أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الاساطير الثقافية: (2) الغزو الثقافي (او حكاية -الناس اللي فوق- و-الناس اللي تحت-)















المزيد.....

الاساطير الثقافية: (2) الغزو الثقافي (او حكاية -الناس اللي فوق- و-الناس اللي تحت-)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4374 - 2014 / 2 / 23 - 14:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"القضية توجز في عبارة ... قد لبسنا قشرة الحضارة ... والروح جاهلية"
نزار قباني
"إيمانك بالأسطورة يجعلها قابلة للتحقق"
جورج أورويل

حدوتة "الناس اللي فوق" و"الناس اللي تحت"
يحكى انه كانت هناك عمارة متعددة الطوابق الا انها لم تكن عمارة ككل العمارات. ففي هذه العمارة لا يسكن الطوابق العليا الا تلك العائلات التي تتمتع بقدر مرتفع من الرفاه بكفة ابعاده المادية والاجتماعية والثقافية (السيد, 2012). فكلما زاد رصيد الرفاه لعائلة ما كلما أصبح متاحا لها الانتقال الي الطابق الأعلى. وهكذا انقسم سكان العمارة الى فريقين: فريق "الناس اللي فوق" وفريق "الناس اللي تحت" لكل منهما ملامحه الخاصة. فالفريق الأول، فريق "الناس اللي فوق"، يري ان رفع مستوى رفاه الانسان في الحياة الدنيا هو الهدف الأعلى وهو معيار الحكم على صلاحية أي فكرة او عمل. وقد أدت قناعتهم هذه الى تبنيهم العديد من القيم التي تيسر تحقيق هذا الهدف من قبيل: "مرجعية الواقع"، "أولوية العقل"، "الاحتفاء بالإبداع"، "الانفتاح على الآخر"، "الجدارة" و"التوجه المستقبلي". اما الفريق الثاني، فريق "الناس اللي تحت"، فيرى اغلب المنتمين له ان تحقيق الرفاه المرغوب في الحياة الدنيا هو امر صعب المنال لذا نراهم يسعون لتحقيقه في الحياة الآخرة. وقد أدت قناعتهم هذه الى تزايد سلطة وسطوة القائمون على شئون الدين، والى تبنيهم مجموعة قيم من قبيل: "مرجعية النص"، "هامشية العقل"، "ضلال البدع"، "الانكفاء على الذات"، "القرابة" و"التوجه الماضوي".

ولقد بهرت إبداعات وإنجازات وارتفاع رصيد رفاه المنتمين لفريق "الناس اللي فوق" هؤلاء المنتمين لفريق "الناس اللي تحت" فدفعهم هذا الانبهار الى التساؤل عن السر وراء كل ما حققه الفريق الاول. وفي البداية اعتقد بعض المنتمين لفريق "الناس اللي تحت" ان مجرد التشبه ببعض من مظاهر حياة المنتمين للفريق الآخر واستنساخ ما اقاموه من مؤسسات كفيل بتجاوز الهوة الفاصلة بين الفريقين ويؤهلهم للحاق بالناس اللي فوق. الا ان خياب مسعاهم دفعهم للتفكير مرة أخرى ليكتشفوا ان السر هو في منظومة القيم التي يتبناها المنتمين لفريق "الناس اللي فوق". وهكذا بانت الحقيقة امام اعينهم جلية وواضحة فالطريق شبه الوحيد للارتقاء وحجز مكان في الأدوار العلوية من عمارة العالم هو تبني مجموعة القيم الداعمة للتطور والتخلي عن تلك القيم المعوقة له. الا ان تحديث منظومة القيم التقليدية ليس بالأمر اليسير فهو يضر بمصالح المستفيدين من الوضع الراهن وعلى رأسهم المتأسلمون. لذا لم يكن من المستغرب ان نراهم مستميتين في مقاومتهم لأي محاولة تحديث مستخدمين في ذلك كافة الوسائل الممكنة وعلى راسها اختلاق مفهوم "الغزو الثقافي". وهو المفهوم الذي اختلقوه ليكون بمثابة فزاعة يرهبون بها من يجسر على مجرد التفكير في تجديد ما هو قائم. مفهوم يستخدموه في شيطنة الآخر أيا كان وزرع كراهيته في نفوس الاتباع.
أصل الحكاية
"الغزو الثقافي" هو الاسم الذي أطلقه كلا من الإسلاميون والعروبيون (او الأيديولوجيون) على ظاهرة التفاعل بين الثقافات. وهو التفاعل الذي زادت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من قدره ومن سرعته.

وطبقا للفريق الأول، الإسلاميون وهو الأعلى صوتا الآن، فإن الغزو الثقافي "هو عبارة عن كل الأفكار أو المعلومات أو البرامج أو المناهج يستهدف صراحة أوضمناً تحطيم مقومات الأمة الإسلامية، سواء العقيدية أو الفكرية أو الثقافية أو الحضارية، أو يتحرى التشكيك فيها والحط من قيمتها وتفضيل غيرها عليها وإحلال سواها محلها في الدستور أو مناهج التعليم أو برامج الإعلام والتثقيف أو الآداب والفن أو النظرة الكلية للدين والإنسان والحياة" (مرسي, 1995) ص 146. اما الفريق الثاني فينظر الى للغزو الثقافي على أنه "مجموعة من الأنشطة الثقافية والاعلامية والفكرية التي توجهها جهة أو جهات نحو مجتمعات وشعوب معينة بهدف تكوين انسان من الاتجاهات السلوكية والقيمية أو أنماط من التفكير والرؤية والميل لدى المجتمعات والشعوب بما يخدم أهداف ومصالح الجهة التي تمارس عملية الغزو المباشر رسميا ً وغير رسميا ً والذي يهدف كذلك إلى تحقيق التبعية الاقتصادية‏" (صعب, 2009).

وعلى الرغم من الاختلاف الجوهري بين منطلقات الفريقين الا انهما يشتركان في العديد من الصفات. وأول هذه المشتركات هو استخدامهم لكلمة "الغزو" لوصف التفاعل بين الثقافات. وهو استخدام ليس برئ فـ "الغزو" طبقا لـ "لسان العرب" هو "السيرُ إِلى قِتالِ العَدُوِّ وانْتِهابه" وهو "السير إلى قتال العدو ومحاربته في عقر داره" طبقا لـ "المعجم الوسيط". وهكذا يخلق استخدام هذه الكلمة لدى من يقرأها أو يسمعها صورة ذهنية مؤداها ان التفاعل بين الثقافات، اخذا وعطاء وأيا كان شكله، هو بالضرورة عمل يتضمن طرف غازي يستخدم العنف، بشتى صوره، لإجبار الطرف المقهور على تبني أفكار او قيم او سلوكيات غريبة عليه. وهو تعميم مضلل، وان كان مقصود، يساوي بين قيام مجموعة من البشر بتحديث وإثراء ثقافتها عبر اختيارها الحر لعناصر ثقافة أخرى وبين استخدام العنف لإكراه مجموعة من البشر على تبني أفكار او قيم او سلوكيات مجموعة اخري. ولا يخلوا تاريخ هذه المنطقة من امثلة صارخة على الغزو الثقافي. فعلى سبيل المثال اجبر قرار خامس خلفاء الأمويين عبد الملك بن مروان (685-705 م) القاضي بتعريب الدواوين في عهده والذي صدر في سنة 687 ميلادية، أُجبر هذا القرار الأقباط على تعلم اللغة العربية ليحتفظوا بوظائفهم في دواوين الحكومة. وبحلول القرن العاشر الميلادي كانت اللغة العربية، أو بصورة أدق اللغة العربية في صورتها الممصرة، هي لغة التخاطب بين أفراد المجتمع المصري. ومن الأمثلة الحديثة محاولة الفرنسيين شبه الناجحة لـ "فرنسة" الشعب الجزائري.

وثاني المشتركات بين كلا من الفريقين، الإسلاميون والعروبيون، هي نظرتهم للثقافة الخاصة بهم. فهم يعتقدون ان ثقافتهم، بكل مكوناتها من مسلمات وقيم وسلوكيات، هي الأعلى وهي منظومة مكتملة ومكتفية بذاتها وليست في حاجة لأي تجديد سواء من داخلها او من خارجها. والتجديد من الداخل هو ان يقوم أصحاب الثقافة بتعديل بعضا من مكوناتها لتتلاءم مع مستجدات الواقع. اما التجديد من الخارج فهو استجلاب عناصر جديدة من الثقافات الأخرى وتضمينها في بنية الثقافة المتلقية. والتجديد من الداخل هو امر مستبعد في ثقافة تتبنى قيم من قبيل "مرجعية النص"، "هامشية العقل" و"ضلال البدع". اما التجديد من الخارج فهو أيضا امر مستبعد لأنه في اعرافهم "غزو ثقافي" هدفه تدمير ثقافتهم. وهكذا تناسى الفريقين ان الثقافة كالكائن الحي تخضع لقانون التطور (السيد, 2013)، وان "البقاء للأصلح" في واقع تتعدد مكوناته وتتسارع ايقاعاته ومن لا يواكبها مصيره الفناء.

ان الايمان بهذه الأسطورة ينشئ ثقافة "منغلقة" لا تتقبل الجديد، ثقافة "منكفئة" لا تنظر الا لنفسها ولا تعترف بتعدد الرؤى وتباين الافكار، ثقافة "اقصائية" لا ترى في الآخر الا صورة الغازي فتختلق من لا شيء العداوات.


المراجع
السيد, ا. ن. ا. 2012. الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة. الحوار المتمدن, العدد 3952
(25 ديسمبر): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=338134.
السيد, ا. ن. ا. 2013. نظرية التطور والثقافة. الحوار المتمدن, 4120(11 يونيو): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=363689.
صعب, ق. 2009. الغزو الثقافـي ومستقبل الثقافة العربية محاضرة يلقيها الجودة بدير الزور. الفرات, 19 أغسطس: http://furat.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=21317829220090818222616
مرسي, م. ع. ا. 1995. الثقافة والغزو الثقافي في دول الخليج العربية نظرة إسلامية. الرياض: مكتبة العبيكان.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثروة الخفية
- من يخاف من العولمة؟
- علمنة المجتمع وشكة الدبوس
- العلم من بارادايم البساطة الى بارادايم التعقد
- الاساطير الثقافية: (1) اسطورة العروبة
- الحل برة الصندوق
- تانجو الفوضى والانتظام
- أزمة العقل البسيط
- جاليليو الذي تجاهلناه
- الة الزمن المعكوس
- جاءنا البيان التالي
- زمن الهوجة
- عن الثورة الثقافية ... معالم على الطريق (3/3)
- عن الثورة الثقافية ... عشان ايه وليه؟ (2/3)
- عن الثورة الثقافية ... ترويض المفاهيم (1/3)
- نظرية رأس السمكة
- تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر
- سلام مربع ل -جهادية- بلدنا
- نظرية التطور والثقافة
- الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)


المزيد.....




- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - الاساطير الثقافية: (2) الغزو الثقافي (او حكاية -الناس اللي فوق- و-الناس اللي تحت-)