أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي العباس - قراءة باردة في موضوع ساخن















المزيد.....

قراءة باردة في موضوع ساخن


سامي العباس

الحوار المتمدن-العدد: 1239 - 2005 / 6 / 25 - 08:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل يكفي لتنظيم سياسي قائم على الفكرة الدينية أن يلون جلده ليصبح قادرا على الانسجام مع روح العصر ؟
أجيب بأنه لا يكفي ذلك,مع معرفتي بثقل هذا الشرط على روح وعقل محازبي أي فكرة دينية 0
ذلك أن ما نظل نشكو منه في أحزابنا التي تعترف بالهوية البشرية لعقائدها السياسية هي (ألد وغما ) التي تسد أبواب الحوار وبالتالي السياسة ,التي هي فن إدارة الاختلاف ,ومنعه من أن يفضي إلى العنف 0إن هذه الدوغما التي لا نزال نشكوا منها ,والتي نأمل أن يتيح اتساع الأفق العقلي للبشر ,بانتشار العلم والمعرفة العلمية الفرصة لإنقاص مركب التعصب داخل حياة الجماعات ,أيا كان النسق الفكري ـالأيديولوجي الذي تآلفت حوله 0
إن هذه الد وغما رغم اعترافنا بأنها تعرقل صيرورة دخولنا كعرب إلى العصر ,عصر العلوم والتكنلوجيا والحريات والترقي الأخلاقي وحقوق الإنسان0 عصر الاكتشافات المذهلة وغزو الفضاء 0
إن هذه ألد وغما على علاتها شيء تمكن التآلف معه كما يتآلف المرء مع جار سيئ عل الوقت والقدوة الحسنه تفعل فعلها 0إلا أن ألد وغما الدينية هي شيء مختلف بالمحتوى ,رغم أن آليات اشتغالها هي نفسها آليات اشتغال أشكال الدوغما الأخرى 0
* * *
ما يميز التعصب الديني عن أنواع التعصب الأخرى هو حقل الاختلاف 0فإذا كان حقل الاختلاف في أشكال التعصب الأخرى أرضيا ,فإن الاختلاف في التعصب الديني ينتمي إلى السماء 0 ولا ينفع هنا قول الملحدين أو العلمانيين بأرضية ومن ثم بشرية كل أنواع الاختلافات الدينية ,فقيمة هذا القول في قدرته على إقناع المتدينين لا في ما يحتويه من حقيقة 0إن عجز السياسة ـ وهي هنا فن إدارة الاختلاف ـ عن اقتحام حصون الاختلافات ذات المحتوى الديني متأتية من عجز بنيوي 0 فالسياسة معطى بشري بحت قائم علىوجود بذرة الشك في امتلاك الحقيقة عندالمصطفين على ضفتي الاختلاف 0 أما السماء فإنها مكان الحقائق المطلقة 0
لا تستطيع السياسة أن تصعد إلى السماء لأن جوهرها الشك 0 ولا تستطيع السماء أن تستقبل السياسة لأنها مكان الحقائق المصمتة 0
* * *
تحت مفهوم الأرثذوكسية والعقلية الدوغمائية يستعرض د 0 هاشم صالح أبحاث المفكر الأمريكي (ميلتون روكيش) فيما يخص الدوغمائية 0ينطلق ميلتون من مفهوم (الصرامة العقلية) قبل أن يتوصل إلى بلورة نهائية لمفهوم الدوغمائية ,ووظائفية العقلية الدوغمائية ,وآليات اشتغالها,وقد عرف الصرامة العقلية كما يلي : ( عدم قدرة الشخص على تغيير جهازه الفكري أو العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك,وعدم القدرة على ترتيب أو تركيب حقل ما تتواجد فيه عدة حلول لمشكلة واحدة ,وذلك بهدف حل المشكلة بفاعلية أكبر )
يلخص د. هاشم استنتاجات روكيش (إن العقلية الدوغمائية ترتكز أساسا على ثنائية ضدية حادة هي نظام من الإيمان والعقائد /نظام من اللا إيمان واللا عقائد 0 وبكلمة أخرى أكثر وضوحا ,إن العقلية الدوغمائية ترتبط بشدة وبصرامة بمجموعة من المبادىء العقائدية ,
وترفض بنفس الشدة والصرامة مجموعة أخرى وتعتبرها لاغية لا معنى لها0 ولذلك فهي تدخل في دائرة الممنوع التفكير فيه ,أو المستحيل التفكير فيه 0وتتراكم بمرور الزمن والأجيال على هيئة لا مفكر فيه )1(1) 0
إن روكيش الذي يغض النظر عن مضامين الأيديولوجيات ويسلط الضوء على آليات ارتباط العقل الدوغمائي بنظام أيديولوجي معين يضع البيض كله في سلة واحدة 0 مستفيدا من هذا الحضور الخافت للأيديولوجيات الدينية في الحياة السياسية الغربية 0 إلا أن الوضع في العالم العربي /الإسلامي يعقد كثيرا عملية الاستفادة المعرفية من وجهات نظر روكيش ,ويفترض على الأقل إزاحة للأضواء عن آليات اشتغال العقل الدوغمائي نحو محتوى ومضمون حقل اشتغاله لجهة هويته ,دينية أم فلسفية أم أيديولوجية حديثة 000 الخ 0
ذلك أن هناك كما أسلفنا فارق جوهريا بين مضامين أيديولوجيا تدعي لنفسها منشأ سماويا,وبين مضامين أيديولوجيا لا تمتلك مثل هذه الحظوة 0 ولذلك فإن اختلافا حقله السماء يبلور عقلا دوغمائيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ,ويغلق بالضبة والمفتاح في وجه السياسة (كفن تقريب وجهات النظر )كل الأبواب 0
* * *
مناسبة هذا الحديث هي الادبيات المتواترة لجماعة الأخوان المسلمين التي تحاول فيها اقلمة وضعها مع عاصفة الدقرطة الامريكية لانظمة العالم العربي – الاسلامي ـ

وبادئ ذي بدأ يجدر بنا تسطير هذه الملاحظة 0 إن الموقف من ممارسة السياسة من قبل جماعات تتوسل الدين لا يرتبط بالنتائج السلبية (أفغانستان ,الجزائر 000 الخ) أو الإيجابية
(جنوب لبنان,فلسطين المحتلة 000 الخ ) التي يراكمها ما اصطلح على تسميته بالإسلام السياسي 0 إذ أنه لا يعنينا هنا إصدار حكم قيمة على الظاهرة,بل ما يعنينا بالدرجة الأولى
هو مقاربة الظاهرة بما يمكن من الحيادية العلمية,وتناولها لا في لحظة ضعف أو قوة ,بل في سيرورتها المحكومة بآليات ينبغي سحبها من دائرة العتمة إلى دائرة الضوء ,لكي يمكن استنتاج صيرورتها ,أقصد صيرورة الظاهرة 0
إن الحرية النسبية التي يمتلكها العقل وهو يتفحص فكرة ما ,تتسرب بالتدرج كلما تحولت علاقته بالفكرة إلى إيمان 0ولذلك فإن الفضاء الذي يمكن للعقل آن يمارس في إطاره حرية التفكير يتقلص إلى الحجم الذي ترسم تخومه الفكرة لجهة محتواها المعرفي المشروط بالزمان ـالمكان ,وبمستوى تطور المعارف والعلوم 0إن الفارق بين الأيديولوجيات التي تتحول إليها الأفكار الكبرى من هذه الزاوية هو فارق كمي 0إلا أن آليات ارتباط العقل بالأيديولوجيا هي واحدة لجهة ارتكازه على هذه الثنائية الحدية من الحقائق /اللا حقائق 0
ولجهة دخوله في علاقة جذب /نبذ صارمة مع الأفكار المتطابقة /اللا متطابقة التي يمكن أن يواجهها 0
إن إقصاء المختلف إلى دائرة اللا مفكر فيه ,أو الممنوع التفكير فيه يقلص الجدل بين المختلف إلى حد الصفر في الأيديولوجيا الدينية 0وهذا ما يمكن أن يكون فارقا نوعيا بين علاقة العقل الدوغمائي مع الأيديولوجيات ذات المنشأ السماوي ,أو تلك ذات المنشأ الأرضي
تعترض هذه القراءة عقبة حالات التساكن أو الحوار التي تمر بها الأديان والمذاهب المتجاورة في الزمان ـ المكان 0 يمكن معالجة هذه العقبات بالملاحظة التالية :
إن آليات دفع العقل الفردي أو الجمعي نحو الدوغمائية لا تشتغل بطاقتها القصوى على طول المسار التاريخي للظاهرة الأيديولوجية ,وإلا تحول تاريخ الأديان والأيديولوجيات الشمولية
إلى تذابح بدون توقف لالتقاط الأنفاس 0
ففي سيرورة كل دين أو أيديولوجيا شمولية يمكن مشاهدة ذرى متفاوتة الإرتفاع ,يصنعها اشتغال العقل الدوغمائي بطاقته القصوى ,ونشاهد أيضا هبوطا في الخط البياني يشير لفترات التجدد التي تمر بها أيديولوجيا شمولية ما في محاولة لتوسيع فضاءها المعرفي ,فيما يمكن أن نسميه بعملية مثاقفة 0
شاهدنا على ذلك ما شهدته الظاهرة الاسلامية من اتساع في فضائها المعرفي بين القرنين الثاني والخامس الهجري 0
إن محاولة كل أيديولوجيا شمولية لتجديد نفسها تأتي عادة على حساب دوغمائيتها 0 إذ أن هدم الجدران التي تسيج بها الدوغما الفضاء المعرفي يجذب إلى دائرة المفكر فيه ,أو المسموح التفكير فيه عناصر كانت قد أقصيت إلى دائرة اللا مفكر فيه ,أو المستحيل التفكير فيه0 وبعبارة أخرى إن محاولة أيديولوجيا ما لتجديد نفسها تترافق عادة مع محاولات لتوسيع دائرة المفكر فيه على حساب مساحة اللا مفكر فيه 0
في إطار هذه المساحة من الضوء ,أين نضع ادبيات جماعة الأخوان المسلمين الأخيرة؟
في خانة التجدد؟أم في خانة التذاكي المسقوف بجدل الرغبة في ممارسة السياسة الحديثة بدون الرضوخ لقواعدها ؟
لا يمكن للجماعة أن تمارس السياسة قبل أن تخلع عن نفسها هويتها الدينية 0ذلك أن صورتها في ردائها الكهنوتي يمكنها أن تضلل قطاعا واسعا من الناس عن رؤية المصالح والرغبات والميول البشرية البحتة ,التي تتلطى وراء المقدس ,أو تمتطيه للصعود إلى السلطة هنا أو هناك 0 إن الاحتكام إلى معيارية الخطأ /الصواب ينبغي أن يسبقه أولا الاعتراف بإمكانية وقوع كل منهما 0
من هنا فإن العمل السياسي الخاضع للاحتمالين ,يشترط على ممارسيه الاعتراف أولا بإنهم بشر يخطئون ويصيبون ,وأن حصيلة ذلك لن تكون أجرا أو أجرين بل ضررا ونفعا 0
ولعل السياسة حين نحتت مفهوم الشفافية كان دافعها إلى ذلك رفع ما تلقيه الأيديولوجيا فوق المصالح والأنانيات والغرائز البشرية من ستائر تحجبها عن العين الناقدة 0 ذلك أن صندوق الاقتراع يصبح أعمى بدون هذه التحسينات التي تجري على آليات اشتغاله 0ولا أظن أن رداءا أيديولوجيا ما يمكنه أن ينافس الأيديولوجيا الدينية في قدرتها على إخفاء ما هو بشري بالمطلق 0
* * *
حين يطلق تجمع سياسي على نفسه اسما ما ,فإنه بذلك يمارس حقه في التمايز في إطار الجماعة التي ينتمي إليها 0إلا أنه وهو يمارس هذا الحق فإن عليه وهو ينتقي اسما /دلالة ما أن لايستولي على أي من الدلالات المشتركة للجماعة وخصوصا تلك التي تنتمي الى الحقل الدلالي للمقدس0هذه اول الشروط واللائحة طويلة وثقيلة الوطأة,ولكنها ضريبة الخروج من القرون الوسطى..

-1-راجع عرض هاشم صالح لابحاث روكيش-كتاب الفكر الاسلامي قراءة علمية-محمد اركون-

سامي العباس



#سامي_العباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محولة للتفكير بصوت عال
- بين نصين مقدسين
- شعر
- التغيير الديمقراطي في سورية
- قراءة في اية
- تحية لفالح عبد الجبار
- الراعي الكذاب..تراجيديا السياسة العربية
- مزاح ثقيل مع الدكتور طيب تيزيني
- دراما استعادة الليبرالية
- العرب والسياسة
- ستاتيكو لغوي
- العرب نظرة الى المستقبل
- الحزب العقائدي
- برسم الانتلجنسيا العربية
- ملاحظات على هامش الماركسية الايديولوجية
- الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط
- مشتركات الوعيين الاسلامي - السوفييتي
- رد على لؤي حسين
- قصة من مجموعة -ابطال من هذا الزمان
- بيان من اجل الليبراليه


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي العباس - قراءة باردة في موضوع ساخن