أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالب محسن - التعاويذ بدل العلم















المزيد.....

التعاويذ بدل العلم


غالب محسن

الحوار المتمدن-العدد: 4381 - 2014 / 3 / 2 - 17:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كنت قد تعودت وأنا أقوم بتماريني الرياضية على الدراجة داخل البيت الأستماع للموسيقى أو أتابع أحياناً ما هو مُسلي في التلفزيون ، على قلته ، حتى لا أشعر بالملل . وفعلاً عندما أخذني الملل بدأت بتقليب القنوات التلفزيونية حتى عثرت على قناة لم أعرف أنها موجودة قبل هذ اليوم وهي قناة الرقية. وقد أثارتني الأحاديث والتعليقات والصور واللوحات والنصوص التي عرضتها فألتقطت بعض الصور لتلك النصوص ودفعني الفضول أكثر لدرجة أنني أنهيت تماريني الرياضية قبل وقتها وقررت كتابة بعض الأسطر في الفيسبوك وإذا بها تكبر فصارت مقالاً.

الرقية ببساطة شديدة هي العلاج بالتعاويذ :
1. الرُّقْيَةُ - رُقْيَةُ : العُوذَة التي يُرْقَى بها المريض ونحوُه . والجمع : رُقًى . ويقال لِما يُؤَثِّرُ : رُقْيَةٌ . المعجم: المعجم الوسيط
2. رقية : ما يستعان به من أساليب ووسائل وكلام لشفاء مريض ، أو شفاء من أصابته عين أو لدغته حية ، أو لطرد الأرواح الشريرة ، أو نحو ذلك . المعجم: الرائد
3. رقية - رُقْيَةٌ : جمع : رُقىً ، رُقْياتٌ . [ ر ق ي ]. " يَأْمُلُ شِفاءً بِرُقْيَةٍ ": ما يُرْقَى بِهِ المريضُ مِنْ كَلامٍ أَو كِتابَةِ حِرْزٍ . لا رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ ( حديث ). المعجم: الغني

والعلاج بالتعاويذ ليس جديداً فقد كان معروفاً منذ القدم و في معظم الحضارات القديمة تحت مسميات عديدة وأن تداخل أحياناً مع السحر . فقد عرفه البابليون والمصريون والكنعانيون وحتى الأغريق . وقد تركت لنا هذه الحضارات الكثير من الآثار التي تدلل عليه . والمصريون هم أكثر من أهتم به أرتباطاً بأهتمامتهم الشديدة بما بعد الموت و أشهرها عرفت بنصوص الأهرام. وفي معظم الأحيان أرتبط الكثير منها ببعض الشعائر والطقوس أو الرموز الدينية وليس فقط للعلاج من الأمراض أولتحقيق الأماني . وما زالت بقاياها منتشرة حتى الآن ولم تقتصر على ثقافة أو ديانة أو منطقة جرافية محددة دون غيرها وإن تباينت أحياناً في شدة تداخلها مع تلك الثقافات .

وهناك أشكال عديدة للتعاويذ في النصوص المستخدمة أو الأحجار والأبخرة ...الخ منها ما هو للعلاج والحماية من الكوارث والأمراض ، وما هو للأنتقام وألحاق الأذى بالغريم أو العدو ( تسمى أحياناً بالتعاويذ الهجومية والمضادة لها هي الدفاعية ) أو للتقرب للآلهة . ويمكن ملاحظة بقاياها في العديد من هذه البلدان لكنها بقيت على الأرجح ( خصوصاً تلك التي ما زالت ترزح تحت سطوة التخلف ) في حدودها العفوية وربما تحولت في أحيان الى جزء من فلكلورها الشعبي . أتذكر عندما كنت صغيراً كنت أحمل مثل تلك التعاويذ معلقاً عند كتفي لحمايتي من كل أنواع الشرور والأمراض والحسد (يعني من النوع الدفاعي) . بينما كانت جارتنا تضع تعاويذاً عند باب الجارة المجاورة لتنتقم منها (يعني من النوع الهجومي) . كان ذلك في الحضارات القديمة والتي لم تجعله بديلاً عن علوم الطب إلا في العهود البدائية .

لكن يجري اليوم الترويج للتعاويذ من جديد وإن بتحوير في التسيمية بما يُعرف بالرقية الشرعية المنتشر هذه الأيام بكثرة في الخليج بأعتباره من أبداعات وأنجازات أتباع محمد بن عبد الوهاب وفي ظل حماية ورعاية المملكة وخادم حرميها . بعبارة أخرى العمل على جعلها مألوفة وتشجيع ممارستها وربما وضعها كمادة تدريسية في المدارس أيضاً . فقد شاهدت قبل مدة برنامج الساعة الثامنة على قناة أم بي سي وهو يشجع على تقبل الرقية الشرعية في علاج الأمراض والسحر والجن ويجعل ممن لا يعترف بها وكأنه قد كفر بالله بأعتبار أنها تعتمد على القرآن والدعاء في العلاج . وهكذا لم تكتفي هذه الأنظمة الفاسدة بأستغلال الدين في السياسة بل وتعمل على أحلاله محل العلم تماماً كما لو كنا في العصور المظلمة الوسطى .

تقدم قناة الرقية هذه (ما شاهدته يوم السبت الأول من آذار ) أنواع من الخدمات والنصائح للمشاهدين وأذا تطلب الأمر تدعو الى مراجعة مستشاريها المختصين في محاربة السحر وكتابة التعاويذ وذلك عبر ما يعرف بالرقية الشرعية والذي أصبح علماً مستقلاً ( كما يدعي أصحابها ) بل ويتجادلون مع الأطباء ويتركونهم في حيرة من أمرهم أمام تأويل آيات القرآن . وفي الواقع يُفاجئ المشاهد بأن الكثير من الأمراض التي نعاني منها ليست أسبابها بكتيريا أو فايروس أو وراثة أو ربما المشاكل الأجتماعية والنفسية مما نعرفه وتعلمناه بل قد يكون خصومنا هم من أصابونا بها بل وحتى المشاكل في العلاقات الزوجية التي قد يكون سببها الظاهر الأنانية و الحسد والغيرة أو غيرها من الأسباب الأجتماعية والنفسية غير أن السبب الحقيقي يتم بمساعدة تلك التعاويذ السحرية التي يضعها بعض الخبثاء . وأخطرها على الأطلاق هي التعاويذ أو السحر الذي يتم أكله أو شربه (أثناء الوجبات) فهذا ينتشر عبر الدورة الدموية ويتطلب علاجاً معقداً من القراءات القرآنية ، الموضعية ، الممزوجة بجمل الدعاء و ببعض الحركات المدروسة بعناية والتي يجب أن تتم بدقة فائقة لأن الخطأ فيها يمكن أن يعطي نتائج عكسية . يعني بدلاً من أصلاح البين في العلاقة الزوجية (في التعاويذ الدفاعية) يتحقق حلم الخبثاء ويتم الطلاق أو بدلاً من أفقار الخصم يمكن أن تؤدي الى إثرائه تماماً مثلما لو أخطأ الطبيب في تشخيص العلاج .

هكذا زاد أهل الرقية الشرعية في القرن الحادي والعشرون وأبدعوا علماً جديداً يوازي علم الطب وبذلك أثروا الحضارة الأنسانية . إن من بين أقوى حججهم على صحة إدعائتهم هي أقتباس آيات من القرآن تدلل على أن الكتاب فيه شفاء للناس (مثلاً : ننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين .. سورة الأسراء 82 وكذلك فصلت 44 وغيرها) . أضافة لحكايات وروايات عن دعاء النبي بالشفاء لأهله ولأصحابه ( روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات . ح 2192 ) . وكل آية من آيات القراآن ال 6236 لها مفعول يختلف عن غيرها من الآيات . فما يصلح لعلاج أمراض العين لا يصلح للتغلب على آثار السحر مثلاً .

أحدى اللوحات في القناة (التي تستبدل كل نصف دقيقة تقريباً) أوضحت بشكل مذهل في بساطته أهم أعراض تعويذة السحر المشروب (كما وردت نصاً ) :
آلام في المفاصل
ضيق في الصدر
خوف شديد
تساقط الشعر
إصفار في البشرة
صداع وألام في الرقبة من الخلف والأكتاف
حكة أو حرقان في العين
آلام في الركب
آلام في بطن القدم
الكوابيس
إلتهابات متكررة في المسالك البولية

وتستمر لوحة أخرى في التوضيح : بالأضافة إالى بقية الأعراض فأن السحر إذا شُرب شرباً فأنه يتسبب في إصفار وشحوب في البشرة وآلام في المفاصل . وفي لوحة أخرى نقرأ : بالأضافة إالى بقية الأعراض فأن السحر إذا أكل أكلاً فإنه يتسبب بإنتفاخات في المعدة وغازات وأحياناً يتسبب بإمساك أو إسهال بشكل متكرر. وثالثة تشير الى أمراض العقم والأجهاض ....الخ .

ولكن كل مشكلة ولها حلّال كما يقولون . والحمد لله الحلّ متيسر عند علماء الرقية الشرعية . يعني بإختصار أذا أردت تفادي الأصابة بالزكام أو الخلاف مع شريكة حياتك أو ربما مع صديق فما عليك إلا التأكد من خلو طعامك أو شرابك من كل ألوان التعاويذ الهجومية . وزيادة في الأحتياط عليك بالتسلح بمختلف أنواع التعاويذ الدفاعية وحسب توقعك للأخطار . وحتى لا تترك المشاهد حائراً تقدم القناة مساعدتها عبر رقم تلفون دولي للأتصال لطلب المشورة في أي وقت .

لست متأكداً تماماً أن السياسين العراقيين محصنين من سحر تعاويذ الأشرار وألا سيصعب تقبل كل هذا الفساد الذي فاق التصور والحدود . ومن يدري ربما يجري أستخدام هذا العلم الجديد في السياسات الدولية والمحلية على رغم أنف ميكيافيللي . لكن لأولئك الذين لم يتم شفائهم بأي من هذه التعاويذ والرقى الشرعية ، تدعي القناة ، لا فائدة ترجى لهم من مراجعة الأطباء لأن من لم يشفه القرآن ليس له شفاء حسب قول أبن القيم .



#غالب_محسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رَحَّالة ... تراجيديا النشيد الأخير
- رسالة الى المؤتمر السابع لرابطة الأنصار، دعوة من أجل تقييم ج ...
- وطن بلا مواطنين
- مرة أخرى ، التيار الديمقراطي / بين هَم الأمل وثقل العمل
- عِندَما تَوَهَّجَتْ السماءُ
- علمانية أم قرآنية
- حوافرالخيول أعمق من حكمة العقول
- وجهةُ نَظَرْ، لتَحليلِ المُتبدأ والخَبَرْ ، في وَثائقِ المُؤ ...
- تأملاتٌ في حَيرةِ نَصير
- زيوه ، لم تُطفئ الشموع
- عندما يكون الحضور أكبر من الحدث
- أنصار و مهاجرين / جزء 4
- أنصار و مهاجرين / خروج 3
- مهاجرين وأنصار / خروج 2
- أنصار و مهاجرين / جزء 1
- تأملات في بيان الحزب الشيوعي حول الذكرى 78 لتأسيسه
- في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب رمو
- مرة أخرى مع أطيب التحيات للمؤتمر التاسع
- محنة العقل في التوحيد / جزء 2
- محنة العقل في التوحيد / جزء 1


المزيد.....




- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - غالب محسن - التعاويذ بدل العلم