أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلدون النبواني - تأمل في العلاقة الإشكالية بين القانونية والشرعية في الديمقراطيات الغربية.















المزيد.....

تأمل في العلاقة الإشكالية بين القانونية والشرعية في الديمقراطيات الغربية.


خلدون النبواني

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 02:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد تكون أبسط المبادئ التي تقوم عليها الديمقراطية منذ اليونان هي سلطة الشعب وحكمه لنفسه عبر اختيار قادته وممثليه بانتخابات حرة ديمقراطية يفوز فيها الحزب أو القائد الذي نال أعلى تصويتاً شعبياً. يحدث هذا بدون استثناء اليوم في كل الديمقراطيات الحديثة سواء أكانت أنظمة جمهورية أو ليبرالية، في فرنسا أو في الولايات المتحدة الأمريكية أو في كل الديمقراطيات الغربية. ولكن تتعرض سيرورة الديمقراطية في العالم العربي لمفارقة خطيرة قد اسميها "مفارقة الديمقراطية" التي تتمثل في "رفض الديمقراطية لنتائجها لكي تحافظ على نفسها". ولشرح هذه المفارقة لنتذكر أن الإسلاميين قد فازوا بانتخابات "ديمقراطية" قرّرتها غالبية أصوات الشعب الجزائري في الانتخابات الرئاسية عام 1991 إذ تم رفض وصولهم إلى السُّلطة التي فازوا بها ديمقراطياً. في تلك المناسبة ستنقلب قوى سياسية أخرى في الجزائر على تلك النتيجة وسترفضها بدعم من الديمقراطيات الغربية وبخاصة فرنسا التي رفضت نتيجة الانتخابات رغم أنها مثّلت إرادة الأغلبية الشعبية حينها. كانت حجة المعترضين التي لا تخلو من وجاهة ومنطق تذهب إلى أن وصول الإسلاميين في الجزائر إلى السُّلطة يُشكّل تهديداً حقيقياً للديمقراطية التي تقوم على التعددية بينما إن نهج هؤلاء (الذين وصلوا إلى السُّلطة عبر الوسائل الديمقراطية) هو الإقصاء والإرهاب والاستفراد بالحكم والثروة وبالتالي القضاء على الديمقراطية. بهذا المعنى فإن نتائج الانتخابات الديمقراطية تم رفضها في مفارقة غريبة بحجة حماية الديمقراطية من أعداء الديمقراطية. ستتكرر هذه المفارقة مرّة أُخرى بعد فوز حماس بأغلبية شعبية ساحقة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2005. في ذلك الوقت نتذكر جيداً رفض القوى السياسية في الغرب "الديمقراطي" لتلك النتيجة التي أدت إلى فوز حماس بأغلبية التصويت الشعبي. أي ضد إرادة الشعب الفلسطيني الذي اختار من يمثِّله سياسيّاً بمسوغ لا يخلو من وجاهة أيضاً وهو أن حماس كحزب ديني يقوم على معاداة الديمقراطية والاعتراف بالآخر؟! من جديد نحن هنا أمام مفارقة الديمقراطية التي تلغي نفسها لتحافظ على نفسها كما لو كانت تحمل في داخلها مبدأ فنائها أو ما كان لجاك دريدا أن يسميه مرض المناعة الداخلية الذي بمهمته الدفاع عن الجسم ينتهي بقتل الجسم نفسه.
اليوم تتكرّر هذه المفارقة من جديد في العالم العربي، ولكن هذه المرة في مصر الثورة. فبعد أن قامت إرادة الشعب باختيار الإخوان المسلمين بأغلبية كبيرة لتمثيلهم في السُّلطة بقيادة محمد مرسي يتم "الانقلاب" على الإخوان بل وسجنهم وملاحقتهم. لماذا؟ لأنهم، كما يقول مناهضيهم (وأنا منهم)، إقصائيون ومستبدون ويمثلون تهديداً حقيقياً لأي مستقبل للديمقراطية في مصر. مرّة أخرى تبرز مفارقة الديمقراطية في الحالة المصرية بجلاء. أما كان بالأجدر إعطاء الفرصة لمثل هذه القوى السياسيّة أن تأخذ دورها ولنحكم عليها فيما بعد؟ ألا يعني رفض نتئجة فوزها بانتخابات شعبية وصاية على إرادة الشعب واتهامه بالجهل والغباء والرجعية بينما قامت الثورات العربية ضد سياسات الوصاية والاستبداد والإملاء من الأعلى؟ ولكن ما العمل مع مثل تلك القوى التي تلغي الحريات والديمقراطية؟
كان يمكن للمرء في كل هذه الأمثلة المطروحة أن يعترض على رفض إرادة الشعب وحقه في الاختيار بوصفها انتهاكات واضحة وخطيرة لمبادئ الديمقراطية لولا أن جميع تلك الأحزاب والهيئات السياسية المذكورة والتي وصلت للسُّلطة السياسيّة تُظهر وبشكل علني أكثر منه سري معاداتها للديمقراطية ولمبادئها. نحن هنا لسنا فقط أمام مفارقة الديمقراطية التي تلغي نفسها بنفسها وذلك بالاعتراض على نتائجها لتحمي نفسها ووجودها، وإنما نحن أيضاً أمام معضلة فتح الباب أمام الاستبداد الذي يفترض وصاية على الشعب بوصفه قاصراً فيقرر بالنيابة عنه بل لا يعتبره موجوداً أو عاقلاً.
هكذا انتشرت الكثير من الأفكار الجاهزة التي يتردد صداها في الغرب بقدر ما يتردد في بعض العقول السياسية العربية القاصرة التي ترى أن الديمقراطية لا تصلح مع العرب وأن الاستبداد هو أهون الشرور فلو ـ هكذا يردد الكثيرون دون تفكُّرـ سُمح للديمقراطية أن تأخذ مجراها في العالم العربي لفاز الإسلاميون والقوى الأصوليّة في الانتخابات الشعبية فالشعب مؤمن وغير مُعد للديمقراطية ولمثلوا بوصولهم إلى السُّلطة تهديداً لمصالح الغرب ولقوى الديمقراطية والعلمانية العربية التي يجب دعمها في هذه البلدان.
نحن هنا أمام خطابٍ مأزقيّ يضعنا أمامنا خيارين أحلاهما مر: فإما الاستبداد الأوتوقراطي وإما الأنظمة الإسلامية القروسطية الثيوقراطية.
بعيداً عن هذه الثنائية الزائفة: إما استبداد شبه علماني أو دينيّ معتدل وإما أنظمة دينية أصولية شمولية رافضة للديمقراطية والحرية، يبرز التحدي الأكبر للربيع العربي ومآلاته التي سيفضي إليها التاريخ الطويل. في مثل هذا الموضوع نحن لا نواجه حالة فريدة في التاريخ السياسيّ الحديث فقد سبق للغرب أيضاً أن واجه مفارقة الديمقراطية هذه بعد وصول أنظمة شمولية للحكم في أوروبا الغربية. لقد وصل الحزب النازي إلى الحكم وفق مسارات الديمقراطية وتم انتخاب هتلر وحزبه بأغلبية كبيرة. وكما نعلم جيداً فالنازية لم تكن الحزب الشمولي الوحيد الذي وصل إلى الحكم في أوروبا في نهايات النصف الثاني من القرن العشرين فالعديد من الأنظمة الفاشية حققت فوزاً ديمقراطياً شعبياً في أوروبا الحديثة كموسليني في إيطاليا وحتى حكومة فيشي في فرنسا بشكلٍ من الأشكال. وجد الغرب نفسه بعد فظائع الحرب العالمية الثانية وجرائم النازية أمام معضلة شرعية السُّلطة المُنتخبة ديمقراطياً. فكيف يمكن مثلاً القبول بأن سلطة هتلر شرعية مثلاً؟ ولكن كيف يمكن الاعتراض على شرعيتها وهي قانونيّة ودستورية ولم تنتهك مبدأ الديمقراطية في تقرير المصير؟ لقد واجه الفكر السياسيّ الغربي عموماً والألماني خصوصاً مشكلة كيفيّة الاعتراض على إرادة الشعب الذي اختار بأغلبية ساحقة نظاماً شمولياً كالنظام النازي بينما الدستور الألماني الحديث مبني على أسس قانونية حديثة وضعية مُستمدة من أفكار فلسفية وأخلاقية تقوم على فكرة العدالة والحرية والمساواة الخ؟
هُنا سيقوم جدل فلسفيّ قانونيّ حول شرعية السلطة المُنتخبة دستورياً أو ما يكن التعبير عنه بمصطلحات من فلسفة القانون بالعلاقة المُعقّدة بين القانونية légalité/ legality وبين الشرعية légitimité/ legitimacy. وبمعنى آخر سيعود طرح السؤال القديم مجدّداً هل يكفي القانون (مُمثّلاً بالدستور هنا بوصفه الشكل القانونيّ للسُلطة) لشرعنة سُلطة ما؟ كيف يمكن الاعتراض على دستور قانونيّ حديث يخوِّل الشعب سلطة اختيار من يمثله ويحكمه؟ في ألمانيا سيحتد الجدال طويلاً وسيتم فتح صفحة جديدة من الجدل التشريعي القانوني الفلسفيّ الأخلاقيّ ستُثمر عن جملة تشريعات وتصورات قانونية وفلسفية جديدة تضع معايير جديدة لمنع انزلاق الديمقراطية في أفخاخ الفاشية والشمولية. ففي حين كان يذهب البعض كعالم الاجتماع الألماني الشهير ماكس فيبر مثلاُ إلى التأكيد على استقلالية القانون الحديث عن الأخلاق والسياسة أي باختصار عن الأسس الفلسفية المؤسسة له وذلك بحجة أن القانون الحديث، بحسب ماكس فيبر، يستمد شرعيته من المنظومة العقلانية ذات المعيارية المضبوطة التي قد تسيء إليها المثالية الأخلاقية أو المتغيرات السياسيّة، يريد الفيلسوف الأماني يورغين هابرماس في محاضرتيه Tanner Lectures إلى إعادة الاعتبار للمحتوى الأخلاقي الكامن في القانون (ممثلاً بالدستور في موضوع السُّلطة السياسية). سيعيد هابرماس مراجعته لموقع الأخلاق في القانون في كتابه الضخم والأهم بين الحقائق والمعايير Faktizitä-;-t und Geltung بحيث يفتح مجالاً أوسع للمشاركة الشعبية في إعطاء الشرعية لما هو قانوني بل والمساهمة بتشريعه.
ما بين مُشرعيّن كبيرين هما هانس كلزن وكارل شميت (المُدان بالنازية) وبين عالم اجتماع كماكس فيبر وفيلسوف اجتماعي بحجم يورغين هابرماس تعيد ألمانيا فتح المجال أمام الديمقراطية الشعبية لممارسة دورها دون الركون إلى ذلك الخطاب المُبسّط الذي يحيل الديمقراطية إلى الأنظمة الشمولية التي ولدت ذات يوم من ممارسات ديمقراطية معينة.
ماذا عنّا نحن العرب؟ هل علينا أن نستسلم لذلك الخطاب الانتهازي الذي يخيّرنا بين الاستبداد الدكتاتوريّ والأصوليات الإسلامية؟ للأسف لا توجد عنا دراسات ولو متواضعة في مجال فلسفة القانون أو دراسات حول الفضاء العام الذي يمكن أن يسمح بمشاركة شعبية في بناء الديمقراطية ويضع معايير تقي الديمقراطية من مخاطر الانحراف. علينا أن نشير هنا إذن إلى الفراغ الكبير والنقص الفادح في الدراسات النظرية "الفلسفقانونية" الذي يؤدي غيابها إلى الاستسلام إلى الكليشيهات الجاهزة والوصاية السياسية على شعب أراد أن يتحرر من الاستبداد أخيراً.

1. Droit constitutionnel de Michel Troper et Francis Hamon
2. Droit des sociétés de Paul Le Cannu et Bruno Dondero
3. Théorie générale du droit et de l Etat : Suivi de La doctrine du droit naturel et le positivisme juridique de Hans Kelsen, Stanley L. Paulson, Béatrice Laroche et Valérie Faure
4. Hans Kelsen. Forme du droit et politique de l autonomie de Olivier Jouanjan
5. Le droit, le politique autour de Max Weber, Hanz Kelsen, Carl Schmitt



#خلدون_النبواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار فيسبوكي حول الإيمان والإلحاد
- ثورة الاتصالات وتفكك بنية العائلة التقليدية
- ثمانية أسباب تبرّر تأجيل أوباما لموعد ضربته العسكرية
- قراءة في الأزمنة الدرويشية:
- خلدون النبواني - فيلسوف ومفكر - في حوار مفتوح مع القارئات وا ...
- حافظ الأسد الميّت الحيّ أو الحيّ الميِّت
- ما بين أخلاق العبيد وأخلاق الأحرار:
- النص الأدبفلسفيّ
- كهف أفلاطون والتعصب للهوية وللمعتقدات:
- من المعلم الدكتاتور إلى الأستاذ الديمقراطي
- لماذا تتعاطف قطاعات واسعة من اليسار التونسي مع نظام الأسد؟
- مَنْ كَتب حكاية: ذات القبعة الحمراء المعروفة عندنا بقصة ليلى ...
- كيوبيد الأحول
- برهان غليون كما أعرفه رداً على سعدي يوسف
- المقدمة غير الضروريّة
- من محادثة ليلية على الفيس بوك
- من شهادة حمار نجا من المجزرة
- كي لا تتقمص الضحية دور جلادها: الثورة السوريّة ومخاطر انزلاق ...
- أنا وصديقتي - الشبيحة -
- مغامرات أليس في بلاد العساكر


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلدون النبواني - تأمل في العلاقة الإشكالية بين القانونية والشرعية في الديمقراطيات الغربية.