أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - جثتي ........















المزيد.....

جثتي ........


سعدي عباس العبد

الحوار المتمدن-العدد: 4374 - 2014 / 2 / 23 - 09:51
المحور: الادب والفن
    


• قصة قصيرة _ جثّتي ..
• ___________________________________

** كان على امّي انّ تتحقق من موتي ..موتي الذي بات واقعا متجسدا على الارض ..كان عليها انّ تتأكد من ذلك , خاصة بعد انّ صرت جثة مشوّهة , تتحلّل قبّالة عينيها ..جثة تحتل مساحتها الرخية المدماة ثقوب كان قد حفرها الرصاص عميقا في بدني .. ما زلت اتذكّرعويّلها عندما اخرجوني من ثلاجة __ الطب العدلي __ .. كنت ارى اليها عبر جدار من الأكتاف والرؤوس , جدار مكتظ باللغط يسيّج اطرافي المتخشّبة الراشحة بردا لاذعا متجمدا في عظامي , وعلى مقربة من الجدار البشري . كنت المح امّي تجري في الفراغ المضاء بنور النهار , يفّصلني عنها حاجز مهول من الصمت والسنوات والحنان الامومي , الحنان الذي بات عقب موتي ومنذ الآن محض ذكريات ... ذكريات سارعت لتحتشد في ذلك الفراغ الذي يفصلني عن امّي . الفراغ الذي يشّغله الآن مجرى دافق من الأمومة والذكريات . تلك الذكريات التي تتقد جذوتها الآن في ذاكرة تلك المرأة او امّي .. ذكريات جعلت تنهمر من عيونها دموعا وتتدفق بكاءا وعويلا .. ذكريات بات يفصلني عنها موت مريع ..ولكنها لما تزل تعتلق متوهجة مضيئة في ذاكرة ودموع امّي . امي تلك الكتلة المتشحة بالسواد والنابضة بوجع الغياب والتي لما تزل ترتج في اهتزازات متعاقبة وسط الجدار البشري والايدي المطوّقة بدنها ويديها وحراكها المتعثّرة بعاصفة جامحة من الحزن والعويل , فلبثت تدور على مقربة من جثتي , محاذاة الجدار البشري الذي كان يصطدم بها باستمرار وفي اشد اللحظات عذابا ويأسا ..لكنها كانت مثل لبؤة عجوز تثب بكامل بكاؤها وقهرها .. وثبات متتالية بغية فتح شق في الجدار تنفذ عبره إلى الجثة التي هي انا في هيئة مشوّهة من الموت والذكريات والخوف ..كنت اتطلّع اليها عبر ثقبين حفرهما الرصاص اسفل جبهتي او في العنين المنطفئتين , فلم ارَ سوى اشباح غائمة تلوح ليّ ...وعندما اشعر ببدني الثقيل المتخم بالرصاص يستقر في بدن سيارة مكشوفة للفضاء والريح , اهجس بدثار ثقيل يهبط على وجهي , فيزداد الظلام كثافة ويغدو حارا قاتما ..فتتلاشى ملامح امّي , تتوارى في مديّات غامضة .. او في السيارة التي تتعقب نعشي المنحدر في الطريق المفضي إلى بيتنا , وما انّ انعطفت السيارة إلى مدخل الزقاق حتى هبّت عاصفة من الصراخ ..صراخ طويل منزوع من اقصى الروح , راح ينتشر االقلوب والنفوس والجدران , محلّقا في سماء غائمة من الذكريات والاحزان .. مئات الافواه الصارخة كانت تتوافد متدفق من البيوتات والازقة المجاورة والمحال والساحات في تشكيلات متعاقبة . فيما كنت انا اغط في موت عميق , متوغلّا في مجرى من الصمت والحياد ..انصت لذلك الصراخ الحزين الذي كانت تطلقه امّي . صراخ راعش طويل يتدفق من شفتيّها ولسانها وروحها , صراخ منزوع من الروح والقلب والظلوع . صراخ يبدّد وشيش المطر الذي شرع ينهمر في تلك اللحظة النابضة بالصراخ والموت , كانت امّي تصرخ بكامل اوجاع الغياب الذي غلّفني . صراخ يتصاعد مع البلل الذي راح يغطي مساحة من وجهها المعتكر وشعرها النافر المكشوف للريح والمطر , في التماعاته الفضّية التي تماثل خطوط ثلجية ..كانت قد بلغت اقصى الحزن والبكاء ولا احد ينجدها من هذا الحزن القاسي .. فلم يبق متسعا في الروح لمزيد من الاحزان . لن ينجدها سوى أبي الذي كان يلوح ليّ عبر الفراغات التي اتاحها انزياح النسوة عن مؤخرة السيارة .. لمحته يطبق باصابعه الشائخة الطاعنة بالحنو على ذراعها ويقودها برفق . الا انها كانت ترفض ان تنقاد .. كانت كتلة متأججة من العذاب والبكاء..كانت في تلك اللحظة المترعة بالموت والغياب , مشغولة ومشغولة جدا بما حل بها وبما ستفعله لاحقا , للانعتاق من اسر هذا الحزن القاسي , حزن الموت والغياب ..كانت حزينة ملتاعة للغاية .. كانت تلوّح بكلتا يديها إلى السماء .. وإلى وجه أبي .. وإلى تلك الارهاط من الخليقة المستغرقة في تمديّد حسراتها على مصائرها المعلّقة على ضغطة زناد مجهول ..وإلى الجدران التي بقيت تردّد صدى صراخها وعويلها .. ذلك العويل المتمدّد في نور النهار ...............
لما احاطتني الايادي من جهاتي الاربعة , ..من اطرافي الاربعة المشبّعة بصدىء الرصاص والبرد .لتتناولني من على ظهر السيارة ,.. وتتوجه بالجثة إلى حيث باحة الدار . تصاعد الصراخ ..وما انّ هبطتُ بجثّتي إلى الارض حتى اشتدت مراثي النادبات , فارتجت الباحة تحت ظهري المنخول بثقوب الرصاص نخلا ..واشتد صراخ امّي ضراوة ووجعا فاهتزت القلوب لوعة , .. اهتزت ارجاء البيت والجدران والابواب والنوافذ وخفقة الريح والنهار !! ..واكتظت الباحة والفضاء برائحة الموت النفّاذة وبزحام الوافدين من الجوار وعبر الازقة البعيدة , جروا على وقع الصراخ والعويل ومراثي النادبات , ولما باتوا على مشارف جثتي , على مقربة من رائحة الرصاص __ الرصاص المجهول الهويّة __ , دكهم الحزن دكا وشدّهم بخيط من الدموع المترعة بالحسرة والندم إلى الفاجعة التي نزلت على امّي ..كان الزحام على اشده لما لما شاعت رائحة الصدىء ._ صدىء الرصاص !! _ لما شاعت رائحة الجثة في الهواء , فاحت من اشدّ الملامح تشويّها وقسوة ,.. بقيت الرائحة لوقت عصيب راكد في هواء النهار تدور في فضاء مغلق .. مغلق على شلالات من النواح والعويل ..بقيت رائحة الرصاص الصدىء تتصاعد من الثقوب التي حفرت عميقا في الجثة .. تتصاعد من البدن المرصّع بمساحات من التشوّهات اللاذعة التي محت اغلب ملامحي ...تتصاعد من التابوت الذي وجدتني ارقد داخله , مفروشا داخل فضاءه الضيّق .. تتصاعد من خشبه الراشح رطوبة بليّلة , تتصاعد من الجدران , جدران بيتنا , تتصاعد من ذلك الطفل القديم الذي كنّتهُ , الطفل الذي لما يزل قابعا في ذاكرة امّي الصارخة . تلك المرأة اللاطمة التي هدّها الحزن والعويل والمراثي هدّا . تلك المرأة الخاويّة التي كانت امّي قبل هذا اليوم !!! .. رائحة نفّاذة لما تزل تتصاعد من خاصرتي المحفورة برشقات من الرصاص , تتصاعد من امّي التي احالها موتي على يد ثلة من الارهابين إلى عاصفة من الوجع المر والعويل الذي غدا جزءا حميم من الصدىء .. عويل يعقّب عويل في تشكيّلات من رائحة الرصاص والصدىء ..
ارى إلى يد أبي التي تراخت اصابعها الماسكة بذراع امّي ..امّي تلك الكتلة المتشحة بالسواد والمصنوعة من الحزن والدموع والحنان ..انتزعت ذراعها وروحها وذكرياتها وبدنها برمّته من بين اصابع يد أبي وجعلت تجري في دوران مغلق عند المساحة المحيطة بالتابوت .. كانت تثب في الهواء وثبات متتالية ثم ما تلبث انّ تعود تدك الارض دكا بكامل لوعتها وفجيّعتها ولحظاتها الدامية , ثم ترتمي على التابوت , تهوي بكل ما أوتيّت من حنان وعذاب وذكريات على وجهي المزدحم بالتشوّهات والثقوب والصدىء وبقايا شحيحة من رائحة طفولة غاربة . فتلثم خلال شفتيّها الراعشتين المساحة الغائمة التي تؤطر ملامحي الممحوة .. تلثم تلك المساحة الممسوحة الغائبة الملطّخة ببقع من الدم المتجمّد وبقايا جراح مجفّفة . تلثمها بشفتيها ورائحتها وانفاسها وخدودها وجبينها ... كنت اتحسس رائحتها تضوع من كل شيء يحيط بي . من الهواء وخشب التابوت ومن بقايا صدىء الرصاص ومن نور النهار ومن ذلك الطفل المترع بالحرمان الذي كنّتهُ ..
كان أبي بردائه الرث الطويل ولحيته الكثة النافرة , يمشي محدودب وسط المعزيّن المتأخرين في وفودهم الحافل بالوقار والصمت ..كان أبي واقفا بكامل حزنه الجليل ووقاره فوق جثتي عندما اغلقوا غطاء التابوت عليَّ .. فساد ظلام شامل اطبق على فضاء التابوت .. ومن بعيد وعبر الظلام , سمعت نداء فاترا واهنا تطلقه امّي في اثري , فيتبدّد في الهواء والظلام انتهت



#سعدي_عباس_العبد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رماد الجنود / جنود الرماد
- قصة قصيرة __ القيامة
- رواية مخطوطة في مقاطع / بقايا الجندي الطائر / 2
- رواية مخطوطة / بقايا الجندي الطائر / المقطع 3
- مقطع من روايتي المخطوطة / بقايا الجندي الطائر
- رائحة الجندي
- الرصاصة والزنبقة
- النهار الاخير
- ..... يحدث في زمن البكاء والنسيان ..
- عزف على وتر الخراب
- نوافذ الأباء والنساء
- دهشة
- منزل عند الضاحية البعيدة من الوجود */ قصة قصيرة
- نهارات سود
- شرخ في جدار الذاكرة
- تحت سماء محايدة
- الطفولة ليست بريئة دائما
- كلهم سيهربون
- نزوح صوب مرافىء الجوع والتيه


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عباس العبد - جثتي ........