أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - رواية : ذهب ولم يعد إإ؟ 2















المزيد.....



رواية : ذهب ولم يعد إإ؟ 2


شعوب محمود علي

الحوار المتمدن-العدد: 4361 - 2014 / 2 / 10 - 22:15
المحور: الادب والفن
    


رواية : ذهب ولم يعد إإ؟
2
عاد منير في المساء فوجد امه مهمومة وعلامات الحزن تلوح على محياها فبادرها بابتسامته الجميلة وقال مساء الخير ايتها الوالدة المضحية . ضحكت وقالت كفى مزاحاً.
أنا لا امزح , بل لا أقول الا الصدق
وكذالك اعتبرك مناضلة في ساحة المعركة.
اية معركة؟.
معركة البيت وهي عملية لا تقل مزاياها عن البذل ,
والاستشهاد كجندي في ساحة المعركة .
اي معركة , وايّ جندي ؟
الجندي المجهول , وليس العلم .
كما اعتبركِ شهيدة وأنت على قيد الحياة التي هي حقل سنابل محترقة
تحت أشعة شمس العمل الدائبة الحركة بلا انقطاع تصلين اليل بالنهار, والنهار بالليل وليس لك يوم استراحة , وحتى في عطل الاعياد , وكذالك جميع نسوة ارض السواد.
اما انت فأعتبرك شهيدة بامتياز, دئبك تدورين حول محور البيت والذي هو رمز القداسة ,
وألف باء التضحية,
ومقدمة كتاب الحياة.
كنتِ وما زلتِ تدورين كما تدور النجوم في السماء حول مجراتها , ومجرتك العائلة ,
عبر كل الليالي الطوال ومرارات الضنى , وطيلة ما اراك أنت عليه في محيط العائلة. لم أسمع منك كلمة تذمر, او شكوى
حتى روؤس النخيل تنحني لعصف الرياح الا أنت ما رأيتك تنحنين للحظة واحدة , وها أنا أنحني اجلالاً , وتعظيماً في محرابك و اطلق طيور الشكر, واطيل الدعاء الى العلي القدير ان يحيطك بحفظه, وينعم علينا بدوام صحتك . أنهمرت الدموع, دموع الحنان واحتضنت منير ودخلت في عالم الغيبوبة للحظات ثم رجعت الى وعيها الطبيعي وقالت كفى مبالغة ,
وكلمات راقصة على وتر شعري .
أنا لا ابالغ أنما ادرك الحقيقة , وازن قولي في تقويم عملك سيدتي ,
لقد منّ الله علينا بكِ , وانا ارفع من شئنك كونك تستحقين ذلك واتحدّث
نيابة عن الرجال الغافلين في ارض السواد لارفع دور المرأة عموماً , واستميح لنفسي عذراً, ولاقول مايجب قوله وخاصة بحقك انت المضحية, والرائعة , ونجمة بيتنا في ظلمات الايام. وانا اضع في مساري التصوري كل الصوى الدالةعلى تضحيات المرأة فوق مسرح الصمت , والمحاط بعمى الألوان, وبغفلة الرجال , ولا اباليتهم بدور المرأة , والتجاهل في بلاد ما بين النهرين , لا أطريك كأم لي ,بل كأي امرأة تستودع جهودها العظيمة في صندوق الغفلة , وخزن الاوراق المهملة, ومثل من يرسم لوحاته فوق الجليد او يكتب استعاراته العظيمة على تلال الرمال وما ان تهب الريح حتى يتبدد كل شي.
البلهاء , والمجانين , والمهوسين فقط لا يعطون مساحة للمرأة تتناسب وما تقدمه في بيتها الذي هو خندق معركتها الدائمة ,
اما الذين هم خارج الكوابيس , وفي مدار اللامبالات بقيمهم , والتفريط بقيم الوطن الصغير الذي هو البيت بما فيه من قوارير,ومن ثم العبور الى الوطن الكبير المسلوخ عن مجرته تماماً مثل كوكب متوحد, وضائع في محيط من الكوني اللامتناهي , بل الانساني
امي العزيزة أنا ادين لك ولصاحب المطرقة , واصحابه من صناع الحياة وقد استنزف والدي كل قابلياته , ووضعني على الطريق , وذاب لاستضئ , وليجنبني العثرات ولم يتركني لمهب الرياح ,
و براري الجهل , وظلام الامية .
قّومني كما يقّوم الغصن الطري لحين ما أشتد عودي وأنا ياامي مثل طفل يعوم في نهر جارف بلا ضفتين..
مازلت اسبح , واسبح لحين ما وضعت الحرب اوزارها ،ولكن لست بمعزل عن السيد المتفوّق وهو يظهر بنصف اله يمد ذراعه على العالم وبكفه السيف يقطر دماً وهو يخرج من الطين وباخرى آلته الجهنمية . لقد استخلص البارود لنفسه , ودار ظهره الى السنبلة , وقدح الحليب وهو يصرخ بالأفواه الجائعة , ويقول التذمر يزعجني . وشّد الحجر على البطون يجعلكم قريبين مني, وقد يضعكم تحت مظلتي . أما الشكوى , والركض وراء الرغيف الاكبر , والتحديق الطويل الى ما تخزنه ارضكم . فذلك ليس من شأن المسبوقين حضارياً. نحن نكتشف المناجم , ونستولد رحم الارض قبل ان يموت الوليد فى الظلمات الثلاث فما على (القرقوزات) إلا ان تأخذ دور الفزاعة لقد امطرتني بخيال سحابك فلا تدع العبارة تتفتق مثل الذرة .
كلما تطلق حجراً على صفحة الماء الراكد يعطي دائرة صغيرة ثم تتسع لتتوالد الواحدة بعد الاخرى .
وهكذا دواليك الى ان تكل العين عن المتابعة لتلك الموجات الدائرية التي احدثتها رمية الحجر.
أمي العزيزة
كلما توغلت في تصوري للجوهرة بعد تعريتها عن الغلاف الخارجي لا يظهر على السطح إلا نصف الحقيقة . نعم علينا ان نقرأ مابين السطور مع التأكيد من صدق النوايا .
فالموازنة بين الادعاء والصدق : تكشف عن خبايا الوجدان الصوفي,او الاسفنجي.
وأثبت ويثبت زيف الادعاء للأخوة في النسب الطيني امام مرايا
حقوق الانسان , وتحت خيمة الامم المتحدة.
فالقوي يستعين بالسيف العاري , وبغصن الزيتون المنحوت من الصخر, والمطعم بالشوك الفولاذي الذي يشبه كثيراً الصليب المعكوف في أبعاده الشكليّة لا الجوهريّة . عائشة ما أغرب المقارنة بينه , وبين صليب يسوع الناصري (ع). اجل هكذا يشاع
في الغابة التي يسمونها بالحضارة البشرية.
منير أرجوك أبتعد قليلاً عن طرح الافكار التي لا تعرف ألمراوحة .
كان منير مأخوذاً , ومغموراً باندفاعاته.
عائشة
ولدي اقسم عليك,وقبل أن تنطق قال امي العزيزة أطرح عليك سوئلاً بسيطاً كيف ترين فالح الارض في بلادنا , وحاصد ألسنابل , والمكوك المتحرك طيلة الأعوام وهو لا يجد الرغيف الذي هو وقوده اليومي إلا بالكاد.
كذلك مالك الارض التي تضم الكنوز, ومحيطِ من البترول وهو لا يملك ما يطفئ ظمأ فانوسه الأعشى , وبين المنظور والّلامنظور تتزعزع العمارة فوق كل الاساطين , وتتطاير أوراق الثقة بين اكف الرياح ألمجنونة ,
و فوق محارق النظم التي تعطي الفرص للأفراد على حساب الاكثرية غبناً وتجاوزاً لكل حدود المسكوت عنه .
هذه المفاهيم تعيش في خلاياهم , وطفيلياتهم النرجسية ,
واراني أكثر أحساساً بملكية ما نملك تحت الارض وليس ما نملك على الورق , ان ارضنا اشبه بالشجرة التي تحمل ثمار الاغراء , وقد تجتذب كل الحواة , والأفاقين .
منير,منيرارجوك. كفى خوضاً في الاعماق وقد تستهلكك.نعم وكيف لا واللعبة , او المسرحية تمثل بشكل مستمر وعلى محورين محور داخلي ,
ومحور خارجي يحتوي المشاهدين , ومن على خشبة المسرح يقفون , أو يتحركون في نفس الامكنة , وفي مختلف الازمنة تارة في السباق الطويل ,
وطورً خلف موجة البخور.
الثعالب هي الثعالب تتحرك في دائرة التعمية , والروغان دائماً وأبداً ,
ومع رحيل القرون , وحلول قرون جديدة في ساحات المكر والغنيمة التي تثير الغرائز لدى الحيوان العاقل .
منير منير أرفع القدر قليلاً عن ثالثة الاثافي , وأرح نفسك, .
يصرخ بشكل هستيري
الكذب , الكذب لقد صمنا عليه , وها نحن نفطر عليه , وعلى الخداع في بلاد تعيث بها الثعالب , والذين أدمنوا الغدر , والاستلاب ,
وفي كل عصراً يظهر على الشاشة قابيل جديد وهابيل الذي يمثل النصف المشرق من الارومة البشرية والتي قد تحتوي على النسيج الحريري .
اما الاغصان المدرعة بالشوك , والحقد ,والشره القابيلي كانت وما زالت هي هي بطبعها تخرق كل غلالات العواطف , وستائر الرحمة , وتتعامل بلغة البراثن , والأنياب بدل التلويح بغصن الزيتون مع أي حمل وديع يحمل السمة الهابيلية , ومن كان على طرازه ممن صقلتهم الحياة على أساليب التعامل الشريف , والخلق النيل , وعدم الميل الى التطرف الاعمى من أجل تحقيق الأنا على أساس نفي الأخر, وإزاحته عن لوحة الوطن وتجريده من كل مضامينه , ورموزه , وتاريخه , وتراثه.
فالعبور المشروع لمحيط الحياة والولاء للوطن يتلاشى مثل فقاعات الصابون . والرفض هو التجاوز لوصم النكرات . عائشة منير
هذه المجابهة تسحب خيط الدم على ساحة ليس لها نهاية . منير اجل اجل وقد تحرق الزرع وتجفف النبع , وقد يكون النزيف علامة من علامات الساعة , والنوم وراء الاسوار , وترك السفينة بلا ربّان , والتخلّي عن شبر من الارض يضع ضمير الحاضر في الغيبة : بين القلق الدائم ,والغثيان المحرق لثمار فصول الانسانية . كان منير يحلم بالاستقرا ر , وجزر السعادة , والوفرة حيث يحصل الاكتفاء الذاتي . رأسه يدور في دوامة من الأفكار التي طفحت في مخيلته بعد أن قرأ كثيراً من الكتب التي تتحدث عن مختلف التيارات السياسية في ظروف المد العارم .
وفي الجَزر تنزوي تلك الكتابات الساطعة والتي كانت مصدر اشعاع لمن يسيرون تحت مظلة ظلمات النظم أيام التسلط , وجعل الناس بما يشبه الطين الاصطناعي لجبلهم حيثما يرغب اله الطين , وعلى شكل ما يشاء .


0 0 0










في ضحى أحد ألأيام وعلى غفلة من رقابة عائشة الّتي تحرص على ولدها منير كثيراَ, وتغار عليه , وتخشى العيون الشرّيرة .
تسلّل منير و انطلق يتسكع في شوارع وساحات المدينة للترويح عن النفس ,واطلاق طائر الروح ليجول في المدينة المغتصبة من قبل اعدائها الذين هرسوا لحمها وطحنوا عظامها وهم أكثر وحشية في ظل الحضارة ومواكب الشعوب المتقدمة , وهزيمة الدول الاستعمارية ايام زحف قوة السلام والتقدم والحرية للاطاحة بالرؤس العميلة الخاضعة للاجنبي .
سار منير بلا هدف ,وبلا تخطيط, ولايدري الى اين سيذهب في يوم عطلته وقد قادته قدماه في شوارع بغداد المدورة التي رقشت بالاحداث الدامية عبر تاريخها المليء بالمفاجأت غير المتوقعة ,وقد انذهل , وارتج حين رأى نفسه قبالة تمثال السعدون
وقف يدقق في ملامحه التي تبعث على الاستغراب , وعبد المحسن السعدون يشير بيده :
فتسمرت عينا منير على يد السعدون وقد تخيل ان يد السعدون تتدفق فيها الدماء الحارة , وتتحرك فحاول منير ان يضغط باصابعه على عينيه ليبدد تلك التخيلات , والصور
ثم قال في نفسه على الاقل هو احسن حالاً من بقية اقرانه .
اذ تميز ووجد المكان اللائق به وهو يقف وقفة التحدي , والشموخ في شارع من شوارع بغداد شاغلة الدنيا في فترة من فتراة تاريخها البهي يوم كانت امنية الكثير من طلاب العلم ممن هم في اقاصي الارض .
كم تمنى منيرلوان السعدون يعرب عمّا كان يدور في تلك الايّام العصيبة
ولكنّ التاريخ رفع الغطاء وادلى بدلوه .
أنسحب منير ولم يعلق ,ثم انعطف ولكن لايدري الى اين ستقوده قدماه وهو يدور.. ويدور .. رويداً مثل زورقٍ سلم مقاليده الى النهر المنساب وهو سادر لأ يحس على نفسه ,
وبعد وقت قليل وهو يسير في الزحام اذ رأى نفسه في حديقة الملك غازي المغدور على ما يُشاع .
كان يسير على البساط الاخضر الى جانب الانواع من الزهور والورود المتفتحة , والاطفال يلعبون وكانهم الملائكة .
كانت اصوات الطيور, والعصافير تشكل فرقة سمفونية تتسلل الى عالم منير الداخلي وهي تنطلق من على غصون الاشجار العملاقة , فيحلق منير بعيداً باجنحة الروح حيث ينغمر في عالم شفاف , تُسدل عليه الالوان مع هبوب نسمات تحمل موجات من العبير , حيث تتسلل الى الجذر لتكسر حدة توتر الاعصاب فينسرح مثل جندول حالم فوق مياه البندقية تهزه موجة إثرة موجة في عالم لم يسبق له ان راى مثله في حلم تخيلاته.
عاد منير الى البيت فبادرته عائشة وقالت اين كنت ؟
لقد اقلقتني وسلبت راحتي , وانا اجول في البيت , واذرع ساحته جيئةً وذهاباً كالمجنونة .
نعم هكذا كنت وفي رأسي الف فكرة يغرسها الشيطان ,وتصحبها الف باء التوجسات , وابجدية القلق وانت لا تجهل معنى القلق ,خاصة في صدر امّ
تخشى على ابنها من شرّ طوارق النهار , ولصوص الليل .
لقد اعتُصر قلبي لمرات ,ومرات , وانا تحت مطارق الهوس مثل عاشقة تفتقد معشوقها , وبين حين واخر اطلق توسلاتي الى الله مثل زقزقة العصافير, وتغريد الطيور في ان يعيدك ربنا الى البيت لاتمّرى في وجهك المنير يا منير, بين لحظة واخرى اكاد اتهاوى مثل خيمة تعصف بها الريح , وها انني كدت اذوب من الخوف يصحبني فقدان التوازن وانا على اعتاب الانهيار , والغيبوبة في بحر ساعات طويلة من الانتظار.
اجول في باحة البيت ثم احس بالانهاك فاقف ساهمة مثل تمثال شمع في صمت مرعب .
لقد تأجج الجمر فمن يسوق اليّ مزنة بشارة مجيئك ,وقد عصف بي الرعب ,واخذ الهلع ماخذه , فرحمة بأم تعبة تداولتها الايام في ملعب العمر مثل كرة استهلكت , واوشكت على التمزق .
منير ولدي أطلب منك بألحاح
ان لا تكرر مثل هذه الغيبة الطويلة عن البيت .
على رسلك ايّتها الوالدة .
صه وقل اين قضيت نهارك هذا ؟ وفعلت فعلتك , أهدئي أهدئي وخففي من روعك .
وهل ابقيت لي بقية من الصبر لأهدأ .
لقد وضعتني في الدوامة التي لا تتوقف عن الدوران المهلك .
قل لي اين كنت ؟
واين قضيت وقتك ؟
في الجنة..
بهتت عائشة ورددت وهي سارحة .
الجنة ,الجنة :- المؤمنون يؤدون طقوسهم الدينية ابتدائاً من ساعة السحر حتّى هتافات الديكة صباحاً مع صوت المؤذن وهم يواصلون الليل بالنهار .
يركعون ,ويسجدون ,وهم في انقطاعهم الى الله عاماً بعد عام ولم يقل واحدٌ منهم انه كان في الجنة في لحظة من لحظات حياتهم وهم على قيد الحياة .
اللهم إلا الرسول محمد (ص) ممن زارها وهو على قيد الحياة عند عروجه الى السماء.
قهقه منير وقال قلتها يا اماه على سبيل الاستعارة .
أبتسمت عائشة، وصمتت وهي تصلي على النبي الكريم .أمي العزيزة الواعية والتي تُحسب على المتعلمات كيف تفوتك هذه السياقات في الحوار؟أبني العزيز: أنا متعلمة , ومن بيت علم ولكن لم يسبق لي ان تعاطيت الاحجية , والالغاز الغريبة .
انت دائماً وأبداً تتعامل معي بأساليبك الغامضة , وطلسماتك المحيرة وانا بطبعي اسمي الاشياء باسمائها واثبت الاشياء في اماكنها مثلما اثبّت المسمار في الخشب وليس في الصوّان .
امي انت دائماً تتحدثين عن المسامير, والخشب, والمطرقة . أبني المسامير والخشب المطرقة والدك عاش ويعيش عيالاً على ضفافها وهو جزء لا يتجزء منها , وهو مضاف اليها ولا تنافر بين الادواة وبينه , وبين المتعبين ممن اعطوا الكثير الكثير, وسيعطون ما بقي لهم من قوة كما اعطى والدك ماء شبابه
في سنوات النشاط , والفتوة , والحيوية , وذلك ليواصل الطريق المحاط بالكدح وشبح الشيخوخة الذابلة , وهو واحد من البناة الذين دفعوا عربة الابداع : ليصلوا بها الى قمّة الهرم وقد كانوا وما يزالون يعيشون في الظل وهم يقلبون التراب , ويفتحوا صدر الارض , ويصهروا الحديد , ويستخرجون من عمق ما ضم البحر من كنوز, وقد اطلقوا الحديد طيوراً, وتلوّثوا بدهان وسخام المكائن , واستنشقوا الهباب , ودخان المصانع ,ورعوا الماشية , ودجنوا المتوحش من حيوان الغاب , والطير الجارح , وقدموا كل ما اثمرت ايديهم على طبق من ذهب فوق مائدة الاسياد , ولكنهم لم يستردوا مقابل ما دفعوا إلا الشح , والنزر اليسير الذي يكفل لهم دورة الحياة في ادنى مستوياتها .
نهض منير ودخل غرفته ليرتاح ولكن انّى له الراحة وشلال الافكار, وانهمار التصورات , والطواف في سفينة الماضي على محيط ليس له نهاية.
دارحول الموجدات من اشياء تضمنها البيت.. ودار حول مستقبله خلال تصوراته البعيدة والقريبة , وهمس
سأحقق احلامي , وساعمل على تغيير الديكور , ديكور البيت , وديكور الوطن اولاً. ومن ثمّ
فراشنا العتيق , واواني الفافون , والقدور المعوجة بعامل الحرارة , والملابس القديمة قدم العهد الدقيانوسي ,
ومشارب الماء الفخارية بمشارب زجاجية ان وفقت مستقبلاً , ساستبدل كل شيء سوى جلودنا التي تحمل سماتنا , وملامحنا الانسانية , وسأكون عند تحقيق امنياتي قد حقّقت ما اصبواليه , وساخرج العائلة من القوقعة , والدرك الاسفل ولابدل كل شيء ,وليس على طريقة الافاعي حين تستبدل جلودها .

0 0 0












كان انسان ارض السواد يعاني القهر والاذلال بشكل حاد ومتميز خلال فترة الزحوف والموجات التترية . وفي هذه المساحات الجغرافية استبيحت الامة , وسحقت حتى النخاع .
كان ذلك الهجوم المرعب مثل اعصار لم يألفه انسان ارض السواد بحيث لم يترك حجراً على حجر .
غزى اليأس والقنوط هاجس الناس حتى ارتدى انسان ارض السواد رداء الخوف والهلع ,وبعد ان انكسرت اقواس العز في الصدور والضمائر,
واسقطت الهيبة الوطنية, وخيمة الشموخ وتخلخلت الجذور, وتصدعت الفروع , وانحنت الاصول, وخرجت العجلات عن سكتها
وشل الانسان, وتعطلت ارادته, وغربت شمس الاعوام البهيجة.
مرت السنوات مثل وليد كسيح يزحف ببطئ على سواحل الاماسي السود.
وبعد فواصل زمنية طويلة مر قطار العمر بمحطات سنوات العذاب ,ونبت الزغب على ذراعي مدن ارض السواد .
كانت معاناتها طويلة وعميقة وهي تجثم على شواطيء الانهار وصبرها يتسع مثل ثيّل في تربة بالغة الخصوبة .
أما بغداد درة العراق ومولهة الشعراء كانت مع صبرها المشوب بالمرارة تخفي حزنها وتتمظهر بالمساحيق وهي تزهو بجدائلها الخضراء والتي هي قطعة من الجنة حين تلوح للزائر الغريب بفتنتها , وببهرجها , مع انها تشكل الفردوس المفقود في متاهات العالم ,
وهاهي كلوحة تلوح في عمرانها وشوارعها جميلة بنهرها الخالد وقد تغنى بها الشعراء.
كانت تأم نهرها صباحا في فصل الصيف فتيات وفتيان اليهود وهم يعومون عبوراً مثل اسراب السمك الفضي المتزامن مع رنين اجراس الكنائس الى جانب قرع النواقيس .
وحيث تغزوا الشوارع والساحات حاملات اطباق اللبن وكأنهن الابراج العالية المتحركة مثل قطار بطيء وهو يبعث الدفيء والفرح والطعم اللذيذ بنكهة العراق ورائحة القرى وعطر نسيمها المنعش للروح .
ومع كل صباح في هذه المدينة الخالدة تسمع صوت (العبخانة ) ذلك الصوت المألوف لكل البغداديين , صوت السلام والامان والتنبيه لمن لا يملك ساعة تشير الى الوقت المحدد .
فهي مثل من يعقد صفقة مع الزمان والمكان , ولكي لا يفوته قطار الوقت وعلى صوت العبخانة يخرج العمال والموظفون للحاق باعمالهم وهم يستقبلونه بحب واعجاب , عكس صفارات الموت , والانذار المبكر.
فبغداد التي احتضنت التاريخ و جفّت بها الاحلام ,أحلام سكانها من ابناء ارض السواد ومثلما يقطع النهر صيادوا الاسماك يومياً , كان الملك غازي الاول يمر في شوارع بغداد ذهاباً الى البلاط وأياباً الى قصر الزهور ,والشارع المؤدي اليهما يقع بين ضفتين من الاشجار العملاقة والتي تباهي اعلى الابراج في علوها وعلى طريق الملك غازي يطل الحصان الاسود ,ذلك الحصان المرتكز على قاعدة مرتفعة وصهوته تحت الملك المصدر من الحجاز الى العراق وهو بكامل هيئته وبعباء ته العربية ينظر الى امام بهيبة وشموخ .

0 0 0
كان احمد يفكر بالعودة إلى الجذور التي غطاها طمي نهر التاريخ و الفيضانات الترابية ’ والعواصف النارية ’ وسحب الرماد التي أمطرت ارض السواد .
كانت شبه جزيرة العرب يتناوبها الطوفان الفارسي ’والاجتياح الروماني أيام كان العربي في عصره الجاهلي ’يصنع أربابه من التمر الى جانب هبل , واللات ’ومناة الثالثة الأخرى .
وعندما يجوع كان يخضع لصرخات المعدة ’وإسكاتها بالإجهاز على الإلهة المصنوعة من التمر والعجين وهو منقسم على نفسه في الاصطفاف بين الفرس و الروم .
ومع هتاف لا اله إلا الله محمد رسول الله .
التأم ذلك الجرح ’ وردم ذلك الأخدود في الجسد البدوي ’وانقشعت سحب الانقسام ’وتحول العربي من المحتمي بالمظلات من فارسية ورومية ’
وعاد ليصطف تحت اكبر مظلة كادت تغطي نصف شعوب الأرض .
وبعد ان اخذت القبائل العربية مكانها تحت الشمس يوم غروب هبل واللات ومناة الثالثة الاخرى .
اصبح الانسان هو الغاية ’والوسيلة .ومع المد العارم والجزر الذي أعقب زحوف التصحر خلال تلك الحقب الضخام التي تخللتها النهضة التاريخية في حياة قبائل الصحراء المتميزة بالقسوة والجفاف ’وازمنة الهشاشة .
انسرح احمد قائلاً
كيف لي ان اقطع الحبل السري ’وهو يشدني بالمشيمة التي هي قريتي في محيط العواطف والتآلف مع الفلاحين.
ربما ساضع نصباً من القش لقريتي وساحرقه وسط طقس بوذي مثل ما احرق نيرون روما , وذلك لكي انسى, وامحو الصورة في معرض ذاكرتي ,وسأنثر رمادها فوق ماء الجدول الذي يخترق مزارع
شيخ القرية ,
قرية الجوع والظمأ والأحزان ,ورميم الأجداد ,وشواهد القبور في عالم الأحلام.
وذلك لكي أنسى الأرض وتنساني .
ولو لم تكن شهرزاد لما كان ظلّ لشهريار في التاريخ .
وهنا في قريتي أرى الفلاح يستقزم أمام أقزام تتعملق من الطفيليات التي تتشبّه بالآلهة في المساحة التي تقع تحت الشمس
وهي خارج القوانين تكتسب حق المحاسبة والعقوبة دون ان تقع هي تحت طائلة القوانين والأعراف .
بعد كل هذه السباحة الباطنية ’والدوران تحت الممنوعات والمحرّمات حتى في عالم الأحلام والرؤيا الكاذبة .
همس : احمد قل لأحمد ماذا يغريك في البقاء وقد نبت الزغب على ذراعيك ؟
انك متهم بحب جلاديك حدّ العشق والتلذذ بالألم والإذلال واحتساب آدميتك من الدرجة التي لا تهبط إليها حتى الماشية ’وجياد شيخ القرية , وحيوانات, ودواب سراكيله
والا فما الذي يغريك بالبقاء وانت تدور في محور الاسيادواسنانهم تغور في لحمك ؟
ما الذي يمنعك من الخروج وانت في عنق الزجاجة ؟
اجل ما الذي ينغّص عليك حوارك مع نفسك ؟
واذا ما حاولت وبشكل مكتوم بحيث لم ولن تسمح لنفسك في ترسّم خطوط التبرّم والتذمر على مستطيل تقاسيم وجهك وانت تتحرك في الثورة الدائمة وفي اغوار عالمك المستتر والمخفي على من حولك من اهل القرية والذين اخذوا كفايتهم من المخدر قبل اجراء العملية لانتزاع غدة
الأختيار .
كانت المخاوف تستلب احمد وتستهلك الهواجس والتهيب من عملية العبور من القرية الى المدينة .
وهاهو يعتبر عملية الانفكاك قنطرة لا يمكن عبورها بروحه الاقتحامية بل برؤية وتبصروالابتعاد عن شلال العواطف .
انها تحتاج الى وفقة طويلة واجراء عملية مسح لكل جوانبها وادخال جدول الضرب على ارض الواقع ’ والتعامل بشكل يخضع لكل
حركة والالتفات الى الوراء .
فالدخول الى عرض المحيط الذي تجهل ما وراء ه .
واقتحام صحراء ليست مطروقة ،و العوم في المحيط الترابي وعبور بحراً من الرمال المتحركة قد يشطب اسمك من سجل حضوره اليومي .
وبدل ان تثمر يتيبس غصنك ،ويتخشب جذعك ،ولا يصلح الا للاصطفاف في زاوية من زوايا النسيان.
ومع وجود الرغبة في العوم في سفينة الطموح ،والتركيز على الفنار الذي يمهد للمسار ،ويسلط نوره على الممر المائي لها ليجنّبها الارتطام بالصخور ،او الكتل الجليدية ،وقد يجعل ربانها في تحسب دائم ،وسهر متواتر مع دوران دواليب الليالي ،وشلالاتها الضوئية .
كان احمد في تلك الليلة ساهماً ،وكان قرينه الارق الذي لا يتوارى وراء غفوة مبتسرة ،وسنة نوم ظنينة .
ان ارقه لا يراوح ولا يهادن .
كلما حاول دخول باب النوم اصطدم وتلقفته دوامة اليقظة ،ومسلسل الذكريات .
كان ينسرح ويتموج في رؤاه حيث الفراغ اللامتناهي ،وهو يتموضع على طاولة الحوار الذي ياخذ بشكله المداري تحقيق حضوره الايجابي غير المعقّد في معادلة السلبي المستسلم كقشة فوق موج المحيط المجهول .

0 0 0








في غمرة التأمل الراصد لقطار التاريخ، ومحطاته فكر جمال وقال هامساً
السنوات لها لونها ،وطعمها وعبيرها ، وربيعها وخريفها .
وهي تمضي دون ان نشعر بانفلاتها من بين أيدينا كأسماك ليس لنا قدرة إيقافها في أي محطة من محطات الحياة في جميع مفترقاتنا ،وملتقياتنا .
وعندما نقرأ عن وثبة كانون ،نستعيد ذكرى العام الذي تميزت أيامه بالإضراب الزلزالي الذي فاجأ الجميع .
ذلك العام وقد كان يملك مستلزمات التحرك ليلغي عملية الركود .
وفي كل الأحوال كان مباركاً ،ومنحازاً إلى الغافلين والمعدمين من أبناء هذا الشعب .
حاول البعض ممن اصطف مع الشيطان أن يربط سفينة العراق بميناء بورتسموث ،فهبت العاصفة وقطعت الحبال ،واطفأت المصابيح الملونة .
ففشلت عملية الاستدراج ،وقُلب الحفل الذي يسره الدهاقنة والسماسرة في سوق العملة المغشوشة ،فتحول إلى طقس لا يرحم ،ومن أصعب الأشياء التي تجابه المناضل هي رفع الحجب عن حدقات المعنيين بالقضية .
وخاصة العمل على نزع أعشاب حب الذات التي تحيط بالروح فتثنيها عن مهماتها اتجاه الوطن .
فالوعي الطبقي اقل من القليل عند معدمي ارض السواد .
اذ كيف تزرع القناعات في رؤوس هذه التجمعات من الطبقة العاملة الغارقة بالجهل الذي هو مرضها المزمن .
ناهيك عن التهيب ،والخوف من السباحة في النهر الجارف بتياره العنيف .
خاصة السباحة عكس جريانه الذي يقلب الحجر على الحجر وهو في حضن العاصفة ،وفي غليان خارج استقراره . والسباحة بتبصر مصحوبة بالاصرار على كسر تيارات النهر العارم ولابد ان توصلنا الى الشاطيء .
كان يكبح جماحه في مسافة ركض الالف متر ،وهو في شارع لا يتجاوز طوله الخمسين متراً .وبذلك يكاد يقع في هم حرق المراحل قبل ان تنضج ثمرة الكمثرى المتصلبة كالحصاة والتي غلقت مساماتها ، ولا سبيل لوجود مساحات تتخللها . كان يحير بين الركض السريع ،وعدو السلحفاة بقطع المسافة المراد قطعها بمرونة غير مرتبكة ولا خائفة . كانت السنوات تمر مثل قافلة انهكها طول الطريق .. ان الانفعالات ودورها لا يمكن فرضها على ارض الواقع الا بحدود صعودها الى السطح . ولا يمكنك بالطرق العفوي ترويض الحديد البارد . اما الساخن والذي يكتسب لون الورد الاحمر يمكن ترويضه ،وجعله يتناغم مع الدم الذي لا يتوقف عن مسيرة الاستشهاد، البذل من اجل التربة...، وحمايتها من الظمأ الذي يزهق روح الوطن ، ويعزز بصيرة الرواد .وقد عُمّد الرجال بالدم .
فانتزعت النياشين وأنواط الشجاعة الكاذبة ،والمعلقة على صدر الايام السود لتلعق من جراحات الشعب الذي تجاوز المحن عبر الاعوام الكسيحة باعلانه الرفض لما يراد بالعراق ، واهله من مطبات ومكائد.
كان الشعب يرتصف بمسيرته عبر ايام النار،وهو يستند الى حائط الاستشهاد المقدس .

0 0 0

في سيارة مغلقة ،وفي ظلام دامس لا يستطيع الراكب تشخيص الوجوه ،والتعرف على الاشخاص الذين معه في السيارة ،والسيارة كانت في حالة اهتزاز مستمر الى جانب الضجيج ،واصوات المنبهات التي تثير الاعصاب ،وتبعث في النفس حالة من الاضطراب ،والخوف والياس .
والكل في حالة صمت إذ تحسبهم بكماً . حدّث منير نفسه وهو مرتاب ،وأشبه بمن سرح ،وهو في حالة غيبوبة يقول أين أنا ؟
ولماذا أنا هنا ؟
في سيارة ,وداخل ظلام مرعب ،كاد ينسى نفسه ،وصار يطرح الأسئلة على نفسه وهو بحالة أشبه بمن يهذي . من أنا ؟ وأين كنت ؟ والى أين سأذهب ؟
هل حملتني المصادفة بين أناس اجهل من هم ،وماذا افعل ..؟
كل هذا الوقت كان يتحدث بلغة غير مسموعة
والخوف يتصاعد ،ويتصاعد مثل فرن في حرارته أو مثل محرار يضعه طبيب في فم منير ليقيس درجة حرارته عندما يمرض .
لم تكن له تجربة من هذا النوع وهو في حالة حدس وظنون وخوف غير منظور .
اللعنة على هذه الساعة المليئة بالشكوك والريبة .
وهو لم يتورط طيلة حياته ليدخل في شيء مثل هذا الامتحان الصعب ،
وإلا كيف ،كيف يكون في مثل هذه السيارة،سيارة لا يألف فيها أحداً
ولا يعرف متى صعد ،ومن أين ، والى أين سيذهب ؟وهولا يعلم (وفوق كل ذي علم عليم) تصور يوم اعترض( الحوت سفينة يونس) وكانت الصورة ظاهرة إلا صورتي هذه , هل فقدت ذاكرتي.؟
ودَّ أن يقول للسائق هل تجاوزت منطقة الأعظمية ،أو لم نصلها بعد .حاول ولكنه خاف ،وانعقد لسانه بين شفتين مطبقتين ،
فسكن سكون الموتى ،وأهمل حضوره ، وراح يقرأ في قلبه بعض الأشعار لينسى او يتناسى ما كان عليه . حرك يده فصعق حيث لم تستجب له بحرية وهي الطليقة ،وهو الآمر الناهي لها ،والمتحكم فيها. اذن فهي في حالة عصيان .
تجمد في مكانه ،وعاد الى تصوراته الغريبة ،وشعر مثل عنكبوت داخل شبكة حريرية .
كانت الاضواء تمرق بسرعة السهام النارية .
تمنى لو كان مصدرها (صعادات ) كالتي تطلق في الاحتفالات الليلية والتي تبعث البهجة في النفوس عندما تنتشر في السماء مثل خيمة من الانوار الملونة والمدهشة و قد حدّق بتركيز بالغ .
إلا انه خاب ظنه وعاد الى دوامة القلق في عالمه الثاني حيث العقل الباطن في سياحة حرة .
غير مرغوب فيها ،و في حواره الذاتي ،وفي الدائرة غير المرئية ،وهو يتحدث ويتحين الفرص لنظرة خاطفة يتفحص فيها الوجوه لتي شاركته مقاعد السيارة ،ولكن الظلام اللعين لم يسعفه بفرصة ليتعرف عليهم .
عاد ليقول هل هم ركاب معه التقطتهم السيارة من على الارصفة .
أم ماذا ؟
رباه أين أنا ؟ ولماذا هنا ؟ ومع من ؟ اجهل ذواتهم , ومن هم ؟
ربما يجهلون من أنا ،وعلى غفلة من الجميع .
دارت السيارة دورة سريعة وقوية هزت من كان فيها فصدموا الواحد بالأخر .
وفي تلك اللحظة انطلقت صفارة شرطي المرور ،فتوقف السائق للحظة ، واقترب الرجل ببزته الرسمية .
انبعث الانارة داخل الصندوق المغلق ، وقبل ان ينطق الرجل ليطالب السائق بالاجازة ، وليسجل عليه مخالفة قانونية .
اخرج الرجل الجالس الى جانب السائق هويته الشخصية .
نظر الى الهوية رجل المرور فتردد ،وحصل له مايلفت النظر وهو في حالة ارباك تام ،وقد بادر الى تادية التحية الرسمية مع الاعتذار .
اما الوجوه فقد كانت غريبة على منير .
وعلى اثر ما حصل, فهم منير انه في وضع غير اعتيادي ،وغير عابر .
كان الرجل الجالس الى جانب منير عند انارة السيارة في الداخل قد رمق منير بنظرة مشحونة بالحقد والكراهية ،
فشعر منير ان قلبه غاص في بئر ليس له قرار ،وقد سحب الرجل من جيب بنطاله منديلاً وشدّه على جبهة منير فشعر وكانه اعمى لا يرى من يشاركونه مقاعد السيارة فدخل ليلاً آخر داخل ليل كهلال في محاقين .
ودّ ان ينطق ،وقد ارهقه الخوف ،وقال في نفسه :منير لماذا التطير واستباق التصورات الكاسحة ؟
كأنك تسقط سقوط الثمار قبل النضج .
بل وخارج الموسم, ثم همس منير ولكن يبست الحروف على شفتيه ولم تخرج بوضوح ،وهو يهبط من السلم .
قال الرجل الذي برفقته . ماذا قلت ؟
لم يجب منير وقد استسلم لقدره مثل سفينة في عرض البحر تتحكم بها الرياح ،والامواج المتقلبة بشكل غريب .
كان الضوء خافتاً ،ومنير يتلمس بقدمه الموضع الذي يريد ان يستقر عليه ،ومرافقه يمسك بيديه الى ان وصل قاع السرداب الرطبة ،والتي تنبعث منها رائحة العفونة . رفع الرجل المنديل عن عيونه وأشار بيده إلى الزاوية
وقال : أنت ضيف علينا الليلة ،وستنام هنا في فندق النجوم الخمسة وهو يضحك بسخرية بغيضة , وكريهة ، ثم قال : هل انت طالب ؟
لم يستطع ان يروض نفسه على الإجابة لسؤال يطرح بين الجد والهزل ،أو التشفي دون سابق معرفة ،وكذلك لم يستطع منير تجاوز الامتحان لعبور ( جسر التنهدات ) تيبست الحروف على شفتيه مثل المسامير المدببة لتغوص إلى أعماقه وهي عائدة منكسرة على صخور تصوراته .
حاول ولكن لم يستطع أطلاق الكلمات مثلما تُطلق الطيور من أبراجها .
وفي الليلة الليلاء كان جسمه يتصالب وهو غارق في التفكير ،وقد خامره احساس غريب .
كان جسمه مثل كتلة كونكريتية ،ومع كل حركة يسمعها تثير عنده المخاوف ،حول مصيره المجهول .
تصور نفسه كرجل غًرس في صحراء ترتادها الذئاب ،والصقور التي تبحث عن فريسة دفع بها قدرها المحتوم إلى تلك الدوامة التي هي شبيهة بدوامات البحر ،والمحيطة بضحية لا تجيد العوم .انفجر منير وخرج من الدائرة التي جعلته أسير أفكاره ،
وقال مع نفسه : لم ارتكب جريمة ،ولم أكن من أرباب السوابق ولم اخرج من القطيع الوديع ،فلماذا أنا هنا ؟
احسب الثواني وأحصي الساعات ، تمدد على بلاط الاسمنت البارد و القاسي بعد أن أُغلق الباب الذي ولج منه ،أكتسحه الحنين ،وانهمرت الدموع على وجنتيه لا يدري ماذا يفعل ؟
ولماذا هو هنا ؟
عاد يفكر لماذا سأله الرجل حين قال هل انت طالب ؟
وهل الطالب يجب أن يعامل هكذا ؟
يصادر كأي حاجة ملقاة على قارعة الطريق ،في هذا البلد .
شعر منير بتعب وانهيار ،وخواء .
انهدّ جسده مثل مسبحة انفرطت ،وتبعثرت حباتها لتستقر بين الحفر ،وفطور الأرض ،وما ان انطبقت جفونه حتى غاب عن الوعي .
أنحنت عائشة تقبله ،وتقول له أنهض لنذهب الى الجنة .أنهض. انهض
وما ان مسكت بيده وسحبته بقوة ،وهي تقول استيقظ ،استيقظ ..
وما ان فتح عينيه وإذا برجل يتميز بالخشونة, وبصوت جهوري ،وهو قابض على يده بقوة وعنف ،وهو يصرخ انهض فلست في أحضان زوجتك ،أو في فندق هيا أسرع ،فهم يطلبونك للمثول أمامهم .
لماذا يطلبونني ؟
ابتسم الرجل وقال لأنك من المشتبه بهم ،نهض منير وشعره غير مصفف .
وقميصه متسخ . سار مع الرجل محزوناً وكئيباً ، مثل من يسير خلف نعش ،وهو مطرق والرجل يمسك بيده ،وهو منقاد مثل حمل وديع .
أقتاده الرجل لممر ضيق ثم ارتقى به سلماً أدى به إلى الطابق العلوي وادخله أحدى الغرف ،فكان و النهار بلا موعد، وأجلسه على مصطبة ،ووقف قربه ومنير تائه النظرات ،وغارق في عالمه الداخلي ،تجتاحه الهزات ،وقد زلزلته الهواجس وهو لحد هذه اللحظة يجهل سبب وجوده هنا ،وما ذا يريدون منه هؤلاء الرجال الغلاظ القلوب من المتوحّشين والموسومين بالخشونة ، والفظاظة
تراهم كحيوانات غيرمدجنة .
كنت اسمع عنهم ولم اصدق ضحاياهم عن الأعمال التي يمارسونها ضد الشعب ،بدءاً من عمليات الفلقة والتعليق بالمراوح السقفية ،وإطفاء السجائر على مواضع الجلد الرقيق ،وفي الأماكن الحساسة التي يسكب الماء البارد عليها وفي الشتائات الزمهريرية ،والماء المغلي في الصيف الحار الى جانب قلع الاظافر ،وشن الحرب النفسية .
نعم هكذا يتعاملون مع من تقودهم اقدارهم ليقعوا في الفخ .
لماذا يعاملون الناس هكذا خاصة منهم العمال ،ويشددون اكثر مع المتعلمين حيث يمارسون معهم السلوك المشين ،والمغاير للسلوك الانساني غير المهذب .
أعجب من مواقف هؤلاء إذ كيف يقبلون لأنفسهم ولآدميتهم أن يقفوا إلى صف من سيتحدث عنهم التاريخ ،ويضعهم في زواياه المعتمة ،وأخص منهم من قرأ أو سمع عن معسكرات الإبادة النازية
،وما فعله الغستابو الألماني مع من يختلفون معهم في الرأي ،ولو إن التاريخ مليء في مثل هذه الفواجع .
كانت الافكار تدور في جمجمة منير مثل رحى الطواحين .
كان منير ينتظر لياخذ دوره ،لايعرف باي صنف سيلتقي .
قد يلتقي برجل تلوح عليه سيماء الملائكة ،او فضاضة الشيطان الذي يتعامل بالناب او المخلب او المنقار مثلما تتعامل الطيور الجارحة ، او النمور المتوحشة ،ومع هذا الاحساس راح يمني النفس ،ويقول ربما يوجد بينهم من يتعامل برقة ،ونعومة الحرير او جلد الثعبان .
في هذه اللحظة الحرجة ،وبعد غثيان مرّ .
انسرح منير في ممر احلام وردية ليسترق مشواراً قصيرأ ،وليقيم جدا راً
كجدار برلين بينه وبين هؤلاء لينعم بسلام بعيداً عن جحيمه المنتظر . تمنى لو يسرق النعاس, ويطرد حارس القلق الذي يتمثل بالرجل الواقف قربه ،
وأخيراً استسلم للعذاب وسار على قنطرة اليقظة ،وشارع القلق لأصحاب القلوب الحجرية ،والذين سماتهم ليست من سمات البشر .
أما اللذين يتصفون بالحب والشفافية حيث ينبت الخير تحت اثر أقدامهم ،ويشرق مثل الضوء .
وترى الناس يلتفون حولهم في الدوائر والأعمال ،اجل عكس هذه الفئة الضالة التي رضعت حليب الذئاب واكتسبت طباع الثعالب ،كان منير يردد
كان منير يردد اجهل في أية بقعة أنا ،ولا اعرف من سيأتي .
كان منير خارقاً في تصوراته التي هي أشبه بالهلوسة والهذيان ،وحمّى الرعب .لا سيما هو حديث عهد بمثل هذه اللقاءات التي هي خارج المواعيد المسبقة ،وعلى غفلة ،وقبل ان يستقر سمع وقع أقدام تقترب فاهتز لهذه الحركة ،
التي تحدث الأصوات ،أصوات وقع الأقدام. دخل رجل بدين بشعره الأبيض ابتداء من شاربه ،وحتى فروة الرأس ولحيته وعلى انفه تنتصب النظارة الطبية ،ومعه شخص يبدو أقل أهمية في درجته الوظيفية يرتدي بنطالاً اسود ، وقميصاً بنياً ،ولون بشرته مثل لون بنطاله .
جلس رجل المهمّات حسب تقدير منير ومارسمه في ذهنه لشخصية الرجل . نظر الى يمينه ،ويساره كمن يحاول العثور على شيء خارج موضوعي .
أنا الموجود هنا دون ان اعرف سبباً لحجري .
واخيرا التفت اليً ثم قال: اقترب واجلس هنا ،وكان كرسي قرب المنضدة التي وضع عليها كثيراً من الورق الابيض .قال بعد ان امسك القلم بين انامله وسحب قسماً من الورق الموضوع على المنضدة ثم قال :اسمك منير عبد القادر ،مهنتك طالب في الصف الرابع قسم الفلسفة ؟
ما شاء الله هنا في بلادنا شباب يطوّرون تصورات سقراط وافلاطون وغيرهم من الفلاسفة الكبار الذين خدموا مجتمعاتهم .
وانا استثني الذين يوقدون النار في ابار النفط ,ويعملون لقيام فردوسهم ولينقشونه في عقول الشباب ،ويصرون على تاكيد موضوع الحتمية التاريخية الانقلابية ، وماستفضي اليه مصائر البشرية .
وذلك الحشو من الهراء يبذرونه في تراب الفقراء ،ويعملون ليل نهار وهم واجهات اعلامية تعمل بلا مقابل لحساب جهات اجنبية ،كل ذلك لفرض نبوآتهم الطوباوية وقد ساقوا الغوغاء سابقاً الى الكومون في مناطق اخرى من العالم ،وهم يعملون ليل نهار لتأكيد تجربتهم وخداع الذين ليس لهم تجربة مع تلك النظريات التي فرضت نفسها في غفلة من اصحاب الحل والربط ،أي الملوك والامراء والقياصرة .
للاسف الشديد هاهم يكادون ان يحركوا الموتى من قبوروهم يضعون افكاراً تتناغم ،ووتربة المعدمين ،والفقراء في العالم ،وعندما يلجؤون الى الفقراء يعرفون من اين تأكل الكتف .
ماعلينا عمرك عشرون عاماً ،عمل والدك نجار ،ووالدتك ربّة بيت , اسمها عائشة ،
اخوتك واخواتك ،ليس لي اخوة او اخوات وانا الوحيد لعائلتي .

الوحيد لعائلتك ،وانت انت ,هل لك اصدقاء ؟ ليس لي اصدقاء
كيف تقضي اوقاتك وانت بدون اصدقاء؟خاصة في الكلية ،وانت تحتاج لعون الاصدقاء مثلما هم يحتاجون اليك ؟
انا لا التقي باحد ولا احتاج الى احد ...
اخرج علبة السكائر وسحب سيجارة من العلبة مع علبة الكبريت واشعل النار فيها وتركها على الطاولة مع علبة السجائر وراح يسحب نفساً بعد نفس بشكل عميق ثم ينفث الدخان ليرسم جو الغرفة باشكال من الصور السريالية والتي تتلاشى بعد لحظات .كان منيريقول في سرّه لماذا
ينظر اليّ باهتمام وتركيزو يحاول قراءتي مثل طالب حينما يمر بحالة الامتحان الحرجة ويتفحّصني بنظرات دقيقة ثم يقول : أنت مسكين ،وشبيه باعمى فقد بصيرته دون ان يشعر بذلك :
انت تسقط من الجبل ولكنك تعتقد انت في حالة صعود ،وتقول لنفسك :أنا ابني هرمي وهرم وطنِي
وانت تهشّم هرم الوطن بمعولك ، ارى انك مولع بالاحلام وانت ابن دجلة والفرات ،لم يكفك ريعهما وانت تفتش عن الفولغا ،والساحة الحمراء بدل ساحة الملك فيصل الاول .
يبهركم سيد الكرملن ولا يبهركم نور العراق وطلعة الباشا ،
سيدي ليس هنالك من تعلّق بالساحة الحمراء .
نحن ابناء العراق ونلتصق بالعراق .
جاء احد افراد الامن وقال للضابط سيدي قبضوا على الفار عن وجه العدالة والذي كان يقود مظاهرة باب المعظم والتي قتل فيها احد افراد الشرطة المحلية .قال الضابط : أعد منير الى مكانه وخرج من الغرفة مسرعاً
0 0 0












جلس منير على بطانية قديمة و وسخة .
سأله احدهم : منذ متى جاؤا بك الى هنا ؟
منذ ايام وفي اغلب الاحيان يتم نقلي من غرفة الى غرفة في الفندق خمس نجوم على حد قولهم . لماذا جاؤوا بك الى هنا؟
لأ ادري ألا تعرف على اي شيء تم اعتقالك ؟
وقبل ان يجيب منير قال ارجوا المعذرة
هل انت متهم بقضية تزوير او شيء من مثل ..،
صرخ منير بوجه الرجل : كلا لست من هذا الصنف .
أنا طالب جامعي وفي الدور الموشك على الانتهاء من سنتي
الاخيرة في قسم الفلسفة
قال الرجل اكرر المعذرة وانا اصدقك فلا تلمني كوني لا اعرف قضيّتك .
منيرسيدي لقد سالتني عن سبب اعتقالي وانا اقول لك فتش في دفتر ذاكرتك وستجد السبب والمبرر لوجودي هنا تحت خيمة العنكبوت ،والسقوف الكاذبة .
لا اريد ان ازكيهم خاصة المثقفين منهم..
هم كثيروا الظنون في الناس .
وعندما يعملون في دائرة مثل هذه الدائرة يبيعون مرؤاتهم بثمن بخس
وهم ينشدون الراحة والنظافة الخارجية والتي تدخل في موضوع الديكور والمظاهر, عكس عامل الطين, وعامل تبليط الشوارع بالقار الاسود, وصباغة الدور, وعمل النجارة, والحدادة .
اما هؤلاء الممسوخون منهم من يذرع الشوارع ,ويحمي المسؤلين الذين بدوهم يحمون مصالح المستعمر ببصيرتهم السوداء والتي تشبه مداخن معامل الطابوق (واقصد الذين يتعاملون معنى في هذه الدائرة) ألفوا الراحة والكسل وانسابوا مع القاذورات, وحشرات المياه الثقيلة وفي ظني انهم لم يخطؤا التصويب في حصد الفراشات, والطيور التي ترفض ابراجهم العفنة والظلامية , ذهل الرجل وبقية المعتقلين من حديث منير .
كان منير قد التقى الرجل قبل يوم من هذا الوقت , و قرب دورة المياه ولكن الرجل حين سأله قد نسي وقوف منير قربه عند دورة المياه .
قال الرجل يعجبني اطلاعك الواسع ومعرفتك الرائعة بدخيلة هؤلاء
وبأنك قلت ما قلت وانا اعود لاردد قولك في صيغة النصيحة واقولها ايضا فتش في دفتر ذاكرتك ،وتلافا ما امكنك ابتلاع مايمكن ابتلاعه من معلومات قد تشكل لك ادانة تدفع بك من خارطةالذات الى عالمك الخارجي والذي هو بمتثابت مرايا تعكس , وتعري عالمك الداخلي وقبل ان تترك ما يدل على الاثر عند مرورك في الدروب غير المطروقة, وغير المسموح المرور بها بموجب حضارة الذئاب وقوانينها الهمجية .
وخاصة الذين يسامرون الكتب التي تدخل للمكتبات خلسة ,تلك الاكثر انفتاحاً على الاعماق التي لم يصلها الغطاسون .
عليك ان تفتح عينيك قبل ان توقض النيام وهم يسيرون في الشوارع , ويزاولون اعمالهم .
وفي الصباح جاء احد الحراس لمنير بفطوره المؤلف من رغيف خبز, وقطعة جبن ,وقدح شاي وقال له فطورك .
دمعت عيناه . فقال ا لحارس خذ فطورك وستتعوّد الحياة هنا
وقدم للاخرين الفطور وقال لمنير:
أنك من اصحاب المعرفة : والدائرة تحسب لك الف حساب وحساب ولا تشغل نفسها إلا بك, وبامثالك من المتعلمين .
فكن قويا امام الامتحان الصعب والدائرة لا تهتم الا بالحدود التي تعتبرها اخطر القضايا التي تجابه النظام .
كان منير ينصت الى احاديث المعتقلين .
قال احدهم ان الشرطة ورجال الامن داهموا بيتي وقاموا بحملة تفتيش واسعة ودقيقة وهم يبحثون عن الحمام الفضي ,ولا اعرف ما خطورة الحمام على النظام وطائراته ,ومدافعه, وبنادقه .
قال اخر أنّ الحمام يرمز الى السلام .
اذا كان يرمز الى السلام فلماذا يلاحقون السلام ؟
يلاحقونه لانهم من عشّاق الحرب لانهم فاشست وقد استهوى بعضهم سيد الصليب المعقوف ،وكاسر غصن الزيتون ,وانا راجعت
نفسي مرات عديدة ولم اخرج بجواب مقنع حول مقاومتهم للسلام وهم ليسوا على استعداد لقيام حرب مع اسرائيل ،يطاردون انصار السلام وهم اكثر استسلام امام اسرائيل .
فلماذا يطاردون انصار السلام و في واقع حالهم وهم حمل وديع يتحاشى الدخول لمزرعة تلك الدولة المشوهة ,والخلاسية حتى في احلامهم ولا ادري تحت اي شعار يقفون وقد حاربوا ويحاربون اي تطلع يشم منه رائحة معادات بريطانيا التي قدمت لنا وعد بلفور المشؤوم .
قال احدهم لنعد لسبب اعتقال صاحب البرج
رد اخر محتدماً : اي برج ، ارجوك اكمل لنا شوط اللعبة وانحرف بنا صوب بوصلتك وانت في البحر المضطرب .
وهل انا قبطان سفينة, نعم انت في نظري وحدسي افضل من قبطان سفينة تايتانك الغارقة فلو انسرحت, وعمت بنا في بحر العرب ، ولماذا لم تقل لو عمت بنا في البحر الاحمر.صه قبل أن يسمعك احد الثعالب او من الذين يطاردون الحمام لما اعتبرها سوى شفرة او طلسم له رموزه الدالة على صبغتك السياسية وريادتك للبحر الاحمر .
قال اخر :لقد اتعبنا الدوران حول البحر كثيراً وانا اقول للرفيق بصراحة شئت ام ابيت فانت في البحر الاحمر .قال آخر
لو اكملت الدراما وملت بنا فوق برجك المزعوم .
قال كيف اميل وليس لي برج مائل كبرج بيزا .
وفي كل الاحوال انهم يصرون على ملاحقتي بحجج واهية واتذكر في مرة سابقة وفي نفس هذه الدائرة قال لي احدهم في التحقيق : لماذا لا تتطهر ؟
قلت :مما اتطهر ؟ قال :من افكارك ..
قلت :وهل افكاري تحتاج الى تطهير ؟ قال :نعم
قلت :ساذهب الى نهر الكنج لاتطهر مما علق بي في معتقلكم الذي يساعد على نمو ونتشار القمل وتكاثره .
ضحك الرفاق وقال احدهم :ان نكاتك اللاذعة خففت بعض الشيء مما نحمل من احزان فارجوا ان تكون جاداً معنى لتكمل بقية مافعلوا معك عندما فتشوا البيت ولم يجدوا ضالتهم
قال احدهم :بل اين اخفيت الحمام ؟
قلت لهم انكم عندما داهمت البيت ظنّ الحمام ان صقوراً داهمت البيت ففر مذعوراً..
نعم وضعوا اصابعهم على كل ما وقع تحت نظرهم ولم يعثروا على شيء يساعدهم على اعتقالي ومع هذا اقتادوني الى مركز الشرطة, و وضعوني في ( النظارة )
وبعدما جمعوا في اذهانهم من تصورات في رحم الغيب ونسجوها من خيوط خبثهم حيث توصلوا الى صيغة مشتركة بينهم تحولت الى تهمة كوني اطلق الحمام في ساحات العمل وفي المقاهي ،وفي الشوارع الواسعة ولكن بسرية تامة الى جانب اشتراكي باحدى المظاهرات المخلة بامن البلاد .
ولخلق دوافع لسحب الثقة من الوزارة العمرية ،وتعرية النظام امام الراي العام العراقي .
ويحضرني قول شاعر العرب محمد مهدي الجواهري في الوزارة المهزوزة

عوذت وجهك بالقمر وبم استضاء وما ازدهر
يــــــــا حافر الكاور والباغـــي به عاتٍ اشر
ومن خلال لعبة الثعالب اصدروا مذكرة توقيف بحقي ومن ثم اقتادوني الى هنا ليبدؤا المسرحية وفي الفصل الاخير وضعوني في المربع الاخير من قبوا الاحياء ،لقص جناحي ومنعي من التحليق .
قال احدهم :الظاهر انك مهم في نظرهم وإلا لماذا قاموا بهذه الدورة الواسعة حولك وقد حصدوا سنابل الخوف من مزرعة القوة
لا لأجل شي اللهم الا ليضعوك في القفص ،ويضعوا ايديهم على خريطتك التي تشير الى رموزك السرية سواء في الاعماق او على السطح .وهم
في اليقظة او في السبات ولا يمكن لانسان ارض السواد ان يمر إلامن تحت قوس
النظام بختيارهم ضمن سياسة السادة وربما هناك توافق على اختيار الالوان إلا اللون الاحمر فهو يثير الاعصاب وخاصة في الثيران .
وفي السينما نرى الحلبات الاسبانية لمصارعة الثيران وكيف يثار ويستفز الثور وترتعش فرائصه من اللون الأحمر.وبعد صمت ومراوحة ,
قال أحدهم لا تحمل هموماً،
فاجاب ولم احمل هموماً ؟ لقد اعتدنا على مثل هذه الظروف وقد اصبحت من زبائنهم وكم حاولوا ان يضعوا اصابعهم على شفرتي السرية فما استطاعوا،وقد صرت من معارفهم وهم لا يصبرون على فراقي خاصة في المناسبات .
وهل هناك مناسبات؟ نعم هناك مناسبات مهمة وتبدأ عند زيارة الوفود الاجنبية على مستوى وزراء او،او ذكرى معاهدات ,او انتفاضات وغيرها من الامور الواردة عندنا, وكذلك في ذكرى ثورة العشرين التي لم اشر اليها والتي ولدت وتفجرت ضد الانكليز ،
وكذلك وثبة كانون والتي قبرت معاهدة بورت سموث الجائرة بحق شعبنا.
كان هؤلاء يلقون بشباكهم لاصطياد الاسماك الكبيرة والتي تعوم في شوارع المدن وبحيرة العراق .
وعند هذه المناسبات, تحل الغارات الليلية على منازل المواطنين الآمنين الى جانب من يعتقدونهم او يتهمونهم من السياسيين الى جانب السراق الذين يضعون صورهم الى جانب صور ممثلي الافلام السينمائية على لوحات العرض .
وهناك عبارة بحروف بارزة تقول احذر السراق وانت تطل على صورهم الى جانب صور مارلين مونرو وفلاش جوردن وريغن ويوسف وهبي ومحمود المليجي والمغني والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وام كلثوم وغيرهم من اعمدة السينما والمسرح والغناء من المشهورين والمغمورين .
وهكذا تمر الساعات الرتيبة والطويلة خلال الاحاديث الصاخبة والمليئة بالسخرية من النظام وعيونه المالحة ذات الدبابيس الخارقة .
كان منير يصغي ويأخذ اكثر مما يعطي في ما يدور ,وما يطفوا في مخيلته وهو مايزال بين الجنة والنار ولكنه الى النار اقرب من الجنة :-هو في البرزخ وليس برزخ ما بعد الموت ولكن برزخهم .. ،
وربما تسقط القشة التي كسرت ظهر الجمل وهو تحت الحمل الثقيل ،وهو البريء المبصر في مدى غشاوتهم .
ولكن ماذا يفعل وهل يملك سلاحاً اقوى من الصبر ,
وعلى مدى التاريخ انتصر الصابرون وفشل الحمقى في ماراثون حرق المراحل .
تحدث منير في لغة الصمت وما خلف المرايا حيث السباحة في الظلام وهو يصعد موج الحنان ،ويطلق نوافير الشوق لطيف عائشة وعيونها التي هي اصفى من ماء البحر ،
وصوتها الموموسق الذي ينساب الى سمعه فيوقظه من النوم حتى لو رقد العالم كله ،وصمت ما في الوجود تبقى موسيقى عائشة تعزف في وجدان منير .
كان المعتقلون مغمورين في الاحاديث ،ومنير في سياحة ذاتية وفي حوار باطني مع هواجسه وتطلعاته الحالمة .
وعلى غفلة سمعوا طقطقة على الباب فانقطعت الاحاديث وخيم على المعتقلين الصمت المطبق وهم لم يتبينوا بعد مصدر هذا الاصوات ما ان انفتح الباب حتى ظهر من ورائه رجل بملابس مدنية وتفحص الجالسين بنظرات خاطفة واحدا بعد الاخر كالذي يبحث عن شيء واخيرا وفق في العثور على ضالته وقال منير عبد القادر .
انتزع منير من وساوسه وقال نعم
قال الرجل : انت مطلوب للتحقيق من قِبل المحقّق .
ابتسم احد الجالسين وقال لمنير اسرع فهم يدعونك الى مأدبة طعام .
قال الاخر : مع تقديم الفواكه ،والشاي المعطر ببوح زهور الحقد ،
وقال اخر: وهل لديهم غير ثمار شجرة الزقوم التي تثمر على ترابهم في كل المواسم , والفصول .
وعندما خرج منير مع الرجل و أوصد الباب .
استمرت التعليقات عن شهامة وكرم الرجال ، بل سوء معاملتهم وخستهم .
قال احد المعتقلين :ان هؤلاء الذين قيدوا اردتهم يتصرفون معنا بخشونة وينظرون الينا وكاننا لسنا بشراً وهم يشبهون اصحاب الاقلام الكاذبة .
في الماضي ايام قيام ثورة العمال والفلاحين بقيادة الحزب الاشتراكي، الروسي ايام المحنة .
وقد كتب البعض من اصحاب الضمائر المرهونة .., والاقلام الرخيصة من ان الثوار من اكلة لحوم البشر وهم يتحدثون عن مشاهدات مفبركة ومنسوجة في مناشيء الدجل وهي شبيهة بمطارحات (مكيافيلّي)مثبتة على اسس من الكذب , اكذب،اكذب حتى يصدقك الناس .
كان البعض يقسم على انه شاهد بعينيه كيف ان الثوار الغوغاء كانوا يحرقون الاناجيل امام ابواب الكنائس ،وتحت قباب بناية الكرملن ,ويمنعون المؤمنين المسيحيين من تادية صلاتهم , ومن اقامة القداس , ومن اي شيء يمتّ الى الدين بصلة.
لقد قرات الكثير عن مثل هذه الحوادث الشنيعة والبشعة وهي عارية عن الصحة وقد حاولوا ويحاولون تغطية قرص الشمس بالمنخل ،
وكذلك هؤلاء الاحفاد الذين ينحدرون عن الاجداد ولا اقصدالاحفاد عن طريق التناسل البشري .
بل التناسل الاديولوجي فهم من نفس العجينة ،ونفس الطينة وقد يصطف المسيحي مع المسلم والصابئي والبوذي وكذلك اصطفافنا نحن على الارض ولا يقف بيننا شيء سوى المصالح الطبقية .
هم لهم مصالحهم ونحن لا ننكرها عليهم الا انهم اصبحت مصالحهم تتضارب مع مصلحة الاكثرية لذلك سنقول لهم يوماً ما قفوا :- فالانسان مثل الشجرة التي تحتاج الى الماء وضوء الشمس .
نعم عند ذاك سنوقفهم عند حدودهم ،ونعيدهم لينهلوا من نفس مناهلنا ونجعلهم معنا تماماً مثل اسنان المشط حيث نقف ويقفون في الظل تحت خيمة تتسع للكل . ومثلما تعود الروافد الصغيرة الى النهر ,ومثلما النهر يصب الى المحيط المائي . وهكذا يختلط الماء المالح ليكتسب عذوبة النهر الواسع والكبير ,وليشكل ذلك الاوقيانوس العذب حيث يتساوى البشر ،
ومثلما خرجوا عراة يعودون عراة مثل الصورة داخل الاطار الواحد .
وحين يعجز النبات او التراب عن مجاراة الانفلاق البشري .
اجل في مثل هذا الوضع وفي مثل هذه المحنة نضطر لنوقف الهدر للاقتصاد الغير مبرمج وفوضى الانتاج ,
وكبح جماح الطفيليات لكي تحصل الاكثريّة
على حصتها التي رصدها الله لها ولغيرها .
عند ذاك لم ولن نسمح بالقاء فائض الانتاج الغذائي الى البحر ,
وذلك لنحافظ على الخط البياني للمادة المراد اتلافها,
ولمنع الهدر ،والغاء القوانين التي تجيز للافراداللعب
وجعل السوق في حالة مائجة ومضطربة
ببن المد والجزر خضوعاً لرغبة المضاربين بالاسعار . ولكي تصبح الحياة سعيدة ، وفي وضع تكافلي يتيح للجميع فرص العيش الكريم
وهم متقاربون في الحصول على جميع حقوقهم في العيش ،
بل ومتساوون في جميع متطلبات العيش .
وعندما تتصاعد وتائر الانتاج الزراعي والصناعي بحيث يتاح للجميع الحصول على ما تطرحه الحياة في الارض
بعد ان طال الانتظار المصحوب بالريبة والقلق والمرارات ,
والاحساس بالحرمان من نعم الحرية .
كان يحس كطير وضع في القفص , ومثل من هو ساقط تحت الكوابيس .
وفي لحظة صحو رأى منير نفسه امام المحقق.
نعم منير . لقد أتضح لدينا كونك لم تدنّسك الكبائر
وبالاخص انت تحتاج الى مورد لتدعم وضعك الاقتصادي ,
ومع شحة مورد والدك المسكين
فلماذا لاتتعقل , وتهتبل الفرصة , وتقبل العون , والعطاء الكريم.؟
قبل السقوط في الجب , وقبل ان يأكلك الذئب وتدع يعقوب في حزنه .
انا لاافهم ماذا تريد مني : انا اشك فيك وانت تعرف فلسفتنا : تقول
الشك مفتاح اليقين ونحن نشك في سلوككَ ,
ونجزم بمعاداتك للنظام .ضع النقاط على الحروف وجد تبريراً لخلاصكَ.
سيدي من خلال تضخيم تصوركم لي دون وجود أي مبرر جرمي يعني ظلمي ,واسقاطي في مركز دائرتكم الضوئية ,واذا تجاوزت فأسميها العشوائية
وقدحشدتم لي التهم من خلال الشبهات . ومن خلال مقولة الشك مفتاح اليقين هذه المقولة في رأي قد تكون خاطئة ولوانها من أولويات الباب الواسع للعثور على ماهو خارج دائرة الصحو, والصفاء الذهني.
عجز الضابط عن ادانة منير بشيء مما طاف برأسه من خيالات ,واوهام وقد عمل جاهداً لان يربط قضية منير بـجمال , وتورطه
مثلما يعجز العنكبوت عن ان يغطي بنسيجه- مصابيح البراءة تمهيداً لاغتيال العاشق ,
وكون منير مع جمال في نفس الكلية ,ونفس الصف
وقد باءت جميع المحاولات البائسة بالفشل واخيراً عاد المحقق بخفي حنين
وبعد ما قلّب القضية من جميع وجوهها عجز ولم يستطع ربط منير بشعرة ( معاوية ),فنزل عن بغلته , وعجز عن ضم منير لصفه الذي تدرع , بالشوك , وتنكر للزهور وعطورها .
ولكن انّى لمنير الذي اغتسل بندى الفجر , واصرّ على طهارة الذيل ,ونظر الى من حوله مثل عابد صادق مع نفسه ,ومع الله
وألتجأ الى محرابه دون ان تغرّه الدنيا بكل مساحيقها للعمل مع الشيطان .
وقف منير من موقع الدفاع الهادئ الى موقع التصلّب ,والاصرار ,وتسفيه الاتهامات الباطلة ,واستفراغها من محتواها الهزيل ,ووصم الضابط بالتخطّي العشوائي وخوفهم من الشباب, المتنوّر ومن السقوط في وحل الهزيمة , ومستنقع المناورات القبيحة .
وقد اصيب هو ومن على شاكلته بعمى الالوان ,
واصبحوا لايرون الا اللون الاحمر في ساحة اسبانية
استوردوها الى ارض السواد ليقيموا عرضهم
والضحية هم الشباب الواعي , والمتنور من طلاب الكليات والمعاهد .
لم يرد الضابط على كلمات منير ثم عقب منير فقال سيدي
ان البحوث الحديثة لاتعدو كونها فقاعات صابون
تولدت ,وتناسلت تحت خيمة التخيل المريض وهي لاتخرج عن كونها ظاهرة خرافية في حيزّ التحقيق غير الدقيق ,
وليس لها من جذور في طين الواقع ,لذلك لا استطيع ان اسمّر غيري على الصليب مقابل اسكات المعدة وكلما انظر لتلك المقولة المعلقة فوق رأسكَ وهي داخل الاطار المذهّب مكتوبة بالخط الكوفي والمستقرة خلفكَ على الجدار
-الشك مفتاح اليقين-
ارتعب واقول مع نفسي قد اكون ضحية هذه المقولة الخاطئة .
يخالجني احساس وكأني تدحرجت عليكم من سقف العالم,
وما ان استقر جسدي على ارض السواد حتى اثاركم كوني من سكان القمم ,وبالتحديد من قمة افرست بالذات وكل ذلك كوني طالب فلسفة,وكأنما دروس الفلسفة بالذات تحمل معها مرض الجذام المعدي .
سيدي المحقق المحترم اسأل فق . اوليس لي حبلي السري الذي يربطني بالوطن , وبسفينته التي تمخر في بحر العرب.
ومهما عمت فأنا ابن هذه التربة واقدامي تنغرس في طين عروسة التاريخ , واعجوبة المدن , وجذوري تغور الى عمق سبعة ألاف كيلو متر والافكار مثل الورود والازاهير تتفتح في ارض السواد وأنا بطبعي اعشق الجمال وربما اسقط ضحية عشق لاجمل وردة , واكثر جاذبية اسقط الى العالم السفلي .
كانت ثورة منير قد فلّت عقدة لسانه , ولاح العرق كحبات مضيئة على جبينه.
كان انفجاره البركاني جرّاء تخمرّه في الاقبية المظلمة لاسابيع وايام .
استعاد المحقق وجوده الغائب ,وكأنما ضربته رجوم سبق وان طاف حولها فأذابت الثلج المتراكم والذي غلّف وجدانه منذ ان ألتحق بدائرة الشك مفتاح اليقين, وها هو ألان يحس بدوار وهو في دوامة الرعب اللامرئي.
اخذ نفساً عميقاً ثم اطلق زفيراَ مدوياً مثل ماء النارفي حرارته وقال لمنير انها فرصتك قبل السقوط قال منير لسنا في جاهليّة اللات والعزَى وغيرها من اصنام الماضي . ثمّ ردّد في دخيلته . يتحدث عن السقوط وينسى نفسه ,
وموقعه حيث يقف على تل من نفايات الافكار : اردف المحقّق : منير فيم تفكر وانت على خطوة من شدق البركان , وغياب طائر السعد من بين يديك. اجابه منيرفي فضائه اللامرئي ,وغير المسموع عجبت لشيطان مسربل بدنس التجديف وهو يتظاهر بعفة الملائكة , وعظاة الصالحين .
والحق يقال انه يجيد التنكّر, والتقمّص , وتأدية الادوار .
ربما كان له ماض في التمثيل ,وحضوراً في المسرح.
بعد هذا الحوار الباطن انكفأ منير على نفسه , وغاص في البعيد بعد ان اُنهك , وشعر وكأنّه سحق حدّ العظام وقد تهيب من السقوط حتى في عالم التصور, والتخيلات , وفضّل السقوط من شجرة الحياة , وبقي يصر على ان لايضع غيره على الصليب , ولا يتحوّل الى مدية تغوص في الجسد.
بل فضل ان يكون الجرح حتى ولو كلفه ذلك نزف كل ما يملكه من الدماء المتدفقة في الشرايين, ثم قرر ان يكون ظلاً (لانكيدو في صراعه مع الثور الارضي وليس السماوي) ولكي يكون سداّ منيعاً امام الذئاب.
المحقق لمنير رفقاً ورحمة بوالدكِ ووالدتكِ ولا اذكركَ ببقية الاقرباء
منير لا يجيب . المحقّق
انا اقدم لك النصح على طبق العفة والنزاهة.
منير لايلتفت , ولا ينطق بكلمة واحدة في حضرة المحقّق.
كان المحقّق يشعر بالتعب .
وقد اصابه دوار, ولاح على وجهه الاصفرار ثم هوى على كرسيه وصار يضغط على زر المنبه بشكل يوحي للسامع بالطلب العاجل .
دخل احد افراد الامن وهو مرتبك وقال نعم سيدي . اشار المحقق بيده وهي ترتعش الى منير وقال خذه الى مكانه.
ثم قال منير فكّر انا لَكَ لا عليكَ . فكر اكثر في مصلحتكَ .
سمع خارج الزنزانة ضوضاء, واصوات عالية , ومتنافرة , وحصل تحرك للقفل ثم فتح الباب. كانت مفاجئة ,ويالها من مفاجئة .
كان جميع الرجال يقفون قرب الباب.وقف جمال خارج الزنزانة وعلى معصميه القيود مثل افاع تعض .
بدأ احدهم يفتح القيد ويحرره منه ثم دفعوا به الى الداخل وفي تلك اللحظة انقطع البث وسكت المحاضر, وكان احد المعتقلين ممن تلوح عليه سيماء الهيبة والوقار . نهض مسرعاً بعد ان ذهب موكب الثعالب .عانق جمال عناقاً حاراً وقال متى جاؤا بك ؟
منذ أمدٍ وانا نزيل زنزاناتهم الانفرادية.
كانت الدماء الجافة قد تركت اثراًعلى ملابسه والانهاك يلوح على وجهه.
قال احد المعتقلين للرفيق المحاضر لو استطردت في موضوعك رفيقي .
نعم اعود لاقول انه كلما ينتج من ثمار, وحبوب على وجه الارض نجد خلفها الفلاحين, ولوتتبعنا فيض ذلك الانتاج وما حصل , ويحصل منه الفلاحون لما رأينا الا النزر اليسير الذي يكاد لا يسد رمقهم اليومي .
وكل منا له اقرباء في القرى والقصبات في ارض السواد . فليذهب ويرى بنفسه ما يحصل لهؤلاء الذين وضعهم الاقطاع خلف زرائب حيوانته, وخلف الخط البياني لاصطفاف البشر سواء في الاكل , او الملبس. اما العمال فليس لهم من الدنيا غير بيع قوّة عملهم . وعلى مر الايام وما ان يستهلكوا حتى يجدوا انفسهم خارج اماكن عملهم , وهذا ينطبق على جميع العمال في في مدن وقرى ارض السواد وغيرها
سواء كانوا في معامل كبيرة , او كأفراد يشتغلون هنا وهناك . والمسألة لاتخرج عن العرض والطلب .
مثلما زيد يعرض,وعمرو يشتري والدولة تحرص على تطبيق هذه القوانين التي وضعها الاقوياء المتعلمون , والذين يعرفون من اين تأكل الكتف , والذين تخرجوا من مدرسة ادم سمث ورهطه , نعم هذه هي المأساة وكلما وضعه ادم سمث ومن على شاكلته لايجوز المساس به.
بل ولا سبيل الى تغيير القوانيين منذ ما قبل سقراط, وافلاطون , وارسطو بشكل خاص , ومميز حتى يومنا هذا .

0 0 0



#شعوب_محمود_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذهب ولم يعدإإ ؟
- الملك
- الصعود لبرج بابل
- (بانتظار القصاص)
- (جولة في حقول النوّاب)
- بين المسرح والقضبان
- مولد الرسول الاعظم
- الرحمن
- (ايقونة الرماد)
- حين يغنّي الدرويش
- مقدمة في مدار اسماء الله الحسنى
- (الله) جل جلاله
- لمحات عن الشعر العراقي الحديث
- خسوف قمران
- (الحروف الفسفوريّة )
- صحيفة الرماد
- ابكي الحالمين
- ابكي لمن يحلمون
- (الظمأ ونبع السراب)
- (التحديق لما وراء الافق)


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - رواية : ذهب ولم يعد إإ؟ 2