أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - التناقضات المستعصية للنظام الامبريالي العالمي















المزيد.....



التناقضات المستعصية للنظام الامبريالي العالمي


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 11:53
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


جورج حداد*

في نهاية الحرب العالمية الثانية، خرجت الامبريالية الاميركية نهائيا من جيوبوليتيكا العزلة القارية، وتبنت جيوبوليتيكا "الانفتاح" والهيمنة على العالم بوصفها القوة الامبريالية الاعظم.
وقبل ان تجف دماء عشرات ملايين الضحايا في تلك الحرب الرهيبة، دشن المجرم الامبريالي ونستون تشرشل "الحرب الباردة"، في الخطاب الذي القاه في احدى الكليات العسكرية الاميركية سنة 1946، ودعا فيه الى ضرورة متابعة الحرب ضد الاتحاد السوفياتي. وكانت اميركا قد بدأت فعلا في زرع كافة زوايا الارض بالقواعد العسكرية الاميركية، تمهيدا لتنفيذ ستراتيجية الهيمنة العالمية. وكان الاتحاد السوفياتي يمثل العقبة الكأداء امام تنفيذ تلك الستراتيجية وانتصارها عالميا. وقد اعتمد تشرشل في خطابه التحريضي على احتكار اميركا للقنبلة الذرية حتى ذلك التاريخ. ولكن الذي منع اميركا من تنفيذ نصيحة تشرشل ثلاثة عوامل اوعقبات ستراتيجية رئيسية هي:
اولا ـ ان اميركا لم تكن تملك بعد العدد الكافي من القنابل الذرية لتركيع الاتحاد السوفياتي وحليفته الثورة الصينية المتقدمة حينذاك، والسيطرة على الاراضي السوفياتية والصينية الشاسعة.
ثانيا ـ كانت القيادة الاميركية تخشى ان يقوم الجيش الاحمر السوفياتي "المرعب"، بالتعاون مع "قوات الانصار" الشيوعية في اوروبا التي كانت لا تزال تمارس وجودها السياسي حتذاك، باجتياح اوروبا الغربية والوسطى والشرقية كلها في بضعة اسابيع، ودفن تشرشل وامثاله الى جانب هتلر وموسوليني، ورمي القوات الاميركية الهزيلة في اوروبا طعاما لاسماك المحيط الاطلسي.
ثالثا ـ كما كانت تلك القيادة تخشى ان يقوم الاتحاد السوفياتي بارسال عدة ملايين من الجنود والمتطوعين السوفيات، بكامل عدتهم العسكرية، للقتال الى جانب الثورة الصينية المظفرة، وان تقوم القوات الثورية الصينية ـ السوفياتية المشتركة باكتساح الشرق الاقصى بأسره، وكنس اليابان وتايوان (فورموزا) وكوريا كلها، وتطهير الهند الصينية من فلول المستعمرين الفرنسيين، وتطهير الهند من فلول المستعمرين الانكليز، والتقدم نحو ايران وشبه الجزيرة العربية لمواجهة المستعمرين الاميركيين فوق منابع النفط.
وفي 1947 اجرى الاتحاد السوفياتي تجربته للقنبلة الهيدروجينية الاولى، التي يقول الخبراء انها اقوى من القنبلة الذرية. وانكسر مرة والى الابد الاحتكار الاميركي للسلاح النووي. وبدأ "توازن الرعب" بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي.
ونجحت الامبريالية العالمية والصهيونية في زرع الكيان الاسرائيلي في قلب الوطن العربي.
وفي الحرب الكورية (1950 ـ 1952) ارادت القيادة الاميركية تحقيق اختراق ستراتيجي، بعد انتصار الثورة الصينية في 1949. ولكن بفضل صلابة الجيش الشعبي والصمود الاسطوري للشعب الكوري الشمالي، وبفضل دعم المتطوعين الصينيين الذين بلغ عددهم الملايين، وبفضل الدعم السوفياتي بالاسلحة والخبرة القتالية ولا سيما طائرات الميغ (من الجيل الاول: ميغ 15) التي دوخت الطيران الحربي الاميركي حينذاك، ادرك التيس الاميركي انه ينطح صخرة ستتحطم عليها لا قرونه وقرون حلفائه فقط، بل ورؤوسهم جميعا ايضا. وكان على رأس القوات الاميركية الجنرال دوغلاس ماكأرثر، احد ألمع العسكريين الاميركيين في فترة الحرب العالمية الثانية وما بعدها. فطرح هذا الجنرال مسألة ضرب الصين بالقنبلة الذرية واجتياز نهر يالو الفاصل بين كوريا والصين. ولكن القيادة السياسية الاميركية، بزعامة هاري ترومان ذاته، الذي سبق ان امر باستخدام القنبلة الذرية ضد هيروشيما وناكازاكي، كانت تدرك ان مجاراة الجنرال ماكأرثر في اقتراحه الجنوني سيعني التعرض لخطر ان تتساقط القنابل النووية السوفياتية فوق رؤوس الاميركيين وحلفائهم القدماء والجدد في اليابان وتايوان (فورموزا) وكوريا الجنوبية والمحيط الهادي وصولا الى الخليج وشبه الجزيرة العربية، وان الغواصات السوفياتية يمكن ان تضرب المدن الاميركية الهشة على امتداد شواطئ الاطلنطيكي والباسفيكي، وان تجعل عاليها سافلها وبالعكس. فما كان من الداهية ترومان الا ان عزل الجنرال ماكأرثر نهائيا من الخدمة العسكرية، ووقعت اميركا مرغمة اتفاقية وقف اطلاق النار التي لا تزال سارية منذ اكثر من ستين سنة، والى اليوم لا تجرؤ اميركا بكل جبروتها على اطلاق رصاصة واحدة باتجاه كوريا الشمالية، بالرغم من الحصار الاقتصادي الوحشي المفروض على هذا الشعب الصغير المظلوم والابي.
وفي اعقاب نهاية الحرب الكورية اتجهت اميركا نحو انشاء الاحلاف العسكرية في الشرق (حلف المعاهدة المركزية، الحلف التركي ـ الباكستاني، الحلف الاسلامي، وحلف بغداد) بهدف تكبيل الانظمة الشرقية العميلة، وزرع جنوبي شرق وجنوبي وغربي اسيا بالقواعد العسكرية، وتطويق ومحاصرة الاتحاد السوفياتي.
وبعد فشل العدوان الثلاثي سنة 1956 في تحقيق هدفه الرئيسي باعادة الاستعمار المكشوف الى مصر، طرح الرئيس الاميركي الجنرال ايزنهاور نظرية "مل الفراغ" شرقي قناة السويس، اي إحلال النفوذ الاميركي محل النفوذ البريطاني ـ الفرنسي المتداعي.
ومنذ ذلك الحين تحولت اميركا الى زعيمة العالم الامبريالي الغربي بدون منازع. واستعرت الحرب الباردة على اشد ما يكون. واشتد سباق التسلح بين اميركا والاتحاد السوفياتي.
وفي هذه الظروف الصعبة والمعقدة، ارتكبت زمرة غورباتشوف ـ يلتسين النيوستالينية خيانتها الكبرى، واقدمت على ضرب نظام "الاشتراكية الواقعية" من الداخل وتفكيك المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، وتشريع ابوابهما امام غزو الرساميل الاحتكارية والعصابات اليهودية والامبريالية العالمية.
ولكن، وبعد "احتلال" الاتحاد السوفياتي، هل تمكنت الامبريالية العالمية من اقامة نظام "دمقراطي انساني" عالمي، خال من الازمات والحروب، كما كانت تنبح وتدعي ابواقها البروباغندية خلال "الحرب الباردة"؟
كلا أبدا! بل على العكس تماما: ان ازمة الرأسمالية ـ الامبريالية العالمية تحولت من ازمة دورية الى ازمة دائمة مستعصية على الحل.
وفشل الامبريالية العالمية في اقامة نظام "دمقراطي انساني" عالمي لا يعود الى عجزها الاقتصادي والسياسي والستراتيجي، بل يعود الى طبيعتها ذاتها التي تتناقض جذريا مع الدمقراطية الحقيقية والعدالة الانسانية.
واخيرا خسرت الامبريالية الاميركية حصانتها الستراتيجية القارية، حينما تلقت في 11 ايلول 2001 ضربة في عقر دارها من الصعب عليها التعافي منها في عشرات السنين.
وان الغموض الذي لا يزال يكتنف "الحرب الصليبية" (كما سماها واعلنها جورج بوش) الناتجة عن عملية 11 ايلول وتداعياتها، التي لا تزال في بداياتها، يؤكد حقيقة لا يمكن الهروب منها، وهي ان الاسباب الموضوعية والذاتية لهذه الحرب، انما تكمن في تناقضات المجتمع الامبريالي الدولي القائم، وعلى رأسه اميركا.
وأيا كانت "القوة الدولية" التي تقف ضد اميركا حاليا فهي، اولا، قوة ناشئة من داخل النظام الامبريالي، وبفعل تناقضاته ذاتها. وهي، ثانيا، تستفيد، وتجد "المساعدة"، مباشرة وغير مباشرة، من مختلف أشكال هذه التناقضات، ومن قبل أطراف مختلفة، متحالفة ومتعادية، داخل اميركا وخارجها.
وفي هذا السياق لا يوجد "طرف بريء". فهناك اطراف تلعب دورا رئيسيا في هذا الصراع، وأطراف اخرى تلعب دورا "مساعدا"، بشكل مباشر او غير مباشر، "سلبي" او "ايجابي".
و"المتهم" ـ المسؤول الاول انما يتمثل في تركيبة الهيمنة الامبريالية الاميركية، المكونة من مراكز "متحدة ـ متصارعة"، يطمع كل منها لتكون له الحصة الاكبر في هذه الهيمنة.
وجميع القوى الدولية الاخرى، المتضررة بهذا الشكل او ذاك من الهيمنة الاميركية، والطامحة او الطامعة في ازاحتها، او مشاركتها الخ، هي مرشحة، من خلال مصالحها، للشبهة بكونها "محرض رئيسي"، او "مساعد ثانوي" للارهاب.
والادارة الاميركية، ومعها الصهيونية العالمية، تحاول ان تطمس هذه الحقيقة الجوهرية، وأن تطمس البحث في اسباب الصراع، وأن تحصر المواجهة فقط في النتائج: الارهاب، ومحاربة الارهاب.
ولكن وضع الرأس في الرمل، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال حجة "الشيوعية الهدامة"، (التي كانت من خارج الاطار الامبريالي بزعامة اميركا)، واستبدالها بحجة "الارهاب العربي ـ الاسلامي"، (الذي هو من داخل الاطار الامبريالي)، لن يؤدي الا الى حلقة جهنمية مفرغة من العنف والعنف المضاد. وهذا لا يلغي، بل يؤكد اكثر من اي وقت مضى، ضرورة البحث عن اسباب الارهاب والحرب، وجميع الظاهرات العالمية السلبية الاخرى، وطرق معالجتها، في تناقضات النظام الامبريالي العالمي ذاته.
قوى دولية "مساعدة" للإرهاب
نعرض اولا لثلاث قوى دولية "بريئة"، ولكنه تصح عليها "تهمة" الدور الموضوعي "المساعد" للارهاب، وهي:
الهند: التي هي على العموم دولة مسالمة، ذات تطلعات دولية معتدلة ومتواضعة، وهي منجذبة الى حد كبير "الى الداخل"، نظرا لمعضلاتها التاريخية، التي عجزت الدمقراطية الهندية عن حلها الى الآن، وأهمها، وبالاخص، الانفجار السكاني والفقر، والتركيب الطائفي المتحجر. وهي تعيش على "برميل بارود" يتمثل بوجود 250 مليون مواطن مسلم فيها. ونزاعها المزمن مع باكستان، خصوصا حول كشمير، هو من أخطر اشكال المعضلات "الداخلية" لشبه القارة الهندية. والهند تطمح الى اقامة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة الاميركية، بما لا يتعارض مع مواقفها التاريخية المعادية للاستعمار. ولكن العلامة المميزة للتعامل الاميركي مع الهند، منذ حصولها على الاستقلال، هو "وراثة الدور الاستعماري" البريطاني الذي قسم الهند وكرس فيها النزاعات، والتواطؤ لجعلها دائما في حالة من الضعف والتفكك والتخبط في مشاكلها، واستغلال هذه المشاكل، لا سيما مع الباكستان، من اجل النفوذ والمصالح الاميركية. ولا بد من الاشارة الى ان "الموضوع الاسلامي" الخطير، بالنسبة للهند، كان ولا يزال موضع استغلال من قبل الولايات المتحدة. ومن ثم فإن الهند لها مصلحة موضوعية في دق إسفين بين اميركا والاسلاميين، خصوصا في باكستان وكشمير وافغانستان. وتلتقي في مصلحتها هذه مع مصلحة اسرائيل، التي اقامت في السنوات الاخيرة علاقات اوسع مع الهند، ويمكن ان "تتبادل الخدمات" معها على هذا الصعيد.
وهذا ما قد يدفع اوساطا هندية معينة لأن تقوم، من وراء الستار، بكل ما من شأنه المساهمة في رفع "اللعنة الاميركية"، خصوصا عن طريق "تشجيع" الصراع بين اميركا وحلفائها الاسلاميين، فتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد.
كما انه يوجد تربة واسعة في الهند للعداء للاميركيين، مما يساعد اي قوة "خارجية" معادية لاميركا على استغلال هذا الوضع، والحصول على "خدمات ثانوية". وهناك ألوف "الادمغة" الهندية المهاجرة في اميركا واوروبا، ومنهم عدد كبير من المسلمين الهنود.
اليابان: تشعر هذه الدولة العريقة بالمرارة الدفينة ، حيال الولايات المتحدة الاميركية، ولا سيما بسبب ضربها غير المبرر بالقنبلة الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية، لتهديد كل العالم بها، وإذلالها المتواصل بوجود القواعد العسكرية الاميركية فيها الى اليوم. ولكن الافق التاريخي للنظام القائم في اليابان يبدو سلبيا وغير مبشـّر، ويزداد سوءا يوما عن يوم، بسبب المحدودية الجغرافية للبلاد، و"شيخوختها" وتناقصها الديموغرافيين، كما بسبب علاقاتها التاريخية "السوداء" مع جيرانها الاقربين، كالصين خصوصا، وكوريا والهند الصينية. وبالرغم من غناها، تشعر اليابان بأنها في غضون بضعة عقود ستصبح في اهمية مقاطعة صينية. وهذا ما يجعل الدولة اليابانية تخضع بخنوع للوصاية الاميركية، التي لا تتوانى عن ابتزازها وتحويلها الى "خزنة احتياطية"، تمد اليها يدها كيفما تشاء. وهو ما ظهر بجلاء غداة ضربة 11 ايلول 2001، حيث عمدت اليابان مرغمة الى شراء مليارات الدولارات، من اجل مساعدة الدولار على عدم الانهيار. ولكن هذا الواقع ذاته يوجد معارضة شعبية قوية للهيمنة الاميركية في اليابان. ولا ينسى احد "الجيش الاحمر الياباني"، الذي قام اساسا على العداء للامبريالية الاميركية. كما ان الاميركيين من اصل ياباني لا ينسون اعتقالهم ووضعهم في معسكرات اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية. علما بأن هناك جالية يابانية لا بأس بها في اميركا واوروبا، حيث تعمل ايضا بنشاط المافيا اليابانية. وهذا كله يوجد ارضية للمساعدة المباشرة وغير المباشرة في اعمال معادية لاميركا.
الصين: هي منكبـّة على بنائها الذاتي، وتطمح للتحول الى القوة العظمى الثانية، فالاولى، في غضون عقود. ولذلك، وبالرغم من تناقضاتها التاريخية مع الغرب، وخصوصا مع اميركا، فهي تعمل للتوصل الى "تسويات تاريخية"، من موقع "الدفاع الستراتيجي" البعيد عن التهور. وهذا ما ظهر في معالجة قضية "هونغ كونغ" وطرح شعار "دولة واحدة ونظامين"، ويظهر الآن في معالجة قضية "تايوان". وتطمح الصين للوصول الى إلزام اميركا بعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإيقاعها بالتدريج في "فخ" التحول الى "الشريك" الاقتصادي الاول لها، بحيث تصبح الكلمة الاولى في الاقتصاد الاميركي "كلمة صينية". وليس من المنطقي ان تقوم الصين بأي عمل من شأنه التعارض مع هذا الخط العام لها. الا انها "تفرح" ضمنا لأي تورط لاميركا، و"تساعدها" على التورط، وتعمل لاستغلال كل ما من شأنه إضعاف مواقع اميركا، دون ان تنجر هي الى معركة مكشوفة معها. وطبعا لا يمكن الحديث عن "معارضة صينية" معادية لاميركا. ومن هذا المنظور يمكن للصين ان تقدم من وراء الستار بعض الخدمات الاستخبارية وغيرها، لبعض القوى المعادية لاميركا، الا انها ليست في وارد ان يكون هذا عملا اساسيا لها. وهناك جالية صينية كبرى في اميركا، كما يوجد فرع كبير للمافيا الصينية التي هي بالتأكيد مخترقة من قبل الاجهزة الخاصة الصينية. كما توجد جالية كبيرة من الادمغة الصينية في اميركا واوروبا.
اميركا تصنع أعداءها
الفرضية الثانية: قوى دولية مرشحة للتهمة الرئيسية
يبقى هناك ثلاث قوى دولية يمكن لأوضاعها، ومصالحها، وعلاقاتها بالقضايا الدولية، وبالعالم الاسلامي، وتاريخ وطبيعة علاقاتها بأميركا، ان "ترشحها"، كل على انفراد، لامكانية ان تضطلع بدور خاص في عملية بلورة سرية لـ"نواة" لـ"مركز دولي مضاد لاميركا"، وهي "النواة" التي من شأنها مد خيوط وشبكات لهذا المركز، بمعزل عن المؤسسات والمواقف الرسمية للدولة المعنية، ولأي دول اخرى تمتد اليها هذه الخيوط والشبكات. ونوردها فيما يلي، بترتيب "جغرافي" من الشرق الى الغرب، بدون "مفاضلة":
I – روسيا:
هذه الدولة لها تاريخ عريق في العلاقة التنافسية، بل والتناحرية، مع اميركا. فالاتحاد السوفياتي السابق (وقلبه وجسمه الاساسي روسيا) حمل العبء البشري والاقتصادي الاكبر في مواجهة الهتلرية ودحرها. وقد تلقى بعض المساعدات الاقتصادية والتسليحية الاميركية اثناء تلك المواجهة، من ضمن السياسة التقليدية الاميركية للمحاربة بالغير. وهذا التعاون ضد الهتلرية، واتفاقات يالطا السرية، كان يمكن ان ترسي اساسا لتعاون ارسخ واوسع بعد الحرب، ولسيادة مناخ جديد في العلاقات الدولية، يتجاوز الاختلافات الايديولوجية، بالرغم من التقييم المختلف لسياسة تقاسم مناطق النفوذ الدولية.
الا انه بدلا من ذلك، وما ان زال خطر الفاشية والنازية عن اوروبا واميركا، حتى عمدت اميركا الى تحقيق "مشروع مارشال" لمساعدة اوروبا الغربية على النهوض الاقتصادي من جديد، بما في ذلك عدو الامس المانيا (الغربية حينذاك). اما المنظومة السوفياتية فلم تحرم فقط من اي مساعدة، بل اخطر من ذلك، انه ما ان وضعت الحرب ضد الهتلرية اوزارها حتى قام تشرشل، في 1946، باعلان "الحرب الباردة" على السوفيات، بحجة "مكافحة الشيوعية"، وذلك من داخل اميركا بالذات، التي تولت قيادة تلك "الحرب". وعلى هذه الخلفية هناك شكوك كبيرة بأن تفجير المفاعل النووي في تشيرنوبيل، الذي راح ضحيته مئات الالاف من المصابين الابرياء، ووجه ضربة مميتة لهيبة الاتحاد السوفياتي، لم يكن سوى عملية تخريب كبرى دبرتها الاجهزة الخاصة الاميركية والغربية لـ"فتح الطريق" امام "البريسترويكا" الغورباتشوفية.
وقبل ذلك جرى العمل بذكاء، من قبل الدوائر الاميركية بالاخص، لاستدراج روسيا السوفياتية الى "الفخ الافغاني"، حيث تم استخدام التيار الاسلامي لاستنزاف وضرب الجيش السوفياتي (الروسي اساسا)، وهو ما فتح الطريق لانهيار الاتحاد السوفياتي في 1991.
ومع ذلك، فإن انهيار "الشيوعية" السوفياتية، والانفتاح على الغرب، وحتى انبطاح القيادة الروسية "الدمقراطية" الجديدة امام الاميركيين، لم "يشفع" لروسيا. بل على العكس استمر استخدام عامل "الارهاب الاسلامي" ضد روسيا "ما بعد الشيوعية"، وعمدت الدول الغربية، بزعامة اميركا، الى محاصرة روسيا اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وتخريبها ونهبها بشكل لا مثيل له، بالتعاون مع الماسونية والصهيونية ومافيات التيار الرأسمالي الموالي للغرب. فتم تدمير الاقتصاد وتجويع الشعب الروسي في بضع سنوات، وانتقلت ثروات اسطورية روسية الى الدول الغربية، وخاصة اميركا، التي اصبحت "الوطن الاول" للمافيا الروسية.
وأصبح واضحا جدا ان الاميركيين القابعين خلف المحيط، لم يكونوا يريدون فقط فشل الشيوعية في روسيا، ولم يكن هدفهم اقامة علاقات تعاون وحسن جوار مع "روسيا دمقراطية!"، بل كان ولا يزال لهم هدف ابعد واخطر، هو تحطيم الكرامة القومية للروس، وتدمير الكيان القومي للدولة الروسية، وتحويل روسيا من دولة عظمى الى دولة "تابعة" لاميركا، وهو ما تبدى في الاستفزاز الخطير، الذي هدد أمن العالم كله، والمتمثل في اغراق الغواصة النووية الروسية كورسك، منذ بضع سنوات.
يضاف الى ذلك كله ما طرحته اخيرا الادارة الاميركية حول نظام الدفاع الصاروخي المضاد للصوارخ، والهادف الى تقزيم جميع دول العالم، ووضعها تحت رحمة السيد الاميركي الاوحد، حيث انه لا توجد دولة يمكن ان تجاري اميركا في بناء مثل هذه الشبكة، الا على حساب خسائر غير محتملة في اقتصادها الوطني. وهذا ينطبق اول ما ينطبق على روسيا، التي لم تعد قادرة على السير بسباق تسلح عقيم من هذا النوع، لانها خرجت من "معمعة التحول الدمقراطي" بخسائر اقتصادية اكثر بكثير من خسائرها في الحرب العالمية الثانية.
يبدو من ذلك بوضوح ان روسيا لها "مصلحة" اساسية في الرد، وضرب الهيمنة الاقتصادية والعسكرية الاميركية على العالم. الا انها غير قادرة على القيام بأي مواجهة صريحة مع اميركا، كما كان الامر في المرحلة السوفياتية السابقة.
ولكن بالمقابل فهي تمتلك القدرات التقنية والمخابراتية لتأمين "الخدمات" الضرورية لمثل ضربة 11 ايلول 2001. فعدا المستوى العلمي والتقني، فإن الانتقال الى "الدمقراطية" لم يمنع شبكة التجسس الروسية من الاستمرار في العمل بنشاط في اميركا، وهي تعتمد ايضا على بقايا شبكة التجسس السوفياتية السابقة، التي "نامت" ولكنها لم "تمت". يضاف اليها بقايا الشبكات السابقة لدول اوروبا الشرقية كالـ"شتازي" الالمانية الشرقية وغيرها. وغالبية افراد تلك الشبكات، السابقين والحاليين، هم من "القوميين" و"العقائديين"، وهذا ما يجعلهم أشد خطرا. وفي الوقت الحاضر فإن رئيس الدولة الروسية ذاته هو موظف سابق في المخابرات السوفياتية، الروسية لاحقا. ومن الطبيعي جدا ان تكون اساليب "الحرب المقنـّـعة" خطا رئيسيا في الستراتيجية الدولية لبوتين. وأخذا بالاعتبار تاريخه "المخضرم"، وعدم احتراق رصيده لدى الرعيل السابق من "زملائه"، كما جرى لغورباتشوف، بالاضافة الى رصيده الجديد المغلف بالغموض، فإدارته مؤهلة لاستخدام كل بقايا الترسانة "السوفياتية" السابقة، بالاضافة الى القدرات المستحدثة، من ضمن اي "تحرك" جديد.
واخيرا، فإن الظاهرة الافغانية ليست البعد الوحيد في العلاقة الروسية – الاسلامية. بل ان روسيا تمتلك رصيدا تاريخيا مركبا عريقا، معقدا ومتناقضا، في العلاقة مع الاسلام والشعوب الاسلامية، بدءا من الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة، وانتهاء بالغالبية الساحقة من الاحزاب والتنظيمات والحركات التحررية في الدول العربية والاسلامية. وحرب افغانستان، والشيشان، الخ، هي جانب واحد من الصورة. وهنا ايضا يوجد حافز خاص لدى الروس، الذين تلقوا "التحية الاسلامية الاميركية" في افغانستان والشيشان والتفجيرات المريعة وخطف وقتل المئات والالاف في قلب المناطق والمدن الروسية ذاتها، بأن يردوا عليها بـ"تحية اسلامية" مثلها او "افضل منها".
والروس لديهم احتياط كبير من "الخامة البشرية" الضرورية لتحريك "العامل الاسلامي"، بدءا من الجمهوريات السوفياتية السابقة، وفي افغانستان ذاتها، وايران وفلسطين وغيرها وغيرها. ومثلما ان تنظيم بن لادن انقلب على الاميركيين، فماذا يمنع النظام الروسي الحالي من استخدام اوراقه القديمة، وتحويل و"تطوير" علاقاته مع الاسلاميين الذين نقلوا البندقية من كتف الى كتف، لـ"تجديد" حرب البدائل القديمة ايام الحرب البادرة، و"قلب اللعبة" على الاميركيين، ومحاولة التفوق عليهم في "اللعبة المزدوجة"، اي المشاركة من وراء الستار في "الارهاب" ضد الاميركيين، ومشاركة الاميركيين من امام الستار في "مكافحة الارهاب"؟
II – أوروبا الغربية:
إن الموقع الجغرافي الحصين للولايات المتحدة، الذي جعلها حتى الان بعيدة عن المدى المجدي لنيران اي دولة اوروبية، في اي حرب قامت حتى الان، من جهة، والتركيبة الكوسموبوليتية – البراغماتية للشريحة الرأسمالية العليا الاميركية الماسونية، ونواتها الطغمة المالية اليهودية، التي لا وطن حقيقي لها سوى البورصة، من جهة ثانية، هذا الواقع جعل اميركا تضطلع بدور الشريك اللدود والوريث الالزامي البغيض لعظمة وغنى الامبراطوريات الامبريالية الاوروبية الغربية السابقة. واذا كانت روما في زمانها قد اصبحت مركز العالم القديم، بمعاركها الخاصة ودماء ابنائها (بدون طبعا أي تبرير للحروب التوسعية التي دمرت قرطاجة وغيرها من زهرات الحضارة العالمية)، فإن اميركا الشمالية اصبحت روما العصر، عن طريق استغلال المآسي التاريخية للعالم القديم، وبالاخص اوروبا الغربية التي سبق وخرج "العالم الجديد" (اميركا) من رحمها، بل وكان مستعمرة لها.
ويكفي الاشارة، تاريخيا، لثلاث حالات صارخة، للاستغلال الانتهازي الاميركي لمآسي اوروبا، التي يصح فيها القول "مصائب قوم عند قوم فوائد":
1 – الحرب العالمية الاولى، لم تدخلها اميركا الا بعد حوالي ثلاث سنوات من بدئها. فدخلت الى جانب الطرف الرابح. ولبعدها عن ميدان المعارك، اصبحت منذ ذلك الحين المركز المالي العالمي الاول. هذا عدا التجارة عامة، وتجارة الاسلحة خاصة. وغداة هذه الحرب بالضبط، قررت الطغمة المالية العليا اليهودية نقل مركزها العالمي من لندن الى نيويورك.
2 – الحرب العالمية الثانية، لم تدخلها اميركا الا بعد سنتين ونصف السنة من بدئها، اي بعد استنزاف قوى اوروبا الغربية كلها بشكل مريع، وبعد هروب الرساميل الاوروبية بشكل كثيف الى اميركا. وهي لم تدخلها الا بعد ان وسع هتلر نطاق حربه وهاجم الاتحاد السوفياتي السابق، وخشيت اميركا من ان يفرض السوفيات هيمنتهم على اوروبا بعد القضاء على النازية. وبعد الحرب، فإن الجميع خرجوا ضعفاء ومدمرين اقتصاديا، باستثناء اميركا التي حققت ارباحا فلكية من هذه الحرب. وبجزء يسير جدا من هذه الارباح، قامت بمشروع مارشال لمساعدة اوروبا الغربية، ولكنها في الوقت ذاته، وبواسطة هذا المشروع، حولت اوروبا الغربية، ولأول مرة في التاريخ، الى تابع اقتصادي لها. ولا تزال اوروبا الغربية الى الان، بعد اكثر من ستين سنة، تسعى جاهدة للتحرر من الهيمنة الاقتصادية الاميركية.
وفي المرحلة الاخيرة، وبعد ان اصدرت اوروبا الغربية عملتها الموحدة "اليورو"، لتعزيز وحدتها واستقلاليتها الاقتصاديتين، وكان سعره الاسمي أغلى من الدولار، عمدت الاوساط المالية الاميركية واليهودية، بـ"فركة كعب"، لكسر سعر "اليورو" الى ما دون سعر الدولار، كصورة من صور تأكيد الهيمنة الاقتصادية الاميركية. ولم تتم اعادة تعويم اليورو، الا بعد انفجار الازمة المالية سنة 2008، التي كسرت ظهر الاقتصاد الاميركي.
3 – في مرحلة تصفية الاستعمار القديم، غداة الحرب العالمية الثانية، وهو ما ترافق زمنيا مع نشوء اسرائيل في 1948، حلت اميركا محل بريطانيا في دور الوصي الاول على اسرائيل، كما اضطلعت بدور الوريث للامبراطوريات، طارحة نظرية "ملء الفراغ" للرئيس الاميركي الاسبق ايزنهاور. وبانهيار الكولونيالية القديمة، حلت محلها الاحلاف العسكرية وسياسة الاساطيل والتبعية الاقتصادية، وهو ما سمي "نيوكولونياليسم" (الاستعمار الجديد) بزعامة اميركا.
4ـ وبعد انهيار المنظومة السوفياتية و"الوفاة الطبيعية" لحلف فرصوفيا السابق، رفضت الولايات المتحدة بشدة حل او تغيير حلف الناتو، الذي تهيمن بواسطته عسكريا على اوروبا الغربية، وهي تعرقل بشدة ايضا اي مشروع امن اوروبي جماعي مستقل يتماشى مع السياسة المنفتحة للاتحاد الاوروبي. ومن نتائج هذه الهيمنة العسكرية الاميركية، أن جرّت اوروبا الغربية جرّا الى مغامرة حرب الخليج الثانية، والى مغامرة الناتو في البلقان سنة 1999، ثم المغامرات الحربية الاميركية في افغانستان والعراق.
ولا يخفى ان احد الاسباب الجوهرية لمشروع نظام الصواريخ المضادة للصواريخ، الذي شرع الرئيس بوش الابن في تنفيذه، هو الابقاء على التبعية العسكرية ـ وبالتالي السياسية ـ لاوروبا الغربية حيال اميركا. وقد سارت الادارة الاميركية بهذا المشروع، برغم كل الاعتراضات الاوروبية الغربية.
هذا لجهة حوافز اوروبا الغربية للرد على اميركا بأسلوب "الحرب المقنـّـعة". وبطبيعة الحال انها قادرة تقنيا ومخابراتيا الخ، على تحقيق مثل هذه الضربة الارهابية، ان لجهة امكاناتها الذاتية، وإن لجهة كونها "من أهل البيت".
يبقى جانب العلاقة مع الطرف الاسلامي المرشح للمشاركة في التنفيذ: من المعلوم ان اوروبا الغربية، لاسباب عديدة جدا، فتحت ابوابها في العقود الاخيرة، ليس فقط لهجرة عربية واسلامية واسعة اليها، بشكل عام، بل ولتتمركز فيها الجمعيات والحركات الاسلامية على اختلافها، بما فيها المتهمة بـ"الارهاب"، ومنها تنظيم "القاعدة" بزعامة الشيخ بن لادن. وعن هذا الطريق كانت اوروبا الغربية تهدف، فيما تهدف اليه، الى استعادة نفوذها في الشرق العربي والاسلامي، الذي عملت الستراتيجية الاميركية طويلا لاخراجها منه. ولعله من المعبر التذكير، ان اوروبا الغربية سبق ايضا وفتحت ابوابها للامام الراحل آية الله الخميني، الذي قاد من اوروبا بالذات حملة اسقاط نظام الشاه الحليف السابق لاميركا، وطار من اوروبا بالذات الى ايران لاقامة الجمهورية الاسلامية فيها، وهو يرفع شعار "اميركا هي الشيطان الاكبر".
وخلال العقود الماضية، كان هناك وقت كاف للدوائر السياسية والاجهزة المختصة الاوروبية الغربية ذات المصلحة، لأن "تدبر امورها" مع "القطاع الاسلامي"، بما في ذلك بالاخص الاستفادة من اهتزاز العلاقة بين اميركا وبين حلفائها السابقين من الاسلاميين في افغانستان وغيرها، ومن تنظيم "القاعدة" وغيره.
وربما كان ذا مغزى الاشارة الى العلاقات الخاصة للالمان مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين، "على هامش" الهيمنة الاميركية. وليس ما يمنع الالمان من الاستفادة في ذلك من "الرصيد التاريخي" للمخابرات الالمانية الشرقية السابقة (الشتازي) في الاتصالات مع الفلسطينيين وغيرهم. ولا يخفى ان هناك مساع اميركية دائمة لابعاد الالمان والفرنسيين بالاخص، عن "التدخل" بالشرق الاوسط. وقد كانت حرب الخليج الاولى والثانية، في بعض وجوهها، شكلا من اشكال الصراع الاميركي ـ الاوروبي على المنطقة.
التناقضات "العائلية" الاميركية
في مرحلة الثنائية القطبية والحرب الباردة، فإن الاتحاد السوفياتي، وكذلك اميركا، كانا مؤهلين نظريا ـ من حيث امكانيات كل منهما كدولة ـ لتحضير وتنفيذ مثل هذه الضربة المركزية، مع استخدام بعض "البرافانات" والحلفاء الثانويين. ولكن مثل هذا الخطر كان خطرا "خارجيا" تماما، ولم يكن من الممكن بتاتا اخفاء من هو القائم الفعلي بها. وكان القيام بمثل هذه الضربة يعني اندلاع حرب عالمية نووية فورا. وربما لهذا لم يحدث مثل ذلك بالاتجاهين، اي لا من قبل "مملكة الشر السوفياتية" ضد زعيمة "العالم الحر" طيب الذكر، ولا بالعكس. وذلك نظرا الى توازن الرعب الذي كان قائما حينذاك على التوازن الستراتيجي بين الجبارين.
اما اليوم، وبوجود الاحادية القطبية لاميركا، وأيا كان القائمون بهذه الضربة، فلا يمكن النظر اليها الا بوصفها "مسألة داخلية"، خاصة بالنظام الامبريالي العالمي الجديد، الذي تقوده اميركا. وهذا يعني أن هذا النظام، وبدليل هذه الضربة ذاتها، يدين نفسه بنفسه، بأنه ليس النظام الصالح للعالم عامة، ولأميركا خاصة، ويشكل تهديدا للسلام العالمي برمته، كما للسلم والأمن القومي الاميركي، بطريقة اكثر خطورة وتعقيدا مما كان في مرحلة الثنائية القطبية. وإذا كانت هذه "الحالة الحرجة" الجديدة التي اصبح يتسم بها النظام الامبريالي العالمي "المؤمرك"، تحتاج الى تحليل علماء الاجتماع والسياسة المختصين، فإننا نشير هنا الى العامل الذي ينتج ويفاقم هذه الحالة والمتمثل في إزالة الحدود بين "الداخل" و"الخارج" الاميركي. وهذا يعني:
ـ ان الانشقاقات والصراعات في صفوف الطبقة الامبريالية السائدة في المتروبول الاميركي، اصبحت ذات ابعاد عالمية مباشرة، بحيث ان كل طرف احتكاري اميركي اصبح لـه ارتكازات ومواقع قوة و"تحالفات" في "الخارج"، يستند اليها ويستخدمها ليس في الصراعات الدولية وحسب، بل وفي الصراعات الاميركية "الداخلية" بالذات.
ـ ان "الاطراف" العالمية، "الحليفة" او "التابعة" او "المستعمرة وشبه المستعمرة"، في تناقضها العام مع "المتروبول" الاميركي، لم تعد تتحرك من "الخارج" البعيد وحسب، بل ومن "الداخل" الاميركي ايضا، عن طريق الارتباط والتعاون و"المصالح" و"الخدمات" المتبادلة، مع مختلف الاطراف والكتل السياسية والاحتكارية الاميركية.
بالنظر الى هذا الواقع الجديد، فإن هذه الضربة، والتداعيات والتطورات اللاحقة المنطلقة منها، تحتم "إعادة النظر" في أسس هذا النظام. وهذا ما يقتضي إلقاء نظرة على تركيبة النظام الامبريالي الاميركي بالذات، ومحاولة كشف التناقضات داخل هذه التركيبة، التي تصبح اكثر فأكثر المولـّد الاول، ومركز الجذب الاول، للصراعات الاميركية ـ العالمية المركبـّة.
من ضمن زعامتها الدولية، تتميز اميركا بثلاثة معالم مركزية عالمية هي انها:
1ـ مركز المحور الانكلو ـ ساكسوني، الذي يضم ايضا بالاخص بريطانيا وكندا واوستراليا.
2ـ مركز الماسونية العالمية، والمافيا الدولية التي تدور في فلكها.
3ـ مركز الطغمة المالية اليهودية العليا والصهيونية العالمية.
ان هذه المراكز الثلاثة تتقاطع فيما بينها، ضمن الدور الزعامي الدولي العام لاميركا، ولكنها لا تتطابق بالطبع، بل هي تتفاوت وتتناقض وتتناحر، تبعا لمصالحها الخاصة والعامة. الا انها كلها تلتقي في مواجهة سائر "العناوين العالمية" الاخرى، وتكييف السياسة الاميركية للتعامل معها، كالشيوعية والسلافية والكاثوليكية والارثوذكسية وروسيا واوروبا والصين والاسلام والعالم الثالث الخ.
والتركيبة الاحتكارية الاميركية هي بطبيعة الحال تركيبة متداخلة تماما بالمعنى الرأسمالي البحت، خصوصا في عصر العولمة الحديث، حيث ان مفاهيم مثل "الرأسمال المالي" و"الرأسمال الصناعي" و"الرأسمال التجاري" الخ، تصبح نسبية جدا اكثر فأكثر. ولكن هذا بالمعنى الاطلاقي العام. اما بالمعنى الملموس، فيبقى هناك دائما كتل رأسمالية ترتبط، أو يكون مركز الثقل الرئيسي لها، في قطاعات انتاجية او مالية او تسويقية محددة. وهناك دائما عملية تنافس وصراع بين هذه الكتل، يعبـّـر عنه سياسيا بمختلف الاشكال. وفي اميركا كتلتان محوريتان على هذا الصعيد، وكتلة ثالثة مزاحمة لهما أقل منهما اهمية، وهي:
1 – كتلة كوسموبوليتية "اميركية لااميركية"، تتمحور قوتها حول اللعبة المالية البحت، ونواتها هي الطغمة المالية اليهودية العليا، وهي تمثل الركيزة الاساسية للوبي الموالي لاسرائيل في اميركا. وهي تستخدم دائرة نشاط اوسع، عبر شبكة الماسونية، والمافيا، التي تعود لها بالدرجة الاولى السيطرة عليهما. والمؤشر العام في النهج الاقتصادي والسياسي لهذه الكتلة، هو انها تستخدم القوة الاميركية، بمختلف وجوهها، في سبيل مصالحها الفئوية "فوق الاميركية"، التي لا تتطابق إلزاما ودائما مع المصالح العامة للرأسمالية "الوطنية" والامبريالية "القومية" الاميركية، والتي تتعارض معها في الحساب الاخير.
وتمتلك اليهودية اداتين "اميركيتين ـ عالميتين" هما: الماسونية، التي تستخدمها كحلقة أوسع لتمرير سياستها فيما بين غير اليهود. وهذه المنظمة السلطوية السرية لها 33 درجة. وقيادتها المركزية العالمية هي يهودية، وكان مركزها في بريطانيا، فانتقلت الى اميركا حينما انتقلت اليها قيادة الطغمة المالية اليهودية العالمية. والأداة الثانية هي المافيا العالمية، ذات النواة الصقلية الايطالية الكاثوليكية المعادية للبابوية، ومركز قيادتها ايضا في اميركا.
2 – كتلة شوفينية "اميركية اميركية"، ارتباطها بالاقتصاد الاميركي بمجمله، ومركز ثقلها الاساسي في قطاع الانتاج والتسويق الداخلي والخارجي، وتتمحور قوتها المالية والسياسية حول صناعتي الطاقة والاسلحة. والاطار الاتني او الفئوي، لهذه الكتلة، هو الانكلو ـ ساكسونية البروتستانتية. وهذه الكتلة تسعى للاستفادة – في علاقة متناقضة من التكامل والتناحر - من الامكانيات المالية والعلاقات الدولية للطغمة اليهودية العليا، وكذلك من جميع العلاقات الخارجية لاميركا، من اجل مصلحة الرأسمال "الوطني" والامبريالية "القومية" الاميركية. ومن الضروري ان نشير الى ان لهذه الكتلة علاقات خاصة مع الدول العربية والاسلامية، ولا سيما النفطية. وهو ما يتبدى في دعم اتجاه الاتفتاح النسبي حتى على دول "مارقة" كليبياالقذافي والسودان الخ. وتندرج ضمن ذلك، العلاقات الخاصة لعائلة الرئيس بوش ولنائب الرئيس ديك تشيني بصناعة النفط وبالسعودية، بما في ذلك بالمجموعة المالية لعائلة بن لادن التي لها توظيفات كبيرة في اميركا.
3ـ الكتلة الكاثوليكية، وهي تتكون من "نخبة" من الاميركيين البيض، من اصل اوروبي غربي، وجمهور كبير من اصل اوروبي شرقي، وجمهور اكبر من الاصل الاسباني. ولهذه الكتلة علاقات وثيقة بالجمهور الشعبي البروتستانتي، ولا سيما الزنوج والملونين. وتدخل هذه الكتلة في تنافس مع الكتلة الثانية، وفي صراع شديد مع الكتلة الاولى. وكان اغتيال الرئيس الاسبق كندي، ثم شقيقه وابنه، ومحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني، احد اشكال هذا التنافس والصراع. وبالرغم من ان حوالي 40 بالمائة من سكان اميركا هم من الكاثوليك، الا ان دور هذه الكتلة في الاقتصاد والسياسة الاميركيين هو اضعف بكثير من حجمها السكاني. وهذه الكتلة هي اكثر انفتاحا وتوازنا في العلاقة مع اوروبا عامة، والدول الكاثوليكية خاصة، واكثر تفهما ومرونة في العلاقة مع بلدان اوروبا الشرقية وروسيا، ومع بلدان العالم الثالث ولا سيما البلدان العربية والاسلامية. وتضطلع الماسونية والمافيا بدور خاص في "لغم" الكتلة الكاثوليكية، لصالح الطغمة المالية اليهودية بشكل خاص.
والكتلتان اليهودية والانكلو ـ ساكسونية، هما اللتان تشغلان الى الآن مواقع السلطة والنفوذ الاساسية في اميركا، من ضمن آلية من "الاشتباك" القائم على التعاون والتنافس فيما بينهما.
ولقد كانت اسرائيل على الدوام "نقطة محورية" في العلاقة بين هاتين الكتلتين. ففي حين ان الكتلة اليهودية عملت وتعمل على الدوام كي تكون اميركا في خدمة اسرائيل والصهيونية، فإن الكتلة الانكلو ـ ساكسونية تعمل لأن تكون الصهيونية واسرائيل في خدمة السياسة الاميركية، ولا سيما في منطقة الشرق الاوسط، الخزان والممر العالمي الرئيسي للنفط، وذي الموقع الستراتيجي الاستثنائي. الا ان هذه الكتلة لا تتورع ايضا عن المزايدة على الكتلة اليهودية، في دعم اسرائيل، لحسابات "اميركية" خاصة بها، وهي تحجيم دور الكتلة اليهودية في اميركا، بإظهار ان دعم اسرائيل ليس وقفا عليها وحدها، من جهة، والامساك بـ"الورقة الاسرائيلية"، من جهة ثانية. وتعتمد الكتلة الانكلو ـ ساكسونية في هذه السياسة الممالئة لاسرائيل، على "تفهّـم" "اصدقائها العرب" الذين وضعوا كل بيضهم او جله في السلة الاميركية.
ومنذ عهد بوش الاب، وعلى خلفية الازمة العالمية للرأسمالية والتضاؤل المتزايد للدور الريعي للرأسمال المالي، بدأت الادارة الاميركية تميل الى اعطاء اهتمام اكبر للكتلة الانتاجية – التسويقية. ومن هنا كان ضغطها الهائل لترسيخ الهيمنة على منابع النفط وممراته، وفي الوقت ذاته السعي لتحجيم دور اسرائيل الاقليمي، كشرط لا بد منه لتحسين العلاقات مع الانظمة والاطراف العربية المختلفة، ولا سيما الصديقة التقليدية لاميركا، بعد "تأديب" العراق الذي قام في وقت سابق بمحاولة "قلب الدومينو"، وتعزيز الدور الاوروبي في الشرق الاوسط، مستغلا الاختلال في العلاقة الاميركية – الاسرائيلية الممتازة على حساب العلاقة الاميركية - العربية. وقد استمر هذا الخط ذاته في عهد كلينتون. فكان ان عمل اللوبي الموالي لاسرائيل على عدم التجديد لبوش الاب، وكذلك شرشحة بيل كلينتون بواسطة بنت يهودية مدسوسة. وفي الانتخابات الرئاسية الاخيرة، فإن اللوبي الموالي لاسرائيل دعم بقوة المرشح أل غور، الذي كان قد اعطى هذا اللوبي توقيعا على بياض. ولكن هذا المرشح لم يمر. وبنهاية الحملة الانتخابية، جرت معركة "قانونية" و"تقنية"، على واجهة المسرح، وسياسية ـ مالية ـ أمنية، خلف الكواليس، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الانتخابات الاميركية. ومع ذلك وصل الى سدة الرئاسة، وليس بدون "قوة" ما، تتجاوز الفولكلور الانتخابي، رئيس لم يكن اللوبي الموالي لاسرائيل في صفه، بل ضده. ولهذا اهمية استثنائية، حيث انه يحدث لاول مرة منذ 1920 (تاريخ انتقال قيادة الطغمة المالية اليهودية العليا الى اميركا، ومما قد يكون مؤشرا للتفكير بشكل من اشكال "الهجرة المعاكسة" للرأسمال اليهودي). وكان ذلك بمثابة تحول كبير لـه مفعول الزلزال الباطني، وإن كان في الظاهر في بداية الامر بدرجة قوة تدميرية غير كبيرة (بتعابير مقياس ريختر)، في داخل البيت الامبريالي الاميركي. وكان من المرجح ان تتعاقب هزات هذا الزلزال وكذلك دوائره الدفعية والارتدادية.
وكان اول رد فعل صهيوني على مجيء بوش الابن، الاستفزاز المدروس الذي قام به شارون في المسجد الاقصى في القدس العربية، في اواخر عهد باراك، وهو الاستفزاز الذي اطلق شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومن ثم مجيء شارون لرئاسة الوزارة الاسرائيلية، الذي قام فورا باحراج اميركا، "راعية السلام"، بضربه عرض الحائط بالاتفاقات السابقة التي وقعتها اسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية، وانتهاجه سياسة "كسر العظم" مع الشعب الفلسطيني والعالم العربي والاسلامي. وقد ترددت الادارة الاميركية الجديدة في الوقوف بوجه "الهجمة الشارونية"، مع كل ما سببته من حرج للدول العربية الموالية لاميركا خاصة، وللعلاقات العربية – الاميركية عامة. وسبب هذا التردد يعود الى الحسابات الاميركية الداخلية، حيث ان الادارة الجديدة خشيت الاصطدام بشكل مكشوف مع اللوبي الموالي لاسرائيل، ذلك ان اسرائيل "الشارونية"، واللوبي الموالي لها في اميركا، كانا في اقصى حالات الاستنفار ضد احتمالات زيادة نفوذ اللوبي العربي والاسلامي الذي اخذ يبرز لاول مرة بشكل واضح، وإن خجول، في اميركا، وخوفا من ان تبدأ الادارة الاميركية الجديدة في انتهاج سياسة اكثر توازنا في ازمة الشرق الاوسط، وأن تنحو ولو جزئيا، على الطريقة الاوروبية، منحى التقرب من الفلسطينيين والعرب والمسلمين، لتأمين مصالحها النفطية والستراتيجية الاساسية، بطريقة "يتعدل" معها الى حد ما الميزان الاميركي المختل، ذي الكفة الراجحة تقليديا بشكل صارخ جدا لصالح الصهيونية العالمية واسرائيل. ومن شأن ذلك ليس فقط تحجيم "الدور الاسرائيلي" في الستراتيجية العامة الاميركية، بل والاخطر من ذلك هو تحجيم دور الطغمة المالية اليهودية العليا واللوبي الموالي لاسرائيل في الدورة الاقتصادية والحياة السياسية العامة في اميركا بالذات.
نستنتج من هذا العرض المكثف أن الكتلة اليهودية الموالية لاسرائيل، ومن ضمن استمرار وتعزيز دورها المالي والسياسي في اميركا، لها مصلحة "وجودية" في:
اولا – قطع الطريق على الكتلة الانكلو ـ ساكسونية، التي تريد تحجيمها و"تخفيف" هيمنتها على اميركا.
ثانيا – توجيه ضربة للعلاقات الاميركية – العربية والاسلامية، لاعادة اميركا الى "بيت الطاعة"، واعادة "المكانة الاميركية" للكتلة اليهودية.
ثالثا – تحطيم مقاومة الشعب الفلسطيني عامة، وضرب وسحق الانتفاضة خاصة، واضعاف "اللوبي العربي والاسلامي" الناشئ في اميركا، واخيرا فرض "الحل النهائي" الاسرائيلي المدعوم اميركيا للقضية الفسطينية، تحت عجاج الحملة الاميركية العالمية لمكافحة الارهاب.
اما فيما اذا كان اللوبي الموالي لاسرائيل اخذ يلمس ان مكانته المميزة في اميركا تسير في خط تنازلي لا يمكنه ايقافه، فليس ما يمنعه من "اخذ المبادرة" لاضعاف الدور الدولي الاول لاميركا، خصوصا المالي والاقتصادي، من اجل التمهيد لاضعاف التمركز المالي اليهودي الرئيسي في اميركا، وترحيل قسم كبير من هذه الرساميل الى مناطق اخرى. وفي هذه الحالة، وفي مناخ العداء الاميركي – العربي والاسلامي، الذي تضطلع الصهيونية بدور رئيسي فيه، فإن الطرف "الانسب" للتنفيذ، و"الأصلح" في الوقت ذاته للتلطي خلفه وإبعاد الشبهة اقصى ما يكون عن العامل الصهيوني، هو أن يكون طرفا عربيا – اسلاميا.
والتناقض العدائي حتى اليوم بين الكتل الرأسمالية العربية والاسلامية وبين الكتلة الرأسمالية اليهودية، ليس بأية حال عائقا امام مثل هذا السيناريو، ذلك انه اذا كان المطروح السلام والتعايش بين العرب واسرائيل، تحت شعارات "سلام الشجعان" و"السلام العادل والشامل والدائم"، فما هي المحاذير "الاخلاقية" التي تمنع "التعايش" و"التطبيع" و"المشاركة" بين الكتل المالية والرأسمالية اليهودية والعربية والاسلامية، حينما تتوفر "الظروف المؤاتية"؟ وهل من المستغرب التساؤل، مجرد تساؤل، ان لا تكون ضربة "ايلول الاسود" نوعا من "مضاربة كبرى" تقوم بها الطغمة المالية اليهودية العالمية، لترحيل الرساميل من اميركا، بمختلف الاتجاهات، وخاصة باتجاه منطقة التوظيفات الواعدة فيما بعد، والمتمثلة في المنطقة العربية والاسلامية ذات الاهمية الاقتصادية الاستثنائية، فتكون هذه الضربة الغادرة بظهر اميركا، نوعا من "مقدّم" او "عربون"، موضوعيا، لـ"التطبيع" والتعاون اليهودي – العربي/الاسلامي القادم، تقدمه الصهيونية اليوم لـ"شركائها الاقليميين" في الغد، في التوظيفات في "مزرعة الشرق الاوسط" وما وراءه، التي تـُهيأ اسرائيل للاضطلاع بدور "الراعي" الرئيسي فيها!
واللجوء الى اشكال التحريض والاستفزاز والارهاب المقنـّـع، هو تقليد نموذجي في التاريخ الارهابي للصهيونية، للوصول الى تحقيق اهدافها بالطرق الملتوية. وكأمثلة مكررة على ذلك نذكر:
ـ استخدام "خدمات" بعض اطراف البوليس السري في ايام روسيا القيصرية، للقيام بحملات "البوغروم" (حملات التدمير والتنكيل والقتل) ضد اليهود العاديين، الذين كانوا في اغلبيتهم الساحقة مع اليسار الدمقراطي والاشتراكي، من اجل دفعهم الى احضان الصهيونية.
ـ "الاستفادة" من الاضطهاد النازي لليهود، في عملية جهنمية ثلاثية قامت على: "افتداء" أغنيائهم الذين حطوا رحالهم في الغرب. و"الموافقة" على القتل الجماعي في الهولوكوست لليهود العاديين، الدمقراطيين والاشتراكيين والشيوعيين، الذين لم يكن لهم في الاساس علاقة بالصهيونية، بل وكان قسم كبير منهم معاديا لها. ومن ثم تهجير من يمكن تهجيره من فقراء اليهود الى فلسطين لاستخدامهم كجيش احتلال استيطاني، بعد غسل ادمغتهم ما استطاعت ضد الفلسطينيين والعرب.
ـ نسف فندق "الملك داود" في القدس. واغتيال الوسيط الدولي في فلسطين الكونت برنادوت.
ـ القيام بالعمليات الارهابية السرية ضد اليهود العراقيين، الذين لم يهاجروا الى "اسرائيل" بعد قيامها، وكان قسم كبير جدا منهم تقدميين وشيوعيين، من اجل اجبارهم على الهجرة.
ـ القيام بعمليات ارهابية ضد مؤسسات اميركية وغربية في مصر في الخمسينات، وهو ما عرف بـ"قضية لافون" (الوزير الاسرائيلي في عهد بن غوريون)، وكان الهدف منها الايقاع بين النظام الوطني المصري الناشئ وبين الدول الغربية.
ـ وأخيرا لا آخر اغتيال اسحق رابين، الصهيوني العريق "المعتدل"، للوقوف بوجه أي "تنازل" لـ"الغوييم" الفلسطينيين والعرب.
ولا بد هنا من التوقف بشكل خاص عند الدور الصهيوني/الماسوني المشترك في اغتيال اول رئيس اميركي "كاثوليكي"، وهو جون كندي. ثم اغتيال شقيقه المرشح للرئاسة روبرت، واخيرا ابنه. كما في محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني. وقد وضعوا في الجريمة الاولى "قناعا شيوعيا"، بشخص اوزوالد، وفي الثانية "قناعا فلسطينيا" بشخص سرحان، وفي الثالثة "قناعين "اسلامي" وشيوعي بشخص أقجا التركي وانطونوف البلغاري.
وقبل اغتيال الرئيس كندي، وبعد الفشل الاميركي في معركة "خليج الخنازير" ضد كوبا، وضعت بعض القيادات الخاصة الاميركية خطة لافتعال حوادث ارهابية "معادية لاميركا". وكان "المشروع" يتراوح بين القيام بعمليات نسف في قاعدة غوانتانامو العسكرية الاميركية في كوبا، وإغراق سفن وخطف ونسف طائرات، واعمال "ارهابية" اخرى في فلوريدا وحتى في واشنطن، بحيث يسقط ضحايا اميركيون، وتتهم كوبا والشيوعيون، ويكون ذلك ذريعة لمهاجمة كوبا واسقاط نظام كاسترو. ولكن الرئيس كندي رفض تنفيذ هذا المخطط، وربما كان ذلك احد الاسباب التي "شجعت" على تصفيته.
كما ان هناك استفهامات كثيرة حول نسف مقر المخابرات الاميركية في اوكلاهوما، الذي ذهب ضحيته حوالي 150 شخصا، والذي أعدم بسببه جندي اميركي سابق شارك في حرب الخليج الثانية، وينتمي لاحدى الفرق المسيحية، يدعى تيموفي ماكفاي. فهناك شكوك منطقية بأن السلطات الاميركية تخفي الحقيقة في هذه الجريمة، لأنه من غير المعقول ان يقوم شخص بمفرده بمثل هذا العمل الارهابي الكبير، ضد مركز رئيسي للمخابرات بالذات، المفروض ان تكون عليه حراسة مشددة. ومعلوم ان الصهيونية والماسونية تخترقان الكثير من الفرق المسيحية في اميركا، وتسخرها لاغراضها، سواء بوعي او بعدم وعي من افرادها. وتأتي هذه الشكوك في سياق استنتاج رئيسي بأن القطاع العسكري والاجهزة المخابراتية الاميركية هي بحاجة لوجود "عدو"، يبرر لها وجودها و"الحاجة اليها"، خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق وزوال "خطر الشيوعية".
وهناك شكوك كبيرة جدا حول كل ما يحيط بعملية 11 ايلول. ومن الواضح ان السلطات الاميركية المختصة تخفي الكثير من الحقائق، ولا تكشف شيئا جوهريا من التحقيقات. وقد شكك الكثير من الخبراء بأنه من المستحيل أن يقوم طيارون هواة بمثل هذه العملية المركبّة، وبدقتها، وقال البعض بأن الارجح ان يكون هناك مركز ارضي اشرف على تسيير الطائرات المخطوفة عن بعد، وتوجيهها لضرب الاهداف المحددة. ومن الملفت أن "التنظيم الاسلامي" المفترض أنه قام بالعملية، لم يعلن فورا عن عمليته (وكذلك في عملية نسف السفارتين الاميركيتين في تنزانيا وكينيا، ونسف المدمرة الاميركية في اليمن). وهذا غير معتاد في الاسلوب "الاستعراضي" المعتاد للتنظيمات الجهادية الاسلامية.
يتبين من ذلك بوضوح ان الطغمة المالية اليهودية العليا، صاحبة القرار والشأن الاول والاخير في التركيبة الصهيونية – الاسرائيلية، ليس لديها اي وازع "اخلاقي" يمنعها من القيام بمثل هذه "الصدمة العلاجية" – من وجهة نظرها – للمجتمع والادارة الاميركيين، كحلقة من حلقات حرب مقنـّـعة، تضطلع فيها بدور مزدوج، حيث ترتكب الجريمة، وتهرول راكضة وهي تصيح "أمسكوا المجرم!".
ولا حاجة للحديث عن الامكانيات "التقنية"، حيث أن المخابرات الاميركية والموساد يكادان يكونان وجهين لعملة واحدة. وكذلك القول بالنسبة للعلاقات مع هذه أو تلك من الاطراف الاسلامية، بمعرفتها او بغفلة عنها، حيث ان اللوبي الموالي لاسرائيل في اميركا هو جزء لا يجزأ من التركيبة الاميركية، وبهذه الصفة فهو على علاقة وثيقة، مباشرة وغير مباشرة، بالاوساط "الاسلامية" المعينة، من ايام حرب افغانستان ضد السوفيات، الى نزاعات البلقان، والشيشان، وغيرها. وهذا اللوبي، بامتداداته الاخطبوطية عبر مختلف اقسام الادارة والاجهزة الاميركية، بالاضافة الى الموساد، قادر على اختراق هذا الطرف الاسلامي او ذاك، و"توريطه"، بعد القيام بكل ما من شأنه "تسهيل العمل" حتى تنفيذه. كما انه قادر على العمل لهذا الغرض من خلال اشخاص "مرتشين"، او من "الميليشيات اليمينية" الاميركية، او من "الجنود القدامى" المستاءين الذين شاركوا في حرب "عاصفة الصحراء"، او يتظاهرون بأحدى هذه الصفات، وغير ذلك من الاساليب الملتوية. وكل ما يهم اللوبي الصهيوني في هذه الحالة هو وضع الطرف العربي – الاسلامي "في الواجهة".
وفي هذه الحالة، ليس من الضرورة البتة ان يكون الطرف العربي ـ الاسلامي، "المورَّط" في التنفيذ، مطلعا على الأهداف الخفية التي تهدف اليها الكتلة الصهيونية في "تسهيل" القيام بمثل هذه الضربة الاستفزازية، بل على العكس. فتاكتيك استخدام الحركات، والانظمة، الاسلامية، كان قد اصبح خطا "تقليديا" راسخا في الستراتيجية الغربية، والاميركية خاصة، في العقود الماضية. ولا غرابة أن تلجأ الكتلة اليهودية الاميركية الى هذا التاكتيك، في صراعها ضد الكتلتين الانكلو ـ ساكسونية والكاثوليكية، ولتوطيد مواقعها ومواقع اسرائيل المزعزعة، عن طريق تحريك لعبة الحرب و"السلام". ولكن هذا لا يمنع "انقلاب السحر على الساحر"، في هذا التاكتيك، كما حدث في استخدام الاميركيين لـ"الافغان العرب" و"طالبان" في افغانستان، او كما حدث في "ايران غيت". لأن الطرف العربي ـ الاسلامي، في هذه "اللعبة الدولية"، ليس مجموعة من المرتزقة، تؤمر فتأتمر، بل هو بشكل عام طرف اصيل منسجم مع نفسه، وله مصالحه وحساباته وعلاقاته الخاصة. وقد ثبت في التجربة أنه يدخل في العلاقة مع الاطراف الغربية على طريقة "مَن يستفيد مِـن مَـن؟".
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب السرية -المقدسة- ضد الكاثوليكية
- الجذور السوسيولوجية والاقتصادية لنشوء -شعب الله المختار-
- لانكشارية العالمية المعاصرة
- -الوعد الشيطاني- ليهوه والعداء الاستعماري الغربي للشرق العرب ...
- النظام السوري ومسرحية المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق ال ...
- من هو -العدو غير المرئي- لاميركا؟
- نظرة عربية مسيحية شرقية في موضوعة صدام الحضارات لهنتنغتون
- المأزق التاريخي ل-منطق- الهيمنة الامبريالية الاميركية
- لمحة تاريخية مكثفة عن العلاقات الثقافية البلغارية اللبنانية ...
- الجيش الاميركي حول افغانستان الى -مملكة سعودية- للخشخاش واله ...
- الغطاء الديني للصوصية الاستعمارية
- الحرب السورية: بداية النهاية!
- بعض بنود -لائحة الشرف- للدمقراطية الاميركية المزعومة!
- سقوط أسطورة القطب الاميركي الاوحد
- -الصليبية- الاميركية على قارعة السقوط التاريخي!
- ضجة كيماوية هستيرية مفتعلة لاجل فصل المناطق الكردية عن سوريا
- المهمة الوطنية والدمقراطية الاولى في سوريا: السحق التام للغز ...
- الجيش -الاسلامي!!!- العالمي يجند المضللين البلقانيين للقتال ...
- ما خربته السياسة الغربية تصلحه المسيحية الشرقية
- اليوم سوريا وغدا روسيا!


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - التناقضات المستعصية للنظام الامبريالي العالمي