أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد هالي - في زمن تحول الموت إلى فرجة ممتعة















المزيد.....

في زمن تحول الموت إلى فرجة ممتعة


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 03:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إلى عائلتي السكوتي، و الحمزاوي، اللذان أفقدتهما حادثة سير مفزعة، عائلة بأكملها، فكانت مثل هذه الموت مباغتة لهما، و صادمة، و قوية، و مرفوضة، مع أحر التعازي لهما، مع متمنياتنا لهما بالصبر و السلوان.

يمكن الانطلاق في هذا المجال من مقطع روائي مقتطف من رواية "موت المجنون" لمؤلفها "حميد المصباحي" يصور فيها الموت ببشاعة خارقة:" في تلك الليلة ، طفت جثت البهائم و أخشاب البيوت، استيقظ الناس مبللين منجرفين، ارتطموا بحيطان مساكنهم تنكر الكبار لصغارهم من هول انجرافتن الأرض، تعلقوا بكل شيء اعتلى بعضهم الجدران و الأشجار، إلى أن انحملت أو انهارت، انصرفوا غاضبين و باكين، كانت تلك الليلة هولا أصم الآذان بصفير النهر الغاضب، اجتاح القرية كالطوفان، اقتلعت الأغراس و جحظت العيون، محملقة في السماء، تستغيث في صمت ابتهلوا و رتلوا لكن الموت كان يحيط بهم، يحاصرهم منكى بهم ، بقيت جثت أقربائهم عالقة في الأوحال شاهدة ، ضاقت بها المساكن ، فحملت إلى القبور دون كفن ، لافض أخل القبيلة حملها ، فجرت، لأن الدواب تاهت، فشردت أو ماتت إن لم يفك عقالها، حمل أهل القبيلة ما تبقى من أمتعتهم و انطلقوا باحثين عن مأوى لم يمنعهم أحد من الهجرة، و لم يقبلوا تعويضا، كان مطلبهم الوحيد أرض يقيمون عليها، بعيدا عن النهر، بدوا كرحل لفظتهم الصحاري و عافهم الموت أو أخطأهم، شعروا أن النهر لازال يلاحقهم حتى في أحلامهم و أمانيهم".
تبدو فلسفة الموت هنا لغز يصعب إيجاد حل له، مادام لكل شيء موجود له بداية، و نهاية، فهي خاصية إنسانية بامتياز، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي استطاع أن يرفض الموت، و لم يتقبلها، لأنه لم يرد أن يخرج فجأة من ملذات الحياة، لهذا فهو يختلف عن الحيوان في ذلك، و هنا يكمن الفرق بين الطبيعة الإنسانية و الطبيعة الحيوانية. فالأولى تحافظ على غريزة البقاء بأشكال مختلفة و لا تعطي للموت أي اعتبار، أما الثانية استعدت بما فيه الكفاية، لخلق ما يسمى بميتافيزيقا الحياة لمواجهة واقع الموت، و لعل أفلاطون بعالمه المثالي (المثل)استطاع من خلاله أن يتقبل الموت، مادامت ستنقله إلى عالمه العقلي المفترض، الذي ينعم فيه الفلاسفة بمختلف ما عجزت عنه الذات في صيرورة الحياة، فتصبح الموت متقبلة، و مرحبا بها، يقول أفلاطون في هذا المجال: "تعلُّم الفلسفة هو تعلُّم كيفية الموت." ، من خلال هذا التصور الجميل للموت انتشرت التصورات المثالية في هذا الخط المتفائل من الموت، و من ضمنها التصورات الدينية المختلفة، التي رحبت بالموت باعتبارها فترة استراحة المؤمن،الذي بأفعاله ألخيرة في الحياة، سيجد جزاؤه الحسن، و الأرقى في الفردوس، الذي سيجد فيها كل الجوائز الراقية، التي لم تتحقق في أزمنة الحياة، و أصبحت الموت بالنسبة للمؤمنين خلودا حسنا، و جميلا، و أرقى، و أشمل لم يتحقق في أمكنة الحياة الزائلة، و بهذا حققت الفلسفة المثالية شوط تقبل الموت و الفرح بها، و الارتياح لها، و أصبح الشخص الميت متقبلا، و مرحبا بموته، بدون حزن، و لا غضب، رغم مرارة الفراق الذي يشعر به الإنسان المتقبل لهذا المعطى الجديد، و عن هذا الخلود الجديد، الجميل، المفعم بالارتياح، سعت بعض التيارات المتطرفة إلى تطبيق خاصية الاجتهاد في تطبيق خاصية الوصول إلى الموت، بأقصى سرعة ممكنة، و ابتدعت أشكالا مدمرة للإنسان، تحت يافطة الجهاد من أجل الخلود، و التخلص من لهو و زينة الحياة المختلفة، التي هي مرحلة لا بد من تجاوزها، و ذهبت إلى حد تفجير أبرياء يرغبون في الحياة، و خلقت حياة أخرى ما بعد الموت، و هي حياة عذاب، و شقاء بالنسبة للكافرين، و لذة، و تمتع بالنسبة للمؤمنين، و بهذا الفهم الديني المفعم برفض للحياة بالموت، و السعي إلى حياة أخرى أجدى بالتقبل، و الترحاب، و هو خلود سيأتي بعد المرور من الموت. يقول "فريدريك نيتشه في هذا المجال:" «إن أعظم فضائل الإغريق القدماء تجسدت في قبولهم القدري للموت والألم بوصفهما جوهر الوجود الإنساني»
تشكل الموت الحافز الأساسي للحياة فهي ساعدت مذاهب و تصورات فلسفية على الإبداع و الخلق في إيجاد حل لمسألة الموت كالصوفية و اتجاهاتها المختلفة، و أرقاها الزهد في الحياة، من أجل التقرب إلى عطف الإله، و حنوه، فتكون الموت هي البوصلة الموصلة إلى المنتهى السعيد، بعد رفض متع الحياة المختلفة، بل ربط الموت بالسعادة أحيانا، فكان التهليل بالموت، و الزغاريد التي ترافق الشهداء، و الابتسامة أمام المعزين رغم عنف الموت القاسي، إلى غير ذلك من السلوكيات التي ابتدعت، لمواجهة قهر الموت القاسي.
و الإنسان أبدع وسائل المقربة للموت، أكثر من الوسائل المقربة للحياة، فصناعة الأسلحة الفتاكة، و ما خاضه من غمار حروب المتتالية: الحرب العالمية الأولى، و الحرب العالمية الثانية، و الصراعات العرقية، و التي هي صراعات تحكمها مصالح الحياة نفسها، و في الغالب تكون الطبقة المهيمنة على مصادر الثروة الحياتية، هي التي تخوض كل هذه الحروب الفتاكة، بدون إعطاء أية فرصة للحياة للطبقة المغلوب على أمرها.
و ما نعيشه حاليا من صراعات قاسية توجهنا إلى الموت أكثر من الحياة، و تسهيل تقبل الموت و تحويلها إلى فرجة عادية، لهي تعبر عن قسوة الإنسان البورجوازي، الذي يتحكم في وسائل الإعلام المختلفة، ففي زمن انتشار الصورة، و ضحالة الكتاب، لم تعد الموت تعني شيئا، أصبحت عادية مثل سلوكيات الحياة العادية، فعين الفرجة هذه أحبطت تلك المآسي الأليمة التي نراها حاليا عبر قنوات الأخبار المختلفة، فمقتل الفلسطينيين، واللبنانيين، و العراقيين و السوريين ... في القرن الحالي تحول موتهم إلى فرجة بدون عواطف تذكر، و كأن الأمر يتعلق بمشاهدة برنامج، أو مسلسل مطول، و ننتظر انتهاء الحكاية لتبدأ حكاية أخرى من جديد .
إن فلسفة الموت هذه، تبين بالملموس، أن الوصول إليها صعب تقبلها، لأنها حين تأخذ لا تعطي، فهي تقبر الموجود، و كأنه لم يكن موجودا، و بهذا العدم الذي توصلنا إليه الموت، تتصارع الاتجاهات الفلسفية و المذهبية بين من يرى الموت هو تسهيل التقرب من الإله ، و من يراها أن العقل يستطيع تمرين ذاته كخاصية إنسانية لبلوغ هذا المبتغى،باقتناع تام، مادامت الطبيعة تقتضي ذلك، مرحلة الحياة تفرض الموت، و ضمن هذه الثنائية يتصارع الإنسان من أجل أن يحافظ جزء من الإنسان على الحياة، و لو على حساب قانون الطبيعة نفسه، فسعى هذا الإنسان البشع لتدمير كل معالم الحياة، و فتح المجال لأسطورة الموت لكي تصبح حقيقة يفرض علينا انتظارها في أية لحظة ممكنة، كيف ذلك؟ الجواب يكمن في الأسئلة التالية: ألم يتحول الربيع العربي (حياة) إلى خريف عربي (موت)؟ ألم تدمر الطبيعة نتيجة ما قامت به البورجوازية العالمية من صناعات ملوثة، و مدمرة لها؟ ألم نعاين ظواهر الموت بأبشع صورها بصمت عالمي إنساني مريب (المجازر الصهيونية القديمة و الجديدة: دير ياسين و قانا 1، و قانا 2 ، و قطاع غزة، وما قامت به الولايات المتحدة و حلفائها المختلفين في العراق و في سوريا الآن ...؟ ...؟ إن هذا الظلم الإنساني الذي حول الموت إلى فرجة عادية، تجعلنا نستحضر قولة اسبينوزا يجب" تأمل الحياة، عوضًا من تأمل نقيضها" لعل هذا التأمل يمحو صورة الموت الميتافيزيقي و الموت المرتكز على الفرجة، و يدفع الإنسان الجديد إلى كيفية التخلص من الموت البشعة و تعويضها بالموت الطبيعية العادية، مطمح ممكن إذا رفض الإنسان المقهور، عنف صانعي الفوضى الخلاقة المفضية إلى الموت بأبشع صورها، و المعروضة الآن في مختلف القنوات البورجوازية كما تعرض السلع الاستهلاكية الأخرى: و ذلك إما من أجل تخويف الشعوب من بطش الامبريالية العالمية و ديكتاتورية الحكام المستبدين ، معلنين صيحاتهم أيها الشعوب التواقة للحرية: لا اختيار لكم إما حكمنا المستبد الذي لا يقهر أو الموت السوري المحقق...؟ و هو ممكن أيضا إذا تحولت الفرجة إلى مواجهة للموت من أجل حياة أفضل للإنسان الذي يطمح إلى موت طبيعي و يرفض الموت المدمر لكل معالم الحياة المتبقية.



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غدا ستحل ذكرى 25 يناير
- يجب ألا تستمر الحكمة:-أكلت كما أكل الثور الأبيض-
- في عهد تحطيم المسلمات (2)
- في عهد تحطيم المسلمات
- حبكة الصراخ بلغة الكف في شاعرية الزعري
- محنة السؤال بين الفهم و الجنون
- نصائح مغفل لمغفل حتى تنتهي الغفلة بتاتا
- عالمكم و عالمنا ؟ !
- حمان و المسألة التعليمية
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية (2)
- بوح امرأة (7)
- الدولة و الثورة من وجهة نظر عربية
- بوح امرأة (6)
- بوح امرأة (5)
- بوح امرأة (4)
- عمق الإبهامات لكي لا تكون ألغازا
- إبهامات لفقرات متقطعة (10)
- بوح امرأة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (9)
- بوح امرأة (2)


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد هالي - في زمن تحول الموت إلى فرجة ممتعة