أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الربضي - من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب















المزيد.....

من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 23:36
المحور: حقوق الانسان
    


من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب

بعد اثنتي عشرة سنة من إقرار قانون القتل الرحيم للبالغين يُقر البرلمان البلجيكي و تُصدِّق المؤسسة الملكية على قانون ٍ يسمح بالقتل الرحيم للأطفال بدون تحديد عمر ٍ معين، لُيصبح بالإمكان إنهاء حياة طفل يتعذب بمرض ٍ عُضال بموافقة والديه. تم إقرار القانون بأغلبية ستة ٍ و ثمانين صوتا ً مقابل رفض أربعة ٍ و أربعين و امتناع إثني عشر.

يضع القانون ثلاثة َ شروط للنفاذ هي:

- أن يكون الألم لا يُطاق.
- أن لا يكون هناك أمل ٌ في الشفاء أو التحسن.
- أن يُوافق الوالدان.

أثار القانون الاستياء و الرفض في الوسط المسيحي ، و في بعض الأوساط غير الدينية، و هو من المسائل التي تشترك فيها المسيحية مع الإنسانية في الموقف، و تُثير الأسئلة و تستثير ُ التفكير و تضع الإنسان أما مسؤولياته الأدبيه مدفوعا ً بخصائص طبيعته البشرية من غرائز البقاء البدائية مُتحدة ً مع و مساندة ً لقيم سمو أناه الأعلى، طارحة ً نفسها بقوة أمام الضمير الواعي الذي لا بد أن يتَّخذ موقفا ً تجاهها.

الطفل البشري هو أضعف صغار المملكة الحيوانية من جهة التكوين في تلك المرحلة العمرية، و هو على عكس الحيوانات قصيرة الأعمار مثل الكلاب و القطط و الخيول و التي تستطيع ُ أن تبدأ بالمشي و ممارسة الحياة بشكل ٍ شبه طبيعي تلقائي بعد الولادة مباشرة ً، حيث ُ يحتاج ُ للعناية الصحية الجسدية و التربية النفسية و التهذيب و القبول بواسطة قناة العائلة كجزء ٍ من المجتمع و التي تغذيه و تحميه و تزوده بالمطاعيم الصحية و الاهتمام العميق المُستمر و بالأدلجة على اختلافها، دينية ً أو غير دينية، بهدف إعطائه قيمة ً و اعترافا ً و قبولا ً يُمهد لاتخاذه دورا ً في تلك العائلة وفي ذلك المجتمع، ليستطيع بعد ثماني عشرة َ سنة ً أن يأخذ كامل كيانِه القانوني و يندمج في العائلة و المجتمع.

لا يملك أحد الحق بإتخاذ ِ قرار ِانهاء الحياة، و يُصبح القرار خاطئا ً بدون قياس عندما يكون الشخص الذي سيموت هو الطفل، و تُحتم علينا نتيجة القرار أن نقول بكل وضوح و كل صراحة و كل شفافية أن اسم العمل ليس "الموت الرحيم" لكن "القتل"، نعم "القتل" بكل ما تعبر عنه و تصفه هذه الكلمة من بشاعة و دونية و إجرام و تجرد من الإنسانية و انتكاس نحو حيوانية و بوهيمية بدائية ترغب في التخلص من الألم بأي طريق ممكن اتخاذه، هذه البدائية التي نرفض و تعجز عن و لا تستطيع أن تتعامل مع الألم بكل وعي الإنسان و شجاعة المواجهة و ذكاء الخيارات المُتاحة التي تتمسك بالحياة.

لنرتحل إلى الوراء، إلى ما قبل سبعة ٍ و ثلاثين َ ألف عام ٍ مضت، نحو تجمعات إنسان النيندرتال، حيث ُ تفيد الإكتشافات الحديثة أن بعض التجمعات البشرية كانت تمارس قتل الأطفال ِ الرُّضع بالخنق بيد الأم أو الجدَّة حينما تشح موارد الطعام أمام المجموعة و تعجز الأم عن تأمين طعام ٍ كاف ٍ لتستطيع إدرار الحليب لإرضاع الطفل ِ و بقائها فتلجأ لقتله، لتبقى الأم على قيد الحياة و تستمر المجموعة.

و لنرجع الآن إلى بلجيكا الأوروبية الحديثة التي تُصنف ضمن دول العالم المُتحضرة حيث الإنسان هو الأول و حيث التقدم العلمي و الرخاء الإقتصادي و تطور الطب و توفر الأدوية و سخاء الحكومة و احتضان المجتمع لحق الحياة و لنقارن، فهل هناك فرق؟

لا يعجز العلم عن توفير الوسيلة أمام المرض، فهناك العقاقير المهدئة و المخدرة و التي من شأنها أن تقتل الألم، في الوقت الذي يستطيع الوالدان أن يبقيا مع الطفل و يسقيانه من الحب و الاهتمام والرعاية مما يخفف عنه الألم حتى لو لم يزل بالكامل. و تستطيع هذه الرعاية أن تُعطي بُعدا ً لهذا الألم يُعمق من العلاقة الأسرية بين الطفل المتألم فيزيائيا ً و الوالدين المتألمين نفسيا ً، فتتجلى الحياة في إحدى صورها التي هي من صُلب طبيعتها.

أحد الأصدقاء على الفيسبوك نشر قبل أسابيع مقالا ً عن مريض ٍ بالسرطان استطاع فريق ٌ طبي أن يشفيه تماما ً بطريقة عجيبة جدا ً و هي حقن فيروس HIV المسبب لمرض الإيدز -بعد تعديل الفيروس بحيث لا يُهاجم الخلايا المناعية- داخل جسده، و جاءت النتيجة ُ مذهلة بكافة المقايس، فقد استثار الفيروس القاتل خصائص الجسم بالمقاومة و أنهى السرطان تماما ً. لا يعدم العلم الوسيلة، ولم يعدم الأهل الأمل، و عاش المريض و انتصرت الحياة بواسطة أحد مكوناتها المسبب للموت أي بواسطة فيروس HIV المعدل وراثيا ً.

إن قرار الأهل بإنهاء حياة ِ طفلهم هو في الحقيقة هروب البالغين القادرين من تحمل مسؤولياتهم نحو طفلهم المتألم العاجز غير القادر على التميز بسبب عدم اكتمال نموه، و هو راحة الأهل من العذاب و اتخاذهم للطريق الأسهل الذي ألمه أقل و مدة ألمه أقصر، بدلا ً من اتخاذ القرار الشجاع المسؤول بتوفير الحب و الرعاية و الحنان و التحمل و الصبر حتى تقرر الحياة نهاية دورتها بنفسها و حسب خصائصها هي لا حسب الأنانية الفردية التي ترغب أن تزيل الألم بأي طريقة.

لا يريد الطفل أن ينهي حياته، فهكذا تقول غريزة البقاء لديه، و هكذا تقول طبيعته التي ترغب أن تظل لأطول وقت ٍ ممكن ضمن محيط الأسرة و المجتمع و الوجود الذي انتسب إليه و وجد فيه نفسه، و هي قضية بديهية واضحة، لكن عمق الألم عند الأبوين يعميهما عن هذه الرؤية و يصبح عندها وجود الطفل مسألة ً براغماتية تتطلب قرارا ً أكثر مما تتطلب توافقا ً مع المشاعر و الطبيعة و قوانينها.

واجب الأبوين أن يعيشا حالة طفلهما معه، فهو الضعيف المحتاج و هما القويان المُزوِّدان، و الدولة و المجتمع يحملان العبئ الأكبر و المسؤولية الأعظم لضمان تقديم كل ما يلزم من دعم ٍ طبي و نفسي و مادي حتى يتمكن الآباء و الأمهات من إتمام هذا الواجب و تتميم دورة هذا الحب حتى اكتمالها.

من الخطأ الشنيع أن يتم تقديم الحب و تقديس الحياة فقط في الظروف الملائمة فالحب عندها لا يكون حبا ً و قداسة الحياة التي هي أخص ُّ و أعظم ميزات الإنسانية لا تغذو قداسة ً لأن مُلأمة الظروف و غياب تبعات الظرف الاستثنائي تجعلهما بكل بساطة حدثين مُستمرين بفعل انسياب المُلأمة لا خصوصية لهما، بينما يحتاج الحب و تقديس الحياة إلى الاختبار و تقرير الإرادة ليكونا حبا ً و يتحولا قداسة ً و هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بشدة و بقوة، هل نحن مع الحب و قداسة الحياة أم لا؟

إن الجواب بلا هو القانون البلجيكي بقتل الطفل حين يشتد ألمه و يوافق الوالدان، و تأتي الحُقنة المخدرة للمنطق و العقل و المشاعر معاً باسم "المرض العضال الذي لا شفاء منه" ! من قال أننا نحب أبناءنا و نسندهم و نُساندهم لأنهم يستطيعون أن يحيوا و لأنهم خالون من المرض و لأننا نضمن بقاءهم على قدر الحياة لسنين تُرضينا؟ من وضع في ضمائرنا أن القتل يُصبح دواء ً لداء ٍ سيقود أطفالنا للموت فنحميهم من الموت بأن نُرسلهم إليه بأيدينا؟

إن هذه البشاعة َ البشرية التي تنتهك حق الحياة تضرب الحضارة في الصميم. أن نقول أن هذا الطفل يجب أن يموت معناه أننا نقرر أن ننهي الحياة و ان نتحدى الطبيعة و أن نتخذ قرار الفناء عن الطفل بدل أن نقف بجانبه ليعيش كل لحظات الحياة بكل ما فيها. إننا نشهد أننا احط من الحيوانات حين نريد و الاسوا اننا نفعلها باسم الحب، هذا هو الانتكاس نحو الحيوان بقناع الحضارة. تباً و ألف تبا ً مع كل زفرة ٍ يُخرجها طفل ٌ و هو يموت ُ بيد من هم حُرَّاس ُ حياتِه و ضامنو وجوده و لحمه و دمه و علَّة كينونته.

يقول جبران خليل جبران:

أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم.
ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم.
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.
وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكم لأجسادكم.
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم.
فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم.
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم.
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم.
لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس.
أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة عن أقواسكم.
فإن رامي السهام ينظر العلامة المنصوبة على طريق اللانهاية، فيلويكم بقدرته لكي تكون سهامه سريعة بعيدة المدى.
لذلك, فليكن التواؤكم بين يدي رامي السهام الحكيم لأجل المسرة والغبطة.
لأنه كما يحب السهم الذي يطير من قوسه، هكذا يحب القوس الذي يثبت بين يديه.

حين نؤمن بالحياة نكون حقا ً بشرا ً، و حين نقرر أن ننهيها فنحن أحط من الحيوانات.

كفى، عن جد كفى!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوس بجسد الأنثى - بين فيمين و النقاب
- قراءة في شكل الاستعباد الحديث.
- قيمة الإنجيل الحقيقية – لماذا المسيحية كخيار؟ - 2
- من سفر التطور – في النظام داخل العشوائية.
- في الحب بين الذكر و الأنثى – نبؤات ٌ تتحقق
- من سفر الإنسان – الوحدة الجمعية للبشر و كيف نغير المجتمعات.
- من سفر الإنسان – الأخلاق و الدين
- من سفر الإنسان - خاطرة قصيرة في معالجة مشاكل الحياة و صعوبات ...
- الانعتاق من النص – إملاء الحاجة
- بين داعش و النصرة و الفصائل الإسلامية المقاتلة
- -ثُلاثيو القوائم- – حينما يخدم الخيال العلمي الواقع
- الرسالة إلى الدكتور حسن محسن رمضان
- دراما المشاعر – اللاوعي و ندوب نفسية
- ما هي المسيحية – تأمل صباحي قصير
- قراءة في بواعث الفعل عند السلفين التكفيرين
- -ثُلاثيو القوائم- – نظرة إلى أدب الخيال العلمي الأول
- من سفر التطوير الديني - إصلاح الكنيسة – الطلاق
- هل المسلمون طيبون؟ هل المسيحيون أطيب؟
- عن الله و الشيطان – وصف ُالمشهد
- من سفر التطور – أين ذهب الشعر؟


المزيد.....




- الأمم المتحدة تطالب بتحقيق مستقل حول المقابر الجماعية في مس ...
- مخيمات واحتجاجات واعتقالات.. ماذا يحدث بالجامعات الأميركية؟ ...
- ألمانيا تعتزم استئناف التعاون مع الأونروا
- -طيور الخير- الإماراتية تُنفذ الإسقاط الـ36 لإغاثة سكان غزة ...
- إيران.. حكم بإعدام مغن أيد احتاجات -مهسا أميني-
- نداء من -الأونروا- لجمع 1.2 مليار دولار لغزة والضفة الغربية ...
- متوسط 200 شاحنة يوميا.. الأونروا: تحسن في إيصال المساعدات لغ ...
- -القسام- تنشر فيديو لأسير إسرائيلي يندد بفشل نتنياهو بإستعاد ...
- إيطاليا.. الكشف عن تعرض قاصرين عرب للتعذيب في أحد السجون بمي ...
- -العفو الدولية-: كيان الاحتلال ارتكب -جرائم حرب- في غزة بذخا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - نضال الربضي - من سفر الإنسان – قتل الأطفال باسم الحب