أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عيبان السامعي - تعز بين الدعوات الجهوية وأزمة الهوية الوطنية















المزيد.....

تعز بين الدعوات الجهوية وأزمة الهوية الوطنية


عيبان السامعي

الحوار المتمدن-العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 15:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتم توريط تعز للدخول في سوق منافسة للجهويات في إطار ما صار يروّج لـ"إقليم تعز" و"الهوية التعزية" كحالة نكوص تاريخي مريع لما قدمته من تضحيات طوال تاريخ اليمن المعاصر في سبيل الانتصار للمشروع الوطني الديمقراطي والتحرري.
تعز التي مثلت معملاً وطنياً لإنتاج الوطنيين وتصدير الخطاب الوطني على امتداد الرقعة الوطنية يراد لها أن تتقزم إلى جغرافيا وأن تتحول إلى هوية جهوية في بازار النخاسة الوطنية, حيث تحضر فيه الهويات الحضرمية, والتهامية, والمعينية, والسبئية, والجندية والقائمة تطول..!
إنه لأمر يبعث على الحزن والأسى, إذ يتم الاحتفاء بالشهيد عبدالرقيب عبدالوهاب قائد قوات الصاعقة وأحد أبطال ملحمة حصار السبعين يوماً ـ كما جرى مؤخراًـ ليس لكونه وطنياً دفع حياته في سبيل الدفاع عن الجمهورية وفك الحصار عن العاصمة صنعاء, إنما لكونه "تعزياً"!! فالقيمة الوطنية والرمزية الإنسانية التي اكتسبها آتية من هنا, من "تعزيته" لا من التضحية التي اجترحها والمعاني والدلالات التي تنطوي عليها. إنها هرطقة من جملة هرطقات يتم ضخها وتسويقها خدمة لأجندة خاصة ليست معزولة عن السياق السياسي والاجتماعي.
إن القوى المسيطرة إذ تزرع ـ اليوم ـ العقبات وتصطنع العراقيل أمام المساعي الوطنية الرامية لبناء دولة جامعة لكل اليمنيين, فإنها تعمل على تعزيز حالة الانقسام المجتمعي "الموجودة أصلاً" عبر إدارتها لعمليات بعث الهويات الفرعية وإبرازها؛ ذلك أن تصدع الهوية الوطنية وتحلل الكيان الاجتماعي الواحد إلى كيانات طائفية وجهوية يمدها بأسباب البقاء, ويؤّمن لها عامل الاستمرارية وتكرّس سلطتها الاحتكارية وتثبّت بنية مصالحها.
على أن عقوداً من الإقصاء السياسي وممارسات الإلغاء, وتغييب العملية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية قد مثلت نهجاً سارت عليه غالبية الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم البلاد, جرى خلالها اعتقال المجتمع اليمني في دائرة مغلقة من الأزمات السياسية والاحتقانات الاجتماعية, ساهمت إلى حدٍ كبير في إنتاج مجتمع منقسم على ذاته يعاني من "شيزوفينيا" تتوزعه بين تداعيات الماضي وشروط الحاضر وتحديات المستقبل, وهو ما مكّن الجماعات التقليدية من توظيف ذلك في تعزيز حضورها الاجتماعي والسياسي على حساب حضور الدولة والهوية الوطنية.
إن حاجة الأفراد إلى الاحتماء من المخاطر التي تتهددهم جراء غياب سلطة القانون, شكّل عاملاً إضافياً وراء انبعاث مثل هذه الهويات وانتشارها على نطاق واسع, فغياب الدولة بصفتها كياناً كلياً يرتفع على الهويات الصغرى ويحتوي الخصوصيات ويدير المصالح وينظم العلاقات وينمي التجانس الاجتماعي ويوفر الأمن العام, يدفع بالفرد إلى البحث عن هوية يحتمي بها من نوائب الحياة, فيصبح مديناً لها ويشعر بالحاجة الدائمة إليها؛ لأنها تخلق فيه إحساساً بالطمأنينة (حتى وإن كان متوهماً), وتشعره بأن هناك هموماً متماثلة وقواسم مشتركة تجمعه مع نظراء له فتزيل عنه الشعور بالاغتراب والضياع.
إنه في مسعى بحثه ذاك يجتهد في التفتيش عن هوية تناسبه, حيث ستواجهه عدة "هويات" سيكون عليه أن يختار إحداها, لكنه سيفضل تلك التي تعبّر عن جذره البيولوجي أو السلالي أو المكاني (الجغرافيا البسيطة كالقرية أو الحي أو المدينة التي ينحدر منها) في صورة تجسد بعمق حقيقة موضوعية مؤداها: أنه في زمن الرداءة والانحطاط يتم اللجوء إلى الخيارات والمواقف الأكثر سوءاً, لأنها تمنح صفة التميُّز الفارق (فالمخالفة تصبح دليلاً وعلامة) وتحقق ضرورة نقاوة الانتماء..!
إن الالتجاء إلى الهويات الفرعية, أمر في غاية الخطورة وسيقود إلى نتائج كارثية, فهو يوفر فرصة ذهبية للأشكال الاجتماعية التقليدية في تعزيز سلطة نفوذها على المجتمع بشكل أقوى مما هي عليه حالياً, ذلك أن سلطتها ـ راهناًـ أقوى من سلطة الدولة, فهي قادرة على أن تتواصل مع قطاع أوسع من الناس وأن يصل تأثيرها إلى مناطق أبعد مما تصل إليه الدولة. فضلاً عن طبيعة بنيتها الآتية في الأساس من تعبيرات جهوية وطائفية, تجعلها تتصدر المشهد في ظل غياب البديل الديمقراطي والشعبي, وهو ما نشاهده عياناً من تزعم مشائخ ورجال دين وشخصيات اجتماعية للحركات الجهوية المنبثة هنا وهناك.
و يفتح الباب واسعاً أمام نشوء متوالية من "الانشطارات الهوياتية", حيث ستنشطر تلك الهوية إلى "هويات" تفرعية أدنى, ذلك ما يحصل مثلاً مع "الهوية الحضرمية" حيث يطالب بعض أبناء حضرموت بالهوية "الكثيرية", فيما أبناء المهرة يؤكدون على هويتهم "المهرية" التي تتهددها بيادات "الهوية الحضرمية"..!
ثم إنه يؤدي إلى التحوصل والانغلاق على الذات الذي غالباً ما ينتج شعوراً وهمياً بالتفوق, فأن نكون منتمين إلى هوية جهوية محددة سيجعلنا ننظر إلى ذواتنا, أننا الأفضل والأكثر أحقية من الآخرين. من هنا تنبت عوامل التمييز والممارسة العنصرية وممارسات الإلغاء والإقصاء ليس ضد الآخر وحسب, لكنها ستتحول مع الوقت إلى إطار من التعامل البيني على مستوى الهوية الواحدة.
وأخيراً فإنه يقود إلى التعصب وممارسة العنف, ذلك ما يؤكده "أمارتيا صن" إذ "يمكن لشعور قوي ـ ومطلق ـ بانتماء يقتصر على جماعة واحدة, أن يحمل معه إدراكاً لمسافة البعد والاختلاف عن الجماعات الأخرى, فالتضامن الداخلي لجماعة ما يمكن أن يغذي التنافر بينها وبين الجماعات الأخرى" وهو ما يولد العنف,"فالعنف ينمو عندما نعمق إحساساً بالحتمية حول هوية يُزعم أنها فريدة" (أمارتيا صن, الهوية والعنف, وهم المصير الحتمي, عالم المعرفة (352), ص18,9). ولتجاوز هذا الوضع فإن "صن" يدعو إلى تعدد الهويات انطلاقاً من تعدد الاهتمامات الإنسانية.
وعليه, فإن ما تقدم يكشف جانباً من الأزمة الحادة التي أصابت "الهوية الوطنية", وهي ما تفرض علينا أن نضع مقاربة لمعالجتها, وذلك ما سنتناولها في وقت لاحق..


* تعز : محافظة يمنية تقع في الجنوب الغربي من البلاد, تميزت بدورها الوطني حيث كانت ملجأ لقادة الحركة الوطنية شمالاً وجنوباً في أكثر من منعطف تاريخي, وظلت لعقود تنتج الزعماء والقادة الوطنيين والمثقفين التنويرين.. ويغلب عليها طابع اليسار من خلال انحيازها للمدنية وقيم المواطنة والعدالة الاجتماعية في حالة مفارقة لطبيعة وتكوين اليمن التاريخي _اليمن القبائلي والمشائخي..



#عيبان_السامعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمنُ الطوائف (2-2)
- زَمنُ الطَّوَائِفْ (1-2) --- تعليقاً على الصراع الدائر بين ا ...


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عيبان السامعي - تعز بين الدعوات الجهوية وأزمة الهوية الوطنية