أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم خالد الفيومي - الحداثة والعقلانية في الموازين العلمية














المزيد.....

الحداثة والعقلانية في الموازين العلمية


إبراهيم خالد الفيومي

الحوار المتمدن-العدد: 4373 - 2014 / 2 / 22 - 17:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في خضم هذه الثورة الثقافية والفكرية التي تجتاح العالم الإسلامي ، والتي لم تكن قبل سنوات إلا حلماً يداعب أجفاننا ونحن نقلب أوراق الكتب وننظر النهضات التي عاشتها الأمم سواءً في الحضارات الغابرة أو في الحضارات القائمة ، حتى ما وجدنا أنفسنا إلا على خط مواجهة جديد مع ثلة من المتنورين أو النضهويين كما يحبون أن يسمون أنفسهم . وهذا الصدام أمر طبيعي لاسيما ونحن على إيمان بأن الانفتاح مع اختلاف طرق التفكير ووسائله لن ينتج لنا جيلاً مطبعاً على السائد العام ، بل سوف يورث لنا جيلاً متنوع الأفكار والثقافات ، وهذا كله صحي ، والتصرف الصحي الآخر الذي لا بد أن نذكره وننوه عليه هو أن من حق من يدعي التنوير أيضاً ويخالف هؤلاء أن يقف مخالفاً لهم ويكشف مغالطاتهم ، لا لأنه يطالب بالعودة إلى السائد العام ، بل لأنه حريص على استمرار هذه النهضة وعدم رفضها وإجهاضها وهي في طور التكوين .

أضرب لكم مثالاً على عجل قبل أن أعود إلى القضية التي أردت أن أكتب هذا المقال من أجلها ، في خضم النهضة اليونانية التي كان يقودها ويدعو إليها المفكر العظيم سقراط والتي قتل في سبيلها ، ظهرت لنا مدرسة فلسفية معروفة وهي المدرسة السوفسطائية1 ( وهي تعني معلمي الحكمة ) ، ومع أن سقراط كان يعلم أن ظهور مثل هذه المدارس الفلسفية أمر طبيعي ومتوقع في خضم هذه الثورة التي يحلم بها ويقودها في الأسواق والطرقات إلا أنه انبرى للرد على أفكار هذه المدرسة الفلسفية وتفنيد آرائها . وهو بذلك لم يكن عائقاً ضد النهضة بل كان موجها لها ومصححاً لمسارها .

المتشابه بين ما حدث مع سقراط وما يحدث معنا أن السفسطائية كانت ردة فعل على مدرسة السائد العام إلا أنها وقعت بمغالطة منطقية فادحة وقع بها أصحابنا اليوم ، فالسفسطائية تقوم على الإقناع لا على البرهان العلمي أو المنطقي، وعلى الإدراك الحسي والظن، وعلى استعمال قوة الخطابة والبيان والبلاغة والحوار الخطابي، والقوانين الجدلية الكلامية بهدف الوصول إلى الإقناع بما يعتقد أنه الحقيقة 2 فالطريقة التي استخدمها السفسطائيون كانت تتلخص بالشك في الواقع ثم الانتقال إلى الجدل البناء ، طبعاً دون حاجة إلى الرجوع والبحث في الأدلة ! ومع الزمن أصبحت السفسطائية شعاراً يطلق على كل فلسفة ضعيفة هشة تبنى على الخطاب لا على الدليل .

في نهضتنا التي نعيشها اليوم أضحى لزاماً علينا التصدي لمن يرفع راية الثقافة أو التنوير ويدافع عنها بل يظن نفسها حكراً عليها ! والسبب في ذلك أن المجتمع بدأ ينفر من المدارس التقليدية ويبحث عن البديل الذي يلبي طموحاته ويجيب عن أسئلته ، وللأسف وقع كثير من القراء والمثقفين بإشكالية غياب المنهج العلمي في البحث ، وعليه فطبيعي أن تكون النتائج التي توصلوا إليها خاطئة حتى لو وضعت في قوالب جذابة !

على سبيل المثال ، علاقة الخالق مع المخلوق هي علاقة خاصة في جوانب إلا أنها خاضعة للقوانين في جوانب أخرى ، فحين تخلو مع إلهك وتخبره بأسرارك وتطلب منه ما يجول بخاطرك فأنت هنا تمارس علاقتك الخاصة وليس لأحد أن يطلب منك أن تفعل كذا أو أن لا تفعل كذا ، لكن هذه العلاقة خاضعة للقوانين التي وضعها الإله نفسه في ما يتعلق بالعبادات والمعاملات ، وقد أمر الأمة بأن تنفر طائفة من أبنائها كي يتعلموا قوانين هذه العلاقة ، يقول تعالى في ذلك {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } ويوجه الأمة إلى الرجوع إلى هذه الفرقة في فهم أمور دينها فيقول {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، فهذه الآيات تحمل بين طياتها معاني عظيمة كثرة يندرج ما ذكرناه تحتها . إلا أن البعض أراد من هذه العلاقة أن تكون علاقة فوضوية، لا ضابط لها ولا وازع ! وهي مصداق ما ذكره الله في كتابه إذ قال {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} .

وعليه فقد أصبحت العلوم الشرعية بحراً يركب لجته من أراد ذلك دون أن يكون صاحب دراية أو معرفة ، فيجد صاحبنا نفسه ضائعاً هائماً على وجهه ترمي به الأمواج يميناً ويساراً ولا يدري ما يفعل ولا ما يفعل به ! وإذا ما خاطبته قال هذه علاقة بيني وبين ربي ! وهو في علاقته مع جسده يذهب إلى ذوي الخبرة والاختصاص وينصاع لأوامرهم ، وإذا أراد القيام بمشروع اقتصادي تراه يذهب إلى الاقتصاديين ويقوم بدراسة الجدوى قبل أن يقدم على مشروعه ويكون خاسراً فيه ! مع أن جسده ملكه ولا يشعر به أحدٌ غيره ! وأمواله ملكه وإن خسرها فلن يندم أحدٌ غيره ! إلا أنه حين علم نفع المختصين لجأ إليهم ! ولكن حين تعلق الأمر بقضية الوجود تراه يفتي برأيه ويذهب إلى ما لم يأت أحد به من قبله ، لا لأنه بحث ووقع على ما لم يقعوا عليه ، بل لأنه تخبط في مغالطات كان حري به أن يحذرها !

وليت الأمر بقي على هذه الحال ! بل ذهب بعضهم إلى وجوب إلغاء هذه الدراسات والعلوم ، أقصد الدراسات الدينية من فقه وأصول ومصطلح وغيرها ! ولا أدري ما الذي جال بخاطر هؤلاء ! فعلى مستوى العلوم البشرية تجد أن تطور الفيزياء إلى فيزياء الكم لم يكن حجة أو عذراً أو مسوغاً للمطالبة بإلغاء الفيزياء الكلاسيكية ! وإنما بقي تعليم الطورين جنباً إلى جنب! فلا أدري أكان من المصادفة أن يشترك أصحابنا في هذا المطلب مع الملحدين واللادينيين أم أنها كانت حيلة انطلت عليهم لا أكثر !

لا أريد أن أدخل في قضية التشكيك في النوايا والمقاصد ، لكن كما أن خصومتنا العلمية مع من يعطل العقل تقع في رأس الهرم إلا أنها لا تقل عن خصومتنا مع من انسلخ عن تراثه ظاناً أنها طريقة للسير على درب الحداثة والعقلانية . وفي ختام مقالي آمل ألا يظن أحدٌ أنني أقصده بعينه ، وإنما هو كلام عام أريد به لفت النظر إلى فكرة لا إلى أصحابها ، وإلا فكلٌ حرٌ برأيه . ونسأل الله التوفيق والسداد .


1 ذهب البعض إلى أنها كانت قبل سقراط ولكنها نشطت في عهده وهذا لا يؤثر على استدلالنا .

2. راجع الموسوعة العربية ، ص312



#إبراهيم_خالد_الفيومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخيم اليرموك ؛ ملاحظات يجب ان تكون في الحسبان
- حرية الاعتقاد بين دولة النبي ( المدنية ) وبين دول الخلفاء ( ...
- الدولة في عهد النبي علمانية (مدنية ) | 1 ( أنواع العلمانية )
- حول إسقاط نظام الإخوان في مصر


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم خالد الفيومي - الحداثة والعقلانية في الموازين العلمية