أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أصيل الشابي - في أشعار حسين عجيمي















المزيد.....

في أشعار حسين عجيمي


أصيل الشابي

الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 00:49
المحور: الادب والفن
    


من الصعب على المرء أن يؤمن بكتابة شعريّة كانت أو غير شعريّة لا تنضوي إلى فلسفة أي إلى نظرة مخصوصة للعالم، فعلى الرغم من أنّ الكاتب فوضويّ لا يتّبع بقدر ما يفاجئ ويجرؤ ويتمرّد، إلاّ أنّه في نهاية المطاف يؤسّس من خلال مدوّنته نهجا أو نظاما دلاليّا هو في نفس الوقت، طبقا للمنطق، نظام تعبيره الخاص عن الوجود بما يشتمل عليه. وهذا هو المحتمل في الكتابة عموما، لأنّها ليست فقط مجرّد وجود، وإنّما هي، في ما وراء ذلك،إجابة عن سؤال الوجود الذاتي و الإنساني ممّا يجعلها معنيّة في كلّ الأحوال بهذا الذي يحيط بها أو يسيّجها أو يغمرها أو يعكّر صفوها وتعكّر صفوه.

وطبيعي أنّنا لا نبحث في الشعر عن الإجابة المباشرة لما يخالجنا، ولكنّنا نبحث فيه عن أنفسنا إلى درجة أنّه قد يكون بمثابة الموجة التي تضرب الجسد بما يحمل ويعي وتضرم فيه نيران الحيرة، وإذا كان القارئ مقدّرا له أن يحبّ فالأكيد أنّه سيحبّ نصّا يجذبه بقوّة ويضع في انطباعه من البداية أثرا مميّزا،أقول هذا مع أنّ النصوص الواقعة أمام أعيننا في الأغلب الأعمّ مجرّد نسخ ولغة مستعادة، ألا نجد أنّ الشعر محاط بالشبهات طالما أنّ النقّاد يتمسّكون ببضعة نصوص غير آبهين لسيل النصوص الأخرى الجديرة بالتأمّل.

ولقد قادني خطّ القراءة أخيرا إلى اكتشاف نصوص حسين عجيمي الشعريّة، وحصل لديّ انطباع قويّ بأنّها تحمل تفجّعا يهزّ المشاعر، والتفتّ بفعل النصّ إلى الألم المضمر في الذات الشاعرة، وهو ألم يجعل من الصعب بل من المستحيل الاطمئنان إلى المكان، فالمشاهد فيه مهتزّة ومتحوّلة بفعل التحوّلات المزلزلة التي تطرد اليقين من مكانه، فلا يبقى للذات وهي تشقّ وجودها غير ركوب المغامرة، ولا أعرف تحديدا كيف تسرّب إلى ذهني ذلك الخيط الرابط بين النصوص المذكورة وما قاله يوما تميم بن مقبل: ما أطيب العيش لو أنّ الفتي حجر * تنبو الحوادث عنه وهو ملموم
ولكنّ الشعر يستدعي بعضه، والمعاني تكتمل في سياقاتها المؤاتية كما هو الأمر بالنسبة إلى سياق كهذا..مفعم بالمغامرة إلى درجة اعتبار الوجود حالة مأساويّة، فهو ليس طيّبا بالمرّة، فمعاني الوحشة موزّعة فيه ومنشورة حيثما أبصرت العين، وإذا كان تميم بن مقبل قد عبّر عمّا عبّر عنه حيال صحراء موجعة في عالم العرب القدامى، فإنّ حسين عجيمي له مقامه الآخر، مقام التواصل الحثيث والقرية الكونيّة وانهيار الحدود الدوليّة وسقوط أساطير المعاني المغلقة، فمعجم المكان لديه مفتوح يستحيل فيه فصل الشرقي عن الغربي أو الغربي عن الشرقي كأنّ ذلك موناديّة بحدّ ذاتها لا تتأمّل إلاّ في تمثّلاتها الخاصّة بها وتمظهراتها المشيرة إليها، وإلاّ ما الذي يجعل ممكنا ذلك التجاور بين الأمير الذي من أور و جدار برلين وملوك بابل وهيجو في مدن النفي، ويعزّز انفتاح المكان حضور الزمن المهيمن بوصفه زمنا أسطوريّا يطلّ الصوت الشعري من صميمه ليكون قادرا على التطلّع في الاتّجاهات الأربعة لا في الاتّجاه اليتيم الواحد كما في تلك القصائد المنغمسة في الأشياء والمتورّطة في عناصرها.

ولا أستطيع أن أقول إنّ الشاعر يحسن المجاورة بين الأزمنة والأمكنة بناء على ما سبق رغم أنّ هذا يدخل ضمن باب كبير هو باب التأليف الذي عليه يتوقّف معنى الكتابة، ولكنّني أقول إنّه يجاور ولكنّه، على الأصحّ،يتحصّن حيث توجد الزاوية المثاليّة لالتقاط الكون في لحظته الحائرة والحزينة والمؤلمة والفاجعة وهذا هو الوجه الآخر لكون الشاعر يتطلّع إلى الاتّجاهات الأربعة،وهذا طبعا كناية عن شدّة الانفتاح أو المعنى الكوني ف: من الآن فصاعدا
سيمسي شعب سان فرانسيسكو
فرحين !!
فطراز مقبرتك الآشوريّة/ سركونيّة المنشأ
يوهم بالموت!!

فهذه المعاني المرجعيّة تفيض على المكان الذي لا حدود له باعتبار جمعها بين حديّ الكون شرقه وغربه في جغرافيّته وبدئه وحاضره، ويمكن، بطبيعة الحال، أن يشفّ هذا، لا بالنسبة إلى المثال السابق فحسب ولكن في ما يتعلّق بجملة الأشعار، عن الذات الشاعرة والأسئلة الوجوديّة المثارة التي تتوقّف عليها الحياة وكينونة الإنسان، فالعراق مرّ بتحوّل درامي و فضيع، وهو تحوّل يكاد يفتك بثقافة من أعرق الثقافات وأرسخها، وهكذا كانت الهواجس في مداها غير محدودة، متلبّسة لا فقط بالصوت وإنّما على الأصحّ بالصوت الجمعي: قلنا
لدينا ملوك لا يسرون!!
ونزاعات طويلة
ولحى تلتفّ
حول أيّامنا

فما أعجب هشاشة الحياة إذ أنّ وقائعها مفخّخة وملطّخة في منحنياتها ف:
ربّما لن ترى وجه البحار ثانية
حينما تختلط
دماؤها بحمرة ردائك
أنت لست الشيوعيّ الملوم
بكلّ هذا التقهقر
و أنت لست الأخير
الذي رأى كيف يقتل تراثه وانتماؤه

ويمكن بسبب من هذا أن يقول أحدهم إنّ البكائيّة طاغية في مثل هذا الشعر الذي يصلك بالحزن بلغة ناعمة ومهدهدة، لتجد نفسك وجها لوجه مع الوجع وهو يصيب القلب ويخزه، فهناك مجال واسع يتوزّع عليه وتتشابك من ثمّ في الذهن بقع الدم ولزوجة الدموع وانهيارات النفس الناتجة عن القتل والنفي والخيبة في أحسن الأحوال، ولعلّ القصيدة توجّه أصابع الاتّهام، من وراء ذلك كلّه، إلى الجريمة الواقعة لا فقط ضدّ العراقي الإنسان وإنّما في مجال الاتّجاهات الأربعة التي يمكن للإنسان أن يحتلّها، وهو يحيا في هذا الوجود لتمنعه من الحياة بسلام خارج نطاق الضغينة.

إنّ الشعر بوصفه فنّا قادر على الاضطلاع بهذا ضمن فعاليّته العالية عكس ما يتصوّر بعضهم، وأذكر أنّني حينما شاهدت لأوّل مرّة فيلم الطريق/LA StRADA للمخرج الإيطالي الشهير فدريكو فليّيني اصطدمت بالحزن بسبب مأساة الإنسان إثر الحرب العالميّة الثانية وتحطّم القيم والشعور بالضياع وتوحّش الإنسان في وجه الإنسان، وبغضّ النظر عن الأداء المميّز لأنطونيو كوين المتنقّل بين المدن الخربة في إيطاليا المدمّرة لكسب بعض المال من عروضه للناس فإنّ تصوير الحالة كان صادما، كان في غاية التأثير إذ المرء يصطدم بحقيقته الوضيعة والتافهة.
ربّما تلك هي الفجيعة التي لاحظتها و أنا أقرأ لحسين عجيمي الذي شعرت بأنّه يرسم بكلماته عبر الاستعارة والرمز مرثيّة لهذا الإنسان الذي يحتسي دمه، أليست هذه صورة كانيباليّة يمكن ربطها بواقع العراق الجريح والمنفيّ إذا ما رؤيت ضحاياه المتساقطة تباعا من شجرته. ويعني هذا ضمن ما يعنيه أنّ الشاعر يشتغل على حالته الوجوديّة والوجود إذ هو يخرق السائد الذي ربّما يصبح مواضعة ويفتح عليه الأسئلة بما تتضمّنه من إثارة للحيرة ودعوة إلى مراجعة ذلك السائد، وكأنّنا بالنصّ يضع في اعتبار قارئه، بل هو يضع بلا شكّ في اعتباره أنّ الوجود ليس بالمعطى المنتهي ما يجعل منه محفّزا للإنسان على الوعي والفعل المؤثّر المترجم عادة بالتمرّد ضمن دائرة الوجود.

هامش:
أشعار حسين عجيمي / كيكا



#أصيل_الشابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منظومة القيم واستراتجيات النضال في التجربة النسائيّة من خلال ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أصيل الشابي - في أشعار حسين عجيمي