أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - هذه ليلتي














المزيد.....

هذه ليلتي


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4371 - 2014 / 2 / 20 - 12:29
المحور: الادب والفن
    


حتى صرت في الصف العاشر كان حلم حياتي (خيمة).. وكي يكون عندي خيمة لا بد أن يكون عندي (سطح).. وكي يكون عندي سطح لا بد أن يكون عندي منزل.. وأنا لم يكن عندي منزل.. كنا نعيش في بيت مستأجر يقبع في الدور الأول ولا سطح له.. ثم انتقلنا بعده للعيش في غرفة واحدة أيضاً لا سطح لها هكذا حتى مطلع عام 1998، حصل والدي على تعويض عن استيلاء إحدى شركات الطرق على قطعة من أرضه في القرية وكان المبلغ في ذلك الوقت مناسباً للبدء ببناء شقة وهذا ما كان.
كنت حين أمشي في شوارع القرية وألمح خيمات القصب والنخيل منتشرة على الأسطحة مزدانة مساء بالأنوار الملونة يكاد قلبي أن يتوقف.. أريد واحدة لي أيضاً.. لماذا أنا (نيقة عن الخليقة) لا خيمة لدي على السطح كي أجلس فيها مع أصدقائي نشرب المتة ونستمع لعبد الحليم وأم كلثوم وفيروز وندخن الحمراء الطويلة وسجائر الشام بالسر؟ لماذا؟
إطلالة سطح منزلنا الذي أبصر النور أخيراً هي كما أقول لكم: أمامنا يبدو البحر ممتداً رحيباً من رأس البسيط حتى ميناء اللاذقية.. الجبل الأقرع وسلسلة جبال الساحل السوري عن يميننا وخلفنا.. وعن يسارنا تتمدد بسنادا سالية الزمن عاشقة لنفسها حد التصوف.. بسنادا القرية التي كانت في ذلك الوقت جنتي التي لم أخرج منها بعد.. بزيتونها ومروجها وصلولينها والشيخ قليعة وأرض أم صلاح والبيدر والخرنوب والشوباس والحميضة والكينا.. بكل ما يمكن للجمال أن يتجسد به كانت هي وكان هذا فيما مضى.. الآن.. لا أدري ماذا أقول.. كس أخت الآن.
قبل أن يمض ربيع ذلك العام ولأنني لم أكن أطيق صبراً.. وعلى الرغم من كون العام الدراسي لم ينته بعد.. قمنا أخي مجد وأنا باستئجار (سوزوكي) بمبلغ وقدره (25) ليرة سورية ليرة تنطح ليرة.. وذهبنا إلى مقبرة الشهداء حيث تنتصب هناك العشرات من أشجار النخيل، أوقفنا الحارس وسألنا عن غايتنا فأخبرناه.. قال: ( يا هالمروة يا هالحشيمة.. أيدكن وما تعطيه.. يا ريت تاخدوا كل هالورقات اليبسات).. وهكذا قمنا بتجميع ما اتسعت له (السوزوكي) من أوراق النخيل.. ومباشرة إلى المنزل..
عملنا طيلة النهار في إرساء الدعامات الخشبية وترتيب أوراق النخيل ثم تثبيتها بأسلاك معدنية ناعمة.. مع المساء كنا قد أوصلنا إليها الكهرباء مع مصباح أديسون الأصفر وقمت بتخصيص حجرتين (بلوكتين) لتكونا الطاولة التي أضع عليها مسجلة (الشارب) الوسيلة التكنولوجية الثانية المتوفرة مع التلفاز في منزلنا.. بقي أن أضع السرير في الخيمة وطاولة لا على التعيين حتى يتحقق الحلم.. لكن من أين السرير؟ شراء واحد جديد مستحيل بكل معنى الكلمة.. ولا يوجد لدينا واحد قديم لا نحتاجه.. الصباح الرباح.. الجزء الأصعب تمت تسويته.
أخبرتني خالتي حسنة أن في حديقة منزلها سريراً حديدياً ملقى بإهمال منذ العام ألف وتسعمية وخشبة.. عظيم.. ليس معي (25) ليرة كي أسـتأجر سوزوكي لنقله... واللهفة تكاد تعصف بي.. حسنأً سأحمله على ظهري وآتي به.. اندفعت إلى منزلها وحملت السرير ثم عدت أدراجي.. أكثر من ثلث الساعة وأنا أسير حاملأً السرير على ظهري وما تفرع عن حديده يقوم بتجريح يدي وظهري.. لا مشكلة.. المهم أن أتمدد عليك اليوم أيها السرير.. اليوم سأنام في (خيمة النخيل)
ما أن فرغت من إعداد مكان السرير قمت بوضع طاولة خشبية قديمة مهترئة كان يمتلكها ربما القائد سلوقس باني اللاذقية على اسم والدته (لاوديسا).. ثم قمت بتسخين أبريق الماء وإعداد كأس المتة وجلسنا مجد وأنا نطالع البحر أمامنا.. تتماوج ألوانه بين الأزرق الغامق والسماوي.. وباخرة تغادر مرفأ اللاذقية مودعة صديقاتها بصوت شجي.
أصبح عندي خيمة.. استمع فيها مساء لأم كلثوم.. (هذه ليلتي.. وحلم حياتي بين ماضٍ من الزمانِ وآتِ.. الهوى أنت كله والأماني.. فاملأ الكأس بالغرام وهاتِ.. بعد حينٍ يبدلُ الحب دارا.. والعصافير تهجر الأوكارا.. وديارٌ كانت قديماً ديارا.. سترانا كما نراها قفارا.. سوف تلهو بنا الحياة وتسخر.. فتعال.. أحبك الآن أكثر).. والضوء الأصفر يتسرب عبر أوراق النخيل فيسقط بقعاً متفرقة على السطح وأوراق التين والزيتون الموجودة حول المنزل..
كان حلمي جميلاً.. ولم يكن تحقيقه يحتاج لمعجزات.. لا أدري ما الذي أصابني حين كبرت.. أصبحت أحلامي ثقيلة.. ضخمة.. متعبة.. تحتاج للرحيل آلاف الكيلومترات من أجلها.. ولا ترضى.. تستهلك من صحتي وروحي ونفسي.. ولا ترضى.. بعد أن كانت تجد الجنة كلها في خيمة على سطح منزل بالضيعة.. تطل على دول بأسرها وتراها تافهة الآن.. والأخطر.. أنها ترى صاحبها أتفه..
من زمن بعيد لم أقم ببناء خيمة على السطح.. أصلاً لم يعد البحر يطل علينا كما في ذلك الزمن.. ارتفعت العمارات وحجبت الرؤية.. أشجار الزيتون تم قطعها.. وأنا بالأساس غير موجود هناك إلا في أيام قليلة بحكم عملي خارج سوريا... وأنا الآن أكثر من أي وقت مضى.. أريد خيمة على السطح.. ولا أريد أن تلهو بي الحياة وتسخر.. أريد أن تحبني أكثر



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إغواء
- عطر امرأة
- معاون شوفير
- أثر الفراشة


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - هذه ليلتي