أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد عطشان هاشم - الدولة المدنية والاسلام : هل يجتمع النقيضان؟















المزيد.....

الدولة المدنية والاسلام : هل يجتمع النقيضان؟


عبد عطشان هاشم

الحوار المتمدن-العدد: 4367 - 2014 / 2 / 16 - 03:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل الخوض في هذا الموضوع الملتبس، دعونا اولا نتفق على تعريف الدولة المدنية :
الدولة المدنية في ابسط مفاهيمها هي الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والدينية والفكرية بصفتهم مواطنين متساويين . وهناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر وبدورها فأن الدولة المدنية تخضع لمبدأ سلطة القانون بأعتباره عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الشعب والسلطة المنتخبة حيث يتم تطبيق شروط هذا العقد وحمايته من الانتهاك والخرق من قبل الافراد والجماعات من خلال سلطات (التشريع والتنفيذ والقضاء) المستقلة عن بعضها البعض ، فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف المشار اليها من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم ضد الاخرين .
ولكن القوانين التي تسير الدول والمجتمعات البشرية ذاتها لاتأتي من الفراغ او تنزل من السماء ، بل هي تستند الى منظومة من القيم والمبادئ والتقاليد التي تعكس التطور الاجتماعي والاقتصادي والانساني والمعرفي المركب الذي وصل اليه مجتمع ما عبر سلسلة متصلة وممتدة من المعارك السياسية والحضارية والفكرية التي خاضتها الاجيال وحصدت ثمارها ، فقد كانت جمبع دول العالم تقريبا وحتى القرن الثامن عشر ذات مرجعيات دينية اي ان الاطار القانوني والسياسي للدولة يقوم على اساس الدين بل وحتى الحروب الخارجية والداخلية كانت تشن باسم الدين ولكن رياح الفكر العلماني التنويري عصفت بدول الاستبداد الديني في اوربا اضافة الى اضمحلال النظم الاقطاعية وتطور علاقات الانتاج وعوامل اخرى كقيام الثورة الفرنسية ساعدت على فصل العقل عن الدين ونشوء مرجعية جديدة للنظم القانونية في تلك البلدان التي شهدت تلك التحولات الثورية.
فأذا اردنا تأسيس دولة قانون ومؤسسات دستورية ، السؤال الذي ينبغي ان نطرحه على انفسنا : ماهي منظومة القيم والميادئ التي نستمد منها مفردات ونواظم هذه الدولة ومن اي نهر سنغترف مفاهيم ومبادئ النظام القانوني لتلك الدولة المدنية المرتقبة؟
ضمن هذا الصعيد نلحظ ان الدول ذات النظام العلماني تغترف من نفس المنظومة من المبادئ والقيم الاخلاقية والاجتماعية والسياسية ، كحقوق الانسان والحريات المدنية والفصل بين السلطات والمواطنة والمساواة امام القانون وهي ثمار الفكر الانساني المعاصروليست ملكا لاحد ، بينما تعيش شعوب الدول التي تعتبر الاسلام المصدر الوحيد او الرئيسي في التشريع في اسوء حالاتها في غياب الحريات الاساسية والشخصية والفساد الاداري والتسلط بشتى صوره وانعدام المساواة واهانة المرأة واحتقارها . مع الاقراربأن النظم المدنية العلمانية قادرة بطبيعتها على استيعاب الاسلام باعتباره فضاء ديني شخصي يخص من يؤمن به ، ويوفر له الحرية التامة في ممارسة الشعائر الدينية كما هو حاصل الان في الدول الغربية ولكن العكس غير صحيح فالاسلام كما نراه الان وعلى ارض الواقع غير قادر على استيعاب الاخر المختلف وغير قادر على التعامل مع الناس باعتبارهم مواطنين ولايعترف بالحريات الشخصية ولايقيم لها وزنا ويكفر الرأي المخالف مهما تشدق الدعاة بتسامح الاسلام وعدالته التي لم يرها احد منا حتى الان .
المشكلة الجوهرية في الاسلام انه يطرح نفسه كمنظومة تشريعية وتنفيذية وقضائية كلية وشمولية تهيمن على جميع مفاصل الحياة وجزئياتها وبديل لكل الدساتير والقوانين الوضعية المعاصرة وهو منتج نهائي Turnkey project لكل مشكلات الانسان وهمومه في حياته وبعد موته وهذا النزوع نحو الهيمنة والغاء الفكر الاخر من صلب المشاكل التي تواجه الساعين الى دمج الاسلام في المجتمعات المعاصرة فكيف يمكن بناء نموذج اسلامي ديمقراطي مادامت مفاهيم الحلال والحرام والكفر والايمان قائمة في صلب التفكير الاسلامي لوسم الاخرين وتصنيفهم الى فئات لاتستحق سوى الكراهية والقتل والسبي ومادامت نظرية الحكم الاسلامية التي تقول ( لا يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها ) تلغي الزمان والمكان . كيف يمكن ان تتوافق هذه النظرية الساذجة مع نسبية القانون وتغيره حسب الظرف والتطور الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع فالقانون السابق في جنوب افريقيا مثلا كان يستند على سياسة الابارتهيد (الفصل العنصري) ثم انتقل الى سياسة المساوة بين الاعراق المختلفة عام 1991 بفعل النضال العنيد الذي خاضه شعب جنوب افريقيا بقيادة مانديلا وهكذا تتغير القوانين وتتبدل وفقا لمرجعية المبادئ والقيم التي تعكس بدورها تبدلات الواقع وتغيراته الدائبة .
الاسلام ليس مدنيا ولن يكون كذلك ، لآنه ليس بشريا حسب فهم اصحابه ،اما الدولة المدنية فهي نتاج التطور البشري اي بتعبير اخر هي براءة اختراع مسجلة باسم البشر وليست وصفة الهية نزلت ضمن الكتب المقدسة وهي تتطور وفقا للتطور الحضاري والثقافي والعلمي الذي يبلغه البشر والتحديات التي تواجه المجتمعات البشرية والرهان على مايسمى بالديمقراطية الاسلامية رهان خاسر لانه رهان على حالة غير موجودة كما اثبت الواقع تاريخا وحاضرا .
وحتى الاحزاب الاسلامية التي تدعي القبول بالدولة المدنية لم تفلح في اثبات ذلك الادعاء على ارض الواقع ، فهي سرعان ما تتخلى عن ذلك الادعاء عندما تتسلم السلطة وتبدأ سعيا محموما لاسلمة الدولة والمجتمع بالاكراه والقوة وفقا لاجندتها الخاصة في المقابل نرى الاحزاب الدينية المسيحية في اوربا قد اصبحت جزءا اساسيا من النظام العلماني لبلدانها فهي وجهة نظر اخرى ليس الا ويمكن اعتبارها احزاب علمانية محافظة تتبنى وجهات نظر اخلاقية معينة كمعارضة الاجهاض وزواج المثليين . ففي المانيا مثلا هناك الحزب الديمقراطي المسيحي وهو كبقية الاحزاب الاوربية المسيحية المماثلة يحترم النظام العلماني ويؤمن به كاطار قانوني ومؤسساتي للدولة ولايسعى الى الغاء الاخر المختلف او هدم النظام القائم واستبداله بنظام كهنوتي .
البعض من الاسلاميين يدعي ان هناك نموذجا ناجحا من الديمقراطية الاسلامية وهو النموذج التركي فهل هي حقا كما يدعون؟
الديمقراطية في تركيا ليست ديمقراطية اسلامية تنطلق من مبدأ ( الحاكمية لله ) بل هي ديمقراطية علمانية و الاسلام الارادغوني ليس الا قشرة خارجية تحاول تغليف العلمانية الاتاتوركية القائمة منذ عام 1928دون التخلي عن الهوية العلمانية للدولة ، وهذا شأن طبيعي في النظم العلمانية فهي فضاء عام مفتوح يتسع لمختلف التيارات والافكار و قادر على استيعاب الخصوصيات الدينية المختلفة للبشر مادامت تحترم الحريات الاساسية وحقوق الانسان ولاتسعى الى الغاء الاخر او تكفيره كما اسلفنا سابقا، وهذا النجاح يحتسب للعلمانية وليس للدين وحتى القادة الاتراك انفسهم يقرون بأن تركيا الحالية هي دولة علمانية ففي لقاء جرى مع رجب طيب اردوغان مع العربية نت بتاريخ 14 سبتمبر 2011 اكد انه ( ليس علمانيا فهو مسلم لكنه رئيس وزراء دولة علمانية وأكد أن الدولة العلمانية لا تعنى دولة اللادين، وموضحاً أن العلمانية الحديثة لا تتعارض مع الدين بل يجب عليها أن تتعايش معه ، واضاف في دستور 1982 تم تعريف العلمانية بأن معناها وقوف الدولة على مسافة متساوية من جميع الأديان، أما الأشخاص فلا يكونون علمانيين، يستطيعون أن يكونوا متدينين أو ضد الدين أو من أديان أخرى، فهذا شيء طبيعي ).
السؤال الجوهري الذي ينبغي ان نسأله لانفسنا ضمن هذا السياق .
لماذا نحن دون باقي الامم ننقب عن حلول لازماتنا المعاصرة في اقبية التاريخ المظلمة ، ونتصور ان العمامة والجلباب هي الحل بدلامن الكمبيوتر والميكرسكوب . اليست هذه المحاولات سوى علامات الجدب الحضاري والعجز حد الشلل عن اللحاق التقدم الثقافي والعلمي ؟ ولماذا نعتقد ان النظام القانوني الذي حكمت به قريش قبل 1400عام يصلح للبشرية قي القرن الحادي والعشرون ومابعده ؟ واذا كنا نحلم بأعادة الماضي ، لم لايدعو المصريين مثلا الى اعادة عصر الدولة الفرعونية ، التي شهدت تحول مصر الى دولة عظيمة مزدهرة بمقاييس العصر انذاك ، ولايزال المصريين يفتخرون بها اكثر من فخرهم بولاية عمر بن العاص لمصر التي احرقت فيها المكتبات العامة ولما لايدعو العراقيين الى اعادة حضارة بابل العظيمة ، والتي هي افضل حالا من حال العراقيين اليوم ؟
لقد صدق الدكتورعلي الوردي عندما قال :
"لو خيروا العرب بين دولتين: علمانية و دينية, لصوتوا للدولة الدينية و ذهبوا للعيش في الدولة العلمانية."



#عبد_عطشان_هاشم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يجب اعتبار الجهاد جريمة ضد الانسانية؟
- لماذا يحول الاسلام الناس الى وحوش ضارية؟
- ازمة العقل المسلم
- هل يمكن ان يتصالح الاسلام مع العصر؟
- السقوط السياسي للاسلام!
- خرافة الاسلام المعتدل
- الاسلام : صناعة الاستبداد
- هل كانت لدينا حضارة اسلامية حقا؟ ج2
- هل كانت لدينا حضارة اسلامية حقا؟ ج1
- متى يعود الاسلام للمسجد؟
- تساؤلات حول مستقبل الاسلام
- الدين و صناعة عقلية القطيع
- عنف الاديان : نصوص ام واقع؟
- الخروج من الطائفة : المستحيل والممكن
- عندما يتوقف التاريخ : حروب الطوائف العربية
- من الدولة الفاشلة الى المجتمع الفاشل !
- كيف يمكن انشاء قطيع من القطط؟
- كهنة الفتاوى الجدد
- الاسلام واصول الحكم بعد 88 عاما على صدوره
- تساؤلات حول مستقبل العلمانية في المنطقة العربية


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد عطشان هاشم - الدولة المدنية والاسلام : هل يجتمع النقيضان؟