أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - صاعقة















المزيد.....

صاعقة


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4384 - 2014 / 3 / 5 - 13:28
المحور: الادب والفن
    


البكالوريا وما أدراك ما البكالوريا.. هاجس الهواجس.. هم الهموم.. الحد الفاصل بينك وبين ما تطمح أن تكون عليه في المستقبل.. كل علامة ثقدر بثروة.. كيف لا وهذه العلامات مجتمعة سترسلك إلى الجامعة لتكمل دراستك في الاختصاص الذي تتمناه أو إلى المجهول، ولأن كل علامة تعادل ثروة جاءت فكرة (الصاعقة) المعسكر الذي يمكن لطلبة الشهادة الثانوية أن يقوموا بتأديته بعد الامتحان النهائي حيث من الممكن أن تساعدهم هذه الخدمة في إضافة علامة أو علامتين على مجموعهم العام في حال كانت تحول هذه العلامة بينهم وبين فرع الجامعة الذي يريدونه.
ثمانية وعشرون يوماً في (جوبة برغال) المنطقة الجبلية النائية في محافظة اللاذقية هي مدة المعسكر ذائع الصيت بين جميع الطلبة نظراً لصعوبته وقساوة التدريب فيه بالإضافة إلى العديد من الشائعات التي تروج عنه ولعل أبرزها أنه مسموح للمدربين أن يموت بين أيديهم خمسة طلاب خلال التدريب إن لم يتحملوا الظروف القاسية وسقطوا أرضاً.
هل سنذهب؟ سألني صديقي علي
ـ بالتأكيد.. نتائج الامتحانات بعيدة ولا يمكن أن يضمن المرء شيئاً، لنذهب ونجرب حظنا، نسأل الله ألا نحتاج هذه العلامة، لكن إن احتجناها ولم نخدم المعسكر هل تتخيل حجم الندم الذي سيصيبنا؟ ثم أنه ليس معسكراً خاصاً بالشباب يا حباب.. سمعت أنه وبجوار معسكرنا سيكون هنالك معسكر للفتيات.. صحيح أنهن سينمن في مدرسة معدة لهن ويفصلنا عنهن الأعداء.. لكن التدريب سيكون مشتركاً في الساحة، هذا ما أخبرني به أحدهم ممن سبق له أن خدم المعسكر.. هل تريدنا أن نفوت التدريب الصاعقي مع الزميلات الحسان يا زميلي؟
ـ حاشا وكلا
ـ حسناً إذاً..على بركة الله
عند وصولنا إلى جوبة برغال كان عدد الطلبة يقارب الألف وخمسمائة..
سحقاً.. أين سيتسع المكان لكل هذا العدد.. همس بأذني علي لدى سماعي بأن تريث قليلاً.. إن أصعب أيام الصاعقة كما أخبرني ابن عمي هي الأيام الأول.. تحديداً الساعات الأول.. حيث ينسحب فيها من قساوة التدريب أكثر من نصف عدد الملتحقين.. جهز نفسك.
المدرب الذي تولى تدريبنا وأطلقنا عليه فيما بعد اسم (باغيرا) أمر الشباب أن يتوجهوا إلى حقل كان على مرمى بصرنا فحاول أحدهم أن يتظارف وسأله.. والبنات؟ وبالكاد انتهى من لفظ العلامة الصوتية لحرف التاء حتى شعر بالعلامة الحسية لكلمة الصفعة على وجهه وقال له (باغيرا).. خراس يا حيوان.. أجئت للمياعة.. سأريكم يا أنذال.
إلى الحقل سرنا كمن يسير في موكب جنائزي بعد الشرشحة التي تلقاها الأخ الفاضل الذي تساءل (والبنات؟)... وصلنا الحقل وكان مغطى بالأشواك والأعشاب اليابسة
ـ عاري الصدر..
صمت مطبق.. شو بدو هادا... هل أتينا إلى معسكر للصاعقة أم للأمور الأخرى.. لا.. قلت لعلي لحد هون وبس.. لماذا يريدنا هذا الشاذ أن نخلع ما نرتديه لنبقى عرايا الصدر.. هيهات منا الذلة يا علوش.. لم يستطع صديقي كتم ضحكته ونحن نخلع (عاري الصدر) وبعد أن أصبحنا كذلك جميعاً.. صدر الأمر التالي:
ـ منبطحاً
ـ صرخ أحد الطلبة: كيف سننبطح والأرض كلها أشواك يا رفيق
ـ وما الذي كنت تتوقع أن تفعله هنا يا رفيق.. أجاب (باغيرا) بجبلك باسكال ما شعلاني تغنيلك يا عين أمك
ـ منبطحاً ولا حمار.. منبطحاً ولاك دب منك ألو.. يلا بسرعة منبطحاً
انبطحنا
حاولت قدر الإمكان أن أتحايل على الشوك المنتشر على الأرض من خلال الاتكاء على كفيّ دون ملامسة صدري للأرض.. لكن ذلك لم يخفف كثيراً من ألم الإبر الناعمة التي تدخل الجلد.. أكثر ما تم سماعه خلال ساعة كاملة كان تعبير الاستنجاد (آي) (أي) (أي)، لكن الأمر الذي تلاه كان أغرب
ـ دعكلة يا طالب.. يلا بسرعة دعكلة..والدعكلة يا إخوان هي التقلب من وضعية منبطحاً إلى وضعية على الظهر بسرعة وكان الهدف منها هم أمثالي الذي تحايلوا على الأشواك لكي يتم التأكيد على غرزها في الصدر والظهر.. المهم لم تكن شمس ذاك اليوم قد غربت إلا وكان نصف عدد الطلبة قد غادر المعسكر إلى غير رجعة ولسان حالهم يقول: كس أمك يا (باغيرا)... وهو ذات لسان حال من بقي والفرق الوحيد أنه بقي هناك طمعاً بالكنز العظيم (العلامة) وكنا ممن بقوا.
بالفعل كانت الأيام الثلاثة الأول هي الأصعب والأقسى ثم بدأنا نتعود المكان.. كما أن وجود الفتيات إلى جوارنا خفف من قساوة التدريبات التي لم أعد أطيق أن أكون فيها لحظة واحدة.. لذا اتخذت قراري مع صديقي علي أن نهرب من الاجتماعات والتدريبات على فك الكلاشينكوف وتركيبه حتى لو كلفنا ذلك الفصل.. ولم يكن اعتمادنا الوحيد إلا على التواجد خلال التفقد الصباحي على أمل ألا يتم إجراء غيره.
آلية الهروب لم تكن معقدة.. فالجبل خلف المهجع الذي كنا ننام فيه، وما أن يتم أخذ التفقد الصباحي حتى ننسل هاربين وكذلك كان يفعل بعض الطلبة.. الجلوس تحت فيء السنديان والتدخين كان بالنسبة لنا أرحم بمليون مرة من تمارين النظام المنضم وفك مسدس الميغاروف..

مرة وكان الاجتماع الكبير في الساحة يضم الشباب والفتيات راح قائد المعسكر يخطب فينا وكأننا نحن من سيحرر القدس مستخدماً مكبراً للصوت يثقب الآذان.. لم يكن أحد يستمع إليه والشمس حارقة بينما يقف هو وأعوانه من الرفاق تحت شجرة سنديان عظيمة مطلة على ساحة التدريب.. المفارقة كانت أن صوت الضجيج الذي كان صادراً من صوب الفتيات طغى على صوت الضجيج الصادر من صوب الشباب.. الأمر الذي أغضب قائد المعسكر وأخرجه عن طوره.
ـ يا رفيقات هدوء..
مواصلاً الخطاب لكن الرفيقات لم يصغين إليه
ـ يا رفيقات هدوء
ـ غير أن الرفيقات واصلن عدم الإصغاء
ـ قسماً بالله إن لم تصمتن سأعاقبكن عاريات الصدر
وكما يحدث في مدرجات الجماهير عند تسجيل هدف لنادي برشلونة أو ريال مدريد قفزنا عن بكرة أبينا معشر الشباب ورحنا نهتف باسم قائد المعسكر.. وبالروح بالدم نفديك يا رفيق.. وهكذا حدث هرج ومرج في صفوفنا ورحنا نتوسل أن يعاقب الفتيات عاريات الصدر.. شعر الرجل بالخجل لأنه تسرع بلفظ هذه الجملة وليداري خطأه دون أن يظهر أسفاً أو ضعفاً.. أمرنا نحن الشباب أن (عاري الصدر ولا بقر)،، منبطحاً... دعكلة.. يلعنكن أوباش ما بتنعطوا وجه.
الحمامات.. لم يكن لها وجود بالنسبة لنا نحن الشباب.. أي أن كل حوائجك الفيزيولوجية لا بد أن تقضيها في الطبيعة.. ولأن الأمر كذلك بقي صديقي علي سبعة أيام دون أن يقضي حاجته وكاد أن يتسمم بخرائه لأن عقله لم يستوعب أن يضطر إلى فعل ذلك في العراء..
في اليوم السابع.. استراح.. بعد أن عاد من مهمته القاسية بدت على وجهه أمارات سعادة لم أرها طيلة رفقتي له.. كمن تخلص من حمل الجبال..
تعرفت في ذلك المعسكر على شبان رائعين.. يجيدون غناء العتابا والمزاح وكما يقولون بالعامية (بيشيلوا الهم عن القلب)..ضحكنا كثيراً.. حتى في أوقات التدريب ومع قساوة المدربين.. ثمانية وعشرون يومأً.. عندما بدأت كنت مقرراً أن أحذفها من حياتي بعد انتهائها.. ها هي تحذف مئات الايام من حياتي لتجلس مكانها.. بِرضاي



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أحبُّ التفاصيل
- يوغا
- الأول على مستوى الجمهورية
- مين سمير؟
- ما تبقّى في قعر الزجاجة
- أوراقٌ.. نساء
- نافذة باردة
- رسالة إلى امرأة تشبه الشتاء
- بائع الدخان
- مع باولو كويللو في الصحراء
- مصطفى الأعور
- لا أشرب المتة مع الرئيس
- هذه ليلتي
- إغواء
- عطر امرأة
- معاون شوفير
- أثر الفراشة


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - صاعقة