اكبر بسبع مرات منه في عام 1941. وإذا ما قارنا هذه الارقام بأرقام اليوم ، فهذا يعني بان الانفاق العسكري الحقيقي للولايات المتحدة سيكون في عام 2015 ما يقرب من 9 ترليون دولار، وهو يعادل على سبيل المثال 7 مرات حجم العجز المالي لعام 2012.
ان تتالي القفزات في الانفاق العام بين 2012 و 2015 سيكون سببا لتراكم هائل في العجز المالي بحيث ان الادخار الذي يقوم به الامريكيون وكذلك ادخار بقية العالم ليس بمستطاعها تغطية هذا العجز عبر شراء السندات المالية لهذه الإمبراطورية التي اصيبت بالجنون.
يذكر شيفت في مقاله الانف الذكر بان المدخرين الامريكان اشتروا اثناء الحرب العالمية الثانية ما قيمته 186 مليار دولار كسندات خزينة ، وهو يعادل 75% من قيمة الانفاق العام للحكومة الفيدرالية بين عام 1941 وعام 1945، ثم يؤكد مستخلصا : ان " عملا شجاعا " مثل هذا لم يعد ممكنا. لأنه ببساطة لا يوجد مكان نحصل منه على الاموال اللازمة من اجل وضعها تحت تصرف استراتيجية عسكرية – احيائية مماثلة لتلك التي طبقت اثناء الحرب 1940-1945.
ان عدم الامكانية التي تحدث عنها هي في الواقع اقرب الى الاستحالة. فقد كان الانتاج الصناعي على وجه الخصوص هو المسيطر على الاقتصاد الامريكي عام 1940، في حين اننا الان ازاء سيادة النمط " الاستهلاكي "، وسلسلة من الخدمات الطفيلية وانحطاط عام على صعيد ثقافة الانتاج ...الخ كل هذه الامور تؤشر على انه حتى وان تمكنا من حقن الاقتصاد بالأموال العامة بطريقة مشابه لما حدث اثناء فترة الحرب العالمية الثانية ، فسوف لا نستطيع انعاش هذا الاقتصاد بالدرجة المطلوبة. ان طفيليا بهذه الضخامة مع اعراض شيخوخة متقدمة سوف لا ينقذه اي دواء " كنزي " ولا يعينه حتى في استعادة بعض من قواه المنهارة على اقل تقدير.
وهم سيطرة الامبريالية على الفوضى
يمكننا ان نضع مقاربة بين فرضية " اقتصاد الحرب الدائمة " وفرضية " الكنزيه العسكرية "، وهذه الاخيرة كانت تمثل المرحلة الاولى لهذه الظاهرة ( بين عام 1940 وعام 1970 تقريبا)، حيث مثلت في بدئها، سنوات من الازدهار وشهدت سنواتها الاخيرة اعراض ازمة واضحة امتدت الى نهاية الحرب الباردة. فقد اعقبت مرحلة الازدهار هذه مرحلة اخرى هي مرحلة ما بعد الكنزيه ، كانت تتسم بشكل رئيس بالهيمنة المالية وتمركز كبير للرأسمال وانخفاض في الاجور وتهميش وتقهقر عام على الصعيد الثقافي ، انها مرحلة اصبحت فيها الآلة العسكرية تعمل كمعجل للانهيار والتفسخ وقادت الى عِجوز مالية ومديونية عامة هائلة.
ان خيار خصخصة الحرب ظهر كرد " فعّال " على انخفاض الروح القتالية لدى الشعب ( صعوبة متنامية في التجنيد الاجباري للمواطنين بعد الهزيمة في حرب فيتنام ). في هذه الاثناء فان ما جرى من استبدال المواطن - الجندي بالمرتزق - الجندي ستنتهي عاجلا او آجلا الى اصابة المنشأة العسكرية بالضرر : فهذا الاستبدال هو كالفرق بين ادارة مواطنين اسوياء وإدارة فرقة من المجرمين.
حينما تهيمن الطبقات الدنيا والعصابات على اي جيش ، فانه يصبح جيش العصابات ، والحقيقة ان جيش العصابات ليس بجيش. ان الانشقاق المحتمل للمرتزقة في المدى الطويل لا يمكن السيطرة عليه كما ان افتقارهم للروح القتالية لا يمكن تعويضها إلا بشكل جزئي عبر تكنولوجيا باهظة الثمن وغير مؤكدة النتائج ميدانيا.
كما ان قوة مشكلة من النخبة ( وليست من المرتزقة) تقوم بأعمالها بكل سرية وتكون مدعومة بآلة تكنولوجية متطورة ربما تكون قادرة على تحقيق ضربات موجعة للعدو كما انها تشكل قوة ردع له ، كما هو حال " قيادة العمليات الخاصة "، ولكنها رغم ذلك لا يمكن ان تكون بديلا عن وظائف القوات المسلحة على ارض العدو على المدى المتوسط ( لا بل حتى على المدى القصير ) لأنها سوف تنتهي الى تأجيج روح المقاومة لدى الاخر.
يمكننا ان نوجز الاستراتيجية العسكرية الجديدة للإمبراطورية بشكل كاريكاتوري بالاعتماد على الصيغة " الحرب غير الرسمية " مستخدمين كل الوسائل من مرتزقة (كثير من المرتزقة ) وفرق الموت الخاصة (قيادة العمليات الخاصة) وقصف جوي هائل وطائرات بدون طيارين وسيطرة على وسائل الاعلام واغتيالات للقادة بطرق تكنولوجية متطورة. لقد اصبحت الحرب حرب نخبة ، وتحولت الى مجموعة من العمليات المافيوية ، ولم تعد على تماس مباشر مع الشعب الامريكي ، اما أولئك الذين يقومون بهذه الحرب فهم يعتبرونها لعبة افتراضية تقودها مجموعة من العصابات.
من جهة أخرى فان هيكلية الاستخدام الكبير للمرتزقة والأعمال السرية في التدخلات الخارجية لها تأثيرات مضرة على النظام المؤسسي للإمبراطورية ، ويمتد تأثيرها لكي يطال آلية السيطرة على الفعاليات والتغيرات الحادثة في علاقات الداخلية للسلطة ( وصولا الى حالة انحطاطها). ان سلوكية رجال العصابات وتلك العقلية المافيوية التي تديرها مجموعة من القادة (مدنيين وعسكريين) حيث تترجم في البداية على هيئة أفعال ذات ابعاد خارجية ، سريعا ما ترتد الى داخل منظومة السلطة عبر عملية تصفية حسابات يقومون بها فيما بينهم.
ليس الهدف من " الاستراتيجية الجديدة " (بعيدا عن الخطابات والمواقف الرسمية ) هو بناء انظمة قوية تابعة ولا تثبيت احتلال عسكري طويل الامد يكون من شأنه السيطرة على الاراضي بشكل مباشر ، بل هي تهدف الى زعزعة الاستقرار وتفتيت المجتمع والهويات الثقافية وتهدف الى السيطرة على او التخلص من القادة. ان تجارب العراق وأفغانستان ( وأيضا المكسيك ) وما يحدث الان في ليبيا وسوريا تؤكد وتثبت صحة هذه الفرضية.
انها استراتيجية ايقاع الفوضى في بلدان المحيط وإعادة تشكيل بلدان وأقاليم واسعة بشكل غير منظم ، انها بلقنة لهذا المحيط من خلال تشكيل الدولة-الشبح، وتسهم ايضا في تفكيك الطبقات الاجتماعية ( العليا والمتوسطة والدنيا) بشكل عميق فيكون صعبا على هذه المجتمعات الدفاع عن نفسها ومقاومة عتو السلطات السياسية والاقتصادية للغرب، الذي يستطيع بهذه الطريقة، من السيطرة على مواردها الطبيعية وأسواقها ومواردها البشرية المتبقية.
هذه الامبريالية الاصولية للقرن الواحد والعشرين تتلاءم مع اتجاهات التفكك الحاصلة في المجتمعات الرأسمالية المسيطرة وفي المقدمة منها مجتمع الولايات المتحدة. ان اقتصادياتها فقدت قدرتها على النمو بعد خمس سنوات من الازمة المالية. فهي تتأرجح بين نمو ضعيف { مصاب بفقر الدم} كما هو الحال في الولايات المتحدة وجمود متجه نحو الركود كما هو حال المجموعة الاوربية وانكماش في الانتاج كما في اليابان.
لقد سحقت الديون تحت وطأتها الدول والشركات والمستهلكين ، حيث وصلت ( اي الديون ) ، العامة منها والخاصة ، الى ما يعادل 500% من الناتج المحلي الاجمالي في اليابان وانكلترا وأكثر من 300% في المانيا وفرنسا ووصلت الحالة في الولايات المتحدة ان اوشكت الحكومة الفيدرالية على عدم القدرة على التسديد عام 2011. ولأجل الاستزادة من الديون ونظم الانتاجية الممولة ، توجد كتلة مالية عالمية تعادل ما يقرب من عشرين مرة حجم الناتج العالمي الاجمالي. ان ديناميكية هذا المحرك ، وهذه العقاقير التي لا غنى عنها بالنسبة للنظام ، قد كف عن النمو منذ ما يقرب من 5 اعوام فيما تحاول حكومات القوى العظمى الحؤول دون السقوط في الركود التام.
إذن في ظل وهم استراتيجية السيطرة من فوق ، من قمم الغرب ، على الاراضي- المنخفضة ( اي بلدان المحيط ) التي تعج بألوف الملايين من البشر بهوياتهم الثقافية ومؤسساتهم ، حيث ينظر اليهم كعقبات بوجه النهب المنظم ، تزداد القناعة يوميا لدى النخبة الغربية ، التي تقودها الولايات المتحدة ، بان هذا النهب سوف يمد بأمد شيخوخة هذه الامبراطورية ويبعد شبح الموت عنها.
ان فوضى المحيط هي نتيجة مباشرة للتدخلات العسكرية والمالية ( وهي نتيجة لإعادة انتاج مجتمعات في حالة انحطاط) وهي في نفس الوقت قاعدة للنهب البربري. ان القوى الامبريالية الكبرى تريد استغلال حالة الفوضى هذه وسوف ينتهي بها المطاف الى ان تنتقل (هذه الفوضى) الى صفوفها : لان الرغبة بتحطيم العالم الخارجي ما هو إلا تحطيم ذاتي للرأسمالية باعتبارها نظاما عالميا ، وهي تشير ايضا الى فقدان العقلانية بشكل متسارع. ان فنتازيا الفكرة القائلة بإمكانية سيطرة الامبريالية على الفوضى في العالم الخارجي تعكس ازمة ادراك عميقة لأنها تعتقد بان رغبات هذه القوى الكبرى يمكن ان تصبح واقعا فعليا بشكل سهل، وهنا يتداخل الخيال والواقع ليشكل فوضى ذُهانية.
في الواقع، ان الاشكال الفاعلة " لإستراتيجية " لسيطرة الامبريالية على الفوضى، تتضح معالمها عبر تشابك خطوطها التكتيكية التي تجتهد من اجل اضفاء شكلا محددا على كتلة عديمة التجانس. ان ما كان يؤمل به ان يكون عقيدة عسكرية جديدة وفكرة استراتيجية مبتكرة يكون من شأنها الاستجابة لمتطلبات الواقع العالمي الراهن لكي تسهل سيطرة الرأسمالية عليه ، ما هو إلا محض وهم يائس ولدته حركة انحطاط النظام الامبريالي.
ان ما يقبع خلف مظهر " الاستراتيجية الهجومية " التي تفجرت على هيئة افعال دفاعية ، من الناحية التاريخية ، هو ذاك النظام الذي يكون فيه الاتجاه الامبريالي في طريقه الى فقدان القدرة على ادراك الواقع بمجمله. ان فقدان الصواب لدى الدولة في طريقه لان يصبح حالة من هذيان اجرامي شديد الخطورة ، اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الثقل الهائل للولايات المتحدة وحلفائها الاوربيين.
(*) محاضرة القيت في سمينار تحت عنوان " ولاياتنا المتحدة الامريكية" وتحديات القرن الواحد والعشرين في كلية العلوم الاقتصادية في الاكواتور في 30-31 كانون الثاني 2013.
(**) جورج بيانستاين دكتور في العلوم الاقتصادية وحاصل على جائزة كلية بيزانسون في فرنسا، وله مئات من البحوث المنشورة. وهو متخصص في التوقعات الاقتصادية وكان خلال ال25 عاما الماضية مستشار في المنظمات العالمية والحكومية. وهو حاليا استاذا في جامعتي بيونس ايرس وقرطبا في الارجنتين وفي جامعة هافانا في كوبا. وهو مدير مركز نظم التنبؤ والادارة.



#امجد_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب الامس هل سيجد صداه غدا!
- صورة طبق الاصل : هل تحتاج داعش لمن يبرر لها وجودها؟؟
- ورقة انصارية ثانية : يوم وقوعه في قبضة الجيش
- ورقة انصارية
- القوى الديمقراطية وماراثون الانتخابات!
- حينما يتسرب - التبرير - من بين سطور النقد !!
- قراءة في ورقة الحزب الشيوعي العراقي المقدمة للسمينار النقابي
- من وحي السمينار النقابي اليساري
- وقفة مع الحزب الشيوعي العراقي في لقائه مع المالكي


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - امجد ابراهيم - اوهام الامبريالية في السيطرة على الفوضى