أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - وفاء البوعيسي - مفاهيم سيئة السمعة















المزيد.....

مفاهيم سيئة السمعة


وفاء البوعيسي

الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 23:36
المحور: المجتمع المدني
    


(1) مقدمــــة
إن مفاهيم مثل: الهوية، الموروث، الرموز الدينية، قيم المجتمع، ثوابت الإسلام، العادات والتقاليد، خصوصية المجتمع، الرجل رجل والمرأة مرأة، المجتمع المحافظ، المجتمعات المتدينة، الإسلام صالح لكل زمان ومكان ...الخ، هي بالمجمل كلمات ترددها الجموع من مئات السنين إن لم يكن أكثر، باعتبارها مسلّمات مفروغٌ منها، حتى انتهي الأمر بأن صارت ثوابت لا تقبل الجدل، ولا إعادة القراءة أو التفكيك، ومن باب أولى النقد والإستبدال، تتعاقب على توقيرها، وتحتفظ بها ككنز ثمين لا ينبغي التفريط فيه أو التخلي عنه، تتداولها الأجيال المتعاقبة بصورة عمياء، وكل جيل يتلقفها من الجيل السابق عليه من دون نقد ومن دون تفكير، ويتعرض منتقدها للرمي بالخيانة الوطنية أو الكفر، بل وبالسعي لنشر الفساد والبلبلة وإهانة المجتمع، والإساءة للأمة ولرموزها وللتاريخ وحتى للدين.
ولاحقاً، طرأت مفاهيم جديدة أنتجتها حالة التغيير، التي طالت دول ما يسمى بالربيع العربي مثل: الثورة، الثوار الحقيقيون، الأزلام، الفلول، الإسلام هو الحل، دولة إسلامية، حكم إسلامي ... الخ، وانتشرت بسرعة (بأقل من ثلاث سنوات) ليتلقفها كثيرون، ويداولونها بينهم مصحوبةً بشُحنة عاطفية، تلتصق فوراً بجدران اللاوعي، وتدأب الجموع على ترديدها هكذا، إلى أن تُستعاد بعد فترة، وقد صارت رديفاً لمقدس لا يمكن التشكيك به.
وكلما تقدم الزمن بمجتمعاتنا، كلما أنتجت "حزمة" جديدة من المفاهيم، ترفعها عالياً وتعلن أنها فوق النقد، فوق التشكيك، وفوق إعادة التفكير بها، إذ تصير مقدسات، تصير كما لو كانت ديناً يُتدين بها دوناً عن الدين، ويصير لبعضها وظيفة سافرة وصريحة، هي تقنين التخلف واللامساواة، وشرعنة التمييز ضد المرأة، وتكبيل العقل، وتقييد حرية التعبير، والحد من أهم سُنة من سنن الكون وهي التطور.
ويحدث ذلك بالذات في مجتمعاتنا، بسبب حالة التقديس المستشرية فيها، فجموع شعوبنا الناطقة بالعربية، جموع تلوذ دائماً بالمقدس الذي يأتيها من الله، أو يأتيها من الأجداد، أو القادة، أو الرموز التاريخية والوطنية والدينية، إذ يمنحها ذلك شعوراً بالتميز، لإختصاصاها بتلك المقدسات دوناً عن غيرها من الأمم، ويُشعرها بالآمان، وبأنها على الطريق الصحيح تماماً، كونها متمسكة بقيم أولئك الرموز المقدسين بالذات، والأهم أنه يعفيها من كُلفة صناعة مفاهيمها الخاصة، وثوابتها التي تنتمي لتجربتها وحدها، لا للمقدس الفوقي (الدين) أو المقدس الماضوي (الأجداد-الرموز)، فعملية صنع المفاهيم التي تنزل منازل الثوابت، هي عملية صلفة، عنيدة، تحتاج للكثير من المِراس والمكابدة، تحتاج وقتاً طويلاً كي تنضج وتتعتق بهدوء، وينبغي أن تمر بأطوار من النضال والنقاش العميق بين أطياف المجتمع، وكي تصير بالنهاية مشتركاً إنسانياً بالتوافق، لا بالوراثة ومحض الترديد الآلي الرتيب.
وعلى ذلك، فلن يكون غريباً والحالة هذه، أن تلاحظ أنه رغم خلع القداسة على تلك المفاهيم، والتشبث الكبير بها، إلا أن كثيرين يخرقونها في معاملاتهم، ويظهِرون عكسها في سلوكهم اليومي، وأن آخرين يستعملونها كما يحلو لهم، ويضعونها بالسياق الذي يتفق معهم، ويبنون عليها تصوراتهم للمفاهيم والعلاقات، ولنتائج هذه العلاقات داخل المجتمع، لتصير بالنهاية ملزمة للبعض دون البعض الآخر(غالباً هو الطرف الأضعف في المجتمع)، هذا لأنها لم تكن من البداية نتاج اختيار وقناعة الجميع، بل نتاج وراثة وترديد زمني طويل، فمفاهيم مثل المجتمع المحافظ، والمتدين والعادات والتقاليد بالذات، تبدو كما لو أنها تخص المرأة فقط، ولا تكاد تعني الرجل الذي يستطيع أن يواصل حياته ـ غالباً ـ رغم خرقه لها، نفس هذه المفاهيم، جعلت المرأة في ليبيا على سبيل المثال، تسجن نفسها في صدفة، مقيمة من نفسها ملكةً على الفراغ، ولشدة خوفها من النقد، فإنها ترفض ـ عن وعي أو لا وعي ـ أن تنظر للشقوق التي تأتي لها بالحرية والتغيير، بل إنها تعمل جاهدةً على سد تلك الشقوق، ومفاهيم كهذه بالذات، صارت بالنسبة لبعض النُخب العربية الكلاسيكية المتهافتة، الطريق الأسهل لتسيّد القطيع من جديد، بدل تحريضه على المطالبة بحريته، والتوقف عن صناعة دكتاتورييه واستنساخ طغاته من جديد عقب ما يسمى بالربيع العربي، وهي هي ذات المفاهيم، التي تمنع شبابنا وشاباتنا اليوم، من التعبير عن أنفسهم وعن اختلاف تمثلهم، للحياة وللحرية وللدين عن تمثل (الرموز) لها، لأنهم يعون بشدة قبضة الرقيب الديني والمجتمعي، ويعرفون جيداً مآلات الظهور بمظهر لا يرضى عنه المجتمع.
إن مفاهيم كهذه، صارت اليوم محض كلمات قميئة وسيئة الصيت، لأنها تنهض بعبء منع المجتمع من الحركة، والفكر من الجريان، والاختلاف من البروز، والمرأة والشباب من التعبير عن أنفسهم، وصارت اليوم حِملاً يجب نفضه، وثِقلاً عقلياً معوّقاً يجب طرحه، وذلك بالبدء علناً في مناقشتها، وفي تفكيك بنيتها، وتكذيب قدسيتها، والشروع في إحلال ثوابت أخرى بديلة عنها، حقيقية وموضوعية، ليس أساسها التوارث، بل أساسها العقد الإجتماعي، القائم على تراضى الكل بالمجتمع رجالاً ونساءً، لينتهي الأمر بإحلال قيم ومبادئ أخرى محلها، قيم جديدة متوافقة مع روح العصر، ملبية لحاجة كل فئات المجتمع، كمبادئ إحترام القوانين من الكافة، والعدالة الإجتماعية، ومبادئ حقوق الإنسان الكونية، وقيم الحرية، والمساواة، والمواطنة، والديموقراطية، والفصل بين السلطات ... الخ.
وإن أردنا حقاً أن نتوغل بعيداً في الحرية، فيجب أن نفكر في تفكيك هذه الكلمات بل وفي لطمها بالكامل، وأن نفعل ذلك من دون أن نشعر بأننا نقترف معصية، بل بأننا في الحقيقة نُسدي صنيعاً لعملية التحول الديموقراطي في ليبيا القادمة وفي المنطقة، وأن نتوقف عن تداول ثوابتنا الفكرية الجامدة، بأن نعلن أننا بحاجة لـ "ثوابت قيمية" جديدة نُنشزُها بناءً على توافق لا بناءً على توارث، وبهدف تحريك المجتمع لا بهدف تجميده وشل حركته، لكن بنفس اللحظة التي نفعل فيها ذلك، لا يجب أن ننطلق من نقد ثوابتنا و"موروثاتنا التقليدية" من باب استفزاز الآخرين، والحط مما يعتقدونه صواباً، بل من خلال نشر ثقافة مدنية حديثة تتأسس على الحوار الهادئ، والنقاش المنطقي، والمواجهة بمسؤولية وتحمّل العواقب، وهذه السلسلة من المقالات ـ إن قُدر لي المضي بها ـ ستحاول جاهدةً فعل شيء بالخصوص، بتقديم محاولة صغيرة للبدء بإعلان الخروج على الثوابت التقليدية، لصالح ثوابت قيمية أكثر تسامحاً وأكثر إنسانيةً، بما يمكن أن يُسهم في تعبيد الطريق أمام أجيال قادمة، لا نريدها أن تعاني ما عانيناه نحن.
يتبع ....

وفاء البوعيسي



#وفاء_البوعيسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش مقالات الإسلام ليس منهم براء
- الإسلام -ليس- منهم براء (2)
- الإسلام -ليس- منهم براء (1)


المزيد.....




- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...
- مؤسسات الأسرى: إسرائيل تواصل التصعيد من عمليات الاعتقال وملا ...
- الفيتو الأمريكي.. ورقة إسرائيل ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحد ...
- -فيتو-أمريكي ضد الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأم ...
- فيتو أمريكي يفشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأ ...
- فشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ...
- فيتو أمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
- الرئاسة الفلسطينية تدين استخدام واشنطن -الفيتو- لمنع حصول فل ...
- فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - وفاء البوعيسي - مفاهيم سيئة السمعة