أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - حدث ذلك بعد الموت بسنوات















المزيد.....

حدث ذلك بعد الموت بسنوات


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4385 - 2014 / 3 / 6 - 19:43
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة __ حدث ذلك بعد الموت بسنوات !!!! __

** في نهار ما , من نهارات الحرب , وجدتني اجري بكامل ذكريات الجندي واحلامه ومعدّاته .. اجري بكلّ ما اوتيت من خوف , لكني لا اتذكّر تحت اية سماء من سماوات الحرب او اي قاطع من قواطع الجبهة كنت اجري !! . . بيد إنّي كنت اتذوّق حرارة غبار يخرج رطبا من زفيري , كنت اتشمّم رائحة جثث تتصاعد في نكهة الغبار ! . فيخيّل ليّ انّي اسمع لغطا فاترا يتدفق من بدني ومن ذاكرتي ! . لغطا يأتي عبر سنوات غابرة , فاحس بيدٍ تمتد عبر الغبار , عبر تلك المديات من السنين , تمد ليّ ضماد الميدان , فتضوع رائحة دم نفّاذة . فينشر الصدىء اشرعته في المدى , فتزداد وحشة الطريق وبعد المدى . فاستدير برأسي فتطالعني الجهات كلّها تكتظ بالغبار والتيه .. في حين مكّثت الريح تقودني وحفيفها لما يزل عابقا برائحة الجنود الموتى ممن سبقوني .. انصت اليهم عند مداخل الجهات المغبرة , كانوا يهتفون باسمي , فتصيبني الدهشة .. كيف لا اجدني بينهم . _ او هكذا كان يترأى ليّ __ . فلا ارى حواجز في الريح تنأى بي او تفصلني عن يقظتهم .. كم رغبت انّ اطل بكامل غيابي على مرافئهم .. فانا مازلت اتذكّر بعد ان ابتعدت بي الحرب زمنا مهولا عن سنوات طفولتي .. اتذكّر كنت في ذلك الشتاء المدمّى الوذ بكنف شجرة شاخصة عند طرف الخندق , افكّر بالمرأة التي ساتزوجها في إجازتي الدورية القادمة فيشتد خوفي فيضيق بي الخندق والسفح . فيما كان الوقت يسيل مثل عصير عنب اسود مر !! كان وقتا دميما !! كأنه وقت قديم مرّ عليَّ من قبل , ولكن لا اتذكّر متى واين ؟ فالنسيان اتّلف ذاكرتي وانا في غمرة انشغالي بالبحث عن اسبوع طويل ينمو فيه الوقت دون حروب , لمحت من بعيد شيئا غامضا يخفق في الظلام , فافقت من شرودي وفزعي .. كأني لم ازل في اوّل الخراب , وجعلت افكّر بايامي القادمة التي سوف تذهب ادراج الضّياع .. فغدا عند اوّل الفجر ساكون اوّل الحاضرين في مقر اللواء لاستلام إجازتي الدورية , في تلك اللحظة لاح ليّ طيف المرأة . هل سأراها مساء الغد ؟ وهل اقوى على تقبيّل شفتيها ؟ العق فمّها الرطب الناعم الريان الطري بشفتيّ المجفّفتين المتيبّستين المتشقّقتين والمّلم طراوة خدّيها المورّدين وانا امص رحيق الرغبة بشفتيّ وباصابعي المتجمّدة على الزناد ... تفوّست اسفل الشجرة حالما لمحت ذلك الشيء الغامض يتدحرج في ضوء القمر الشحيح . ويغلق الممشى المنفذ الوحيد المفضي لسرّية الاسناد , فيعتريني إحساس مخيف بان مساء الغد بات بعيدا وضربا من الوهم , تقوّست كثيرا فانحسر الهواء ! وضاق بي فضاء الخندق , فاغمضت عينيّ فامسيت لا ارى ذلك الغموض المريب .. ولكني لا اتذكّر متى فزّزت مرعوبا على اثر صرخة تصاعدت في الظلام , ولما التفتُّ بالكاد لاح لعينيّ في نور القمر المفروش على السفح , جندي صديق واقفا فوق رأسي ! , انّ ما حدث جعلني اوصم نفسي بالعمى والغباء والخوف .. رأيت الجندي يفرش بدنه على السفح لم يرفع نظره وهو يحادثني , بكلام مبهم كأنه يأتي من بعيد , وهو يرى إلى المدى .. فيما كان الفضاء يضّج بوشيش قصف الهاونات ... فلم تعد تعينني ذاكرتي في تصور ملامح الغد , فمكّثت ازداد دهشة وقلقا كلما شعرت بالرعب ينمو قوّيا . فاجدني اتضأل كأني غير جدير بالمرأة التي تنتظرني عند المساء الذي بات بعيدا .. فخيّل ليّ إنّي اتذكّر المرأة في يوم لا مثيل له وهي تنتظرني في المساء , مساء لا وجود له !! او ما عدت اتذكّر ملامحه من شدة الخوف والنسيان والحرب ! , . بيد اني مازلت اتذكّر زفير المرأة وهو يلاحقني في ذلك الظلام ! . كدت اخرج من بدني , واموت مرات عدة حيال شبقها فكنت اصهل بقوّة وهي لا تمسك عن نسج خيوط لذائذها . ولكن متى حدث ذلك ؟ فانا ارتاب واشك في سلامة ذاكرتي التي لا تكف عن نسج الحكايات الملفّقة .. أكان ذلك المساء وهما ؟ ام واقعا ؟ لا ادري ! .. ولكن الذي ادريه أنّ الجندي الذي لم يزل مفروشا كاسمال رثّة مات , مات فوق السفح , على مقربة منّي !! اما كيف فالسماء وحدها تعرف .. انتظرت وقتا عصيبا انّ يلتفت ناحيتي ولكنه لم يجرؤ , كان الموت اقوى من انّ يتيح له ذلك . لا ادري متى اكتشفت موته , اظن عندما توارى طيف المرأة عني . فساد صمت ثقيل , فلبثت طوال مدّة الصمت والقصف المتنامي في البعيد افكّر بالجندي الذي مات وبالمساء المتخيّل وبالمرأة التي ما غادرت ذاكرتي في احلك الظروف والموت ! وانا متربّع على عرش الذكريات الممحوة .... كنت اشعر باللاجدوى وانا ابحث عن منبع الألم , ابحث عنه في رائحة نوم قديم ! , كنوم الجندي العميق . الذي كان يرنو صوبي بعينين منطفئتين , فامدّ يدي اتحسس بدنه .. لما يزل طرّيا ينبض بالموت . كانت جبهته باردة كأن حرب شتاءات طويلة مرّ عليها ! . فما زال الموت في اوّله يتحلّل متباطئا . كأنه يشد على يدي بقوّة الألم . الألم الذي ذهب بطفولتي نحو منافذ مغلقة بحواجز من اسابيع من الشقاء والذكرى . جمعة وراء جمعة واسبوع يعقب اسبوع , في مسيرة مهولة من الحرمان والدخان والخوف المتصاعد من عويل النساء المغادرات لرؤية الجنود في المحطات . كنت احدهم محمولا على اكتاف الريح , احلّق عاليا في سماء من البكاء الحار , بكاء امّي . واتلاشى على مهل في القطارات الصاعدة صوب الاسابيع المغلقة بجدران من الغربة والخوف ..حالما اترجل نازلا عند المحطة . محطة انتظار الأمهات المح امّي وسط ارهاط من الامهات المنتظرات , وهي تشد على قامتها . الامر ذاته يحدث للامهات الاخريات ,, المردّدات في تشكيلة عاصفة باللاجدوى دعاءا جماعيا يكتظ بالتضرعات والقلق .. المحهنَّ عبر نوافذ عديدة , اشدّها وضوحا , نافذة اوجاعي , المحهنَّ يرفلنّ باسمالهنّ , ابصر وسطهن أمّ الجندي الميت , الذي نفق عند السفح في الارض الحرام , ابصرتها _ او هكذا خيّل ليّ _ واقفة عند اقصى حافات الجبهة او الارض الحرام .. سمعتها هناك تهتف باسم الجندي الميّت _ او هكذا يخيّل ليّ __ فاعتراني الفزع فسمعتني اطلب إلى الجندي الميّت الذي لم يزل مفروشا عند السفح , انّ يصحو من موته ولكنه كان مستغرقا في موت عجيب , يعوم في مجرى من الصمت العميق , ومن شدة عمق الصمت . بدا ليّ كأنه لم يمت , او كأني لم اره في اي مساء من مساءات الحرب !! ..
مرّت سنوات عديدة على موتي , لما وجدتني اجري في نهار ما , من نهارات الحرب !!!!!!!!!! / انتهت /



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة : الشبح
- ذلك العواء البعيد
- هناك .. حيث لا احد سوى القبور
- مقطع / بلاد من دخان
- ابي في مواسم الجوع والخمر
- قوّة الألم او / السيطرات
- عن الخوف من الله
- صوت الخال
- الله كما رايته على الارض
- حبّ في ريعان الخريف
- ظنون بحجم الحب الذي كان / من سنوات البكاء والخيبة
- امّي ذلك الكائن الغريب
- حدث ذلك في باب المعظّم
- مقطع / على مقربة من الحرب
- بلاد من دخان
- عن : الشاعر جبار الغزي : .. طائر الجنوب يحلّق فوق بارات العا ...
- .. مشهد .. / إجازات الجنود
- .. مشهد / سلمى والنهر
- قوّة الغابة
- جثتي ........


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - حدث ذلك بعد الموت بسنوات