أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - وصول غودو القسم الثامن نسخة مزيدة ومنقحة















المزيد.....


وصول غودو القسم الثامن نسخة مزيدة ومنقحة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4384 - 2014 / 3 / 5 - 09:30
المحور: الادب والفن
    




وقفت الصغيرة كارمن تحت جدار الحديقة، فبانت جِد قصيرة، لكنها ابتسمت، وتقدمت بيديها الاثنتين المليئة كل أصابعهما بالخواتم عازمةً على تسلقه دون أن تعرف كيف. وجدت شقًا لإحدى يديها، ولم تجد الثاني، ثم وجدت الثاني، وعندما أرادت الصعود بجسدها فهمت أن عليها أن تجد شقين لقدميها، فيكون اندفاعها. وجدت شقين لقدميها، ولم تجد شقين ليديها، فاحتارت، وقضت نصف نهارها دون أن تتمكن من تسلق الجدار.
- لا فائدة من ذلك، قال صوت ناعم من النافذة.
- لا، أكدت الصغيرة كارمن.
- كم مرة حاولتِ؟
- كثيرًا.
- ماذا تنتظرين؟
- سأحاول أيضًا.
- ستُضيعين وقتك سدى.
- لا.
- ستكسرين أصابعك.
- لا.
- سأحملك.
- لا.
- هذا أسهل لك.
- لا أريد.
- لا تَلِحِّينَ إذن.
عادت الصغيرة كارمن إلى المحاولة، قدمها، يدها، هذا الشق، ذاك الشق، ولا فائدة بالفعل من ذلك.
- كارمن!
- نعم.
- لماذا؟
- هكذا.
- تسلطي على ميولك.
- لا أريد.
- اطلعي على شجرة أحسن لك.
- لا أريد.
- إذن اتركيني أحملك.
- لا أريد.
- راسك يابس زي الحجر!
ومن جديد، القدم، اليد، هذا الشق، ذاك الشق.
- تريدين الوقوف عليه؟
- لا.
- تريدين الاستلقاء عليه؟
- لا.
- تريدين النزول من الناحية الأخرى؟
- لا.
- إذن لماذا؟
- هكذا.
في اليوم التالي، عادت الصغيرة كارمن تحاول تسلق جدار الحديقة وبالطبع دون أن تنجح، إلا أنها تفاجأت بذراعين قويتين تحملانها، وترفعانها حتى حافة الجدار.
- ماما، أنا لا أريد! ماما، أنزليني في الحال! ماما...
وتنفجر البُنَيَّةُ باكية.
- لا تبكي، يا حبيبتي!
- أنا لا أريد، أنا لا أريد!
- فعلت هذا من أجلك، يا حبيبتي!
- أنا لا أريد، أنا لا أريد، أنا لا أريد!
تهجم على أمها ضاربة، وأمها تعتذر لها. في النهاية، تضم أمها بكل قواها، وكأنها تسعى إلى الدخول في بطنها.
- كفى، يا حبيبتي! كفى، يا قملتي! كفى... كفى...

* * *

في فيليت، في المسلخ القديم، مدينة العلوم حاليًا، تحت جدار، كانت الفتاة السمراء تبادل القُبل مع العديد من الفتيات السمراوات، وكأنها طريقتها في التسلق، تسلق شرطه هنا النزول إلى أعماق الجحيم. كن يقهقهن، ويقرعن كؤوسهن، وكن يشربن من كؤوس بعضهن، ويسقين غيرهن من الرجال. كن يلقين بأجسادهن على أجسادهم، وبأجسادهن على أجسادهن. لم تكن الشهوة، كان الاشتهاء، ولم تكن المتعة، كان الاستمتاع. كل هذه اللاكينونة كانت الكينونة، كل هذه اللاأخلاقية كانت الأخلاقية. العدمية لم تكن موت الله، فلم يكن يوجد شيء على الإطلاق، لا الله، ولا عباد الله. لم يكن الكون موجودًا. ليس ببعيد عن الجدار، كانت المعابد تبصق الناس كالأشياء، بعد أن غدا الناس مواضيع للعبادة، والعبادة إشارة، فأشياء العدمية لاأشياء، لتتلقفهم العاهرات التي كانت الفتاة السمراء واحدة منهن. كان كل شيء يقوم في عدمه، في عدميته، وكان كل شيء يخبئ نفسه من وراء نفسه، لا الفكرة يمكنها الامساك به، ولا شمس البِغاء. لم يكن نسيان الكينونة، كان تذكرها بأتم معنى الكلمة، لينبني العبث، وتصبح للعبث قامة الكائن. الكائن عبثًا. الكينونة عبثًا. العبث عبثًا. العدمية هي هذه: العبث عبثًا. عند ذاك، ينطبق المكان على الزمان، فيضاجع الجدار التاريخ، ويسيل المني من شقوقه. كانت هذه هي إرادة القوة في أحسن صورها: العدمية. تحرر الفرد من جانبي الجدار من كل سلطة، الكائن يكون في الكينونة.
التقط الرجل المتغضن الوجه الأرمد الشعر شفتي الفتاة السمراء بشفتيه، وراح يرفع فستانها، لينزرع بين فخذيها. أهملته قليلاً ريثما تمسح المني السائل منها، وهي تهمهم مرتابة في أمرها:
- تمهل ريثما أتنظف.
- هذه القذارة هي نحن، الأمر لا يهم، عندي ما هو أعجب، سارع الرجل الحكيم إلى القول، وهو يلقيها أرضًا، ويربض عليها كمن يربض على فريسته.
- تنين هو العالم!
- نوافير المني!
- آلهة آدمية!
- عدمية!
- عدمية العدمية!
- نهمة لا تشبع، من قذفها المحيطات، من هزها الزلازل!
- على التمادي، كل شيء ميتافيزيقيا.
- كملايين الأخطبوطات نحن، نغوص في بعضنا، ما بقي فينا نبض.
- الكائنات.
- كملايين الحيوانات المعجونة اللاباحثة عن أي تفسير لوجودها، عن أي تبرير، الأمر جد بسيط، كل هذه العدمية حقيقية، والباقي كله ترف، ترف في ترف، الباقي كله كلام، كلام في كلام.
- كملايين الحيوانات المذبوحة، فلا تنس أننا في مسلخ قديم.
- أرستقراطية اللحم لحمك.
- إلعقه، عضه، قطّعه.
لعقه، وعضه، وقطّعه، وهو لا يصل إلى التقاط أنفاسه.
- أي لحم تريد، يا سيدي؟ عجل، ثور، خروف، عنز، خنزير؟ وأية قطعة تَلَذّ لأسنانك؟ كتف، ضلع، فخذ، قفا؟
- قفا! قفا، يا دين الرب!
- قفا حلال أم حرام؟
- حرام! حرام، يا دين الرب!
- انظر أي قفا هناك.
كان له نَفْثُ الشيطان، وهو لم يزل يربض عليها، فرأى التوأمين السياميين، وهما يضاجعان أختين سياميتين.
- هذه هي ميتافيزيقيا نيتشه.
- أصيلة.
أبعده القرصان، وأخذ مكانه بين فخذي الفتاة السمراء.
- وهذه ما هي؟ سأل القرصان وهو يرفع بيضاته الثقيلة في كفه، أيضًا أصيلة كميتافيزيقيا ماخور الخراء!
أخذ يمارس ممارسة من عَنَتْ به الأمور دون أن يتوقف عن الكلام:
- أرض الشيطان هذه أين تقع؟ بقدر ثقب عاهرة هي، ولكنها تتسع للملايين من التائهين الذين أنا واحد منهم. يا حظ من يسكنها، فهي مركز الكون. كل مكان للمضاجعة مركز للكون، شيء مقدس. يا حظ من يقطعها، فهي عقل الشيطان. كل فكرة للفسق محرك للعبقرية، شيء مدنس. يا حظ من يولد فيها، فهي قضيب وفرج. كل نكاح للغير أو للمِثل صانع لعمورية جديدة، شيء معجز.
- ألم تنته بعد، طلبت الفتاة السمراء بجفاف.
- لم أبدأ بعد، يا دين الرب!
- أسرع إذن.
- لِمَ العجلة؟ على اللذة أن تكون لذائذ، وعلى الشهوة أن تكون أضعافًا مضاعفة على أرض هي أرض كما يجب أن تكون الأرض.
- حياتك الرحيل، أيها القرصان، فافعل، وارحل!
- الحق أني وصلت. أنا في مكانٍ الرحيلُ فيه دائم دون أن يكون الرحيل. لهذا...
- لن تتحرك مثل غيرك من مكانك الطبيعي.
- الطبيعي شيء كبير، اللاطبيعي، وهذا هو أمتع ما في الأمر، الباقي حقيبة يحملها خادمي على ظهره، اضْطَّرَمَ، وهو يشير إلى رجل يختفي تحت عدد من الحقائب الثقيلة.
دفعته الفتاة السمراء بعيدًا عنها، وذهبت إلى الخادم.
- هو أيضًا يجب أن يعيش العدمية كما نعيش، ضللت الفتاة السمراء نفسها، وهي ترميه فوقها، وتجعله يغوص فيها.
- أين سوطي، يا دودة الأرض؟ صاح القرصان بخادمه غاضبًا.
- ها هو، يا سيدي.
كان يحشوه فيها: كان السوط عِنْدِيَّتَهُ.
- أيها العديم، أيها اللعين، أيها الأخرق!
- لا تغضب، يا سيدي. لمن هم مثلي، هذا هو نعيمهم، وكل واحد يغلقه على طريقته.
- يفتحه.
- يسده، فنعيمهم ثُغرة.
- ثُغرة قفا.
- ثُغرة ذاكرة.
- دعه يفعل، يا خراء! صاحت الفتاة السمراء بصوتها الثاقب، وهي تضرب وترفس.
- أخيرًا تحصل على ملذتها، همهم الرجل المتغضن الوجه بالمكان المغبر الشعر بالزمان رافضًا حق القرصان في رفض الملذات، وهو ينسب إلى الخادم جميع المزايا، كل هؤلاء الفحول ولم يرضها أي واحد. أخيرًا تتسلق جدارها.
- لها فرج وثني هذه المرأة، ابتعد القرصان عن واجبه.
- أصيل.
- أليس كذلك، يا دودة الأرض؟
- نعم، يا سيدي.
- واجب الأداء.
- لا، يا سيدي.
- الوسائل الواجبُ اتخاذُهَا.
- نعم، يا سيدي.
- التعديلات الواجبُ إدخالُهَا عليه.
- لا، يا سيدي.
- الموديلات الموجودة للنساء.
- نعم، يا سيدي.
- الموجود بذاته.
- لا، يا سيدي.
- الموجود لذاته.
- نعم، يا سيدي.
- إيجازَا للكلام، الوجود والبطاطا.
ضرب القرصان برميلاً بقدمه، فسقط منه من الطِرْحِ العشرات، المئات، الآلاف. أخذ بعضها ينط كالضفادع، ويتسلق ساق رجل البحر، فيحاول سحقها بقدمه، ويصرخ قرفًا واشمئزازًا.
- ها هي نهاية الميتافيزيقيا، أوضح الرجل الحكيم.
- نهاية ميتافيزيقيا قفاي! نبر القرصان غيرُ ضاربٍ عنهُ جِرْوَته، وهو يواصل قتل ما-قبل الكائنات، إلى أن قضى عليها جميعًا.
- كينونة ما-قبل الكائن، الكينونة قبل أن تكبر وتتحول وتغدو حيوانات ذبيحة في مدينة العلوم.
- قابلتُ مثلك في البحر من لا يتعبهم التفكير، حيتان لا أصل لها هي الأصل لكل شيء.
- لن تكتمل المسرحة في رأسي، لهذا.
- اكتملت المسرحة في رأسك دون أن تعلم، يكفي أن تنظر من حولك، لا شيء ناقص، كل شيء ناجز على أكمل وجه.
- عينك ليست عين الفيلسوف.
- عين القرصان، خراء! العين التي ترى كل شيء حتى السمك الذي لم يولد في أعماق البحر، لا شيء يضيع عنها، فمجالها كل الأزرق، كل الميت الحي. هذا هو عدمها، العدم الحي، وهذه هي عدميتها، العدمية الحية، العدمية البطاطا.
- يا ليت كان الفلاسفة قراصنة، هذى الرجل الحكيم، وهو يبتسم.
- بديهيات ليست بديهيات.
- العكس هو ما حدث.
- بل العكس هو الصحيح.
ثم صاح القرصان بخادمه متبدل المزاج:
- اعتكفتَ كثيرًا على صلاتك، يا دودة الأرض!
خرج الخادم من الفتاة السمراء، وحليبه يسيل منها.
- ما أسرع ما يمضي الوقت! حق للخادم إبداء رأيه، كان فعلي الوحيد الذي يدل على شعور تأملي، الإحساس بالإحساس.
- أنت وقح على التأكيد. الإحساس بالبطاطا.
- كمن يُفشي أسرارًا لا يعرفها أحد غيره.
- أنت لا أسرار لك، ولن تكون لك أسرار أبدًا، وفعلك الوحيد الذي يدل على شعور خرائي هو رد فعلك، هذا هو الإحساس بالخراء تاعك.
أعطاه ظهره ليسوطه، فساطه، وهو يوبخه بعنف:
- ليس هذا، يا دين الرب! ليس هذا، يا ماخور الخراء!
إذا بخليط من فلاسفة ونازيين ينبثقون من مسلخ الزمان، وبهراواهم يهوون على رؤوس العاهرات وزبائنهن من حشاشين وكرادلة وجهاديين.
- هذه آخر فكرة لي، ألقى الرجل المتغضن الوجه الأرمد الشعر دون الهرب من مسئولياته، وسارع إلى حماية الفتاة السمراء بذراعيه. لم تعد تحمينا سوى أذرعنا بعد أن انتهت كل الأفكار!
- يبدو أنها ليست فرنسا، نهق القرصان على ما تمكن من رؤيته.
- فرنسا الجميلة أم فرنسا الخراء؟ هَرَجَ الرجل الحكيم.
- هناك فرنسا جميلة وفرنسا خراء؟
- هناك.
- لم أكن أعلم.
- هذه فرنسا الجميلة.
- البرهان على ذلك يكمن فيما يكمن.
- ليس هذا مهمًا.
- وفرنسا الخراء؟
- في الرؤوس.
- في الفروج.
- في العقول.
- في الأمر ما له وما عليه.
- كما أقول لك.
- لستَ على خطأ كبير.
- منذ قليل، أفرغت آخر فكرة من رأسي.
- وأنا من فرجي.
علت وجه الرجل الحكيم ابتسامة، وهو ينجو بالفتاة السمراء، بينما علت وجه القرصان السآمة.
- تعال إلى فرنسا الجميلة، يا دودة الأرض! هَرَّجَ القرصان بالتوجه إلى خادمه.
- أنت فيها، صاح الرجل المتغضن الوجه الأرمد الشعر بحُمَيّا قبل أن يختفي والفتاة السمراء.
- طوال الوقت كنت أعتقد أنها فيّ، يا قحبة الخراء! ليس في رأسي، فيّ.
- لا تعكر صفو مزاجك، يا سيد البحر، استرضاه خادمه.
- في النهاية، الفرنسيون على كافة عناصرهم، أبناء مومس، أنا أولهم.
- هذا شغل العائلة الذي لكم، وأنا لا دخل لي.
- شيء لا يدخل في المعقول فالإنسان كائن غير عاقل، من أنت وما تفعل وإلى مَ؟ كم من مرة وأنا في قلب البحر أقول هذه آخر مرة، إنها مسألة كل كائن عاقل والإنسان كائن غير عاقل. تصور أن كل هذه البشاعة فرنسا الجميلة! من غير المعقول أن تكون هذه فرنسا الجميلة، ومع ذلك هذه فرنسا الجميلة، الكينونة، الكون، الحياة. فقدان العقل هو هذا، هكذا هم المجانين المضيعون لأرواحهم، ونحن كلنا مجانين. نحب فرنسا القحبة هذه إلى حد الجنون، ولا نعرف أننا في الأصل مجانين لأجل أن نحبها. ابلع البحر، كانت أمي تقول لي كلما طلبتها شيئًا لا تريد أن تعطينيه. ابلع البحر! بلعت البحر وما فيه، ولم يعوضني ذلك عما رفضت أمي إعطائي إياه، واحد بِغ ماك فضلت أن تأكله، هذه هي فرنسا، لا الجميلة ولا الخراء، فرنسا، فقط فرنسا، واحد بِغ ماك، قبلة على ردف امرأة لن تنالها.
حضر السياميان مرعوبين، وهما يحملان فأسين، وراحا بالجدار دقًا، والعجول تهرب تحت دقاتهما، والثيران، والخرفان، والأعنز، والخنازير.
- وتوأمان سياميان، رطن الخادم غير ساخر.
- ماذا تفعلان، أيها المأفونان؟ احتار سيد البحر غير راض.
- نهدم المذاهب، أجاب المِسْخان، وهما يواصلان دق الجدار.
- إذا مُتُّ ظمآنَ فلا نزلَ القَطْر، جمجم القرصان بحقد متأصِّل.
- هذا ما نصحتنا إياه الفتاتان السياميتان اللتان ضاجعناهما، تأفف المشوهان، ونحن نقذف فرنسا دون أن نريح جسدنا.
- هذا لأن نكاحكما لم يكن الخلاق.
- ما هو النكاح الخلاق في رأيك؟ قل لنا لو كنت ناكحَ حق.
- النكاح الخلاق؟ سأقول لكما ما النكاح الخلاق. النكاح الخلاق هو أن يتركك المرء تنكح وهو ينكحك وكل العالم معه، النكاح الخلاق هو أن يجعلك المرء تنكح نفسك وهو ينكحك وكل العالم معك، النكاح الخلاق هو أن يوهمك المرء بالنكاح، بالنكاح الخلاق الخلاق، بالنكاح الخلاق الخلاق الخلاق، نكاحك لنفسك وله وللعالم، هذا هو النكاح الخلاق.
- النكاح الخلاق إنه لَمَظِنَّة للخير.
- الخير وكل بحر الشر هذا الذي نغرق فيه؟
- فقط القدرة، القدرة على ذلك.
- قدرة قفاي، لا!
- الكائن هو قدرته.
- وهذا هو قدرته، أشار القرصان إلى عضوه.
- أحيانًا أريد الذهاب يمينًا وأخي شمالاً، كشف السيامي الأول، وهو يحاول دومًا هدم الجدار، فلا أقدر على ذلك ولا يقدر على ذلك، فيأخذ كل واحد منا الشد من طرفه، ويتمنى كل واحد منا لو أن هناك فأسًا تقطعنا، وتحررنا مما نحن فيه.
- أحيانًا أريد التمدد في فراشي وأخي يريد مشاهدة مسلسله الخرائي، كشف السيامي الثاني، وهو يحاول دومًا هدم الجدار، فلا أقدر على ذلك ولا يقدر على ذلك، فيأخذ كل واحد منا بضرب الآخر، ويتمنى كل واحد منا لو أن هناك قنبلة تفجرنا، وتنقذنا مما نحن فيه.
- الأماني هي الدين الظاهر، اشمأز القرصان.
- ستهدم هذه الفأس كل ما له صلة بالواقع وما ليس له، تشامخ التوأمان السياميان.
- مظاهر الحياة، تدخل الخادم، أَذَلَّهَا.
- دودة الأرض هذا، اللا قادر على شيء، اللا نافع لشيء، علق القرصان، ها هو يحاول أن يُظهر كفاءته.
- أن يُظهر ذكاءه، صحح السياميان.
- ذكاء قفاه، طن سيد البحر.
- ونحن في الحمام، عاد السيامي الأول إلى القول، صغارًا كانت لحظة أخذ الحمام من أروع اللحظات، الغطس في الماء، الرغوة، الجسد اللماع، النسيان لكل شيء، الزمان الذي لا تنتظر فيه أحد، الزمان الذي لا ينتهي، أو هكذا تظن، وأنت في قلب متعة الحمام، الزمان الذي لا أحد ينتظرك فيه، الشعور بأن الزمان مُلكك دون أن تشعر بذلك، يسري الزمان في عروقك كما تسري الدماء وفي عروق الأشياء، فالعالم وأنت واحد، أنت العالم، الكائن أنت، والكينونة أنت، لحظة لا تلتقطها كل الفلسفات، وقد انتهت الفلسفات، إلى أن كبرنا، وأخذنا نصنع على طريقتنا فلسفتنا.
- اكتشفنا جسدنا، تابع السيامي الثاني، هذا الجسد الميتافيزيقي الذي لنا، بطن واحد وصدران وأربع أذرع وأربع سيقان. في البداية، تفاجأنا بصورتنا، صورة إلهية صورتنا، واعتززنا بصورتنا. وشيئًا فشيئًا، تحولت صورتنا إلى كابوس حقيقي لنا، كلما زلقت يد من أيادينا الأربع هنا وهناك، وتفجرت بين أصابعنا الحياة برمتها وليس مظاهر الحياة. قلنا فلتكن لعبتنا كبارًا، وإذا بها لعنتنا، إلى الأبد لعنتنا.
تفجرت الديدان من أجساد النساء، من مهابلهن، من سُرّاتهن، من أفواههن، من كينوناتهن. هذا ما نحن فيه من تطور يرفعنا إلى قمم الجبال، تلعثمت الفتاة السمراء، دون تأدية غرضنا. ديدان، ديدان، ديدان. محيط من الديدان. ديدان سمراء. تزحف، تتسلق، تدغدغ، توشوش، تدخل في صميم الأشياء، تغدو الأشياء، فتزحف الأشياء مثلها، تتسلق، تدغدغ، توشوش. شارع الشانزلزيه. ديدان. قوس النصر. ديدان. برج إيفل. ديدان. الحي اللاتيني. ديدان. مقهى آراغون. ديدان. باربِس. ديدان. مجزرة الجزائر. ديدان. بيغال. ديدان. كنيسة القديسة ماري. ديدان. فوبورغ سانت هونوريه. عاصمة الديدان. طريت الجدران، وماعت الظلال. كل باريس طريت. كل الظلال ماعت. انسكبت في نهر السين، لم تكفِ الديدان والجدران طعامًا. عظم حجم الديدان، فغدت لها قامات الحيوانات البائدة: ديناصورات وتنينات وحنفاوات. تعض. تمص. تلعق. تقضم. ديدان كما في الخيالات. انتشرت في الأساطير، والتهمت أروع الشخصيات. صارت شخصيات الأساطير الديدان. عوليس وهرقل وأخيل. موسى. علي بابا. الجنون. الجنون الدوريّ بالأحرى بعد أن غدت الديدان جنونها، وهي جنون العالم. التكنولوجيا من جنون إلى جنون، الوقت الذي تأخذ فيه نَفَسَها. التكنولوجيا لا المذاهب. المَكون. يتوقف الكائن (الإنسان) على المَكون (التكنولوجيا) في علاقة بطاطية إيجابية للتكنولوجيا وسلبية للطماطم. الديدان. الكُمون. البَرْء. لم تستطع عاهرات الجدار إعادتها فيها. كان جمعها يعني الإنهاء على العالم. الإبقاء على القرف. لون الرماد. لون الحب وكنزة الحياة. طعمها يثير القرف، اشمئزاز النفس. على اللسان طعمها خراء. كطعم ساندويتشات محطة الشمال. بالجامبون والزبدة. كطعم القهوة. كطعم القبلة. خراء مبهر. ديداني. مومسي. فيلمي. في السينما فيلم خرائي لمن يريد مضاعفة القرف. القرف. القرف من كل شيء، من كل شيء، حتى من أجمل امرأة، حتى من أجمل رجل، حتى من أجمل بنك. القرف من القرف، فلا شيء غير القرف. الوجود قرف، والعدم قرف. المال قرف، والجاه قرف. ماري-أنطوانيت قرف. جوزيفين قرف. بريجيت باردو قرف. افعلي شيئًا باسم القرف من أجل... ألا ينتهي القرف.

* * *

بدأت كارمن موظفة صغيرة على الرغم من شهادة الماجستير التي لها في الاقتصاد، لكن ذلك لم يعطل طموحها، وعلى العكس زادها طموحًا على طموح. جعلت لنفسها شعارًا: الغاية تبرر الوسيلة، ورسمت لها طريقًا: أعلى المناصب. عندما دعاها معلمها إلى العشاء، لم تتردد لحظة واحدة. وعندما أراد النوم معها، لم تقل لا. بعد أشهر قليلة، قدمها معلمها إلى معلم أكبر منه. بعد العشاء، والغرام، وجدت نفسها رئيسة لعشرة من المحللين. طالت قائمة علاقاتها وامتدت إلى عدة بلدان في أوروبا وآسيا، وراحت في رحلات عمل تكللت كلها بالنجاح. كان ذلك من وراء عروض البنوك الهامة جدًا للعمل معها، كشريكة هذه المرة. كأميرة مال. كفستان شانِل. لمّا تختم البورصة نهارها في صعود، لمّا تضاعف البنوك أرباحها، لمّا يبتسم الرأسماليون لبعضهم، ولمّا تُهرق الشمبانيا، ويُلتهم الكافيار، وتنشق التنورات حتى الخاصرة كاشفة عن أجمل السيقان في العالم.
- الأزمة كبيرة، قالت كارمن لكبار الموظفين في اجتماع عاجل، وهي ترفع يدين مليئة أصابعهما بالخواتم، لكنها في رأيي ليست كبيرة إلى درجة تلامس فيها حدود الكارثة.
- آنسة كارمن، أوضحي من فضلك، رجاها الرئيس المدير العام.
- سأطلق نفسي على سجيتها.
- كحربٍ من عقالها.
- كالعِنان للأهواء.
- نعم على الإطلاق.
- لينطلق اقتصاد البلد.
- هذا ما نسعى إليه كلنا.
- ونحن معه.
- شيء طبيعي.
- الأزمة تكون كبيرة عندما نعجز عن دفع صك بألف يورو لأحد زبائننا، ونحن اليوم قادرون على دفع ألف مليار يورو لليونان.
- صحيح ما تقولين، ولكن دينًا على دين.
- فلنعمل على استمرار ذلك، يا سيدي الرئيس المدير العام، وما أسهل ذلك، كما تعلم. نظام الدين على الدين، هو الحل.
- ليس إلى الأبد، احتج أحد الغيورين منها.
- إلى الأبد.
- ليس إلى أبد الأبد.
- عندما يضخ الكونغرس بنوك أمريكا بالمليارات ويعرقل الخطة الصحية لمواطنيه نعم إلى أبد الأبد، عندما يجد الرئيس الفرنسي المليارات لبنوكه ولا يجدها لتبريد الأرض نعم إلى أبد الأبد، عندما لا ينام الاتحاد الأوروبي الليل وهو يفكر في كيف يردم البراكين المالية في إسبانيا بلدي الأصلي وغير إسبانيا ولا يُبدي أية أهمية لانهيارات بلدان الربيع العربي نعم إلى أبد الأبد.
ضجت القاعة بصيحات الإعجاب.
- لكن علينا الحذر كل الحذر من دسائس السياسيين من كل لون القادمين إلى حضن الجمهورية التي يتغطون بها جميعًا ليخفوا الحضن الآخر، المشتهى، الحضن الساعين إليه على الأربع، كما يجري في الغاب، حضن السلطة، ولا يترددون لحظة واحدة عن اللجوء إلى شتى الوسائل، بتعصبية تفوق بكثير التعصبية الدينية، وكل هذا باسم الفرنسيين، الفرنسيين، الفرنسيين، والفرنسيون آخر من يعلم، وآخر من يخولهم حق التكلم باسمهم. الفرنسيون شغلنا نحن، إذا سقطنا سقطوا معنا، بينما نحن سنبذل حياتنا كيلا نسقط.
ومن جديد، ضجت القاعة بصيحات الإعجاب، ولم يتردد بعضهم عن التصفيق، وبعد ذلك كلهم، تصفيقًا حارًا متواصلاً. أسكتتهم بحركة ملحة من يدها، وعندما خيم الصمت، ترددت فيما تقول:
- الحقيقة، أود قول، هناك شيء، أريد أن أقول لكم... وأنا صغيرة، كان في حديقتنا جدار، ثلاث أو أربع مرات أطول مني، بالنسبة لي على حافته كانت السماء، قبة الكون. لم تفهم أمي لماذا أحاول تسلق الجدار دون أن أطلب عونًا من أحد، وهي آخر من أطلب عونها، لأنها أمي التي كانت تدللني أكثر من أي أم أخرى ربما، ولأنها لم تكن ترى ما أراه، قبة الكون، عليك أن تصعد إلى قبة الكون وحدك، شرط ألا تزلق قدمك! كانت تعتقد أنني أريد النزول من الناحية الأخرى للجدار، بينما كانت السماء تغمزني بعينها، وتتحداني. قبة الكون! ولما تكون فوق، أنت لا تسمح لنفسك بالنزول، وإلا كان السقوط في أعماق المحيط. ماتت أمي وهي حائرة في أمرها...
في المساء، دعاها الرئيس المدير العام إلى العشاء، ولم تقدم جسدها في المساء ذاته. أرادت أن تناور كما تناور في البورصة لتضمن الدَّيْن القادم. وكان للرجل المالي القوي ما رغب بشرط أن يقدمها لوزير الاقتصاد. لن تحلم الديناصورات بجسد كهذا في أحضانها، وعقل كهذا في رؤوسها، وقامة كهذه تغطي كل الدائرة السادسة عشرة. سأكون في قدمك خاتمًا من الذهب في الليل وعلى صدرك عقدًا من الماس في النهار. سأرضي كل محرومي باريس بفعل الجنس معك وأشبع معدهم بقبلاتك. سأضع حدًا للبطالة على ثدييك وأقلب مجرى الأسعار على إليتيك. هذه هي سلطتي. هذه هي كفاءتي. هذه هي حريتي. نهر السين. برج إيفل. قوس النصر. الحب النقود. السعادة البورصة. الحُلم قصر الإليزيه.
في اليوم الذي قررت فيه سمراء مدريد النوم مع الوزير، وجدته قتيلاً في الشِّقَّة الفخمة التي اكتراها خصيصًا لها في فندق الهيلتون.



* يتبع القسم التاسع



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وصول غودو القسم السابع نسخة مزيدة ومنقحة
- وصول غودو القسم السادس نسخة مزيدة ومنقحة
- وصول غودو القسم الخامس نسخة مزيدة ومنقحة
- وصول غودو القسم الرابع نسخة مزيدة ومنقحة
- وصول غودو القسم الثالث نسخة مزيدة ومنقحة
- وصول غودو القسم الثاني نسخة مزيدة ومنقحة
- وصول غودو القسم الأول نسخة مزيدة ومنقحة
- هاملت النص الكامل نسخة مزيدة ومنقحة
- هاملت القسم الرابع والأخير الرواية الجديدة لأفنان القاسم
- هاملت القسم الثالث الرواية الجديدة لأفنان القاسم
- هاملت القسم الثاني الرواية الجديدة لأفنان القاسم
- علي الخليلي ابن صفي ابن بلدياتي
- هاملت القسم الأول الرواية الجديدة لأفنان القاسم
- قرصنوا إيميلي واغتصبوا اسمي
- كوابيس المجموعة القصصية
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس العاشر: الأحمر
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس التاسع: الأصفر
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس الثامن: الأسود
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس السابع: الدولة
- القصص الأخيرة لأفنان القاسم الكابوس السادس: النفق


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - وصول غودو القسم الثامن نسخة مزيدة ومنقحة