مسائل حول الدين والإله في ضوء العلم والمنطق والعقل [5]

إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 4373 - 2014 / 2 / 22 - 22:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

5) هل يتناقض مفهوم التصميم الذكي مع ذاته؟
بالنسبة للعديد من الناس، وخصوصاً المتدينين منهم، فتعقيد الحياة بحدّ ذاته سببٌ كافٍ للإيمان بالله،. ويرى البعض أنه إذا كان هناك أي أمل باقٍ لإثبات وجود الله، فسيكون من خلال حجّة التصميم الذكي.
في الواقع، أنا نفسي كنت من المؤمنين بنظرية التصميم الذكي عندما كنت متديناً إلى أن أدركت أنّ هذه النظرية تتناقض مع فرضيتها الخاصّة.
لتوضيح المسألة أكثر: إنّ قوانين التصميم الذكي تقول أنّ كافة أشكال التعقيد تتطلّب وجود مصمّم ذكي، لكنّ المصمّم الذكي والمعقد نفسه لا يخضع لهذه القوانين وهو مستثنى منها (هذه مغالطة منطقية يطلق عليها اسم "الالتماس الخاص").
أغلب أنصار نظرية التصميم الذكي لا يرون المشكلة التي تتخلّل النظرية لأنهم يؤمنون (حتى إذا لم يعترفوا بذلك بشكل صريح وعلني) بإله أزلي. وبما أنّ الله _إذا كان موجوداً_ هو كائن أزلي، حسب تفكيرهم، فليس هناك حاجة لتفسير مصدر هذا التفسير ومنشأه. فهو لطالما كان موجوداً، كما أنه كان معقدٌ دوماً. بأية حال، مازالت هناك إشكالية كبيرة وفي منتهى الجدية: لا يمكننا التفكير بشكل آني أنّ إلهاً في منتهى التعقيد موجود من دون سبب أو غاية، في حين أنّ كوناً أقل تعقيداً من ذلك الإله لا يمكن أن يوجد من دون سبب.

@ تكوين من الأعلى نحو الأسفل مقابل تكوين من الأسفل نحو الأعلى:
لنوضّح الأمر بطريقة أكثر بساطةً، يعتقد أنصار نظرية الخلق والتكوين بخلق من الأعلى نحو الأسفل، حيث توجد كمية هائلة من المعلومات المعقدة (عقل الله)، التي تخلق أشياء أبسط وأقل تعقيداً.
في هذه الأثناء، يؤمن الماديون بنظرة تتجه من الأسفل نحو الأعلى، حيث المادة الميتة والطاقة "موجودتان فحسب"، ويمكن للتعقيد والمعلومات أن ينبثقا عنهما بشكل تدريجي. يبدأ التفسير المادي من مستوى منخفض من التعقيد (0) صفر، ولا يستخدم سوى المواد التي تُعْرَفُ أنها موجودة. التفسير الديني يبدأ من درجة عالية من التعقيد، تشكّلت من موجودات غير مادية قد لا تكون موجودة، والافتراض القائل بأنّ هذه المواد والموجودات غير المعروفة قد تخلق كوناً ناجم عن إرادة محضة.

@ رمية نرد؟
إنّ الذرات التي تكوّن كوننا صمّاء وعمياء تماماً، لكن ما تفتقر إليه من ذكاء ووعي تعوّضه بالأرقام المحضة. أنا أشبّه احتمالات نشوء الحياة باحتمالات رمي حجر نرد واحد من بين مليون حجر _وبشكل آني. إنها عملية بعيدة الاحتمال تماماً، لكن بعد مرور فترة زمنية لانهائية، وعدد لا نهائي من الرميات، يمكن لغير المحتمل أن يتحوّل إلى شيء محتمل في النهاية. ((بوجود فترة زمنية كافية، سيبدأ الهيدروجين بالتساؤل عن أصله ومصدره)) [مجهول]

@ نتيجة
إذا رغب أنصار نظرية التصميم الذكي بقبول إمكانية وجود كائن مطلق التعقيد (الله) متحرّر من أي سبب ذكي أو غاية معقولة، عندئذٍ نحن أيضاً نرغب بقبول حقيقة أنّ كائناً أقلّ تعقيداً (الذرات، الكون، الإنسان، إلى آخره.) يمكن أن يكون موجوداً باستقلال عن أي سبب أو مبدأ ذكي.
بغضّ النظر عن كيفية حدوثه، فحقيقة أننا موجودون هنا والآن مازالت حقيقة مدهشة ومذهلة بعظمتها. إذا كان الله موجوداً، فمن المذهل أنّ مثل هذا الكائن المعقّد كان موجوداً منذ الأذل. أمّا إذا لم يكن الله موجوداً، عندها سيكون من المدهش للغاية أن يتمكّن الزمان، وأن تتاح الفرصة، لإنتاج شيء على هذه الدرجة من التعقيد.

((العقل وليّ التوفيق))

#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات