وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4371 - 2014 / 2 / 20 - 16:06
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
( 1 ) :
( التقدم يتحول الى ديانة وهوية في خطابات المثقفين العرب) .
المفكر علي حرب
( 2 ) :
سلطة المثقف
من مشكلات المثقف انه يرى ان سلطته تتعارض مع سلطة الدولة . انهم يرون العلة في الواقع لافي الافكار او في انماط الفهم او في طريقة التعامل مع الحقائق ,كما يكتب بذلك المفكر علي حرب في كتابه المثير للجدل :
( اوهام النخبة ,او نقد المثقف ) - ط5 – 2012 – الناشر المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء – المغرب و بيروت – لبنان ) .
بهذا المعنى مارس المثقفون ديكتاتوريتهم الفكرية او عنفهم الر مزي باسم الحرية او الحقيقة , او تحت شعار الديمقراطية . فهم بدلا من ان يشتغلوا على افكارهم لفهم مايحدث او لاستباق ماقد يقع , كانوا بمثابة (شرطة للافكار ).وهذا يفسر لنا كيف يتراجع الانتاج الثقافي ويخمد الابداع الفكري , حيث تشكلت تجمعات المثقفين ونشطت اتحاداتهم وروابطهم , واخصها , بحسب علي حرب , اتحادات الكتاب التي تحولت الى محاكم لتاديب الكتاب ومعاقبة الادباء .
( 3 ) :
سلطة المثقف
يؤكد المفكر علي حرب ان المثقف يصنع سلطته بخلاف مايعلنه في الظاهر .فالمثقف يعلن انحيازه الى المقهورين في مواجهة سلطة القهر , فيما هو يشكل سلطته ويمارس سيطرته ,ويصنع حقيقته هو عبر خطابه . ان سلطة المثقف هي سلطة رمزية , اي سلطة الكتابة والكلام , مقابل سلطة السلاح والمال , ولكنها تبقى سلطة في النهاية يمارسها المثقف استنادا الى الالقاب والشهادات والجوائز التي حصدها , والى العقائد والطقوس . انها سلطة يمارسها المثقف على النفوس والعقول . والسلطة الرمزية تمارس على هذا النحو منذ زمن العراف القديم والى اليوم .
سلطة المثقف الر مزية تمثل مهنة ومصلحة مثل اصحاب المهن الاخرى , يتنافسون فيما بينهم ويتنازعون للاستحواذ على امتلاك السلع الرمزية واستخدامها في تحقيق المكاسب وتوسيع النفوذ.
ان العلاقات داخل الحقل الثقافي هي علاقات قوة لاتخلو من بربرية وعقلية المافيات الحديثة , فضلا عن نرجسية المثقفين .هكذا فالمثقف يزعم بانه يعمل على مقارعة السلطة السياسية , فيما هو يعمل على منافستها على المشروعية .وهو يدعي القيام بتنوير الناس وتحريرهم , فيما العلاقات بين المثقفين ليست تنويرية ولا تحررية .
انه يدعوك الى التحرر من سلطة راس المال , بحسب علي حرب , في حين انه يراكم راسماله ويثبت سلطته . وهذا يفسر لنا كيف ان معظم مشاريع التحرير ادت الى نشوء انظمة ذات طابع استبدادي , او شمولي , او عنصري . وبالتالي ان نشؤ الديكتاتوريات السياسية وانظمة الحزب الواحد والزعيم الرمز يتحمل قسما من مسؤوليتها المثقفون , لانهم مهدوا الطريق لهؤلاء العسكريين والاحزاب الشمولية لممارسة ديكتاتوريتهم .وكنموذج على ذلك شخصيتي الزعيم عبد الكريم قاسم وصدام حسين , وكيف تم تقديسهما وتبرير افعالهما . هذا النقد للمثقف يحمل على تجاوز ثنائية المثقف والسلطة , على نحو يتيح وضع المثقف والسياسي في سلة واحدة :كلاهما يسعى على طريقته وباستخدام راسماله الى احتكار المشروعية . وكلاهما يمارس التلاعب والتمويه في حقله .واخيرا كلاهما يمارس التسلط والعنف : التسلط على الاجساد مقابل التسلط على العقول , والعنف المادي مقابل العنف الرمزي الذي يمارسه المثقفون العقائديون بعقليتهم القائمة على الاستبعاد , او التصنيف والادانة .
ان المثقفين لم يعودوا ( ملح الارض).ان المثقفين هم اصحاب سلطة ومصلحة . والمشروع الماركسي شاهد على ذلك . فهو باسم محاربة الاستغلال , عمل على تكوين راس مال عقائدي مارس من خلاله احتكار الفكر والعنف الفكري والرمزي على نحو مضاعف , وذلك بقدر ماحجب حقيقته , اي كونه يشكل سلطة ونوعا من انواع راس المال .
(4 ):
الخداع الفكري للمثقف
ان المثقف يتحدث عن المشاريع الكبرى والمقولات الشاملة كتحرير فلسطين , والثورة , والاشتراكية , والاسلام , والغزو الثقافي . هذا هو شان المثقف , بحسب علي حرب , سواء اكان قوميا ام ماركسيا , ام اسلاميا . انه يتعامل مع افكاره بصورة اسطورية اوطهرانية مقدسة , لذا فهو يتحدث عن قرب بزوغ المجتمع الاشتراكي او الشيوعي او الاسلامي . ولذا فهو يهتم بنسق الافكار لا بمجريات الوقائع . ويهمل التفاصيل . وهذا هو نوع من اللاهوت السياسي , كانت نتيجته مصادرة التفكير الحر , او مصادرة الحياة ومحق الشخصية الفردية , او انعدام القدرة على التبادل , او خنق الطاقة على الخلق والانتاج والابداع .فالتحرير الشامل ادى الى قيام مجتمعات شمولية . والتغيير الجذري ادى الى اعادة انتاج القديم باسوا مظاهره . والوحدة العربية المقدسة والمتعالية على مفردات الحياة اليومية انتجت مزيدا من الانقسامات .
هذا هو ثمن اهمال الفكر اليومي لصالح المقولات الضخمة والمقدسة والمشاريع الايديولوجية الشاملة : انتاح خطاب يتصف بالهذر والخوار وممارسات استبدادية فاشية , ومعالجات فاشلة للازمات
ان الفكر يتجدد بتفكيك الانساق المحكمة وكسر النماذج المحنطة والمنمطة , والتحرر من اسر العقائد والعصبيات .
ان الانسان المعاصر و ازاء انهيار النظريات , اخذ يتعامل تعاملا نقديا مع ذاته وفكره وملتفتا بشكل خاص الى تلك المناطق التي يستبعدها اهل الفكر فيما هم يفكرون فيه . فالفكر الفلسفي قد تغذى وتجدد بالانفتاح على ماكان يرذله بالذات , كالعلاقات بين الجنسين والجنون والسجون .
ان المجتمع ليس اخوية تضامنية او شركة تعاقدية , وانما هو جملة بنى وروابط واليات وممارسات لاتنفك عن انتاج التفاوت والاستغلال والقهر والاستبداد , فضلا عن الصراعات . والصراع لايجري على الافكار دوما , بل على الثروات والسلطات , ومنها سلطة الفكر والمعرفة .
ان الافكار, بحسب علي حرب , تكتسب اهميتها لا من كونها تكشف عن الحقيقة و او عن الواقع الموضوعي , بل من كونها تسهم في انتاج الحقائق . فصناعة الافكار هي في الوقت نفسه صناعة الواقع .والذين يسهمون في صناعة الواقع , هم الذين يستطيعون تغيير افكارهم واعادة ابتكارها على ارض الحدث .فالافكار ليست وحدها التي تتغير , بل تتغير ايضا اشكال العلاقة بها وانماط التعاطي معها . وبقدر ماتتغير طريقة التعاطي مع الفكرة , تتغير العلاقة بالحقيقة , وعلى نحو يؤدي الى انتاج واقع جديد .
( 5 ) :
الخاتمة
ان المثقفين المتمسكين بنظرياتهم المجردة ونماذجهم الصافية والمنمطة لايحصدون سوى الفشل والهزيمة ,بل سيكونون ضحايا افكارهم بالذات . وهو الذي يفسر لنا كيف يخسر المثقف قضيته دوما , بقدر مايتمترس وراء افكاره .
انها عقلية النموذج او القالب وهي العلة .ان المهم في النهاية ابتكار النماذج وصوغ القوالب ,وهو فعل خلق وصيرورة لايتم بنبذ النموذج الحضاري السائد , بل بالافادة من هذا النموذج ونقده .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟