محمد سيد رصاص - كاتب وباحث وناشط يساري سوري - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: مقارنة بين أحداث 1979- 1982 وأزمة 2011 - 2014 في سورية


محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن - العدد: 4374 - 2014 / 2 / 23 - 11:28
المحور: مقابلات و حوارات     



من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -124 - سيكون مع الأستاذ محمد سيد رصاص - كاتب وباحث وناشط يساري سوري - حول: مقارنة بين أحداث  1979- 1982 وأزمة 2011 - 2014  في سورية.


في أحداث حزيران1979- شباط1982 كانت الذخيرة البشرية لـ «الإخوان» تأتي من فئات وسطى متعلمة في أحياء تقليدية «الكلاسة وباب الحديد والجميلية والفيض في حلب- الحاضر والكيلانية بحماة - الصليبة ومشروع الصليبة والطابيات والعوينة في اللاذقية» كانت متضررة من المسار الاقتصادي – الاجتماعي الذي بدأ منذ 8 آذار 1963، وبعضها، مثل حلب واللاذقية، كان قاعدة الاستناد الاجتماعية التي ارتكز عليها الناصريون في صدامهم مع البعثيين إثر انفكاك مشاركتهم في السلطة منذ 18 تموز (يوليو) 1963 الذي شهد محاولة انقلاب العقيد جاسم علوان المدعومة من القاهرة. خلال تلك الأحداث استند نظام الرئيس حافظ الأسد إلى الريف والمدن والبلدات الصغيرة وإلى تجار دمشق، في ظل غطاء دولي امتد من موسكو إلى واشنطن مروراً بلندن وباريس وكذلك إلى دعم الرياض، فيما كان «الإخوان» يستندون إلى بغداد وإلى حد «ما» إلى الملك الأردني حسين، وكان الوضع الاقتصادي قوياً ومستقراً ولم تكن هناك أزمة اقتصادية يمكن أن تكون وقوداً للحراك السياسي.في أزمة2011-2014كانت السلطة السورية مدعومة من طهران ومن موسكو و(مجموعة دول البريكس)،فيماكان هناك دعم للمعارضة من قبل واشنطن – أنقرة- الدوحة- الرياض مع ظهير أوروبي تركز في باريس.
في حركة الاحتجاجات (البادئة في درعا)، التي شهدتها سورية منذ 18 آذار2011، هناك صورة جديدة: سكون احتجاجي في حلب، ومثيل له في مدينة دمشق عدا شيء من الحركة الاحتجاجية في حي تقليدي «الميدان»، مع حركة احتجاجية قوية في حي مثل برزة كان حتى السبعينات هو مجموعة بساتين يتوسطها مزارعون في حي صغير قبل أن يأتي قاطنون أتوا في شكل رئيسي من الأرياف.
في بلدات محافظة ريف دمشق الصورة مختلفة: حركة احتجاجية قوية في بلدات دوما وحرستا وداريا والمعضمية ، مع سكون في بلدات يبرود ودير عطية والنبك لم يبدأ بالتحرك إلا مع أشكال مسلحة في يبرود بعام2013، مع احتجاجات أخذت منحى صاخباً في منطقة الغوطة الشرقية «سقبا والمليحة» حيث أضيف الى تدهور الزراعة تضرر صناعة المفروشات، وهي حرفة تقليدية هناك منذ مئات السنوات، نتيجة منافسة المستوردات التركية في السنوات الأخيرة. في مدينة درعا، وفي حوران بريفها وبلداتها، هناك احتجاجات شاملة لا توازيها كصورة سوى محافظة ادلب، حيث يبدو أن تدهور الزراعة وضعف الاستثمار الحكومي يؤديان إلى هجرات من درعا وحوران نحو دمشق، كذلك من محافظة ادلب نحو مدينة اللاذقية حيث يشكل الآتون من هناك، (يسمون في اللاذقية بـ «الشريقية»)، ما يفوق ربع سكان المدينة، وهم العصب الاجتماعي لحركة الاحتجاج في تلك المدينة الساحلية من خلال أحياء "بستان الصيداوي والسكنتوري والرمل الجنوبي"،وبحيث أصبح مركز حركة الاحتجاجات بعام2011 ضد نظام البعث لأول مرة في اللاذقية في تلك الأحياء التي هي أقرب الى العشوائيات، ولم يعد في حي الصليبة، كما كان الأمر في تموز 1963 ونيسان 1973 وأيلول (سبتمبر) 1979.
في مدينة حمص الصورة مختلفة، حيث يجتمع حي، هو (باب عمرو)، كان حتى الثمانينات ضيعة ببساتين على أطراف المدينة، مع أحياء تقليدية مثل «باب السباع والخالدية»، لكي تشكل المركز الاجتماعي للاحتجاجات، مع صورة جديدة تقدمها حمص حيث ظهر في الأحداث أن فئاتها الوسطى وشريحة كبرى من تجارها دخلت في خط الاحتجاجات، وهو شيء لا يلمس في اللاذقية مثلاً، فيما يمكن ملاحظته في حماة 2011، كما يمكن ملاحظة توحد بلدات تلبيسة والرستن مع حمص وحماة في تشكيل مراكز للحركة الاحتجاجية، وهو ما يمكن ملاحظته أيضاً في مركز محافظة دير الزور وبلداتها «البوكمال والميادين»، الأمر الذي يشبه وضع محافظتي درعا وادلب، حيث تعاني هذه المحافظات الثلاث من تدهور الزراعة وضعف الاستثمارات الحكومية، فيما يمكن القول إن محافظة الحسكة، التي تعيش وضعاً اقتصادياً وخدماتياً مشابهاً لهذه المحافظات الثلاث، قد أدى تنوعها القومي، وحساسيات أحداث آذار 2004، إلى أن يكون مركز الاحتجاجات في القامشلي ورأس العين وعامودا حيث غالبية سكانية كردية وليس في مدينة الحسكة ذات الخليط العربي والكردي وحيث يوجد الكثير من المسيحيين، وبالذات من السريان، أظهروا في أحداث 2011، مثل باقي مسيحيي سورية، تأييداً قوياً للسلطة القائمة.
في سورية 2011 ثلاث محافظات هادئة بشكل ملحوظ: طرطوس، والسويداء، والرقة حيث الزراعة ما زالت محافظة على مردودها عند سد الفرات. في حلب يمكن تفسير الهدوء الاحتجاجي مثل الرقة وعزوه إلى الاقتصاد، فيما يمكن قول العكس عن مدينة حمص، التي تحولت كل الطرق الرئيسية السورية، بين الساحل ودمشق وبين الأخيرة وحلب ومن المنطقة الشرقية ودمشق، عن المرور في وسطها ،لأوتوسترادات خارج حمص أو بعيداً عنها، فيما كانت حتى أواسط الثمانينات تمر في داخل المدينة وتنعش أسواقها، وهو ما زادت مفاعيله السلبية مع تمييزات في الوظائف لغير صالح أبناء مدينة حمص فيما كان عمل إدارة المحافظة في السنوات الأخيرة قبل2011 غاية في الفساد.
في سورية2012:انفجر الوضع في حلب من خلال غزو مسلحي الريف للمدينة في تموز وسيطرتهم على أحيائها الشرقية،فيماكانت مدينة حلب خلال ستة عشر شهراً من الاحتجاجات السورية هادئة وتنأى بنفسها عنها وكان جسمها الاجتماعي بغالبيته أكثر تأييداً للسلطة.في الرقة كان الوضع كذلك حتى آذار2013 عندما دخلتها تنظيمات مسلحة أتت من الأرياف وسط سلبية السكان الرقاويين المدينيين. في ديرالزور بآب2012سيطر المسلحون الآتون من الريف غالباً على قسم كبير من أحيائها ولكن الفرق عن حلب ثم الرقة أن ديرالزور كانت في 2011كمدينة مركزاً لحركة احتجاجية سلمية ناشطة. في حماة 2012-2013- 2014،التي قدمت بعام2011أكبر التجمعات لتظاهر سوري سلمي، كان هناك نأي حموي مديني عن تأييد العمل المسلح على الأرجح أنه نتيجة دروس شهر شباط1982 مع ميل حموي عام نحو التسوية.في مدينة اللاذقية بأعوام2012-2014هناك سكون وميول كبيرة نحو التسوية.

خلاصات:

بشكل عام، يمكن القول إن هناك في عام2011كان يوجد حركة احتجاجية سورية تستند إلى قاعدة اجتماعية واسعة من الطائفة السُنية، ولكن، في الأرياف والبلدات الصغيرة وفي بعض المدن، مثل درعا وحمص وحماة ودير الزور، مع تأييد ملحوظ للسلطة بين تجار وصناعيي وأغنياء السُنة، وتردد كبير بين فئات وسطى سُنية يمكن تلمسه بقوة في دمشق وحلب واللاذقية، بخلاف حمص وحماة،أصبح يميل هذا التردد في عام2014نحو السلطة وأي تسوية للأزمة: في سورية 2011-2014 ظهر أن الطائفة الوحيدة التي كانت مقسومة على أساس طبقي، أي اقتصادي- اجتماعي، وبالتالي سياسي، كانت هي الطائفة السٌنية (75 في المئة من مجموع السكان)، وهي لم تتصرف كطائفة، فيما كانت الأقليات «علويون – مسيحيون – دروز - اسماعيليون - شيعة اثنا عشرية» موحدة ككتل صلبة مع النظام، مع استثناءات هي أقرب إلى الحالات الفردية، وهو ما ينطبق على الأكراد «7-9 في المئة من السكان وهم سٌنة» الذين ظهروا كأقلية وحيدة وقفت في المعارضة، كجسم اجتماعي، وأيضاً ككتلة موحدة صلبة.
وأكثر ما يلفت النظر في سورية 2011- 2014 «والمجتمعات عندما تحصل فيها زلازل تظهر فيها أيضاً حالة باطن التربة» هو ذلك التماهي الكبير الذي ظهر بين الطائفة، والدين، والإثنية، وبين الميل أو الموقف السياسي عند غالبية كاسحة في تلك الطائفة أو الدين أوالإثنية أثناء عملية تشكيل الميل أوالموقف السياسي، مع تسجيل الاستثناء الكبير الذي مثّله السنّة العرب حيث انقسموا وتوزعوا على أساس طبقي «اقتصادي- اجتماعي» بين المعارضة والموالاة للسلطة، مع نسبة كبيرة من المترددين. هذا التماهي لم يكن بهذه القوة في أحداث 1979-1982 حيث كان الانقسام السياسي يمتد على أسس من الأيديولوجيات الحديثة(القومية العروبية- الماركسية)بين ثنايا المجتمع السوري جميعها ،وعندما حاول (الاخوان المسلمون) في تلك الأحداث التعبير الطائفي السني في حركتهم السياسية ضد السلطة فإن غالبية كبرى من سنة سوريا لم تمش معهم،كماأن الأقليات كان الكثير من أفرادها ينشط في الحركات المعارضة وفي قياداتها ودخل الكثير منهم السجون في عقد الثمانينيات،فيماكانت أكثرية عطمى من الأقليات في أزمة2011-2014مؤيدة للسلطة،ماعدا الأكراد الذين تحركوا أثناء ضعف السلطة لفرض واقع جديد على الأرض،كماجرى في عراق1991-2003،فيماكانوا في 1979-1982بدون مشاركات فعالة لافي موقف المعارضة ولاالموالاة.
الأمر الثاني الذي يلفت الانتباه، هو اتجاه الجسم الاجتماعي المعارض، الذي يتحرك بدوافع اقتصادية - اجتماعية - ثقافية، إلى أن يعطي لحراكه مساراً سياسياً، وليس مطلبياً، منطلقاً من اعتبار أن باب البيت هو السياسة وأن غرفه هي «الاقتصاد» و «الاجتماع» و «الإدارة» و «القانون» و «الحياة الفردية»، وبالتالي فإن السياسة هي المفتاح والباب إلى كل تلك الغرف، وهذا أمر مثير للملاحظة والدرس عند مجتمع كان في حالة صمت عن السياسة لتسعة وعشرين عاماً ثم كسر صمته بدءاً من يوم 18 آذار 2011.
الأمر الثالث: في خلفية أزمة سوريا2011- 2014هناك أزمة اقتصادية وخراب للزراعة وظهور ملامح من الانقسام الاقتصادي- الاجتماعي بين أغنياء وفقراء مع اتجاه واضح في فترة2000-2010نحو اضمحلال عددي في الفئات الوسطى عبر نزول أقسام كبيرة منها نحو خط الفقر.كان مركز الاحتجاجات في الأرياف وفي المدن والبلدات الصغيرة والمحافظات المهملة(ادلب- ديرالزور-درعا)،مع استثناء مديني كبير في حمص.ربما وعلى الأرجح أن هذا هو السبب في أن تكون أزمة2011-2014 أكثر امتداداً في المجتمع وأقوى تأثيراً على السلطة مماجرى في1979-1982حيث لم يكن هناك أزمة اقتصادية وكان الريف مزدهراً في انتاجه الزراعي وهو ماجعل آنذاك حركة الاخوان المسلمين محصورة في أحياء مدينية محددة في حماة وحلب واللاذقية مع انتشار في ريف وبلدات محافظة ادلب(ماعدا مدينة ادلب) نتيجة ضعف الاستثمار الحكومي والتهميش الذي عاشته محافظة ادلب عموماً في عقد السبعينيات. على الأرجح أيضاً ،وفي ظل ضعف الأيديولوجيات اليسارية القومية والماركسية وفي ظل المد الذي يعيشه التيار الاسلامي السياسي منذ أواسط السبعينيات،أن الطابع الريفي الغالب على احتجاجات2011هو الذي جعلها تأخذ طابع سلفي اسلامي،وهو مانلاحظه كذلك في مصر وتونس حيث السلفيون أقوى في الريف المهمش أوفي الأحياء المدينية الفقيرة التي تتشكل أساساً من وافدين ريفيين جدد،على حساب حركة الاخوان المسلمين التي هي تعتمد على قواعد مدينية غالباً من فئات وسطى متعلمة،والتي جعلتها هزيمتها في أحداث1979-1982تنظيماً خارجياً سورياً ولم يأت نفوذها في مجلس اسطنبول سوى من اعتمادها على محور تركي- قطري.كماأن الطابع الأيديولوجي السلفي هو الذي جعل امكانية أكبر سياسياً وأيديولوجياً نحو الوقوع في حفرة العنف الاسلامي المسلح في سوريا2012-2014 ،وهو مايلاحظ كذلك في جزائر التسعينيات بعد الانقلاب العسكري في 11كانون ثاني1992 على المسار الانتخابي الذي فازت فيه الحركة الاخوانية بجولته الأولى في أواخر عام1991وقبيل أيام من الجولة الثانية للانتخابات.
الأمر الرابع:في سوريا،وعبر مقياس هزتي1979-1982و2011-2014 ،لاتوجد أزمة طائفية كماالأمر في لبنان وفي عراق مابعد 9نيسان2003 ،بل هناك اصطفافات سياسية عابرة للطوائف ولاتتحدد عبرها وهذا أكثر مايلاحظ عند السنة الذين أظهر أقسام كبرى منهم وخاصة من الأغنياء والفئات الوسطى تأييداً للسلطة ،التي بان بأن ارتكازاتها الاجتماعية ليست طائفية بل عابرة للطوائف وللأكثرية والأقليات،فيمالم يستطع الاسلاميون المعارضون ،في تلك التجربتين الكبيرتين،أن يستقطبوا غالبية سنة سوريا الذين وقف قسم كبير ووازن منهم مع السلطة السورية القائمة في1979-1982و2011-2014.وعلى الأرجح أن فشل المعارضة الاسلامية في أزمة 2011-2014سيؤدي إلى دخول التيار الاسلامي في حالة جزر وخاصة بعد انفضاض اجتماعي كبير عن الاسلاميين نتيجة سلوكهم في المناطق التي سيطر عليها المسلحون،وسيؤدي إلى انتعاش جديد للتيارات اليسارية والعلمانية ،وخاصة مع فشل الاسلاميين بمصر2012-2013،حيث دائماً ومنذ عام1919تتبع دمشق القاهرة في الاتجاه العام.