|
الروبوتيكا ، الماركسية وعلاقات الانتاج ..!!
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 4374 - 2014 / 2 / 23 - 15:29
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يفرض التقدم التكنولوجي الذي "يطير " بسرعة الضوء في ايامنا هذه ، يفرض تحديات جديدة أمام المجتمعات البشرية ، وخصوصا أمام علماء الاجتماع والاجتماع السياسي تحديدا . وما شهده النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين من تطور تكنولوجي ، كاد يفوق الخيال أو قصص الخيال العلمي ، يجعل هذا التحدي ماثلا أمامنا بكل حدة . وبإجراء مجرد مقارنة بسيطة بين ما يعرفه ابني أو ابنتي (أو أي شاب أو شابة أخرين ) وبين "العلم " الذي اكتسبه أبي المرحوم ، يتضح لنا بأن أبي الذي كان قارئا كاتبا (مارس مهنة التجارة ) ، ما هو إلا أُمي مقارنة بصغيرتي .. !! فسهولة التنقل بواسطة الطائرات والمركبات الفضائية قلصت المسافات (لم يركب أبي طائرة في حياته ، بل كان الحمار وسيلة تنقله الرئيسية وأحيانا الباص ..!!) ، بينما صعد على متنها وسافر بواسطتها ابني وبناتي ، قاطعين مسافات لم تكن تُراود خيال أبي (الذي توفي بداية تسعينيات القرن الماضي ). ووسائل الاتصال التي أصبحت في متناول الصغير قبل الكبير ، الحاسوب ، الخليوي ، والتابليت بما تحمله هذه الاجهزة من تطبيقات يعجز أمامها العقل ويحار . ما يهمنا في هذا السياق هو "تدخل " كل هذه التكنولوجيا في حياتنا ، ناهيك عن تقنيات أُخرى نستعملها يوميا ونتعامل معها كأمر مفروغ منه . ولا أبالغ ،بل يقول هذا القول ،علماء المستقبل " فوتورولوجيا " ، بأن العلم يضاعف نفسه عدة مرات سنويا ، مما يؤثر على حياتنا ، سلوكنا وتعاملنا مع المُستجدات في كل يوم من ايام حياتنا . لذا فأننا نرى أبحاثا يُجريها علماء الاجتماع حول تأثير التطور التكنولوجي على العلاقات الاجتماعية ، وتغيير أنماط التعامل بين الافراد . وكُنت قد قرات أبحاثا عن ارتفاع معدلات الطلاق وارتباطها بالتكنولوجيا المُتقدمة .أما بخصوص سهولة نقل وسائل الانتاج من بلدان المصدر الى بلدان اُخرى ، فهذا موضوع يجري الحديث عنه في كل الدول الصناعية المُتقدمة بل أصبح أمرا محسوما ومفروغا منه . لكن أمرا واحدا لم يتأثر بتقدم التكنولوجيا ، بل زادت حدته ، هو الجشع الرأسمالي . وكما قيل قديما فالرأسمال جُبان ويبحث عن البلاد التي تُوفر له أقصى قدر من الربح وأفضل "ظروف الامن والامان " ،لذا لا يخجل الرأسمال من الهجرة الى حيث يتوفر هذان الشرطان . حتى الى وقت ليس بالبعيد ، تشكلت الكارتيلات متعددة القوميات ، لكنها لم "تهرب " من بلاد المصدر ، بل ذهبت الى خارج حدود منظومة الدول الصناعية المُتقدمة لهدفين اثنين فقط ، أحدهما "لشراء " المواد الخام مقابل أبخس الاثمان وثانيهما لبيع منتوجاتها بأقصى الارباح . لكن ما نشهده في الحقبة الاخيرة ، هي "هجرة " الرأسمال بالصناعة الى بلدان لم تُعرف سابقا بأنها صناعية ، ليقوم بتصنيع منتوجاته بأُجور بخسة ويحصل على ارباح أكبر ، وليضرب بذلك "عصفورين " بحجر واحد . العصفور الاول بأنها تضمن (اي الكارتيلات )وعن طريق العقود في البدان "الصناعية الحديثة " ، " هدوءا صناعيا " ، والمقصود هنا بالهدوء الصناعي ، هو عدم حصول اضرابات عامة للمُطالبة بحقوق نقابية وعلاوات في الاجور وما شابه ، فهي ليست في الواجهة ، ووكيلها يضمن لها هذا ، ناهيك بأنها تُنتج منتوجاتها بتكلفة أقل . أما العُصفور الثاني ، فهو توجيه ضربة شبه قاضية للنقابات والتنظيمات العُمالية في بلدان "المصدر " ، بحيث كدنا لا نسمع ، إلا في ما ندر ، عن حركات نقابية نشطة وفاعلة في الدول الصناعية . التظاهرات الكُبرى في الدول الصناعية الكبرى ، عادة ما تكون على خلفية احتجاجات شعبية من الفقراء والمُهمشين على أحوالهم المعيشية المُتردية ، وليست مطالب حقوقية نقابية ..!! وبالعودة الى موضوع علاقات الانتاج وملكية وسائل الانتاج والتي تُحدد الانتماء الطبقي ، هل حدث تغيير على هذه المُعادلة ؟ وهل ستُغير الروبوتيكا هذه المُعادلة الماركسية ؟؟ لم تتغير المُعادلة في الجوهر فما زال هناك من يملك وسائل الانتاج وما زال هناك من يملك "قوته " لبيعها . لكن الأمر اللافت هو أن "الماكينات الذكية المُبرمجة " هي التي تقوم بالعمل ، بينما تقتصر مهمة (العامل ) هي تفعيل وتشغيل هذه الالة ومراقبتها ، ولهذا فقد أصبح مُشَغلا (لماكينة ) وليس عاملا ، ولكي يتمكن من "الحصول " على هذه "الوظيفة " فعليه أن يدرس أو يُشارك في دورات تدريبية ، فهو أشبه بتقني أكثر مما هو عامل (بروليتاري ) . لذا فأننا شهود على تحول كبير ، وهو تقلص الحاجة الى ايدي عاملة كثيرة ،كما كان في القرن التاسع عشر والعشرين ، والاكتفاء بمجموعة صغيرة من العمال التقنيين ، وبعض العمال الذين يؤدون أعمالا بسيطة أخرى ، لا غنى عنها ، كأعمال الادارة البيروقراطية ، الخدمات والنظافة !! والابحاث الحديثة في الروبوتيكا لم تتوقف ، بل تم تصميم وبناء روبوتات تؤدي خدمات وتقوم بأعمال متنوعة ، كالأعمال المنزلية ، في المتاجر وفي الجيش ، وخصوصا الاعمال الخطرة كاستكشاف القنابل والمُتفجرات مثلا ، وداخل المناجم . لن تتوقف الابحاث لاحقا ، وما تستعمله الجيوش الان ، قد تتم موائمته للأغراض المدنية ، فالروبوتات التي تقوم "بالأبحاث " ، قد تنتقل الى الارض لتقوم بدورها في بعض الاعمال التي يقوم بها العمال التقنيون ، وموضوع الذكاء الصناعي ، يحظى بعناية خاصة في الدول المُتقدمة . وليس ببعيد جدا ، ذلك اليوم الذي ستحل فيه الروبوتات مكان الانسان في القيام بالكثير من الاعمال . وحينها ، وحين يستغني من يملك "وسائل الانتاج " عن "العامل الانساني " ، هل تُصبح الروبوتات هي "البروليتاريا الجديدة " ؟؟وماذا سيكون حال البشر الذين لا يملكون وسائل انتاج ، ولم يعد الرأسمال بحاجة اليهم ..؟؟ "ف"عماله " من ذوي الذكاء الصناعي ، ليست لديهم مطالب نقابية خاصة ؟ يبدو هذا كهذيان ، أو في أحسن الظروف كنوع من الخيال العلمي ، لكن هناك أمران حقيقيان وواقعيان ، وهما ، هجرة الصناعة الى البلدان التي لا تهتم حكوماتها بالاستغلال الرأسمالي ، بل همها الاساسي هو توفير فرص عمل سانحة لأبناء شعوبها ، أما الثاني فهو إدخال ماكينات متقدمة ومُبرمجة الى عملية الانتاج ، الامر الذي قلص الحاجة الى قوى عاملة كثيرة .. وبعد كل هذا ، ألا تُوجد حاجة الى بعض إعادة النظر، وخصوصا في قضية "التقسيم " الطبقي "على المسطرة " القديمة ؟؟!!إنه مُجرد سؤال وقضية للنقاش أطرحها أمام القراء والكُتاب ..
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصص نساء عربيات ويهوديات على مسرح -البلاي باك-.
-
في مديح الظل المُتواري .
-
مفاوضات ..؟؟!!
-
الاستاذة خديجة صفوت ،ودس السم في الدسم ..!!
-
المخاوف الحقيقية...من إلغاء بند الدين في بطاقة الهوية!!
-
الوجود : بين الفردي والمُطلق ..
-
الماركسية والمشاعر ..
-
هل يحق لي -الاختلاف- مع لينين ..؟!
-
- نصائح أخلاقية -بالألمانية ..!!
-
عبودية مُعولمة حداثية ..
-
نور السلف المنير في تحويل البشر إلى حمير
-
-اكسترا هيوج -...
-
أين هم العقلاء من العرب والمسلمين ..؟؟
-
ربيع المرأة الفلسطينية ..؟؟!
-
أرفع الاوسمة ... وحصلتُ عليه ..!!
-
وهمَت به وهَم بها ..الاستعلاء الثوري .
-
شرعية النص وشرعية فرض الامر الواقع ..
-
الفقير والبروليتاري : عدوان أم توأمان ؟!
-
أين هي البروليتاريا ..؟؟!!
-
البروليتاريا حب الذات والمشاعر ..
المزيد.....
-
الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
-
أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت
...
-
مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من
...
-
الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم
...
-
السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد
...
-
إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك
...
-
محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح
...
-
تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم
...
-
طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز
...
المزيد.....
-
مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا
...
/ جيلاني الهمامي
-
كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع
...
/ شادي الشماوي
-
حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين
/ مالك ابوعليا
-
بيان الأممية الشيوعية الثورية
/ التيار الماركسي الأممي
-
بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا)
/ مرتضى العبيدي
-
من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا
...
/ غازي الصوراني
-
لينين، الشيوعية وتحرر النساء
/ ماري فريدريكسن
-
تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية
/ تشي-تشي شي
-
مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|