أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مشتاق عبد الهادي - انقسامات















المزيد.....


انقسامات


مشتاق عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 4363 - 2014 / 2 / 12 - 12:42
المحور: الادب والفن
    


انقسامات



(1)
(مستوحاة من الموروث الثقافي العالمي)
فرحت كثيرا عندما أخبرتني بعد مرور ربع قرن من علاقتنا باني يمكن أن اصعد إليهــــــا واقبلها وأتزوجها، اجل...فمنذ أن عرفتها عرفت الأمل في الحياة من خلال الاقتران بهــــــا وإنجاب الأطفال الذين أردت أن يكونون غير أسلافهم، وحتى إن كانوا كأسلافهم فذلك وحده كافيا كي يبعث الحياة على كوكبي الكئيب والصغير الذي لا اعرف كيف وصلت إليه أو كيف وصل إلي، أنا اعلم إن احد الأمرين هو الصحيح أولا هو أني لم أولد في هــــــــذا المكان، كما إن عمري كان في ريعان الشباب حين صحوت من إغماءتي ووجدت نفســــــي وحيدا على ارض لا يتعدى حجمها بضعة كيلومترات، أستطيع أن أتذكر ما حدث قبـــــــل غيبوبتي، كنت حينها منكبا على حراثة حقلي حين تصاعد أنين عظيم وحدث تموجا فـــــــي الأرض ومن ثم انفجار شديد، رأيت الأرض تشققت بين أقدامي، وغارت المنازل والجبـــــال وكل ما هو قائم، حدث ذلك منذ ربع قرن، في حينها صحوت على أصوات الدواجن والأبقار، حدقت في المكان جيدا فعرفت باني ما زلت في مزرعتي الصغيرة أو جزءا منها وذلك لان منزلي والمنازل المحيطة به قد صارت ركاما، واختفت المنازل البعيدة وحلت محلها نتوءات صخرية حادة ومياه ذات طعم معدني وأشياء أخرى لا تمت بشيء إلى الأرض التي كنـــت أعيش عليها، أما أهلي وسكان قريتي فقد اختفوا جميعا بعد الحادثة، بحثت عنهم كثيـــــــــــرا وحزنت لوحدتي، كنت أتسائل عن من أبقا لي الحقل والمواشي، كنت أعاتبه لعدم إهلاكها كي اهلك بعدها، حاولت أن اعثر على احد ما أجالسه كي اقتل وحدتي ولكني بعد مسيرة يوميــن وجدت باني قد رجعت إلى نقطة انطلاقي، بعد ذلك حاولت أن اقتل ملل الوحدة من خــــلال العمل في الحقل والاهتمام بمأوى لي بعد أن شيدت كوخا من حطام المنازل ولكن الوحدة لــــــــم تفارقني، حاولت أن أقلد احد أبطال الأساطير التي قرأتها عن الأرض التي لا اعرف لــــــم صارت في لحظات صغيرة وضيقة، عرفت ذلك حين حفرت التربة وتوغلت في العمق، كان العمل شاقا وطويلا أردت من خلاله أن اعرف من يسكن تحتي، أو قد تخرج من هذا الثقب أرواح أجدادي وتساعدني على التهام هذه الوحدة الصماء، هكذا فكرت ولكن بعد مـــــــدة لا اعرف مداها أيقنت باني قد وصلت إلى الجهة الأخرى من كوكبي، اجل...فكيف ادخل فـــي حفرة لأخرج من حفرة أخرى...؟ وكذلك كيف اترك الليل يغلف السماء عند دخولي الحفرة وعند خروجي من الاخري أجد النهار ساطعا رغم إن اجتياز النفق لا يكلف غير بعــــــض الوقت...؟ مع ذلك وجدت بعض التسلية في ذلك فالسماء متخمة بالأجرام والكواكب القريبــة والبعيدة ومنها كوكب قريب جدا يبدوا أن لا حياة فيه، عرفت ذلك من خلال مراقبتي للسماء والأجرام، وجدت بالمراقبة والدراسة ما ينسيني الوحدة وأصبحت سيدا للوقت أتحكـــم بساعات الليل والنهار، أستطيع من خلال التنقل أن أعيش نهارا أو ليــــــــــلا طويــــــــلا أو قصيرا بإرادتي، كثيرا ما كنت أخاف الليل لذلك حال غروب الشمس عن قريتي ادخل إلـــى النفق باتجاه فجر قريب، كثيرا ما كانت تثيرني السماء في الجهة الأخرى، تثيرني بشمسهــــا وكواكبها وهدوئها الذي يوفر لي قيلولة بعيدة عن أصوات الحيوانات.
في ظهيرة هادئـــــــة صحوت على صوت أنثوي يناديني، تلفت حولي فلم أجد أحدا، ظننت باني احلم ولكـــــــــــن الصوت عاد ليدعوني للنظر إلى فوق، وعندما فعلت أصبت بالذعر في بادئ الأمر حيــــن حدقت إلى الكوكب القريب ورأيت فتاة معلقة عليه كخفاش، حال خروجي من الصدمة أخذنا بتبادل الحديث الذي كان سؤالا جوابه سؤال، فقد كنت اسألها عن غرابة وقوفها فتخبرني عن الغرابة التي تراها هي في وقفتي، أشياء متضادة كثيرة توصلنا في نهايتها من خــــــــــــلال استذكارنا لأيام الدراسة بأننا نسكن على كوكبين جارين وان ما نراه طبيعيا رغم انعكـــاس الرؤيا لدى كل منا، هذا ما جعلنا نحن الاثنين نفكر بصعوبة التقائنا الحالي من خلال الليـــل الذي يحل عليها بنفس وقت حلول النهار علي، بعد تفكير وجهد تغلبنا على تعاقب الليــــــــل والنهار من خلال دعوتي لها بان تقوم بالحفر كما فعلت لذلك كنا كثيرا ما نحلم بالطائـــــرة والمركبة الفضائية ولكن كل ذلك قد ذهب كحلم كنا نعيشه سويا، كنا نعيش أحلاما لم نصـــح منها إلا على خطر بات يحدق بنا. مع حلول الشتاء على كوكبي والصيف كما أخبرتني على كوكبها أصبحنا متأكدين من حتمية الفراق لبضعة شهور وذلك بعد أن صارت تبتعد وأنـــــا كذلك ابتعد، فكرنا في كيفية التغلب على هذه الطبيعة الرعناء، ها قد صار لزاما علينا اختراق الفصول لكي يكون لنظراتنا وأحلامنا تزاوج دائم، توصلت للحل حين فكرت بأقطـــــــــاب الأرض فدعوتها أن تهم بحفر نفق يتقاطع مع النفق القديم، أخبرتها بعد أن درست المسألـــة جغرافيا بان فراقنا أو ربما بعدنا النسبي أفضل من الفراق التام، باشرنا بتنفيذ العمل وأتممنا المشروع رغم الصعوبات التي واجهتنا فقد ضمنّا بهذا العمل عدم الفراق عدى احتجاب أجزاء منا لدرجة إننا كنا نلوذ بالصراخ كي يسمع احدنا الآخر، بعد أن أتممنا هدفنا المهم صـــــار تفكيرنا بالأهم وهو كيفية اقترابنا من بعضنا، كثيرا ما سألتها عن كوكبها وما تراه فــــــــي الجهات الأخرى منه فتخبرني بأنها تعيش على ما يبدوا في مدينة قد شلها الخراب أمـــــــا السماء فكانت كسمائي لا غير الأجرام والكواكب القريبة والبعيدة، كنت أفكر في كل شـــيء وكثيرا ما كان يتعبها التفكير معي لذلك تتركني دوما وتذهب للنوم، أما أنا فاذهب أثناء ذلك إلى مخدعي الصغير الذي رسمت على جدرانه الكثير من الصور والخرائط, توصلت مـن خلال ذلك إلى أشياء كثيرة, دون التوصل إلى ما كنا نريد, فقد وضعت خطة لزراعــــــة المحاصيل الصيفية والشتوية في نفس الوقت من خلال التنقل بين أقطاب كوكبي الصغيــر، مع كل ما توصلت إليه لم أجد طريق الفرح الذي لا يكون إلا معها, لذلك كانـــــــت تنتابني آلام تتلاشى حال سماعي لضحكاتها المشاكسة التي تخطفني من أتعاب العمل فــــي الحقل، كنت اخبرها باني اعمل في الحقل من اجلها ومن اجل ذريتنا وتردني بضحكة أخـــرى وتخبرني بأنها تعمل أيضا من اجل أن اكف عن عملي اللامجدي, من خلال إيجاد طريقــــة تجمعنا في فراش واحد، وكلما اسألها عن ما تفعل لأجل تنفيذ ذلك تتركني لانتظر مفاجئــــة يعدها لي رأسها التي تغطيه دوما بالحرير، ظننت في بادئ الأمر إنها تقصد رأسها المفكـــــــر ولكني اكتشفت بأنها لربع قرن تفكر بسذاجة لم اعهدها من قبل، ذلك حين جاءت وعصافير الفرحة تتقافز من عينيها وأخبرتني بأنها أكملت خطة لقاءنا التي عملت عليها لربع قــــرن، فرحت وأردت منها أن تخبرني فطلبت مني أن أتريث قليلا وشرعت بحل ربطة الحريــــر التي هوت إلى الأرض وهوت معها جديلة رمادية طويلة غطت نصف جسدها، كنت منذهلا حين لاحظت علامات الخيبة على وجهها، سألتها عن ما تقصد بذلك فأخبرتني من خـــــلال عويلها المتصاعد بأنها كانت تظن باني يمكن أن أتسلق شعرها واصل إليها بعد أن يتدلــى علي، ذكرتها بالجاذبية التي ردت في السابق حبالها وحبالى، وحين شعرت بعذابها أخبرتهــا باني ازرع وادرس الأرض وتعاقب الفصول واحفر الأنفاق من اجلها وكان عليها أن تفكــر في كيفية التغلب على الجاذبية لكي تصل إلى الفردوس الذي أعددته لنا ولذريتنا، وفي لحظة ذكري للذرية شعرت بمرور السنين وكذلك بشعرها الذي صار رماديا فسألتها عما إذا كانت قد تجاوزت سن الإنجاب, فأجابتني بلا أبالية عن حدوث ذلك منذ سنوات، في حينها لا اعرف كيف تصاعد الدمع في عيني وتساءلت محاولا رثاء نفسي عن من سيرث هذه الأرض وعن جدوى الحياة بغير الأولاد...؟
كنت غارقا في بحر من الحزن حين سمعتها تصرخ بي (أنت غبي...غبي) قبل أن تغــــــادر المكان, ولم أرها بعد ذلك، ظننت إنها مريضة فانصرفت إلى مخدعي كي احدد اتجاهـــــات كوكبها وكوكبي وبالتالي معرفة اتجاه منزلها وأي الأنفاق اسلك لكي أراه، حددت اليـــــــوم والنفق المناسب وجلست انتظر، كان انتظارا مملا وقاسيا انتهى مع ظهور منزلها الـــــــذي اختلف عما كان عليه في الأعوام السابقة، فقد غادره النور وظل مكفهرا وحزين، بعد انتظار طويل أيقنت بأنها ربما قد ماتت فصارت الأيام التالية حزينة وثقيلة حاولت فيها الامتناع عن أي عمل عسى أن استدرج إلي شهوة الموت البطيء.
لم اعلم وسط هذا الخراب كيف جاء ذلك الرجل الغريب الذي حياني وأجابني حالما سألته عن كيفية وصوله إلى هذا المكان بأنه جاء راكبا طائرته الخاصة وانه منذ سنوات يتنقل بين أشلاء الأرض ليبحث له عن أنثــــى، وعرفت منه أيضا إن هناك إناثا كثيرات لكنهن بعيدات حيث لا وقود يكفي للوصول إليهـن، سألته إن كان هناك من حصل على أنثى اخبرني أن جميع من في هذه الضياع لم يحصلـــوا على امرأة عدى غني يمتلك كتلة من الأرض تتمركز فيها التكنلوجيا المتطورة, ويمتلك أيضا النفط والطائرات والأسلحة وكذلك لديه أنثى رائعة رغم إنها قد تجاوزت سن الإنجــــــــاب، سألته عن جدوى الاقتران من مثل هذه الأنثى إذا كان بقائنا وبقاء أرضنا مقرون بإنجــــــــاب الأجيال...؟
ضحك وهم بالمغادرة وهو يقول:
ـ (فلنحيا نحن وليسقط الجميع) يتوجب علي يا صديقي أن أجد امرأة تسليني قبل الانقراض، وكــــم أتمنى أن تكون كصاحبة ذلك الرجل، تلك الشبقة المغناج، ذات الجديلة الرمادية.
ما أن ذكر الظفيرة الرمادية حتى شعرت بعبث وسذاجة الحياة, وكذلك لا جدوى الوجـــــــود، حدقت بالحقل كثيرا قبل أن أهم بإضرام النار فيه ومن ثم شروعي بالتطهر وسط نيرانــــه المقدسة.
*
(2)
حذرته كثيرا قبل وقوع الكارثة، كنت اصرخ به كلما غرس فاسه بداخلي:
ـ آه أيها الأحمق، إن جسدي المتعطش للإخصاب لا يشبع شهواته مثل هذا الفولاذ الصغير.
هكذا كنت أرده دون أن يسمعني، انه غبي لا يعلم ما يحدث في أجزائي الأخرى فهو منكب على بث الخصب بداخلي، يغرس أداته، يغرسها بقوة، فتنتشر النشوة بداخلي وتمتد اخضرارا وربيع، كان يداعبني، يهيج شبقي الذي يسعى الآخرون لقتله، فمن جسدي صار الإنسان ومني تنامت خلاياه حتى تكونت فيه شهوتي، ولكن شهوتي وشبقي كالعصف إذا ما أطلق عنانها وهذا ما كان يريده دون الآخرين، هو ينثر على جسدي الماء والبذور التي تشاكسني بدفئها وانسياحها بداخلي، نشوة توقد الحياة بالجثث والبراكين لأحترق ويحترق جلــــــدي وجسدي المجنون، كنت العن من منحني رقصة الدوران الكئيبة، هكذا صرت دون أقراني, مرغمة على أن لا يتأثر الآخرون بحركاتي، لا تدورين بجنون، لا تهتزي، حافظي على جمالك، كونـــــــي مضطرة للخضوع، امنحي الإنسان كنوز دواخلك، هذا ما أمرت به، هكذا صرت ملزمة على منح ما يؤمن للإنسانية الحياة حتى وان كانت هذه الحياة على حساب حريتي ورغباتي، ومع كل ذلك لا احصل إلا على الذم والاحتقار، احتضن يوميا نتانة الموتى، اسقي الأشجــــــــــار والنباتات، أراعي حقوق الحيوان فامنحه الطعام والمنام، مع كل ذلك تنهال علي الشتائم حين تنتابني لحظات من النعاس تسرق وعيي وتجعلني مضطرة للتثاؤب الذي ينزل الخراب على كل من يعيش على جسدي ولأجل جسدي، هكذا صرت عانسا منذ شبابي، ارفض كل مـــــــا يتصل بالمتعة لتخمد رغبتي، وما يؤججها دوما هو ذلك الغبي الشهي، انه يناقض الجميــــع، فالجميع يعمل على قتلي أو على إلغاء عواطفي، هم يمدون الكونكريت على جسدي فيمنعون عنه الشمس والهواء، تدوس على جسدي العجلات يوميا، يمتصون مياهي وكل أشيائي، يجردوني من دواخلي، يسخرونها لمنافعهم ويتركوني طعما للخواء، الخواء الـــــذي جعلني عانس فقدت كل رغباتها وباتت تحلم بالخلاص، لذلك لم أجد غير التضرع والدعاء فذلك ما أستطيع فعله، فكرت قبل ذلك بالانتحار حرقا أو غرقا ولكن ذلك لا يمنحني غيــــــر الطهارة، وطهارتي تفوق طهارة النار وعذوبة الماء، فكرت كذلك بالانغماس بالخطيئة ولكني لا اعرف غير خطيئة واحدة حرمت على الغير وحللت لي، فقد خلقت لأضاجع كل الأجناس لأنجب جنسا واحدا يعرفه الجميع بالزرع، لذلك كان دعائي يحمل النقيضين فهذا يؤجـــــــج بداخلي روح الشبق، وهؤلاء يقتلون غـنجي ليتركوني لوجوم العوانس، عندها صار لـلــرب دليل على التنافر الذي صار بداخلي فما كان أمامه إلا أن يمنحني حرية التجزؤ فتناثـــــرت أجزائي، هكذا حذرت ذلك الرجل قبل وقوع الكارثة وقبل أن يرث الإنسان أجزائي، حذرتـــه حين غرس فاسه بداخلي فما كان أمامي إلا أن أطلق أنين من الخدر والانتشاء، وحتى بعد أن انتشر جسدي اشلاءا سابحة في الفضاء, طلبت أن تحصر كل أحاسيسي بهذه القطعة الصغيرة والتي صارت مركزا للذتي ونشوتي، صار جسدي أشجار وغلة وحياة تترقب عودة أيام العبودية الأولى.
*
(3)
أنا من وجدت فكرة قتله والاستيلاء على أرضه الغنية بالمزروعات، فمنذ أن ذكرني بابشع ما يمكن أن تصل إليه المرأة تركته, فقد شعرت بان وجوده يحتم وجود مشكلتي ومشكلتـــي معكوسة برجولته وأعماله وحديثه، لذلك أيقنت بأنه مرآة عاكسة لمصيري الذي ينبغي حجبه عني، لذلك آمنت بان (الآخرين هم الجحيم)، وصرت بعيدة عن الآخر أو الآخرون، كل هذا لا يهم عدى كونه رجل يمثل الرجولة التي يفتقدها وجودي وعزلتي على ذلك الكوكب اللعين الذي صيرني عانس فقدت كل آمال النشوة والخصب، لا اعرف كيف جئت إلى هــــــــــــذا المكان، كنت فيما مضى في مدينة متطورة قبل أن يحدث الزلزال ومن ثم إغماءتــي التي صحوت منها لأجد نفسي مجردة من حياة المدن المريحة، وحيدة بين أطلال بنايــــــات اذكرها، منبوذة كفتاة فر من حولها الرجال بعد انتشار روائح عنسها، اجل قد أصبحت عانسا على هذا الكوكب اللعين، وقبل أن أكون كذلك كانت لي أحلام ربطتها برجل ترك التفكير في كيفية اتحاد جسدينا وذهب ليهدر سنين العمر بتأمين قوتنا وقوت أبنائنا، كنت دوما أحاول أن اذكره بأن لا أبناء دون لقاءنا ولا مستقبل دون اندماج لذتينا, لكنه يحدثني بأيمان عن حتمية لقاءنا، ويؤكد لي إن الرب لا يترك زوجين، لابد أن يمهد يوما لذلك أللقاء المقدس، بعــــد مدة أعود واكرر قولي عن إمكانية أن نكون منسيين من قبل الرب، أو انه ربما قد وهب الاتحاد لزوجين آخرين، لكنه بلا أبالية ودون أن يكف عن العمل يخبرني بان الله ما كان ليبقينا حيين لولا إيمانه بلقاؤنا، كان يستغرق بكلمات الحكمة والأيمان ويتركني أعوم بين أمواج الشبــــق التي تلفني حال سماعي صوته الجهوري، كنت أضاجع صوته بعد أن أصبح الصوت وحده كافيا ليثير رغباتي فهو رمز الخشونة والرجولة ووحشية الجنس، كنت دوما أحول كلماتــــه إلى مداعبات فاغفوا حين تلفني قشعريرة تتصاعد كدبيب النمل حتى تستقر بين فخـــذي, وسرعان ما تدور حلقات من الخدر البارد كزوبعة تغزو صرتي ثم نهداي وتتصاعد إلــــى رقبتي ككف ملساء تخنقني بحنان وتتركني الوي رقبتي لتنقض على شفتي, تتناقل كنسمـــــة ربيعية عذبة ما بين شفتي السفلى والعليا فأمد لساني كي أتحسسها فيتقلص ويصيبه الشلــــل حالما يصعد من وسطي دفيء أو وميض برق دافيء يجعلني أتلوى كأفعى, واحلم بالحبــــال وبالهراوات الملساء بالقطارات والأنفاق، احلم بيدي حين تنغرس في العجين؟، بالمزلاج حين يتمم عملية قفل الباب، بحركات يد أخي حين ينفخ بالمنفاخ إطار دراجته الهوائية، بلهاث أبي الليلي، كان لهاثه كافيا لكي يتعرق جسدي بكامله، أبقى الهث والهث فيحطم نشوتي حين يسألني إن كنت بخير أم لا، كنت حينها اتركه وامضي لفراشي لأكمل طقوسي هناك, مـــــع طيات الفراش وهشاشة قطن الوسادة، لربع قرن وأنا أمارس هذه الطقوس في خلوتي، أمـــا حديثنا فقد كان دوما على ذمة المستقبل، زرع محاصيل صيفية وشتوية، تخصيـــص أراض لزراعة القطن كي يكون ملبسا لنا ولأبنائنا، أنفاق حطمت أصابعي في حفرها، أحلام وأحلام لم أنل منها غير نشوة سماع صوت الرجل، كثيرا ما سألت نفسي فيما لو كنت أعيش فـــــي الماضي حيث يتحولق الرجال حولي محاولين الحصول على مجرد نظرة مني، لو كنت في أيام المدينة قبل الخراب هل ارتضيه زوجا لي...؟ كلا انه حمار معد للعمل، لايمكن أن يفهم ثورة شبقي, وغير قادر بعد عمل النهار الطويل أن يمارس طقوس الفراش، انه خلق لنثر بذور الخصب على الأرض لا على جسدي، هذا ما توصلت إليه، فبعد أن فكرت بسذاجة عرضت عليـــــه جديلتي كحبل يتمكن من خلال تسلقه الوصول لي، وهذه السذاجة قد ورثتها من بلادة الأيام التي ذبحت معه, والتي فرضت علي سطوة اللاوعي التي جعلتني أقدم مع سذاجة فكرتــــي أشياء أخرى كانت حقيقة, لايمكن للسذاجة أن تغلفها والتي لم يستوعبها غباء عقله الذي ظن حال نظره للجديلة باني أعدها حبلا فقط, ولم يسبر غور نفسي المتعطشة من خلال اللاوعي إلى الطــول والامتداد والرشاقة، لم يتنبه لغير لونها الرصاصي الذي اتخذه دليلا على مغادرتــي سن الإنجاب، لذلك كان علي أن اهجر مرآتي وهذا ما فعلت, وبقيت أمارس طقوسي مـــــع أشباح الوحدة والهدوء، كثيرا ما حاولت في أيام ابتعادي عنه أن اختار انتحارا يناسبنـــــي، انغمست في الدين والتعبد ولكن العبادة والتعبد ذكراني بحقي المسلوب عني دون أسبـــاب، فكرت كذلك بالغرق أو الاحتراق فقد أتطهر وتتطهر روحي بلهيب النار أو صفاء الميـــــاه, وقبل أن أجد الشجاعة على فعل ذلك حط على ارضي ذلك الرجل الوسيم الذي غادر كوكبه الغني بالمال والأسلحة والمعدات ليبحث له عن أنثى، في حينها كنت أعيش تحت وطــــــأة الأحزان التي خلفتها كلمات الرجل الأول بداخلي, حينها قلت له باني لا انفعه لأني غـــادرت سن الإنجاب، ضحك مني واخبرني بأنه يبحث عن امرأة مثلي وعلل ذلك بعــــدم رغبته بالمزيد من البشر على كوكبه السعيد فالأرض الصالحة للزراعة لديه لا تتسع لأكثر من ملك وملكة ومعهم بعض العبيد، حال سماعي لكلماته المهذبة وافقت على الرحيل معــه، وعندما وصلت أرضه نزلت ملكة على عرش ارض غنية بتطورها التكنولوجي، ملكة على ارض لا نساء فيها ولا رجال غيره بعد أن تم خصي جميع العبيد، كنت ملكة وامرأة واحــدة هي الأجمل والأرق والأغنى دون أي منافس، ليالي ذلك الكوكب كانت مليئة بالولائـــــــــــم والملذات, صرت بين الحين والآخر أطلق آهات من الحسرة والندم على سنين الضياع التي ضاعت على كوكبي القديم بجانب جاري المقيت، صرت أكثر علما بالفضاء المحيط مـــن خلال معرفتي بوجود كواكب أخرى ونساء أخريات وزعن على كواكب بعيدة, حيـــــــث لا يمكن للطائرات الوصول إليهن، ذلك ما كان يحدثنا به بعض الضيوف الذين يأتون مــــــــن كواكب أخرى لأجل أبرام الاتفاقيات الخاصة بمقايضة بعض المعدات أو كمية من الوقـــود مقابل الأطعمة والعبيد، هكذا كنت أعيش، تخمد نيران شبقي في الليل والنهار, فما عدت أرى عنسـي بعد أن تخلصت من مرآتي إلى الأبد.
كانت تلك الهزيمة تشمخ أمامي كلما حدقت في المرآة ورأيت لون جديلتي الرصاصي, فيزداد حزني وغضبي على ذلك الفلاح الهمجي التافه، لذلك أصابني السرور يوما حين جاء عددا من ممثلي الكواكب لمناقشة شحة الأغذية والمياه، في حينها نهض احدهـــــم واخبرنا بأنه قد زار كوكبا قام احد الفلاحين بنشر الخصب عليه, وان غلته كافية لإطعـــــام الجميع، عرفت بأنه يتكلم عن مرآتي اللعينة, لذلك لم أتردد في ردعهم عندما قرروا الذهــاب إليه والتفاوض معه، وأخبرتهم بأنه مجنون ولا يمكن التفاوض معه لأنه كان في يوم ما جـــاري، وحين قرروا التحالف لغزو كوكبه أقنعت عشيقي أن يردعهم ويعلن بان كوكب ذلــــك الرجل في حمايته, وانه سيجند كل ما يملك من التكنلوجيا المتطورة لردع من يفكر بقتلــه أو غزو كوكبه، جميع الحاضرين كانوا يعرفون قوتنا لذلك انصرفوا خائبين، هكذا وفي خلوتــي الليلية نبهت عشيقي على إمكانية ضم كوكبه كمستعمرة لنا بعد استعباد ذلك المجنون، هو عـــار دون حماية من القانون وقانون كواكبنا هو البقاء للأقوى وللذي يستحق البقاء, وليس للذي ينظر للأنثى على إنها آلة لتفقيس الأجيال .
***

م :-
كتبت القصة قبل اكثر من عشر سنوات وتاخر نشرها بسبب وضعها تحت اليد لحسم موضوع تجنيسها اذ انها موضوع رواية ولكن بسبب فقدان الفلاش الذي خزنت فيه جعلني اسارع الى نشرها خوفا من الاستيلاء على القصة



#مشتاق_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (ثلاثة في مركب واحد الفكرة والصخب)
- مهلا أيها الأديب ... -الخاطر الله-
- بؤرة الانجذاب .......قصة قصيرة
- جولة في متاهة اخيرهم
- مخاض لبركان الانوثة
- صراخ الصمت الناطق
- عام ليس بجديد
- هل تسربت الطائفية الى ثقافة العراق ...؟
- جمهورية الزعيم ابراهيم الخياط
- تراتيل لاول الالهة
- حب المتصوفين
- فيدراليات
- رحلة مع حامد الزبيدي
- دهش علوان دهش
- الحلم بوزيرة
- جسد وروح
- عسل مر ودرب بعيد
- هكذا يستنشق العصفور دمه ويصلي
- شيزوفرينيا الرجوع
- كهربائيات


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مشتاق عبد الهادي - انقسامات