النقابات المهنية والعقلية القبلية: نقابة المعلمين الأردنيين مثالا

شفيق طه النوباني

الحوار المتمدن-العدد: 4376 - 2014 / 2 / 25 - 06:33
المحور: المجتمع المدني
    

لم تبتعد مؤسسة العشيرة عن الممارسة السياسية في الأردن منذ تأسيس الإمارة، وإن كان دخول هذه المؤسسة في تشكيل التوجّهات السياسية أمرا غير مستهجن بحكم طبيعة المجتمع الأردني، فإن مثل هذا الدور يبدو غريبا حين يتعمق في مؤسسات كالنقابات المهنية التي تنطلق من طبيعة العمل في تشكيلها، فالناظر إلى طبيعة المؤسسة النقابية سيجد تناقضا واضحا بينها وبين مؤسسة العشيرة التي تتناقض مع طبيعة تشكيل الدولة بمؤسساتها المتنوعة.
لم يتصل حراك المعلمين الذي بدأ عام 2010 بمؤسسة العشيرة اتصالا مباشرا، فتصريحات وزير التربية والتعليم غير المسؤولة التي قادت إلى نشوء هذا الحراك الذي سبق الربيع العربي، وربما مهّد له، لم تثر في المعلمين "الحميّة المهنية"، إذا جاز هذا التعبير، بقدر ما لفتتهم إلى حقوقهم المسلوبة، وأوضاعهم المعيشية المتردية، ودورهم التربوي والحضاري الذي أريد له أن يحجّم، مما فرض عليهم السعي إلى استعادة مكانتهم.
كان من الطبيعي أن تظهر بعض ملامح القبلية في سلوكات العديد من المعلمين أثناء الحراك، فهم في النهاية جزء من المجتمع، حالهم في ذلك حال أي شريحة أخرى، وقد ظهرت مثل هذه الملامح في مشاهدات جزئية شهدتها أثناء الحراك، فبعد إعلان المعلمين إنهاء اعتصامهم الأول قبل إنشاء النقابة اجتمعنا في محافظتنا "جرش" من أجل تقييم حراكنا الذي قمنا به، وتحديد مطالبنا، فأشار أحد الحاضرين إلى ما يمكن أن نحصل عليه من مكانة لدى المحافظة، إذ يمكن أن يشارك المعلمون بعد هذا الاعتصام الطويل من خلال مندوبين في استقبال بعض الوفود الرسمية التي تحضر لمقابلة المحافظ، وبعيدا عن مدى سلامة مثل هذا الطرح وعن استخفاف معظم الحاضرين به، يمكن ملاحظة ملامح العقلية القبلية فيه، فمكانة المعلم وفق وجهة النظر هذه تتحقق بما يمكن أن نطلق عليه "المشيخة"، وهي مشيخة شكلية في أي حال.
جاء تأسيس "نقابة المعلمين الأردنيين" عام 2011 تتويجا لحراك المعلمين الأردنيين، وإن كان من الطبيعي أن تستوعب هذه المؤسسة الاتجاهات السياسية على تنوعها، فإن ما يستدعي التفسير ذلك الملمح القبلي الذي يمكن ملاحظته في عملها، حيث تبدى هذا الملمح من خلال تعامل الأطياف السياسية فيما بينها في إطار مؤسسة النقابة، فعلى الرغم من حصول الإسلاميين على الأكثرية الساحقة في مجلس النقابة حاز البعثي مصطفى الرواشدة على منصب النقيب في إطار ممارسة قبلية تتضمّن مفهوم "التوجيب" أو "الأخذ بالخاطر" بحكم قيادته للحراك منذ بدايته في مدينة "الكرك". ومع أن الرواشدة يعلم أن تأثيره سيكون محدودا إلا أنه قبل بالمنصب واضطر إلى التغيب عن العديد من اجتماعات المجلس بحكم اختلافه مع أعضائه. وكان لحملة الرواشدة الانتخابية من أجل الوصول إلى البرلمان أثر كبير في عمله النقابي، إذ لم يعد متفرغا لحضور الاجتماعات. والحقيقة أن وصوله إلى البرلمان ما هو إلا وصول إلى واحدة من أكبر مؤسسات الأردن التي بذلت الحكومات المتعاقبة كل جهودها من أجل أن تقوم على أسس قبلية في العمل والتكوين.
والناظر في عمل النقابة خلال عامين مضيا منذ أول دورة انتخابية لها سيجد للعقلية القبلية مكانها أيضا، فالنقابة التي يفترض أن تكون مهنية تسعى إلى تطوير مهنة التعليم والإسهام في بناء المؤسسات التعليمية وقفت ضد مقترح وزارة التربية والتعليم القاضي بتمديد الثانوية العامة ليقدم خلال عامين بدلا من تقديمه في عام واحد، هذا مع أن المعلمين أكثر الناس وعيا لمعنى مثل هذا المقترح وما يمكن أن يحققه من استدامة للتحصيل العلمي لدى الطالب الذي يهمل في الأغلب المادة العلمية في الصف الأول الثانوي ليعتبره سنة استراحة قبل عام دراسي ثقيل.
لقد تخلت النقابة عن التفكير المهني لتعتنق تفكير "الفزعة" بما فيه من تحيز أعمى، إذ تحيزت للطلبة وأهاليهم الذين يعيشون حالة طوارئ في عام التوجيهي بحجة أن امتداد الامتحان الوزاري على مدى أربعة فصول سيزيد وطء حالة الطوارئ هذه، هذا مع أن الطالب هو المستفيد الأول من مثل هذا المقترح فيما لو طبق، بل إن امتداد الثانوية العامة لعامين سيجعل الامتحان الوزاري مسألة اعتيادية بالنسبة للطالب.
انتهت الدورة الأولى لنقابة المعلمين الأردنيين، وها هو التحضير للدورة الثانية قائم بينهم على قدم وساق، والناظر في استعدادات المعلمين لتشكيل كتل مجالس الفروع في المحافظات سيجد التفكير العشائري واضحا لا يحتاج إلى أي تأويل، وإن كانت التيارات الإسلامية تلجأ عادة إلى التمثيل العشائري والمناطقي في قوائمها دون مراوغة في الكشف عن هذا التوجه، فإن التيارات اليسارية تلجأ إلى هذا التمثيل على استحياء ظاهري فقط، والكواليس المكشوفة أصلا لهذه التيارات من يمينية ويسارية تشير إلى سعي واضح ليس إلى التمثيل العشائري حسب، وإنما إلى التحالف مع القوى العشائرية التي لا تعبر عن ميول إيديولوجية في سبيل الوصول إلى مجالس فروع النقابة.
من الطبيعي أن يظهر الملمح القبلي في مؤسسة النقابة كلما اتسعنا في تناول مراتب هيكليتها، حيث سيتضح هذا الملمح لدى الأعضاء من ناخبين ومرشحين في مجالس الفروع أكثر منه لدى ناخبي مجلس النقابة ومرشحيها، ولعله سيكون أقل وضوحا في مجلس النقابة، فيبدو هذا الملمح من خلال تعاطي المجلس مع المشكلات التي تواجهه أو من خلال اتخاذ القرارات المختلفة، غير أن الخشية قائمة من امتداد هذه العقلية التي تملي طريقة التعامل مع المحيط إلى نظرة المجتمع إلى النقيب ونظرته إلى ذاته بوصفه شخصية اعتبارية، حيث يتم التعامل معه بوصفه شيخ عشيرة المعلمين التي يمكن عدّها أكبر العشائر النقابية في الأردن.

#شفيق_طه_النوباني (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات