أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمر يزبك - نحن السوريون:مالذي سنكتبه















المزيد.....

نحن السوريون:مالذي سنكتبه


سمر يزبك

الحوار المتمدن-العدد: 1240 - 2005 / 6 / 26 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


كنت اسأل نفسي، وانتزع الحجارة الثقيلةالمستقرة في جيوبي، التي تغريني بالغرق في نهر العدم، بعيداً عن نهر "أووز" الذي استحمت فيه فرجينيا ولف عام 1941 مرة أخيرة والى الأبد.
ما الذي سنكتبه نحن السوريون الأن؟ عن أي خراب سنتحدث في رواياتنا وأشعارنا؟
اخترع الجمل، واستحضر ماحدث مؤخراً في بيت الشاعر الضائع، عندما قررنا نحن مجموعة من الشباب الكتاب، تأسيس رابطة الكتاب المستقلين السوريين، وانتهت الفكرة كما بدأت بين مسودات الكلمات، ونمائم الأصدقاء، وخيانات الروح للقلب، وسطوع نجمات صغيرة تصفق لفكرة الواحد الأحد، الذي نما وترعرع لأكثر من أربعين سنة داخل عقول الكتاب والشعراء في دمشق، الصعاليك منهم، وأصحاب البزات الرسمية. اصوغ الجمل، واستعد للقاء زكريا تامر، لأناقش معه طرح مشروعي، إحياء فكرة هذه الرابطة المستقلة للكتاب السوريين، تحت شعار أوسع: رابطة المثقفين السوريين. وأردد لصديقي الشاعر، الذي رتب لي هذا اللقاء: ربما يتحمس للفكرة زكريا، لابد أنه سيسعد بها. التجربة هي مفتاح الحكمة والاجتهاد.
جلسنا مع صاحب النمور في اليوم العاشر، وارتشفت أول طعم حلو للقهوة، عكس ما يشاع عن الكتاب والمثقفين في سورية و حبهم للقهوة السادة! كان القاص السوري الكبير، الذي ترك البلد منذ ربع قرن يخبرني: أنه قرأ شيئاً ما عني، شيئاً يشبه افتعالي المشاكل في كتاباتي، عندما فاجأته بفكرة انشاء رابطة للمثقفين السوريين، وباتصالاتي مع بعضهم، لإعادة الإعتبار لدور الثقافة في المجتمع السوري.
أتحدث باسهاب، وهو صامت،مذهول، يتابعني، بحذر. يتوقف قليلاً، يتفحصني من تحت نظارتيه، ثم يرفع عينيه نحوالأعلى، ويهزّ رأسه باستهجان. كان فنجان القهوة لم يزل فاترا: (حكي فاضي) قال، ثم أضاف بلهجة جدية: من المستحيل أن يثمر العمل الجماعي في سوريا، هذا المكان ميت، الأمور سيئة، كل شئ بشع.. بشع.. الفكرة مستحيلة.. غير مجدية.
أعيد ارتشاف قهوتي، ومج سيجارتي، يلمع السؤال ثانية: ما الذي سيكتب عنه السوريون الأن، اذا أرادوا الكتابة؟ عن العسكر، عن غياب المثقف، عن ثقافة الخوف، عن الالغاء؟ وماذا لو فاجئني صاحب النمور، الأن بهذا السؤال؟
هذه المجتمعات غير قابلة للاصلاح. ردد ثانية، واقترب مني: تريديدن اعادة الاعتبار للثقافة، اكتبي. طوري نفسك. اضحكي. استمتعي. نحن أنشانا اتحادا للكتاب قبل أربعين سنة تقريباً، وانظري أين انتهى. أجبته: الأمور اختلفت. في زمنكم لم يكن هناك سوى لغة العسكر، وزماننا، يتهيأ للتغيير. ضحك. قلت والحجارة تطاردني: طوال العقود الماضية تم تهميش الثقافة، ولم يكن هناك من سلطة للثقافة، كانت الثقافة داخلة ضمن سياسة الحزب الحالكم، كانت ثقافة السلطة هي القائمة، ولذلك آلت الأمور إلى ما تراها الأن. الوقت مناسب لإعادة الاعتبار لدور المثقف في مجتمعه، خاصة في هذا الوقت. البلد بحاجة لنا أكثر من اي وقت مضى. نظر إليّ، كانت نظراته فاحصة، وقد شعرت لبرهة، أنه سيتهمني بالرومانسية الفكرية،وسيطلب مني ثانية الاهتمام برواياتي، وأفلامي التلفزيونية، لكنه لم يفعل ذلك، بدأ بحديثه الطويل، المسهب المؤلم، عن تجربته في اتحاد كتاب العرب، روى لي حكايات، عن كبار المثقفين الذين، خربوا في الثقافة السورية، وتحولوا الى رموز مقدسة في ضمير المثقفين، رموز لاتمس، لكنهم أنفسهم من حّول الثقافة في سورية الى وعاء بأذني حمار، هكذا تخيلت الأمر، وهويروي حوادث الخيانات. التواطؤ مع السلطة. الوشايات بالاصدقاء. الاستزلام. كان يسرد الوقائع. أحترق. أسمع. لم أكن يومها قد ولدت بعد، كما أردف، كنت واجمة،وقلبي يعّرش على أشجار غابة من الحزن، وأستعد لمواجهة ما يقول، مُحاولةً الرؤية من ضفة أخرى. القاص المشاكس يتأتأ، ملوحاً بيديه: من الصعب زرع روح الحوار بين المثقفين. اهتمي برواياتك، هذا أفضل ما تفعلينه للثقافة في سوريا، ولاتضّيعي وقتك أكثر من ذلك.هل تريدين المزيد من التفاصيل. لم يمهلني الجواب، وعاد للحديث عن صفاقات المثقفين. قاطعته : لكن الزمن اختلف. وعهود الظلام والاستبداد، لم تعد كما كانت عليه. هذه الكيانات صارت مهلهلة، والفرصة مواتية لحلم جديد. الظروف اختلفت، ويجب علينا نحن الكتاب والمثقفين، أن نسخّر معارفنا من أجل المجتمع، هذا ما كان يقوله ادوارد سعيد.
كان ينصت، ويتنهد. تابعت بجدية: أنت تعتقد أننا سنخفق
بالتأكيد. أجاب حازما. لست مع هذه الفكرة: قلت. طبعا، لا. أجاب.
لم استطع إخباره بما حدث معي، وأنا اتصل بالعديد من الكتاب والمثقفين ( حتى الكبار منهم) كيف تنصلوا من صفة مثقف، وكأنها تهمة. كيف صدقوا كذبة راجح في فيلم "بياع الخواتم" للرائعة فيروز، واقتنعوا أن المثقف كائن هامشي يصفّق للسلطة، أو يختبئ منها في زاويا مظلمة، إنهم يتندرون على أنفسهم، وعلى هامشيتهم، والاستخفاف بهم، يصدقون ما عرفوا يوماً، أنه كان من أجل ابتلاعهم داخل حوت الحكم، وصاروا يعاملون أنفسهم على أساس الكذبه هذه. قلت: علينا إيجاد صيغة جديدة لنجتمع معاً، ونعمل على ترسيخ مفهوم الحوار فيما بيننا، علينا تأسيس هيئة مدنية مستقلة، غير تابعة لأي سلطة، هيئة،مَعنية أولاً، وأخيراً بحرية الكتابة والابداع والفكر، وتعمل على تفعيل الدور الثقافي في المجمتع. نحن بحاجة لمؤسسات ثقافية مستقلة...
قاطعني باسماً: حكي...حكي... لن تنجح التجربة، اكتبي لوحدك. لوحدك فقط.
كنت ارتشف أخر ما تبقى في فنجان القهوة، وأراقب كلماته: ستفشلون .. ستفشلون. كان يتحدث بلغة عفوية بسيطة، بلكنة شامية ودودة. ربما رثى لحالي.
المجتمع السوري أبشع مما تتصورين، ما تفكرين به حلم نبيل، لكنه خارج الواقع الميت هذا، لن يكون هناك من شيئ جيد. المثقفون أنفسهم سيؤذونك. قال. ربما سنحاول. قلت. لم يرد. وتذكرت فجأة، أني على موعد مع مثقف وكاتب كبير أخر، سأطرح عليه نفس الفكرة. كان فنجان القهوة فارغاً، والقاص المشاكس صاحب الشعر الأبيض، يودعني بود ومحبة. خرجت من مقهى فندق الشام، واتجهت نحو مقهى الروضة. أضحك من نفسي، وأردد ما سيقوله زكريا تامر،حالما أغيب عن ناظريه: كاتبة شابة، حالمة. سيقولها ويبتسم بأسى.
أدخل المقهى المكتظ بالمثقفين والكتاب، الذين يأكلون بعضهم بالنمائم، وبالصغائر، وبنيران الانتقام، والالغاء، والوجود، والحروب الصغيرة، التي تأكل الكبير فيهم قبل الصغير (أغلبهم من الرجال) في تلك اللحظات، وأنا أستعيد فشل تجربة رابطة الكتاب، ورغبة كل مثقف فيهم، أن يكون قائد هذه التجربة، تخيلت سوريا، أرضاً واسعة، مزروعة بأجّنة مشوهة لدكتاتوريات صغيرة، وعلى قرقعة أصوات النراجيل، وارتطام أحجار النرد، والصراخ، والابتسامات الخفية، تذكرت أنه في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، قدّم جان كوكتو، ومثقفون فرنسيون آخرون مثل جان بول سارتر، وسيمون دو بوفوار، عريضة الى مسؤول حكومي فرنسي كبير، يطالبونه فيها باطلاق سراح جان جينيه من سجنه(كان متهما بجناية سرقة) لكنه كان يكتب أجمل الأشعار، وكان جان كوكتو معجبا بها. أتذكر تلك الحادثة، وأعترف لقلبي، أن أسماءً، لاتتجاوز الأربعة من الذين اتصلت فيهم، ولا أجد حرجاً من ذكرها " ميشيل كيلو، ياسين الحاج صالح، حازم العظمة، خالد خليفة" هي من تشجعت للمشروع، وتحمست له، بينما أخجل من ذ كر الأسماء الأخرى،الاسماء التي كبرنا معها، ونحن ما نزال شباباً صغاراً، تندفع الدماء في عروقنا، نقرأ لهم في كتبهم الضخمة، عن المجتمعات العادلة القادمة، وعن الاستبداد، وعن صيرورة التاريخ، والنضال، الأسماء التي تظهر بعضاً منها بصور كبيرة على شاشات الفضائيات، تندد بالقمع، وتطالب بالديمقراطية ، ومنح الحريات، دون تكليف نفسها عناء المخاطرة، والجرأة لتأسيس مؤسسة ثقافية مستقلة عن السلطة، الأسماء التي تنصلت من وجودها وقيمها،وفعلت تماماً، ما أرداته السلطة نفسها، عندما أكدت لجيلنا الجديد، عبث الحلم. وطالبتنا بالدخول الى البيت، وإقفال الأبواب، وإسدال الستائر.
كانت حجارة فرجينيا ولف تهرب من كل الشواطئ الى جيوبي، وأنا اتذكر صوت زكريا تامر، وفنجان قهوة جديد، ووحيد. أنتظر مثقفاً لن يأتي، وعيون الرجال المحدقة بي، التي لن تصدق أبداً، وأنا اقضم أظافري، مع رائحة القهوة، أني لست على موعد غرامي، وأن سؤالاً ما، لايزال يأكل عقلي: نحن السوريون عن ماذا سنكتب؟ عن الموت من الداخل.. من الخارج، عن الموت من الخلف طعنا، والأمام طعنا، والقلب...طعنا، عن الصحراء الممتدة من أول البحر حتى نهايات النفط والنهر المدجّن.
لكني رغم ذلك كنت أ قول في قلبي، للذين تكسرت أحلامهم وكتبهم وأشعارهم، بين انهيار الإيديولوجيات،وقسوة القمع والعسكر،عندما كنا ما نزال أطفالاً ننتظر منهم الكثير: نحن سنكتب عن حكاية كل ذرة تراب في هذا البلد، ونمدّ أعناقنا، رغم رائحة الموت والخوف والفقر، غير متفائلين أبداً بأمل قادم، أو حتى منتظرين طرقاً أجمل للموت هنا، ولكن حتى لا يقال في التاريخ: ماتوا دون محاولة الشهقة الأخيرة في نبض الحياة.



#سمر_يزبك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دمشق تدعوك
- المثقف بين الإتباع والإبداع
- سينما... يا بلدي
- الصورة التلفزيونية وفصام الواقع
- الطوفان في بلاد البعث
- سيناريو كاميرا:انطون مقدسي وخديعة الغياب


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمر يزبك - نحن السوريون:مالذي سنكتبه