أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - خريف المدن الجنوبية














المزيد.....

خريف المدن الجنوبية


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1242 - 2005 / 6 / 28 - 09:46
المحور: الادب والفن
    


خريف المدن الجنوبية
نعيم عبد مهلهل
إلى حنين ...

أدمون فاتدركامن

يقع الجنوب في كل أزمنته وأمكنته في المكان الموجع من القلب وهو مكان يصلح أن يكون آنية للعاطفة التي تشرب منها ذاكرة الشعر عندما تعطش وتصير رغيف خبز لذاكرة القص عندما تجوع .
والجنوب ربيب أزلي للاستلاب ولا أدري لماذا ؟ غير أن جملة وليم فوكنر تفك لغز الماذا ؟
عندما كتب : لأنك جنوبي ..عليك أن تحلم جيداً ..
حين يطل الخريف على تلك الأمكنة المتوجعة يظهر الشكل الحقيقي للفقر قبل ظهور الرغبة لدى مساكين الجنوب باحتضان مواقد الدفء وفي الليالي المرتبكة مابين الرغبة بالحصول على رغيف خبز وتحقيق مودة الحب مع أمراة يهتز خيط التفكير في قدرة هذا المناخ على جعلنا نفكر بسر أن نخلق هنا مع أكواخ الطين وخوذ الحرب وأجهزة المذياع الصغيرة عندما يشدنا صوت فيروز في الصباحات المرتعشة ويذهب بنا إلى شهوة أن نكون شعراء أو أثرياء بخدم وحشم غير أننا سرعان ما ننتبه إلى أطراف أثوابنا المبللة بالطين والبرد والحزن فنعود إلى مناخ الأغنية ونطل على هاجس حنجرة الشوق وهي تعيد صلوات الطبيعة والفن والتشوق إلى ما نعتقده رغبة بامتلاك ما هو لنا ولكنه مأخوذ منا . أذن نحن مستلبون !
يوقظ الخريف خواطر المدن الجنوبية حين يأتي طيف النساء أولاً .
يحرك البرد فينا نوافذ الرغبة والسفر وتعزف الآلات الوترية أنشودة المودة إلى الورد حيث لازلنا نراه على أسيجة بيوت الأغنياء يكافح لكي يبقى رغم معاول البرد والمطر والوحل الذي تقذفه عجلات السيارات ، إنها ديناميكية من التفكير حين يصير الخريف عاطفة معطلة سوى أنك تشتاق فيه إلى معطف وصدر أمراة أو دمية تبتسم بعيون زرق فيما يكون شوقك في الربيع أبعد من ذلك تتمنى مدنا أوربية وحضور عروض أزياء وحضور مراسيم دفن رومي شنايدر فجأة يذكرك جيبك الفارغ وسعال أبيك بهذا الهذيان المجنون فتعود إلى أطلس الجغرافيا تعدد العواصم وتتخيل شكلها وتضحك حيث تشاهد باروكة الملكة الهولندية ارتفاعها اكثر من متر فتتذكر ظفائر بنات الجنوب في قريتكم وكيف كان ظفيرة كل واحدة أطول من خيط سحاب رسم على السماء بيانا من بيانات الجوع ورغبة بجعل الحب ملكا أو رئيس جمهورية أو حتى مختارا لقريتنا .
لقد أدمن خريف المدن الجنوبية على تحسيسنا بأن الامتلاك ليس أمرا سهل الحدوث وليس كل الذي تتمناه الثورات تنجزه ولهذا ظل الجنوب يمارس بهجته مع الحب والفقر ودلال النساء كلما أحس بشجن تمطر على رأسه الحاسر جراء مزن الخريف الثقيلة . لتمر عليك عبارة صاحب كتاب قصة الحضارة ديوارنت والقائلة :
..
أقرا كلمات ديوارنت وأتذكر رسالة حنين الآتية من شرق المتوسط . أبعثر نظراتها في أزقة الزمن وألبسها معاطف خريف موسيقى نثرها الجميل فيقف معي ملاك أخضر يشبه كرة العشب ومثلي يمسك ريشة فنان ويرسم تحت أجفانها منظرا لمساء خريفي في واحدة من مدن الجنوب ولتكن اور مثلاً .
يرتدينا الجنوب قبعات من الشعر نتأمل تحت ظلها ماقد نعتقده كشفا لعواطفنا المبعثرة في هم الكد العجيب من أجل أن نعيش وأطفالنا بقناعة . هذا الكشف يصوره فرويد حاسة مضافة إلى الرغبة بصناعة الحلم .
يقول بافلوف : نحن نحلم بالأمكنة أكثر مما نحلم بالأزمنة .
الحلم الجنوبي هو حلم الرمل والماء والملح والنار والآلهة والنخلة وسمكة الشط . كل تلك الأشياء تنشط فينا الرغبة للبحث عن التكوين الذي تقول عنه حنين انه صناعة للبرد الذي يبهج خواطرنا برغبة أن نولد سعداء ونموت كذلك . ولأن الموت يبدأ بلحظة زمان وينتهي أبديا بالمكان أفكر في جعل هذه الجهة التي تعتني بالاستلاب والفقر مكانا ميثولوجياً لحواس الشعراء وأدعوهم ليفكروا بمشاريعهم الجديدة من هنا من أور حيث المكان الذي تنام فيه عاطفة الحرف والموسيقى والأطلال المحترقة بدموع الأمراء المنتحرين. أولئك الذين تصفهم المدونات بأنهم انتحروا لأنهم مليئين بحاسة عشق مجنون وكبرياء لا ينحني لمحنة الشعب وأليه ينتمي قدر الجنوب وضياع الممالك العظيمة وبقاءنا نتدلى على حبل القدر . مرة في الفم رغيف ومرة أخرى في الفم حصاة .
تبقى المدن الجنوبية هاجس كبير في دفاتر الشعر ويبقى خريفها لون من ألوان انتظار الأمل وحاسة سابعة تضاف لحواس البشر الخمس أسمها حاسة الحزن . فالخريف الرمادي يسعى في أطيافه الوليدة من موسيقى الريح والمطر لصنع ذاكرة يكون الرومانس فيها خاضع لتدحرج حبات الدمع على بلاط الخد وخلف الدمعة يسير قدرنا وهو يبحث عن متاهة أن نكون بحارة في محيط من الكلمات .
كلمات لعبث القدر وحاجة الحلم والرغبة بأن العشق هو الرصاصة التي تطلق على رأس الحرب وتمحوها من الوجود . كلمات زرق كذاكرة بحر صاف لاشئ يعكر مزاجه سوى مزاح النوارس ورغبة البحارة بأن تقترب الموانئ والنساء معا وهنا حيث أور تسجد للرمل وللنسيان يكون الخريف الجنوبي مثل جرس الكنيسة المهدمة لاشيء يدعوه إلى التراتيل سوى ريح نست أن ترتدي معطفها وجاءت إلى بوابة التأريخ لتقرا ما محاه الزمن وما أبقاه .
وما يبقي سوى بهجة تنظر نهاية دوامة البنادق ومراسيم دفن من يموتوا في جبهات القتال أو في خطوط حجابات السيارات المفخخة أو تموت وأنت منكب كعامل بناء في زقورة في كتابة رسالة حلم لمرأة هي أصفى من كل مرايا شهرزاد عندما كانت تصنع لشهريار كل يوم تسريحة مغرية كي تنسيه رغبة قتلها .
وهكذا تؤسطرنا مناخات الخريف تجعلنا مثل سكنة الأقبية لا ننتظر إلا صباحات دلمون . ولأن الجنة لم تأت بعد يبقى الأمل بأن الخريف سيتحول في يوم ما إلى ربيع لاتأت معه سوى الحواري وحدائق الورد والرغبة بكتابة القصائد الجديدة .

أور السومرية في 27 حزيران 2005



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خريف المدن الشمالية
- واقع وليس خيال ...طشت الخردة
- اسبوع التضامن من أجل أطلاق سراح القاص العراقي محسن الخفاجي
- ليل وطني أغنية للعشق وإناءاً للبن الرائب
- قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل
- الميثولوجيا من نارام سين حتى بول بريمر
- بهجة الورد ثوباً ازرقاً لمراة
- رسالة انترنيت الى دراويش تكية 11 سبتمبر
- المندائية انباء جاوي وقبعة الملكة اليزابيث
- الثقافة بين التأويل والتدويل
- تواشيح مندائية تناشد الأب الروحي للطائفة
- متصوفة الورود الحمر .قلوبهم أثرية ودموعهم قيثارات
- الكتابة في حدود الرغبة والتحرر من الصفر المطلق
- المهاتما يقرأ في كتاب الغروب البابلي
- الشعر والثمالة ورامسفيلد ومايحدث الآن
- المراة بين اناء العسل وروح الكائن المطيع
- نجمة متقاعدة وقمر في الخدمة وناسا جامع للمتصوفة
- وطن الجنرال ويخت الجنرال ورقصة الجنرال
- فتاة من التبت تحب مارتن لوثر كنغ
- أستطلاع الواقع الثقافي العراقي ..محافظة ذي قار أنموذجاً


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - خريف المدن الجنوبية