أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم عباس نتو - الموسيقـَى غِذاءُ الرُّوح!















المزيد.....


الموسيقـَى غِذاءُ الرُّوح!


ابراهيم عباس نتو

الحوار المتمدن-العدد: 1243 - 2005 / 6 / 29 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


الموسيقى هي لون من ألوان التعبير الإنساني، فقد يتم التعبير فيها و بها عن خلجات القلب المتألم الحزين، و كذلك عن النفس المرحة المرتاحة؛ و في الموسيقى، قد يأتي المرء بشحنة من الانفعالات التي فيها ما فيها من الرموز التعبيرية المتناسقة.. في "مقاطع" معزوفة يحس بها مرهفُ الحس أو من كان "ذوّاقة".. ينفعل و يتفاعل سماعياً و وجدانياً و فكرياً، يحس بها إحساساً عميقاً و ينفعل به انفعالاً متجاوباً، مثله مثل أي من الكائنات الحية. فالموسيقى –و بخاصة الموسيقى الراقية و الروحانية- تساهمُ في علو الروح.



و لكن الموسيقى ليست مجرد أنغام؛ بل هي وسيلة "تواصل" لالتقاء الذهن و الروح عند الشخص الواحد؛ و هي أيضاً وسيلةٌ فاعلة اجتماعية و تربوية تساهم في عمليات التفاهم و في تنمية الحس الشخصي؛ و تعمل على إدخال البهجة على النفوس و في تجميل العالم من حولنا، أو كما جاء في إحدى مقطوعات الفنانة اللبنانية الشهيرة فيروز: أعطني النايَ وغـَنّي، # فالغِنا[ء] سِـرُّ الوجودْ! و كذلك كما صدحت السيدة أم كلثوم: المَغـْـنَى، حياة الروح # يسمعْهُ العليلْ يِشفيه!



كما تساهم الموسيقى إسهاماً فعالاً في تبادل التآخي الثقافي الحضاري و توثيق الصلات و تقوية عُرى الصداقة و المودة و تسهيل التعاون و التقارب بين الناس على المستوى المحلي في البلد الواحد، و بين مختلف الشعوب على مستوى الكون. و لعله من الممكن لنا تكوين صورة أو فكرة عن أي بلد.. بوقوفنا على نوع و مستوى موسيقاه!



في هذا، أشار الكاتب المصري نزيه جرجس في محاضرة ألقاها في إمارة (أبو ظبي) أثناء مشاركته في احتفالياتها للموسيقى في 2004م، .. فأوصى بالاعتناء بالموسيقى و خاصة للأطفال، و ذلك لمساعدتهم في عمليات توازنهم الوجداني، و في دَيْـنامية تعاملهم مع الآخرين؛ فعبَّر ذلك الكاتب لجمهور تلك الاحتفالية الإماراتية بأن أطفال بلده (مصر) محرومون عموماً من الموسيقى الهادئة و خاصة "الكلاسيكية" منها، سواء في المدارس أم في البيوت؛ ..ثم عرض تجربته عن إعداد قصة -و معها موسيقى- على شريط "كاسيت"؛ و قال إنه وجد أن هكذا مشروع لاقى قبولاً (بل رواجاً) في أنحاء مصر، و أيضاً بين الجاليات العربية في الخارج (في أمريكا مثلاً).



الموسيقى ليست مجرد أنغام:

فعالم الموسيقى عالم غني و متعدد الأبعاد، متنوع المردودات؛ فهو متشعب الزوايا، فيشمل عدداً من المفاهيم و القيم، ويتطلب الانضباط، و له العديد من المغازي. فبالموسيقى يمكن الأطفال (بل عموم "نوع" الإنسان) أن يتعلموا مساعدة الآخرين و التعاون معهم؛ و بها يسهل التعامل مع كائنات الطبيعة كالطيور و الزهور و تنمية المحبة لهما؛ كما و بالموسيقى يمكن بنو الإنسان أن يتلذذوا (أكثر) بالمناظر الخلابة و بالبيئة الكونية من حولهم. كان في مشروع نزيه جرجس أن قام ببناء منظومة موسيقية بطريقة خلاّقة جاءت فيها أداة "الناي" ممثلةً للقط، بينما مثـّلت "الطبولُ" الصيادين؛ و استعملهما و غيرهما من الأدوات الموسيقية في برنامج توعوي تثقيفي في موضوعات التربية البيئية. ثم قام ذلك المؤلف بعد ذلك بتحويل المقطوعات إلى رقصة "باليه"، وأصدرها في عدة اسطوانات شائقة معتمدة على فقرات من التمثيل المفعم بالأنغام الشدية الساحرة، فأضحت بذلك وسيلة تعليمية.. و أيضاً أداة للتسلية إبّان تدريب الأطفال و الناشئين.



من فوائد الموسيقى في تنشئة الدارسين:

نصحَتْ مؤسسةٌ المانية باستعمال الموسيقى في مساعدة الدارسين على استذكار درسهم؛ و بَيّنتْ أهمية الموسيقى الكلاسيكية و ذات الإيقاع الهادئ بـَدءاً بما حول 10 ديسيبل إلى ما لا يتعدى الـ70 ديسيبل في الدقيقة؛ بل و وجدوا أنه حتى بعض أنغام "الروك" تعد مثالية لاستذكار الأطفال دروسهم. و ركز الباحثون هنا على أهمية استشارة الأطفال حول الموسيقى التي يفضلونها. فهنا تساعد الموسيقى (و خاصة النوع الهادئ منها) على تنشيط المخ –في جانبه الأيمن خاصة؛ و على زيادة القدرات الذهنية. و في حالة تشكك الآباء و الأمهات في جدوى الفكرة، فما عليهم إلاً إجراء اختبارات تأثير الموسيقى على أطفالهم، ومن بعدها القيام بتحديد أي الأنواع منها بالذات ينفع معهم..و يناسبهم،.. و ينسجمون معه. ففي الموسيقى والغناء فوائد عِظيمة في العلاج الصحي و النفسي..و كذلك في التعليم العام.



كان لنا زميل أثناء الدراسة الجامعية في أمريكا يقوم بحل المسائل الرياضية المعقدة ضمن تحضيره دروسه اليومية بينما هو يستمع إلى الموسيقى المسموعة، بل و أيضاً أثناء متابعته البرامج "المشاهدة" على التلفاز! و بلغت أخباره و أخبار نبوغه الدراسي إلى مسامع مجلة تايم الأسبوعية، فأشادت بذلك الطالب في مقالة عن التعليم العالي و عن جامعة تكساس حيث كان ذاك الطالب [و هي جامعة كبرى يربو تعداد طلابها على الخمسين ألفاً، بما فيها حوالي العـُشر من الطلبة "الأجانب"؛ و كان مستواها العلمي بين العشرة الأوائل في عدد من التخصصات العلمية.] تدرَّج ذلك الشاب السعودي فيما بعد تخرجه في مختلف المستويات الوظيفية حتى أصبح المسئول الأول عن أكبر مؤسسة علمية تقنية في المملكة. (ولو لا معرفتي الشخصية بحرصه على تحاشي المباهاة بقدراته العلمية و صفاته الشخصية، لبيّنتُ اسمَه هنا!)



و من المعروف عند الكثير من الناس أثر الموسيقى على النباتات و انتعاشها و زيادة رونقها؛ و كذلك أثرها الواضح و المثبت على نفسانية الحيوان (مثل أثر النغمات الناعمة على البقر ..في إدرارها اللبن، كمّاً و جودةً!)



كما إن للموسيقى أثرَها البالغ في التعالج في المَشفيات و المَصّحات. لقد حدث مرة أن قابلتُ في إحدى سفراتي سيدةً يابانيةً في إحدى صالات الانتظار في أحد المطارات؛ و أثناء محادثتي معها (كمحاولاتي التحدث مع اليابانيين حينما و كلما تتهيأ الفرص، لممارسة و تطبيق حصيلتي من المفردات و التعبيرات اليابانية التي أحاول أن أنميها عندي كلما و حينما يمكنني ذلك).. فوجئت بأن هذه اليابانية (و هي طالبة في كلية الطب في باريس) كانت في طريقها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لتعمل متطوعة لمدة 9 شهور في مَشفى خان يونس،..في مجال العلاج الطبي بالموسيقى!



لقد كانت مفاجأة جداً سعيدة، و غريبة في أكثر من وجه! فها هو العلاج بالموسيقى، و هو ما سمعت عنه لأول مرة وقتها؛ ثم إن هذه الإنسانة هي: 1) متطوعة؛ 2) امرأة؛ 3) من اليابان؛ 4) تشد الرحال إلى أبعد الأصقاع خارج بلادها بينما تَحفُّها المخاطرُ و الصعوبات؛ 5) جاءت راغبة في خدمة الفلسطينيين الأطفال و المسنين؛ 6) و فوق هذا و ذاك،..جاءت لتخدم لمدة سنة دراسية كاملة،.. بلا راتب و لا جزاء!



الموسيقى في عصورنا المزدهرة "الذهبية":

هناك العديد من الإشارات إلى مجالات و ممارسات الغناء و الموسيقى في تاريخنا التليد. و فيما وراء استعمال "السمسمية" و "الربابة" و "الناي" عند البدو الرحل و خاصة حداة قوافل الإبل؛ و عند الرعاة في مرابض البادية حيث استعمال الراعي البوصَ أو النايَ البسيطَ في فترة استراحاته الشخصية، و في أثناء إراحته الحميمية لماشيته. و نجد أن هذه الأداة الموسيقية أو مثلها مشهورة عالمياً، و لا نعلم عن استثناء لاستعمالها في أصقاع العالم.. في تواريخ الأمم.. في أحقاب الماضي الإنساني.



كان الغناء، و معه الموسيقى و الحركات المموسقة، عنصراً أساسياً في الاحتفالات و الكرنفالات و الطقوس و المهرجانات، و في مختلف الأسواق الموسمية ..و غير الموسمية. و غدت الموسيقى و الغناء عنصرين عامين هامين في المدن و في التجمعات السكانية و بخاصة ما كان منها حول الأنهار و مناطق الخصب و مواقع الراحة و الانتعاش في المجتمعات المتمدينة. هذا بالإضافة إلى ما تطوَّر عبر العصور الإسلامية لدى الفئات "الصوفية" من الأهازيج و الأناشيد..مع الحركات المموسقة المتميزة المصاحبة.



و كمثال شهير لانتعاش الفنون الجميلة في تاريخنا، كان العصر "الذهبي" من الدولة العباسية، و بخاصة في عصر أمير المؤمنين الخليفة المأمون، فكان للغناء و الموسيقى أثر كبير على العصر العباسي الزاهر. أشار الفنان "سامي عابدين" في كتابه الغناء في قصر الخليفة المأمون، و أثره على العصر العباسي -في 10 فصول شملت الغناء العربي في عصر ما قبل الإسلام- إلى عهد الدولة العباسية، حيث سلط الكاتب الضوء على المواقف الإيجابية جداً للخليفة المأمون تجاه الغناء و الموسيقى؛ بل و بيَّن الكاتب ولَعَ الخليفة بهما حتى آخر رمق في حياته؛ كما و ذكرَ ندوات إسحاق الموصلي في ديوان قصر الخليفة،.. و كذلك ندوات إبراهيم بن المهدي الغنائية في نفس القصر و العصر.



و في العهد الحاضر، نسمع بين الفينة و الأخرى عن فنان عالمي مسلم نبغ في الغرب أو أنه أوربّيٌ أسلم. و من هؤلاء: الفنان العالمي "سامي يوسف"..و هو مسلم بريطاني الجنسية من أصل أذربيجاني. يقول سامي إن الفن و الموسيقى يشكلان جزءاً لا يتجزأ من الإسلام، و أن هذا الفن كان قد عرفه قدماءُ ما قبل الإسلام؛ و أن المسلم بطبيعته (مثله مثل غيره) حساسٌ و ذواقٌ لكل جميل، وقادر على التعبير الجيد و المؤثر. و يرى الفنان "سامي" بأن "غـُربة" الفن الموسيقى العربي الشرقي في الوقت الحاضر كان سببه ضياعُ التراث الموسيقي الإسلامي العربي الذي لم يتسَنَ للقائمين عليه وقتها -أمثال الفارابي و الكندي- تدوينُه و نقلُه للأجيال التالية .. مما ساهم في هدره و ضياعه. و يرفض الفنان سامي عبارة و تسمية "الغناء الديني"، قائلاً: إنما الغناءُ صنفان لا ثالث لهما: جيدٌ و رديء. و أفاد بأنه يزمع تقديم مشروع روحاني موسيقي يساهم في فهم العقيدة ..دونما أن يتولى دور "الداعية".



الموسيقار العالمي المسلم "يوسف إسلام"، المشهور عالمياً بـ "كات ستيفنز"/ Cat Stevens:

الفنان يوسف طبَّقتْ سمعته الآفاق، فهو موسيقار ذو درجة مرموقة؛ اسلمَ منذ سنين و ازداد تعلقه بالموسيقى و عطاؤه الإبداعي فيها، حيث أن الغناء و الموسيقى يحتلان حيزاً واسعاً من حياته؛ فيقول يوسف: The Guardian UK; Tuesday, March 29, 2005.: "إن الموسيقى هي معشوقتي التي تمنحني الهواء الذي استنشقه، و تمنحني الغذاء الذي يمكِّنني من التواصل و الاتساق الروحاني مع نفسي. و الموسيقى جزء أساسي من عالم الله الفسيح." الفنان العظيم "يوسف إسلام" هو الآن سفير دولي متجول، و يخدم الإسلام بفاعلية، و هو (داعية) بالمجان. و يوسف إسلام،..و مثله الفنان الآخر "سامي يوسف"، يمثلان النموذج اللامع و القدوة الحسنة في مجال الإبداع و العطاء لتخريج أجيالٍ و أجيالٍ من براعم بني الشرق الناهض.



الموسيقار الواعد السعودي أنمار الرفاعي:

نبغ الطالب "أنمار" و هو في سن السادسة عشرة حينما كان طالباً في الثانوية. حينذاك لم يكن يعرف حتى "عناصر" السلم الموسيقي، و لا حروف "النوتة الموسيقية"؛ ولكنه، و بعد حوالي السنتين من الدراسة الدائبة في أحد معاهد الموسيقى في مملكة البحرين، أخذ في بلوغ الامتياز و النبوغ، فأصبح أحسنَ شاب يتعاطى الموسيقى في طول الخليج و عرضه حينما فاز على 45 متقدماً من زملائه و زميلاته في إحدى المسابقات التي عُقدتْ في مدرسة "سانت كريستوفر" في البحرين(كانت السادسة من نوعها من المسابقات، و شارك فيها عدد من المتنافسين من قطر و البحرين و الإمارات العربية المتحدة، ..نال فيها "أنمار" الجائزة الذهبية،..و معها أيضاً جائزة أخرى.)



أخبرني أنمار بأن الفضل في هذا الإنجاز يرجع لوالديه اللذين يعشقان الموسيقى، ثم لمعلمه مدرس العود في معهد البحرين للموسيقى "فارس العود" / سعد محمود جواد؛ و كلا المرجعيتين ساهم بفاعلية في تنمية مهاراته و تسامي مواهبه و في تعلقه بعالم الموسيقى بشغفٍ و بتشبث، بحيث صار يعْبر الجسر إلى البحرين مرتين في الأسبوع لحضور دروسه و لأداء تدريباته. لقد حرصت عائلته على تشجيع كافة أنجالها(5 أولاد و بنت) لدراسة الموسيقى، و جميعهم منخرطون في برامج المعهد (أربعة من الأولاد متخصصون في العود و واحد في القيتار؛ و البنت في البيانو). و فاز أحد إخوان أنمار وهو في سن العاشرة بلقب أحسن عازف على العود في المستوى الثاني ؛ و تمكن من عزف "العصفور الطائر" للفنان العراقي العالمي المرحوم منير بشير، و كذلك مقطوعة "شجن و عود"، من ألحان معلِّمه سعد؛ و مقطوعة "ليت لي جناح".. من تلحين شريف محي الدين.



و من الطريف و اللطيف سماعُ الطالب "أنمار" يقول: "لا أتوقع أن أصبح نجماً كبيراً في عزف العود، و لكن الموسيقى ستكون جزءاً محبباً عندي و ملازماً لي ما حييت." و أضاف بأن تخصصه "الهندسة المعمارية" في الجامعة في الدَمّام- سيمضى مع هوايته الفنية الفضلى (الموسيقى)، "فهما فنان و تخصصان متلازمان على كل حال." كما لاحظت على أنمار اهتمامه بالطرب العربي القديم، و بخاصة التراث الحجازي الأصيل، فاخذ يجمع عدداً من المقطوعات المشهورة لطارق عبدالحكيم، و طلال مداح و محمد علي سندي؛..و أخذ يتدرَّب على معزوفاتها.



الطرَب في المقام الحجازي/ "حجازْ كار": "كأنْ لم يكنْ بينَ الحُجونِِ إلى الصَّفا # أنيسٌ، و لم يَسمُرْ بمكةَ َ سامِرُ"

يشير الشاعر مبارك العَمّاري، المستشار في الديوان الملكي البحريني (للتراث الخليجي) إلى فن "الصوت" في الأداء الغنائي بأنه تركيبة مبتكرة في أساس "الهيكل العظمي" للغناء العربي القديم، و أن نشأته كانت في مكة المكرمة؛ و أنه ورد ذكره في كتاب "الأدوار"، لصفي الدين الأرموي (مخطوطة في مكتبة الملك عبدالعزيز في المدينة المنورة)، و أنه جاء ذكر هذا النوع من الغناء في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني؛ و إن أصناف الصوت تشمل: "العربيات" (بإيقاع 4 على 6)؛ و الشامي؛ و الساحلي؛ و الحَرِّي. كما كان من مشاهير الغناء المكي القديم، من الرجال: ابن مسجع، و ابن سريح، و ابن محرز؛ و ابن طويس؛ و من النساء في الغناء الحجازي (في مكة و المدينة)، اشتهرت سَلاّمة و جميلة.



أما في العصر القريب، في القرن الماضي، فقد كان، من الرجال: حسن جاوة، الذي شارك بمجموعة أغاني في مهرجان الغناء العربي الأول في القاهرة، 1923م؛ و الشريف هاشم العبدلي الذي سجَّل عدداً من الأغاني على أسطوانات في القاهرة (توفي في 1926م)؛ و كان فيما بعد: طارق عبدالحكيم، و محمد علي سندي؛ و طلال مداح، و فوزي محسون و محمد عبده و محمد أمان. كما أن من النساء الشهيرات حالياً: المطربة الفنانة "توحة" (فتحية حسن يحي)؛ و عِتاب، و ابتسام لطفي.



و لقد ذاع عبر العصور صِيت المقام الحجازي/ "حجاز كار"، فاستخدم في عدد من أشهر المقطوعات الموسيقية، فمنها ما كان من غناء المطرب العربي الكبير محمد بن عبدالوهاب:

مُضْـناكَ، جَفاهُ مَرقدُهُ # و جفاهُ و رَحَّمَ عُوَّدُهُ

حيْرانُ القلبِِ مُعذَّبُه # مطروحُ الجفنِ مُسَهَّدُهُ



و في أداء كوكب الشرق السيدة أم كلثوم.. من كلمات بيرَم التونسي:

أنا في انتظاركْ خلّيتْ # يـَدِّي على خدي و عَدّيتْ



و في منطقة الخليج، كان من أشهر المعزوفات..في أداء الفنان الكويتي عوض الدوخي:

صوت السهارَى..يومْ # مَرَّوْا عليَّ،..عَصريةَ العيدْ!



أما صنف "العربيات"، فهو نوع من الصوت العربي المتجذر في العصر العباسي؛ و منها ما يؤدى بدون استهلال و لا "توشيحة" و لا تصفيق، و لا زَفن (رقص). و من "الحجاز كار" كان نوع "الحُميني"، و منه صوت "الحَرِّي" (بما فيه الغناء الحجازي النسوي)..و هو نوع ثابت الوزن و الإيقاع و يعتمد على أربعة أبيات..مع الرد عليها بنفس الوزن و القافية. و استمر هذا النوع(الحَرِّي) حتى أواسط القرن العشرين (بحسب الباحث الشاعر مبارك العمّاري، عن الكاتبة السعودية/ هند باغفّار). و اشتهر هذا الغناء الحجازي في منطقة الخليج، أيضاً. و من المقطوعات المشهورة:

يا مَرْكبَ الهند، يا بو دَقلينْ # يا ريتني كنت رُبـّانه!



و كذلك كانت "الصهبة" أساسية في الغناء الحجازي، وهي تعتمد على التصفيق بدون استعمال أدوات الإيقاع؛ و منها ما انشده مطرب الحجاز المرحوم محمد علي سندي:

جَسَّ الطبيبُ ليَ نبضي # فقلتُ له..يا سِيدي، فقلتُ له..

..إن التألمَّ في كبدي، فاتركْ يدي # يا سِيدي.. فاتركْ يدي!



و كانت "التوشيحات" تؤْذن بنهاية أغنية الصوت..و لكنها كانت تأتي أيضاً كنهاية لغير "الصوت" من الأغاني، و ذلك في شكل بيتين ينُمان عن نهاية الأغنية؛ و من التوشيحات الخليجية التي كانت تتغنّي بالحجاز:

و الزين لمن عبر،.. # بأرض "الشبيكة" تمخطر

يا طلعتُه كالقمر.. # كأنهْ بدر وسْط شعبان..

و أنا المسيكين أنا!!

["الشبيكة"..هي الحارة الأشهر في مكة المكرمة]



و في صيغة أخرى غنّاها المرحوم الفنان الكبير محمد بن فارس آلخليفة:

مِن شُفت سِيدِي عَبَرْ # وَسْطَ "الشُّبيكة" تمخْطرْ

..يا طَلعتُه كالقمرْ! ...



أتذكر أنه أثناء طفولتي في المرحلة الدراسية الابتدائية أن أحْضرَ المرحوم والدي مرة إلى منزلنا "صندوق غـُنا" (قراموفون) لتشغيل بعض "اسطوانات" الغناء، وأحضر معه عدداً من الأسطوانات المسجلة حديثاً..مما وصل أيامها إلى سوق مكة المكرمة؛ (كان ذلك الحدث يشبه في وقتنا الحاضر تركيب القرص الفضائي/ "الدش" -أول ما وصل إلى الأسواق، أو توصيل "الكيبل" إلى المنازل ليتمكن أفراد العائلة من مشاهدة البرامج المسلية السمعبصرية الخاصة.. و كذلك تنظيم عرض الحفلات و المهرجانات و المباريات العالمية مثلاً.



و أذكر كم كان الوالد ممتناً أنه اقتنى الجهاز و أحضره لمتعتنا العائلية في البيت؛ وأتذكر اتخاذ عدد من الاحتياطات لكي لا تخرج الأنغام إلى خارج المنزل، بتخفيف الصوت إلى ما يقارب كتمه، و ذلك بسد الفتحات بإحدى سجاجيد الصلاة أو بشرشف أو ببشكير --رغم أن "الجلسة" كانت في "الديوان"، و في الجانب الخلفي من البيت. (السبب: في حارتنا كان مطوعٌ يسكن ليس ببعيد عن منزلنا). و كان الوالد يترنم في أوقات ارتياحه و انشراحه في محلنا التجاري في مكة المكرمة، على شارع السوق الصغير/شارع إبراهيم الخليل (كان موقع المحل في الحيز الحالي لباب فهد من الحرم المكي).. كان المرحوم يترنم بكلمات من أبيات "صوت"، كان مطلعه:-

يا من هواهُ أعزَّهُ و أذلَّني # كيْفَ السبيلُ إلى وِصالِكَ..دلّني؟!

أنتَ الذي حَلّفتني و حَلفتَ لي # و حَلفتَ أنكَ لن تخونَ..و خُنتني!



و كما في الموسيقى و الغناء.. فهناك الحركات المموسقة المعتمدة عليها؛ و هذا يعني و يشمل الأداءات الاستعراضية و الحركات البدنية من الرقصات بأنواعها، الجماعية و الشعبية و الكلاسيكية و الفردية؛ فبالرقصات تكتمل و تتماهى المعزوفات.



ليس بـ"العَرضة" وحْدها يرْقصُ الإنسان:

إن أداء الحركات المموسقة (الرقص بأنواعه) هو أداء طبيعي و هو وسيلة للتعبير عند الإنسان في كافة أرجاء المعمورة و في مختلف الأوطان ..التقليدية منها و الحديثة. و ما رقصة "العرضة" في أنحاء من شبه الجزيرة العربية إلاً مثالٌ حي و مستمرٌ عبر حقب الأزمان، في الهضاب و البراري و السفوح و الوديان.



و رقصة "العرضة" هي رقصة بدوية رجالية استعراضية حربية.. كانت في الأصل تؤدى للحماسة و لشد همم المحاربين قبل القيام بالغزوات و الغارات؛ و أيضاًً في أوقات الأزمات و الملِّمات،..أو احتفالاً بالنصر بعد الإياب. و تستعمل فيها عدة قطع للإيقاع الموسيقي، كالطبلة و الطار (الدف)، و الجِحلَة(صغير الزير) و المِرصاع؛ و تغنى معها أبيات حماسية تبدأ بالـ"بـَدَّاوية" ثم "الشيلات". أما الآن فتقام هذه الرقصة الشعبية "الفولكلورية" في أجزاء من شبه الجزيرة العربية في مختلف المناسبات الوطنية مثل عيد الفطر و عيد الأضحى، و كذلك في العيد الوطني، و في الأعراس.



و كانت "العرضة" -تقليدياً- تؤدى في عدة مناطق في المملكة العربية السعودية عدا الحجاز و عسير(حيث تتوافر أنواع من الرقصات المحلية الفلكلورية في كل منهما)؛ كما كانت تمارس العرضةُ أيضاً في أنحاء أخرى من شبه الجزيرة العربية (ما عدا اليمن القديمة و حضرموت، حيث فيها أنواعٌ أخرى من الرقصات). كما و تقام العرضة في البحرين (و فيها جمعية نشأت منذ سنوات لترعى هذا الموروث الشعبي من الرقص و الإنشاد). كما تُؤدَى العرضة أيضاً في قَطَر، و في الإمارات(و تسمى الرديف)، و في عُمان (و تسمى الرَّدفة).



ثم هناك العديد من الرقصات في منطقة الخليج، مثل موسيقى و رقصة "الّليوة"، و موسيقى و رقصة "الطنبورة"، و كلاهما جاء إلى الخليج من الساحل الأفريقي الشرقي؛ كما و تشتهر في منطقة الخليج أيضاً رقصة "الكاسر"(أو الحربة) و أصلها من الساحل الشرقي للخليج (إيران). و هناك الرقصات النسائية مثل رقصة "النَّشْل" التي تؤديها الفتيات على ساحل البحر احتفالاً بعودة الغواصين.



و كما في المدن و القرى على ساحل الذهب الأسود، فإن في مدن المناطق الأخرى أيضاً أداءاتها الاستعراضية المموسقة، بما يشمل قرى تهامة و جبال الحجاز، برقصاتها الشعبية المتميزة المتعددة؛ و أيضاً في مدن الحجاز مثل جدة و مكة، حيث تقليدياً كانت رقصة "المزمار" تؤدى في الحارات، في مختلف المناسبات.



و في أنحاء العالم، لا تكاد منطقة و لا دولة إلا و تقام فيها رقصاتها الشعبية(الفولكلورية)،..من جزر المحيط الهادئ و أرخبيل اليابان (أنواع الـ"ماتسوري"= الاحتفال) و الفلبين وإندونيسيا شرقاً..إلى أنحاء أوربا، مروراً بدول الشرق الأوسط، و على رأسها الرقصات المشهورة بـ"الدبكة".. بأنواعها اللبنانية و الفلسطينية والأردنية و السورية.. حيث تتشابك أيدي الراقصين/ الراقصات -و منها ما تؤديه النسوة حصرا- في أداء مختلف رقصات الدبكة.. مثل تلك المخصصة للبذر و الجَني و الحصاد.



فبالموسيقى و بالغناء تنتعش النفوس و تسمو الأرواح، و بخاصة حينما يتم الجمع بين الغناء الجميل و الموسيقى الرخيمة و الأبيات الشعرية الجميلة، و الحنجرة الصادحة الندية، فيأتي "الكورال" أو الأغنية/ النشيد، رائعَ اللحن شجيَّ النغمات، فتهتز معه الأسماع و تطرب له النفوس لحناً و معنى. فما الإنسانُ و ما الأنسَنة و ما الأنسُ إلا رفاق في دروب عشق الحياة!

يا ليلةِ الأنس، ما تعودي لنا ..

كل الناسْ مُرتاحةْ، يا عيني! إلا أنا!



و حينما يتضاءل دور الموسيقى تضمحل الحضارة، و تضمر القلوب، و تتصحر النفوس. لقد جاءت مقولة عن ابن خلدون بأن (أحد مؤشرات سقوط الحضارات كان تدني الحس الغنائي الموسيقى في المجتمع.). و كما يقول الأخ جعفر الجمري: من لم تصبه الموسيقى بعافية الحب فلن يجد إلى العافية سبيلاً.

إن الشعب الطروب لن يهن و لن يموت، ..فدعونا نستعيد و لو بعض الهنا، وأن نبعد عن أنفسنا و لو بعض العنا؛ و أن نسعى إلى منع اغتيال البهجة في صدورنا، و الفرحة من على شفاهنا. و علينا ألا نفقد الأنس(و كذلك الحب و الحنان)؛ و ألا نسمح بأن نُدفَع إلى نسيان إنسانيتنا، و إلى فقدان ابتسامتنا..!




#ابراهيم_عباس_نتو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرارٌ أمريكيٌ قد يؤذي مستقبلنا في المملكة العربية السعودية!
- سياقة ُالمرأةِ سيّارتـَها حَـقٌ طبيعي
- قصيدة اعملوا.
- المرأة و الفئات المتزمِّتة!
- قصيدة / إلى ما وراء عاشوراء
- أول روائية سعودية تكتب عن الإرهاب
- الانتخاب على الباب: بدء الديموقراطيا في السعودية
- بَدءُ الديموقراطيا و الانتخابات السعودية
- ما ضَــرَّ لو جاء المترشحُ العربي في الانتخابات بأقل من 99,9 ...
- بني وطني، لا تقاطعوا الانتخابات
- نجمتان خليجيتان: لـُبنىَ العِلَيّان..و نَدىَ زيدان
- رؤية هلال العيد كانت سرابا…
- السعودياتُ السبْع! شعاعُ مشاركةِ المرأةِ في الانتخابات بَدا ...
- بداهات في -الإصلاح- موجز عن محاضرة عامة لمعالي د. علي فخرو
- اللجنة الفرعية لحقوق الانسان تتبنى قرارا دوليا حول تعليم حقو ...
- مع قرب الإنتخابات في المملكة العربية السعودية
- بمناسبة -اليوم العالمي لحقوق الإنسان-..10 ديسمبر..التعبيرُ ح ...


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم عباس نتو - الموسيقـَى غِذاءُ الرُّوح!