أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 5















المزيد.....


هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 5


ياسين المصري

الحوار المتمدن-العدد: 4383 - 2014 / 3 / 4 - 18:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ ـ 5 ـ
النبي والفكرة الإسلاموية
في البداية نتذكر قول الشاعر اليمنى عبدالله البردُوني:
فـظـيع جـهـل ما يجـري وأفـظع مـنه أن تدري
❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-
من الواضح في هذه المنطقة من العالم أن الصراعات الدينية كانت ولازالت حتى الآن تستخدَم في أغلب الأحيان ـ إن لم يكن دائما ـ كغطاء لـلمعارضة السياسية. فليس بالإمكان مناهضة الحكام باسم المصالح المادية، كما هو الحال عادة في العمل السياسي العادي بين البشر جميعا، بل مقاومتهم باسم المصالح الروحية للوصول إلى السلطة، وبسط النفوذ وتحقيق المآرب المادية والمعنوية بشتى صنوفها. فالمقاومة لا تحدث من أجل المطالبة بـالحريات السياسية أو العدالة الاجتماعية أو الكرامة الإنسانية، أو غير ذلك، بل لـلدفاع عـن العقيدة والإيمان. وكلما كانت العقيدة غامضة والإيمان هو الهوس بعينه، كلما تمكنت المصالح المادية من الإلتحاف بهما.
❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-

كانت الحياة الروحية في منطقة الشام في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، موضع خلاف شديد. الأمر الذي كان يثيرَ حماسَ الـناس ويدفعَ البعـض منهم حتى الاستـشهاد؛ كما كانت أيـضا سلاحـا سياسيا مثاليا يتيح مقاومةَ أي حاكم يرغب في فـرض عـقيدته على المواطنين. فكان الـتصدي لتأكيد المصالح الشخصية تحت غطاء الصراع الديني قد ميز تاريخَ بلاد الشام في تلك الحقبة من الزمن.

كذلك عندما يدعي الحاكم أنه رجل دين، فإن ذلك يتحتم عليه أن يكون مشرعا دينيا وأن يفرض بنود الإيمان الذي يعتنقه على رعاياه بالقوة. فلم يكن مقبولاً في ذلـك العصر وجودُ طريقتين للعبادة داخل الدولة الواحدة. فالذي كان يـرفض العبادةَ الرسمية ليـس مصيره جهنمَ فحـسـب، بل يُعتبر أيضا متمردًا على الحاكم. وأي مطالبةُ للمرء بـحقه فـي تـفـسير أو ممارسة حتى بند واحد من العقيدة على هواه كانت تعد شكلاً من أشكال المعارضة السياسية. من هنا جاءت أهمية النزاعات الـدينية التي كانت تثير الـسكانَ العاجزين عن فهم الأمور الـعقائدية الدقيقة كالهرطقات التي كانوا يدافعون عنها، والمرتبطة مباشرة بالحياة السياسية.
❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-

ومع تورم طبقة العملاء ـ رجال الدين ـ تحول ذلك إلى وباء يميز منطقة الشرق الأوسط بكاملها. ومازال سائدا في دولها حتى اليوم. مع اختلاف واحد هو أن الحاكم يدعي حماية الدين ويترك للعملاء مهمة التشريع الديني بهدف تخدير المواطنين سياسيا وتحويل أنظارهم عن مشاكلهم الحقيقية، بشرط ألا يعترضون على ممارساته الشخصية تحت القاعدة النبوية الحمقاء "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وألي الأمر منكم " . وإذا يشذت منهم عن هذه القاعدة تهوي عليه يد الحاكم الغليظة. وأصبح على العاقل منا أن يسأل نفسه عن أهداف المئات من الجماعات الإرهابية الإسلاموية بشتى مسمياتها منذ الخوارج وحتى الإخوان المتأسلمين أو غيرهما، وماذا تريده هذه الجماعات بالضبط!!.
أما الذين سحرهم الغرور وأعماهم الهوس الديني نذكرهم بقول أبي العلاء المعري:
أيها الغُـرِّ قد خُصِصْتَ بعقلٍ فاسْألـنَّهُ، فكلُّ عـقـلٍ نبيُّ
❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-
ذكرنا فيما سبق أنه عندما ازداد عـدد السراسنة Saracens في بادية الشام أطلق الإمبراطور "تراجان" على الأراضي القاطنين فيها شرق الأردنّ اسمَ "الإمارة العربية". وكانت الإدارةُ الرومانية تشجِّعهم على اعتناق المسيحية، وتعمل على "تحضيرهم"، فمنحتهم الأراضيَ بهدف توطينهـم أكـثر فـي الأرض للتقليل من هجماتهم المتكررة على القرى والمدن.

يقول الأستاذ عرفان الشهيد « نحن نعرف من الكتابات المنقوشة بأن Abochorabus الذي ذكره المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس هو أبو كارب إبن جبلة ملك الشام الغساني وقد توفى عام 529م وكان له إبنان هما الحارث الذي خلفه في السلطة على بلاد الشام، والثاني أبو كارب الذي رأس المنطقة الجنوبية باتجاه خليج العقبة.
وأن أبا كارب الغساني كان زعيم السراسنة في منطقة خليج العقبة وقد أعطى الإمبراطور البيزنطي لوستنيان Lustinian واحة من النخيل [Phoinikon} كهدية. تلك الواحة كانت على تخوم تبوك أو دومة الجندل. »

Irfan Shahid, Byzantium and the Arabs in the sixth century, volume 2, Part 1, Dumbarton Oaks, 1995, page 126.

ويتحدث المؤرخ Nonnosus في القرن السادس الميلادي عن: "معبد قريب من مدينة البتراء في منطقة خليج العقبة كان السراسنة والفينيقيون يعتبرونه كمكان مقدس مكرَّس لإله لا أدري من هو ويجتمعون هناك مرتين في السنة".
Nonnosus cited by Photius, Bibliotheco, 1.5

وذكر الواقدي في المغازي الجزء الثاني صفحة 355 هذا المعبد وقال إن محمدا في غزوته إلى تبوك صلى في "مسجد" في تبوك، وكان ذلك المعبد معروفا للقوافل التي كانت تأتي من الجنوب ذاهبة إلى سوريا وفلسطين. ووضع حجرا قبالة ذلك المعبد، إذ يقول الواقدي : " ولما انتهى رسول الله إلى تبوك وضع حجرا قبلة مسجد تبوك بيده وما يلي الحجر، ثم صلى الظهر بالناس، ثم أقبل عليهم، فقال: ما هاهنا شام، وما هاهنا يمن".
من الملاحظ أن أوائل المؤرخين المتأسلمين كانوا يسمون كل معبد مسجدا، للإيحاء بأن التأسلم سبق الرسول إلى أماكن الغزو، الأمر الذي لا يبرر غزوه لها. فإذا كانت قد تأسلمت وفيها مسجد فلماذا يغزوها؟؟!!، ولكنها الفبركة، والاستهانة بعقول البشر.

وقال بلينيوس Plinius في كتابه التاريخ الطبيعي Natural History : « إن الشعب المعروف بالسراسنة كشعب يعيش في خليج العقبة، ليس بعيدا عن مدينة البتراء وهم القبائل التي تقيم في الصحراء المتصلة بأدوم جنوب الأردن بالقرب من مدينة البتراء. »
Forster, The Historical Geography of Arabia, 1, page 20.

ويقول الباحث البيزنطي إبيفانوس Epiphanius في كتابه تاريخ الكنيسة الذي كتبه في منتصف القرن السادس الميلادي: « إن السراسنة في شرق خليج العقبة كانوا على اتصال بالإمارة العربية التي كانت تابعة لروما. » وهو يعني تلك الإمارة التي التي أطلقها الإمبراطور "تراجان" على مناطقهم.
Cited by Jan Retso, The Arabs in Antiquity: Their History from the Assyrians to the Umayyads, Routledge 2003, page 505 and 506.

❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-

نعود ثانية إلى الموضوع فنجد أنه في خضم فوضى الهرطقات، كان نفوذ العربان المسيحيين "السراسنة" في بادية الشام يتزايد ويتسع وكـان رؤسـاؤهـم الأكـثـر جـرأة ووحشية يـوطدون سـيطرتَهـم على الـمدن القريبة من الصحراء القاطنين فيها. فتمكنوا من حكم حمصُ ودمـشـقُ عـندما فقدت الأمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية نفوذهما على المنطقة برمتها، ومن ثم فقدَ السلوقيون الأواخر قدرتَهم على فرض احترام السكان لهم.

نشأت الهرطقة الإسماعيلية بين البدو العربان الذين اعتنقوا المسيحية على أساس الزعم بأنهم أبناء إسماعيل بن النبي العبراني إبرهم أو إبراهيم كما يسمونه، وأن إسماعيل هذا ابن الجارية هاجر وقد حرم من العهد الإلهى على عكس أخيه إسحاق إبن السيدة سارة. وعندما نشب خلاف حاد بين اليهودية والمسيحية حول طبيعة المسيح والثلوث المقدس وصلبه، نهج أولئك البدو منهجا وسطا بين الديانتين معتمدا على هرطقات أخرى تقول إن المسيح لم يصلب ولكنه شبه لهم وأنه مجرد رسول من عند الله.
تبنى هذا النهج الأسطوري شخص من أولئك العربان المسيحيين يدعى "قثم" كغطاء ديني لمعارضته السياسية ضد الحكام الساسانيين والبيزنطيين. وتشير كثير من الدلائل على أنه لم يولد أو ينشأ في مكة، وإنما ولد ونشأ في منطقة ما تقع شرق البحر الميت أو شرق خليج العقبة، وقد تكون قريبة من مدينة البتراء الأردنية، مالم تكن المدينة نفسها. فالأماكن التي وصلتنا منها العديد من الكتابات المنقوشة أو المحفورة على الآثار، تقع جميعها في شمال أو جنوب شبه الجزيرة، أما منطقة الوسط فكانت ولا زالت مجهولة حتى الآن. وهي بالتحديد المنطقة التي من المفترض أنها شهدت حياة النبي وفقا للموروث الإسلاموي، إذ لا نعرف ماذا كان يحدث هناك إلا من خلال ما تخبرنا به كتب التراث الإسلاموية. هذا ولم يذكر مصدر واحد من خارج هذه الكتب مكة قبل الغزوات الإسلاموية، وعندما ظهرت في مصادر متأخرة لم تخبرنا تلك المصادر بماذا كان يجري في "مكة" وبماذا كانت تشتهر به.
من المرجح أيضا وبشكل كبير أن الفترة المكية لهذا النبي ليس لها وجود وأنها أضيفت فيما بعد. وأن الفترة الأولى من حياته قضاها في مكان ولادته، وأن هجرته لم تكن من مكة إلى المدينة ولكنها كانت لجوء أو هروب سياسي إلى الجنوب حيث استقر في يثرب، التي بلا شك سبقه إليها نفر غير قليل من أتباعه المتمردين وغيرهم من أتباع الهرطقات الأخرى من اليهود والمسيحيين؟؟ وأنهم ـ لأهداف مادية ـ اسسوا في مكان غير ذي زرع على الطريق التجاري استراحة للقوافل أطلقوا عليها إسم "مكة" ومعبدا سموه "الكعبة" مثله مثل عشرات الكعبات الأخرى المنتشرة على طول الطريق وفي أماكن أخرى من شبه الجزيرة.
وظل النبي وأتباعه يصلون نحو القدس، حتى بعد هروبهم إلى يثرب، ولكن عندما دب الخلاف بينه وبين اليهود والنصارى القاطنين في يثرب لعدم اعترافهم بنبوته، غير القبلة إلى مكة.
إذن وجود مكان يطلق عليه مكة معلومة صحيحة، ولكنها أنشئت على الأرجح في نهاية القرن الخامس الميلادي، وأن بها "كعبة" لعبادة الأوثان أمر ممكن جدا، فشبه الجزيرة كانت مليئة في ذلك الوقت بالكعبات المماثلة، بيد أننا لا نعرف بشكل مؤكد أي شيء عنها.
ومما يؤكد الشك أكثر في المكان، الذي نزل الوحي فيه برسالة الأسلمة، حقيقة أن القرآن يصف خصومه المشركين بالمزارعين، الذين يزرعون القمح والعنب والزيتون ونخيل البلح، إذ نجد أن المحاصيل الثلاث الأولى تعد من محاصيل البحر الأبيض المتوسط، بينما نخيل البلح يأخذنا جنوبا، حيث منطقة خليج العقبة التي حصل فيها الإمبراطور البيزنطي لوستنيان على واحة من النخيل كهدية من أبي راكب الغساني زعيم السراسنة. فمنطقة مكة كما جاء في القرآن ليست مناسبة لأي نوع من الزراعة، ومكة بلد بغير ذي زرع.

بالإضافة إلى ذلك، يصف القرآن مرتين خصومه أنهم يعيشون مكان أمة أبادها الله بسبب خطاياهم. وقد وجدت أماكن مهدمة بشمال غرب الجزيرة العربية (مدينة البتراء ومدائن صالح). وأن النبي كان يطالب خصومه بإدراك أهمية تلك الأماكن والاتعاظ بما حدث للأمم السابقة التي عاشت فيها.
وفي إشارة إلى قوم لوط يقول القرآن: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل} (الصافات 137 ، 138). وهذا يأخذنا إلى مكان ما في منطقة البحر الميت. ويقول المفسرون إن قريش كانت تمر بأطلال قوم لوط في رحلاتهم السنوية إلى سوريا، ولكن المرء لا يمر بمكان ما في الصباح والمساء، كما جاء في الآية، إلا إذا كان يعيش بجواره.
❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-

من ناحية أخرى يذكر القرآن الإسلاموي رحلتين للقرشيين إلى سوريا، رحلة الشتاء ورحلة الصيف. بينما كتب التراث تقول أنه كان هناك أكثر من رحلتين في العام.
فنجد مثلا أن محمدا أرسل سرية بقيادة عمه حمزة بن عبد المطلب في الشهر السابع من الهجرة في 30 رجلا من المهاجرين والأنصار لاعتراض عير قريش القادمة من الشام وفيها أبو جهل بن هشام في 300 رجل.
وفي الشهر الثامن ـ أي بعد شهر واحد ـ سرية أخرى بقيادة عبيد بن الحارث بن عبد المطلب في 60 رجلا من المهاجرين فلقي سفيان بن حرب على رأس قافلة عائدة من سورياوهو في مئتين من أصحابه على عشرة أميال من الجُحفة.
ثم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرَّار ـ بين الجُحفة ومكة ـ في الشهر التاسع من الهجرة ـ أي بعد شهر من الثانية ـ يعترض عير قريش التي فاتتهم.
ثم غزوة الأبواء حيث خرج صلعم في شهر 12 من الهجرة ـ أي بعد ثلاثة أشهر من الغزوة السابقة ـ إلى الإيواء يعترض لعير قريش الذاهبة إلى سوريا.
ثم غزوة بُواط بعد 13 شهرا من الهجرة.
ثم غزوة ذي العشيرة في شهر 16 بعد الهجرة. وبعدها بشهر أرسل سرية عبد الله بن جحش الأسدي لاعتراض قوافل قريش الآتية من اليمن، فمرت بهم قافلة لقريش تحمل تجارة لمكة فهاجموها وقتلوا عمرو بن الحضرمي، وأسروا اثنين آخرين، وعادوا بالبضائع والأسيرين إلى المدينة.
فكيف إذن يوهمنا قرآن المتأسلمين برحلتين في العام لقريش إلى الشام؟؟!!

الشيء الذي لا يمكن أن يصدقه عقل سليم هو الزعم بأن النبي العبراني إبراهيم وزوجته الجارية هاجر وإبنهما إسماعيل قطعوا مئات الأميال في طرق وعرة وخالية من الزرع والماء وربما البشر أيضا ليصلوا إلى مكة ليبنوا الكعبة، فراح الناس يأتون إليها من كل فج عميق للحج ـ الرواية المذكورة في القرآن ـ، فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يسمع عنها أحد، ولم يرد لها ذكر في كتب المؤرخين البيزنطيين والساسانيين، ولم يتطرق لها الكتاب المقدس، رغم أنه ذكر عدة مرات مدن عربية أخرى كثيرة منها قيدار وتيما وديدان وغيرها؟ وتكلم بوضوح عن أورشليم القدس بوصفها مدينة معروفة عالميا في ذلك الوقت.
❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-❊-;-

وفي كتاب منصور بن سرجون التغلبي المعروف بإسم يوحنا الدمشقي (676 ـ 748م / 54 ـ 127ع)، حول الهرطقات المسيحية بعنوان "On the Heresies"، والذي ألفه بعد 100عام على موت محمد وضمنه مـئة هـرطـقة خـصص الأخيرة منها لمذهب الإسماعيليين، يقول:
« نحن نعارضهم (الإسماعيليين) قائلين:
من الذي يشهد بأن الله أنزل إنجيل Biblos محمد (يقصد القرآن) عليه؟ وإذ يشعرون بالإحراج فإننا نواصل قائلين:
لقد تلقى موسى الشريعة فوق جبل سيناء أمام عيون الشعب، وتجلى الله في الغمام والنار والدخان والعاصفة ... فلماذا لم ينزل الله عليه إنجيله بحضوركم كما نزل الشريعة على موسى بحضور جميع الشعب ... وذلك حتى تكونوا متيقننين تماما؟
فيجيبون: الله يفعل ما يشاء.
فنجيبهم: نحن نعرف هذا ولكن كيف نزلت مجموعة النصوص"Suggraphe" على نبيكم؟
فيجيبون: نزل عليه أثناء نومه وبالتالي لم يكن واعيا بالفعل الإلهي.
نقول لهم من جديد: لقد شرع لكم (محمد) في إنجيلكم ألا تفعلوا شيئا دون شهود وألا تعقدوا صفقات دون حضور شهود، فكيف لم تقوا له: إئتنا بشهود أنت أولا تثبت بهم أنك نبي وأنك رسول من الله؟ إن الذي أعطاكم الإنجيل (أي محمد) ليس له مطلقا أي حجة (على نبوته) وقد تلقى الإنجيل في المنام (ص 32).

إذن يوحنا الدمشقي تناول "ديانة الإسماعيلين" على أساس أنها "هرطقة" ولم يطلق عليها لفظ "الإسلام" بالرغم على مرور أكثر من 100 عام على ظهورها، كما أنه يشكك في الوحي الذي لم يصفه بـ"القرآن"، بل أطلق عليه تعبير "إنجيل محمد"، لأنه حدث دون شهود، أي أثناء النوم، وأنه مجرد أضغاث أحلام لا دليل عليها. ويعلق الأستاذ محمد النجار على ذلك يقوله: « ومن العجيب أن المسلمين الذين يحاورهم لم يشيروا ولو عرضا إلى الحالات الأخرى التي نزل بها الوحي حيث يمكنهم القول: بلى لقد كنا شاهدين على الوحي وكان القرآن ينزل والنبي بيننا ونحن نشاهده، ولكن نراهم يصرون على موقفهم قائلين: الله يفعل ما يشاء ». المصدر: الحوار المتمدن، قراءة في بعض السيرة النبوية 3/1 بتاريخ 11/6/2010.

مما سبق يتضح بأن الجميع لم يكن لهم علم إلا بأن الوحي نزل على النبي في المنام فقط لا غير. وهذا يؤكد قول عائشة: « أوَّل ما بدأ به رسول الله (ص) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ...». كما تؤكده أيضا كتب التراث من أن المدعو جبريل جاءه وهو نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال إقرأ (الرواية المعروفة) وهي رواية مقتبسة بالكامل من سفر إشعيا 40 ، 6 ). ويعلق الأستاذ النجار على هذا بقوله إن هذه المعلومة تمت إضافة "بهارات" أخرى إليها من طرف الرواة في مرحلة التدوين (في العصر العباسي الأول) التي تلت ذلك الوقت وامتدت عشرات السنين وشهدت انفجارا عجيبا في الاهتمام بالتأليف والكتابة في كل الفروع الدينية من السيرة حتى الفقه والحديث » .... إلخ.

وبخصوص الملاك العبراني المدعو جبريل، فهو عند العبرانيين "جبرائيل" أي الإله "إيل الجبار"، وصورته مقتبسة من مذهب"المغتسلة Elcésaites" الذين يغتسلون بالماء الجاري، وقد ظهر في القرن الثاني الميلادي وتحدث عنه عبد الله النديم في الفهرس. وهو مذهب يهودي ـ مسيحي، إعتنقه الصابئة المندائيين في الأقاليم الواقعة بين دجلة والفرات في العراق، أثناء احتلال الساسانيين الفرس لها، وقد ذكرهم القرآن في قوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يجزنون}..


ملحوظة: يجب ألا ننسى أن النبي وأتباعه لم يأخذوا بقول ربهم هذا فيما بعد وأطلقوا عمليات الإرهاب والقتل والتشتيت على أولئك اليهود والنصارى، ومازالت هذه العمليات جارية على قدم وساق حتى الآن.
وقد إدعى مؤسس هذا المذهب أنه أوحي إليه بكتاب مقدس من طرف جبريل الذي كان يغطي الأفق وطوله ستة وتسعين ألف ميل، وعرضه ستة عشر ألف ميل، ... إلخ. وقد تعلم النبي الفارسي "ماني" هذا المذهب في صغره، إذ كان يتبعه أبوه. ومع تقدمه في العمر تخلى عن مذهب المغتسلة وزعم أنه (الفارقليط) الذي بشر به المسيح. فدخل "المانوية" إلى المرويات الإسلاموية من جانب يهودي ـ مسيحي ـ فارسي، إذ أن أغلبية جامعي الأحاديث من أصول فارسية..... كما أن المانوية كانت موجودة في مكة....، وأنها تحتوي على خمسة أركان هي : الوصايا الموجودة حاليا عند الشيعة والصلاة والزكاة والصوم والاعتراف بالخطايا التي يقابلها الحج بوصفه أيضا يمحو الذنوب.
وفي خضم فوضى الأحاديث، خاصة في العصر العباسي الأول، وُضعت لصورة جبريل ستمائة جناح وأحيانا يأتي لابسا عمامة من استبرق، راكبا على بغلة وقد يكون رأسه مليئا بالغبار بعد اشتراكه في المعارك النبوية وكثيرا ما كان يشبه دحية الكلبي، أو يأتي أحيانا في صورة شيخ .. هكذا.

أما الخلفاء "الراشدون"، في يثرب، فهم بلا شك كانوا حكاما محليين لا قيمة لهم. لذلك لم يرد أي ذكر لهم في كتب التاريخ الغير إسلاموية أو أي من العملات الأثرية المكتشفة والتي صكت في وقت مبكر من ظهور الديانة المحمدية، ويذهب الدكتور سليمان بشير إلى أن عثمان كان واليا في يثرب من قبل معاوية في دمشق. وكان لا بد للعباسيين أن يركزوا على هذه الفترة ضمن فبركتهم للتاريخ، بهدف التقليل من قيمة الأمويين الذين اغتصبوا الحكم ممن يستحقونه، كما جاء به الموروث الإسلاموي. إذ من المعروف في هذه المنطقة من العالم أن كل حاكم يبني مجده المزيف على أنقاض أو جثث من قَـبْلهِ من الحكام.

كذلك فإن المراجع التاريخية الغير إسلاموية التي كتبت في ذلك الوقت تؤكد بأن الغزوت العربانية المسماة بـ "الفتوحات الإسلاموية" ما هي إلا غزوات قام بها معاوية وخلفاؤه من الأمويين لتوسيع مملكتهم والسعي وراء الغنائم والجزية وغيرها مما كان شائعا في تلك الأزمنة، ولم يكن له صلة على الإطلاق بالديانة الإسلاموية. وأن هذا الزعم جاء لاحقا من قبل العباسيين كفصل آخر للإمعان في التقليل من أهمية الأمويين.
لا شك أن " قثم " الذي لقب بـ "محمد" فيما بعد، مثله مثل أي متمرد سياسي، قام بالكثير من العمليات الإرهابية المذكورة في التراث الإسلاموي، ولكنها لم تكن فتوحات بل كانت بهدف الغنائم والسلب والنهب وقتل الرجال وسبي البنين والبنات والنساء، تحت غطاء ديني كثيف من إله خاص. وأنه ترك أثرا كبيرا في الذاكرة الجمعية لأتباعه، وعندما رأي الأمويون ضرورة البحث عن هوية خاصة بهم لتأكيد سلطتهم على العربان، راحوا يبحثون عن أقواله المتناثرة في أذهان الناس هنا وهناك ، فأتى معاوية ـ تبعا لما تقوله المرويات التراثية ـ بشخص مجهول الهوية ولم يعيش بجانب النبي سوى عام واحد فقط، يُعرَف في التراث الإسلاموي بـ"أبي هريرة" ليقيم في قصره، ويفبرك له الأحاديث النبوية التي ترفع من مكانة الأمويين. وفي العقد الأخير لحكمهم تم جمع البعض منها. ثم تلقفها من بعدهم عملاء العباسيين، من الفارسيين، ليحزفوا منها ويضيفوا إليها ما شاء لهم، حتى أصبحت هزيانات و هلوسات لا نظير لها في أي ديانة من ديانات العالم التي لاحصر لها. وتم فرضها على رعاياهم بالإرهاب والقتل.

فكان لا بد للعملاء المتأسلمين أن يتفرغوا دائما وأبدا للدفاع عن هراء أبي هريرة وغيره ممن رضي الله عنهم وأرضاهم، مرة لإثبات نبوة محمد ومرة أخرى لدرء الشبهات الإسلاموية العديدة والتليدة، ولكن دائما وأبدا بقدر لا يستهان به من التلفيقات التي لا يصدقها أقل الناس ذكاء في العالم.

ملحوظة:
المقالات الخمس السابقة كانت مجرد شذرات وتحفيزات بسيطة وخالية من التفاصيل والخرائط وبها القليل من الأدلة المادية والمراجع العلمية التاريخية، لذلك سوف يتوقف نشرها عند هذا الحد لإفساح الوقت كي يتم إعداد كتاب بعنوان "الإسلام جاء من بلاد الفرس"، يتضمن الكثير من الأدلة المادية والمراجع العلمية والتاريخية المدعمة بالخرائط الموثقة، وإجابة علمية مفصلة لسؤال "هل الإسلام فارسي أم عربي؟" وهو عنوان مقال رائع ومفيد للأستاذ جاسم الزيرجاوي، فقد لفت نظري إليه مشكورا في موقع الحوار المتمدن، العدد 3720 بتاريخ 7.5.2012.
هذا وسوف يتم نشر الكتاب على مواقع الإنترنت حال الانتهاء من إعداده.
مع التذكير بكتابي "الخديعة الكبرى ـ العرب بين الوهم والحقيقة" والذي يقدم طرحا شاملا لهراء وهزيان الديانة الإسلاموية. ويجده القارئ على العنوان التالي:
http://www.4shared.com/office/EnYKYto6ba/____.htm

ودمتم جميعا بكل خير



#ياسين_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 4
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 3
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس ؟ -2
- تعليق سريع على حوار القراء المتمدن
- هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟
- المرض المزمن الذي أصاب المصريين
- الناس اللي تحت
- إنتو شعب واحنا شعب حكاية حزينة للغاية
- مصر والطريق إلى الديموقراطية
- الشيخ أحمد وزملاؤه
- أما آن الأوان للأزهر أن يتحرك؟؟
- بين هذا وذاك
- العربان المتأسلمون
- الشيطان الأكبر


المزيد.....




- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين المصري - هل الإسلام جاء من بلاد الفرس؟ 5