|
لا حَميرَ في أقليم كُردستان
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 14:03
المحور:
كتابات ساخرة
بدءاً ، ولكي أقطع الطريق ، على أية تفسيرات خاطئة ، أعني ب " الحمير " ، تلك الكائنات الوديعة .. تلك الحيوانات الصبورة والخدومة .. أعني الحمير " حَرفِياً " ، ولا أعني الحمير " مَجازاً " ، فهؤلاء الأخيرين ، والحمدُ لله ، موجودين عندنا ! . أما الحمير الحقيقيين ، فلقد إنقرضوا تقريباً ، هنا .. ولم يَعُد لهم وجود . وهذه مُشكلة بيئية خطيرة ، قد تُسّبِب خللاً في التوازن الطبيعي في الأقليم ! . في سنة 1976 ، كنتُ أجوبُ القُرى في منطقة العُمادية ، من خلال عملي كمُعاون طُبي ، حيث زُرتُ عشرات القُرى الجبلية النائية .. وكانتْ وسيلة النقل ، في كثيرٍ من الأحيان ، هي طيب الذِكر : الحِمار . أما إذا كانتْ القرية كبيرة نوعاً ما ، ومُختارُها غنياً ، فرُبما يُوفر لي بغلاً او حصاناً ! . كُنا في العادة ، نبقى في كُل قرية ، ليلة أو ليلتَين . المُهم كان " الوَتَد " الذي يُربَط بِهِ الحمار ، بجانب المنزل ، قاسماً مُشترَكاً بين معظم بيوت القُرى .. فمن النادر ، ان لاتمتلك عائلة قُروية حينذاك ، حماراً . فالحمار المسكين ، كان هو الذي يقوم ، بعمل البيك آب والتراكتور وحتى سيارة الإسعاف ! . فتراهُ ينقل الحطب من الغابة الجبلية الى البيوت ، والسماد على ظهرهِ الى الحقول ، والمحاصيل من المزارع الى المُدن القريبة ، والمرضى الى أقرب مُستشفى .. وفوق ذلك يُركَب من قِبَل كُل أفراد العائلة ، في رواحهم ومجيئهم .. بل ان " الحمارة " ، بالإضافةِ الى كُل ما سبق ، كانتْ تُقّدِم أحياناً ، للذكور ، خدماتٍ غير شرعية أيضاً !! . أما في فترة الكفاح المُسّلَح ضد الحكومات ، ومنذ بداية الستينيات ... فلقد لعبَ صاحبنا الحمار الى جانب البغل ، دوراً في غاية الأهمية .. دَوراً لوجستياً ، ولم يكن بالإمكان ، الإستغناء عنه .. فهو الذي ينقل العِتاد والسلاح والمُؤن ، وعلى ظهره يُخلى الجرحى ، وفي كُل الظروف المناخية الصعبة ، في تلك المناطق الجبلية القاسية . في الحقيقة ، ان أي حمارٍ " حقيقي " ، في مناطق الثورة ، حينذاك .. كانَ أفضل وأنبَلَ ، من أي جَحشٍ " مجازي " في الجانب الآخر !. ثُم .. دارَتْ الأيام .. ومَرَتْ الأيام .. وشُقَتْ الطُرق الى القُرى ، ومُدّتْ بعض الشوارع ، التي وإن كانتْ ضّيقة وسيئة التنفيذ غالباً .. إلا انها ربطتْ على أية حال ، بين المدن والمناطق الريفية .. وشاءتْ الأقدار ان ترتفع أسعار النفط كثيراً في العالم .. فحصل الأقليم على موارد كبيرة سنة بعد أخرى .. فتخلى معظم الفلاحين والمُزارعين ، عن الزراعة ، التي لم تَعُد مُجدِية ، فالكُل أصبح يستلم الرواتب من الحكومة ، ويشتري ما يشاء من السوق ، من الخُضروات والفواكه والحبوب والمنتوجات الحيوانية والألبان المُستوردة كلها ، فلماذا يعمل او يتعب في الزراعة ؟ ... وكناتجٍ عَرَضي ، لهذه الحالة الجديدة .. فأن أهل تلك القُرى ، التي كانتْ تعُجُ بالحمير في السابق .. باعوا حميرهم ، في السنوات السابقة ، ولا سيما لإيران .. نعم صّدِق .. أن آلاف الحمير بيعتْ بأسعارٍ بخسة ، الى إيران ، التي نقلَتْها على الأغلب ، وباعَتْها بأثمان مُضاعَفة الى أفغانستان ! . واليوم .. بدلاً من الأوتاد التي يُربط بها الحمير ، بجانب منازل القُرى .. ترى أنواع من السيارات اليابانية والألمانية وغيرها .. وبدلاً من ان ينهض الفلاح ، فجراً .. على صياح الديك وزقزقة العصفور ونهيق الحمار .. ويتوجه الى حقله ، نشيطاً مُنتِجاً .. فأنه اليوم أصبح كسولاً مُتراخياً ، يبقى نائماً لغاية الظُهر ، ثم ينهض لمتابعة المسلسلات التركية ! . ............................. لو إحتاجتْ ، حديقة الحيوانات ، هُنا .. الى حمار .. فأنها ستضطر الى إستيراده من الصين ! .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمَة الرواتب في أقليم كردستان
-
قَبْلَ ... وبَعدَ
-
الإنتخابات .. إذا جَرَتْ
-
على هامش الأزمة المالية في الأقليم
-
همومٌ كُردستانية
-
أوضاعنا المُتأزمة
-
مَنْ س ( يلوكِلْنا ) بعد إنتخابات نيسان 2014 ؟
-
- لعبة - تشكيل حكومة الأقليم
-
- حركة التغيير - بحاجة الى بعض التغيير
-
أينَ حّقي ؟
-
هل هنالك أمل ؟
-
بين هَورامي والشهرستاني ، ضاعتْ الأماني
-
الأزمة المالية في الأقليم .. حّلها سَهل
-
حَج أنقرة وعُمْرة طهران
-
المواطن العادي .. ومَلف النفط
-
إحذروا من -داعش- يا أهلنا في الموصل
-
في دهوك : علامات وشواخِص
-
حركة التغيير .. في الفَخ
-
- سيد صادق - تصنع مجدها
-
سوران وبهدينان ... إقترابات
المزيد.....
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|