أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - تصدعات جنوبية.. بين السيكارة وعقبها















المزيد.....

تصدعات جنوبية.. بين السيكارة وعقبها


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 1240 - 2005 / 6 / 26 - 10:23
المحور: الادب والفن
    


الأرض..
منتصرة دائما حيث تنهزم اقدامنا امام التواصل في المسير
اما التواصل في نفث الدخان فهو هزيمة... عذبة!
سيكارتي لا تنطفأ بالبلل
انفثُ الدخان وأنا امشي، انفثه وأنا واقفة تحت المطر
انها تتوقد..او هكذا أحسها كلما اشتدَّ الهطول!..
اقذف بالتحايا على واجهات محلا ت البقالة الشعبية بينما أصحابها بأنشغال دائم،
لا انتظر الرد غالبا، ولو جاءني اظنه نفسا عميقا من سيكارة جديدة تختزل الأنتظار
تقتحمني صور وذكريات بعباءة بصرواية مُطرزة بخرق التبعثر
أشدّها حولي ،أحكمها فوق اوصالي ،أشعر بلذة الخطوات وهي تتباطئ ..
أحملق بالمكان لأزيد من إحكام عباءتي..
أً ُكثِر من التباطئ في فضاءات ادركها ببراءة الأنتماء للطفولة والأرض والوجع
وحينما أحملق بالزمن...
لا اجيد سوى إحكام انفاسي بالدخان،
رغم أنه تنقلات منتظمة في المكان،
دوران .. وبلا تعجيل
وهو نسبيّ ..
نكرة ...
بعقيدة الإلتفاف المداريّة!

.......

امشي..
تتقاذفني قوة الطرد المركزيّ
..أتأمل بدهشة،
كأن قريتي الجنوبية ما زالت تخفق..
بنبض لحظة الوداع والتي ولدت دافئة بحلم العودة
الحلم يحتويني قبل المغادرة ..
ينتصب امامي كالجلاد بسوط العقارب..
وما زال كما هو،
عدا كون عقارب الساعة باتت متجمدة عند خط الأستواء المحمول جواَ وبراَ
التقي مع الكائنات والأشياء...
ذاك هو كما عرفته منذ وقت طويل..
ألوّح بيدي نحوه
اقترب منه لأشتري الحلوى...
رائحة اكداس القمامة والأكياس المحشوة والفارغة تعلو الرصيف المحاذي..
معلنة عن دمامة مَن يستفرغ ما في باطن الأرض ويُفزع ما هو تحت اقدامي
اتهادى بشجني الطفوليّ ..
الفقر، السخط البريء.. يرسم صليبه الجنوبي فوق جبيني ..
قطعة الحلوى تلتصق..تنصهر في فمي ببطء..
كما تنصهر احلام الأثرياء في الهموم الشائكة،
وأحلام الفقراء في وداعتهم الجليّة،
فتتناثر البساطة الحائرة بين عُقد الغرزات المُصطنعة
أرصفة- قمامة مُلتصقة
أفواه- حلوى مُلتصقة
ارصفة- افواه- حلوى وقمامة..
إلتصاق ..وإنصهار
.......

ما يقع خلفنا
ما يقع امامنا.. مجرد صغائر امام ما يقع في دواخلنا
كم هي متخمة ذواتنا؟
هموم الأخرين تغلق منافذ الطرق أمامي..ابتسامتهم تفتحها برفقٍ حذر
صخبهم يؤشر لكثرة الأروقة النافذة...والى مسالخ الثقافة
هموم- ابتسامة....
جنوب- شمال....
فقر - ثراء...
هبات مالية- هيمنة
صخب- رواق آخر ومسلخ
هل اواصل المسير؟
.. لعلي اود المكوث بعض الوقت وتحت "الشناشيل"
ربما سيكارة اخرى قد تحتوي التعب ..
قد تهضم غرابة الألفة بيني وبين معالم المكان
سيكارة اخرى انفث دخانها فيتجه.. شرق- غرب ..ثم يحيد!
ليتطاير.. شمال – جنوب..
مشكلا غمامة الفجر القسريّ

.......

اتوقف..
أتأمل الواجهات وتشبثها بالمكان
المكان قديم..خراب على اليمين وآخر على اليسار
خلفي مبنى كبير متصدع مثل بقية الأشياء..
يحيطني بتصدعات وجوه الأمهات... الشهداء والمفقودين..السجناء والأحرار
يشعرني بتقيحات الرجولة حين تغتال عفة الفكر وطراوته وقبل المخاض
ايه ايها الأنسان..
كم أنت بعيد عن تلك الخرائب وتلك الوجوه المحملقة ابدا بوجه الحق والخواء؟
انفثه..
انه الدخان.... يقلقني.. فهو متاهة اخرى حينما يتكور بنصفين !
يدهشني.. فهو يتشكل ليتخذ وضع خارطة العالم..
ينحسر.. ينكمش..
ينبعج ويتداخل ليُشكل خارطة العراق
تبدو مبتورة.. مشوهة..
ربما زواياها الحادة تبدو منفرجة او منحرفة عن الأصل
أو ربما احتاج لنفثة دخان اخرى كي تمتلئ الفراغات فتكتمل بالحاد والمنفرج ،
نفثة..نفثتان..ثلاث نفثات وجهد بليغ...
محال...
يبقى الأصل معجزة لن يبلغها الدخان مهما تعاظمت كثافته
الأصل!!.. لعله في مكانٍ ما
اشعر بالمَلل،الضيق،فقد تشوّه المكان بإخفاق الدخان في فن الرسم
أشيح بوجهي نحو الواجهات
مرحى لها.. فهي مكتملة..نضرة بقدمِها
لا أظنها تحتاج الى تغطية ..
أو سحابة دخان من سيكارة بين شفتيّ جنوبيّ على مشارف الرحيل

........

بعد الأمتلاء بالتراث ،الأصالة ،بساطة المكان الحي بالقِدم، الدخان،..اعاود المسير
دقائق مبعثرة تمضي ..
تلك هي ضفاف الشط الرطب
تماثيل كثيرة شاخصة على امتداد الضفة.. لا تنتمي للمكان بأي صفة فهي ملوّحة للموت..
أما المياه امامها فهي ملوّحة ابدا لكل شيء حي..او يبدو هكذا
السياب كان هناك..
بحذائه الممطوط وسترته العتقية يجلب للمكان ابخرة انتمائه الحقيقي..
أي انتماء؟ عن ماذا اتحدث؟..
أنها توجسات الرحيل الألزاميّ..
فحين يمسي الوطن كالطبّال المحترف تحت قدمي راقصة..
حين تشهق الأرض مختنقة بين زنديّ عاهرة..لابد من الرحيل
لكن..مستحيل...
كيف يغفو الأخرون بين هرج الطبل والرقص ؟
الأخرون !.. ومن هم؟
اتسائل وانا ممسكة بآخر سيكارة امتلكها وكأني امسك بشهادة وفاتي...
حقا.. وأي انتماء ذاك الذي اسفسط به؟
.. بعد نفسٍ عميق..
انفث الدخان والجواب بطياته ليبتلع جزءا من الإحراج...أنه الأنتماء للجنوب ..
للجنوب ابخرته المختلفة واينما ارتحل الأنسان
أمّا الأخرون...
فهم الأخرون دوما! ...
في رقع المنافي..
رقع الاستهلاك المُوّحد.. الجوّال من أرضٍ الى أرض

.......

ادركني العطش...
اين بائع القازوزة على شط العرب؟ ..ارتشف مرارة التدخين بعجالة..
انها سلسة ..لربما اسلس من بداية التاريخ والنفاق والحروب..
كم هو عمر الحرب؟..عمر الفقر؟
عمر الجريمة والقتل؟..لا ادري، حقا لا ادري... كم هو عمر هابيل وقابيل!
أدركني البرد مُرتعشة..
انظر ما بين التماثيل لربما احد الباعة يختبأ هناك..
بائع للشراشف بين التماثيل..؟.. أهذا جنون؟...
وليكن! كل ما حولي يتآكل او يتماسك..
يتبرّد او يتدفّأ...
ببعض جنون

........

و...انتهت سيكارتي الأخيرة ..
أحتفظت بعقبها.. هذا ما أودّ تذكره
لم ينته البرد.. لم ينته الجوع..
لم ينته طيب المكان وبؤسه.. لم ينته صَفاءه المهاجر ..
اشياء كثيرة لم تنته.. لكن سيكارتي انتهت كالآخريات بهدوء ثقيل..
هدوء ثقيل.. ثقيل... كثقل رأسي..
الخدر يستبدُّ بأطرافي ..
غثيان،دوران، تَعرّق شديد..سعال
أين أنا.. هنا أم هناك؟..
هنا - هناك.. شمال- جنوب
اين هو؟
هل ما زال العقب الآخير في محفظتي وكما اودعته ؟
..لم اره مذّ زمن..
أحقا أنه ما زال هناك؟
مَنْ !؟...العراق؟.. الفجر؟..المرض؟
تبّاَ..
لا... بل
العقب!
........

خطوتان فقط ..هما الفاصلتان بين جهاز الكومبيوتر وسريري..
اختزلتهما الى النصف..
كما اختزلت البحث في طيات المحفظة...وكما اختزلت الأنتقال الى يقظة متوترة ..
كل شيء تطاير بخفة.. دبوس..قصصات ورق.. هوية احوال مدنية وجواز سفر..
قطعة حلوى متصخره.. اقلام.. صور صغيرة لوجوه اذكرها... وأخرى لا..
خاتم فقد لونه ..اقراط مفككة..
اوراق نقدية قديمة بخيول تلتصق بها... اخرى بوجه مكرر مزقّه التداول..
استوعب السرير كل اشيائي المبعثرة..
احتضن تقلباتي وتنهداتي.. وقد ادركت فقدان العقب الأخير
كيف السبيل لسيكارة انفث دخانها هناك وأنادم عقبها هنا؟
ولماذا لا يكون العكس منصفا؟
وهل هناك غير مِنفَضة كبرى لأعقاب السكائر الصفراء؟
لا.. لا..ماهذا الهراء
لابد من سيكارة..
تحترق هناك.. ليكتمل شيء ..
وكي لا تتذوق الأرض طعم الشيخوخة
شيخوخة الأشياء
هل اتذوقها..
بين سيكارة هناك.. وعقبٍ مفقود هنا!؟
بين تعاقب الفراغ..والمحطات..
اشعر باليتم
فقد ضاع...
عقب الرحيل!



#فاتن_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنثى..
- غريب.. بين الرصيف والرصيف
- !! صدام.. ثروة قومية لا يستهان بها
- البعث خطار قاصدنه
- ويح اسمي والوطن......فضفضة حول تطويع الدين لخدمة الأرهاب وال ...
- ولماذا لا اسخر؟
- نفحة ٌ.. من أور
- القدس.. التهويد.. ومواء القطط
- ميزوبوتاميا..ودواليب الخزف
- الحركة العمالية العراقية.. بين زمنين
- عراق (الدين) والمصباح السحري
- بين دجلة.. واسرارها
- حُب ورسالة.. بمفردات سياسية..
- من تداعيات فوضى المدائن
- في العراق.. صراع حتى النخاع
- دغدغني.. ياعراق...
- !أما أن اذبح وزتي أو...مليون في جيبي
- المرأة..وزوايا بلا اضلاع..
- العرب.. وفن التناسي والنسيان
- الصدر..مبدأ الإستحالة..وشهادة غرّاء


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - تصدعات جنوبية.. بين السيكارة وعقبها