أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - تناقضات المجتمع.. ومسؤولية المثقف













المزيد.....

تناقضات المجتمع.. ومسؤولية المثقف


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 4360 - 2014 / 2 / 9 - 12:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كيف يمكن أن يجمع المسلمون، وفي آن واحد، بين السلوك الإنساني وكذلك غير الإنساني؟ كيف يمكن أن يدعوا إلى احترام حقوق الإنسان وأن يمارسوه على نطاق ضيق من حياتهم، وفي نفس الوقت يدعون إلى عدم احترام تلك الحقوق ويمارسونه على نطاق واسع؟ كيف يمكنهم أن يدعوا للاثنين وأن يمارسوا الاثنين؟ كيف يزعمون احترام حقوق المرأة ويصيغون بعض القوانين في هذ الجانب، وفي نفس الوقت - نسبةً إلى تكاليف دينية وتقاليد اجتماعية - يرفضون مساواتها في الحقوق مع الرجل ويعتبرونها تابعة، مطيعة له، وخاضعة لقوامته؟ كيف يمكن أن يرفعوا شعار احترام حقوق الضعفاء وهم يعاملون فئة الخدم بصورة يُشتمُّ منها رائحة "العبودية"؟ كيف يدعون إلى المساواة ويسعون إلى ممارستها، وفي نفس الوقت يدعون إلى التمييز ويمارسونه أيضا؟
ما نستنتجه من تلك الأسئلة، هو أن المسلمين يعيشون "تضادّا" معرفيا. يميلون إلى مرحلتين ثقافيتين. فهُم مابرحوا يزعمون احترام حقوق الإنسان، وهو زعم يغلب عليه الشعار وتنتفي منه الممارسة، في حين غالبية سلوكهم تشير إلى انتمائهم لعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية ولتكاليفهم الدينية التي لا ترتبط بصلة ثقافية ومعرفية بتلك الحقوق. والأسئلة التي قد تُطرح هنا هي: لماذا ظلت تلك المزاعم مجرّد مزاعم؟ لماذا باتت شعارا أكثر من كونها ممارسة؟ لماذا لم تترسخ كثقافة في حياة المسلمين، تؤثر في سلوكهم، وتهيمن على ممارساتهم؟
يبدو أن هناك إجابات متفرقة على تلك الأسئلة. وأجد أن أحدها يرتبط بدور النخب الفكرية والثقافية الإصلاحية في المجتمع، ومسؤوليتها في كشف هذا التناقض المعرفي، ما يحتّم توجيه سؤال مباشر إلى مختلف فئات المجتمع، بهدف الحصول على إجابة واضحة تعمل على معالجة هذا التناقض وتساهم في اختيار الثقافة التي تعزّز جانب حقوق الإنسان. والسؤال هو: إذا كنت تؤمن بحقوق الإنسان الحديثة وتدعو إلى احترامها بصورة عملية، فكيف في الوقت نفسه تدافع عن السلوك المناهض لتلك الحقوق وتمارس بعضها؟
يُعتبر الزعيم الأمريكي الأسود الذي تولى الدفاع عن الحقوق المدنية في أمريكا، مارتن لوثر كينغ، والذي كان واعظا بروتستانتيا، نموذجا للشخصية التي استطاعت أن تتغلب، معرفيا وعمليا، على العادات والتقاليد العنصرية وعلى التكاليف الدينية العنصرية التي تنتصر للجنس الأبيض. لذلك، استخدم أعداء كينغ ومنافسوه تهمة الإلحاد ضده واعتبروه شيوعيا معاديا لأمريكا. وحين تبحث في حياة كينغ، خاصة حياته الفكرية، ستجد بأنه تبنى مصدرين في نضاله الحقوقي: بيان الاستقلال المرتبط بحقوق الشعب الأمريكي، والإنجيل أو الكتاب المقدس. وعليه فمن غير المنطقي وصفه بالملحد، أو بأنه عدو لأمريكا. بل من المنطقي وصفه بعدو الأفكار التمييزية العنصرية الدينية، وبأنه انتصر لأمريكا الحقوقية.
ان اعتماد كينغ على هذين المصدرين أدى به إلى تحدّي الدعاة التمييزيين، فدعاهم إلى مناظرته. واستطاع من خلال خطبه وكتبه ودعوات المناظرة تلك أن يجعل الكثير من الأمريكيين البيض والسود يلتفون حوله ويدعمون مطالبه، خاصة وأنه اعتمد في تحرّكه على ذكر مواقف رؤساء أمريكيين مناهضين للعنصرية، كجورج واشنطن وابراهام لينكولن. ورغم أنه أفدى نفسه في سبيل هذا النضال، إلاّ أنه استطاع أن يعايش الفترة الزمنية التي أعلن خلالها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون إلغاء القوانين العنصرية. لكن، يجب الإشارة هنا إلى أن نضال كينغ لم يكن هو الدافع الوحيد لإلغاء تلك القوانين، بل سبقه الكثير من الجهود الفكرية والثقافية التي هيّأت أجواء هذا التغيير وسهّلت تحقيقه.
ويجب الإشارة أيضا أن تلك الجهود، الثقافية/الحقوقية/المدنية/السياسية، التي توّجت بإلغاء القوانين العنصرية، نابعة من همّ تعاني منه البشرية جمعاء لا الشعب الأمريكي فحسب. وتتباين صور تلك المعاناة، لكن الشعوب تشترك في ضرورة معالجته. وهذا ما أدّى بمارتن لوثر كينغ أن يصبح أيقونة عالمية، وأن تصبح كتبه وخطبه وشعاراته ونضاله بمثابة ثقافة كونية. فرغم التباينات الثقافية بين الشعوب، إلا أنها تتفق في بعضها التي أصبحت مشتركة بين الجميع، مثل ثقافة الحقوق المدنية واحترام كرامة الإنسان. مع ذلك، فإن بعض الشعوب ترفع شعارا وتمارس شيئا آخر، ترفع شعار احترام حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت ترفع شعارا آخر يحط من كرامة الإنسان ويهينها عمليا.
وتشير نتائج استطلاع أجري في 44 دولة كجزء من مشروع مركز "بيو" للبحوث العالمية أن الناس في الدول الإسلامية يضعون قيمة كبيرة للحريات الفردية، ولحرية الرأي والتعبير، ولتعددية الأحزاب، وللمساواة أمام القانون. لكن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك تماما. فبعض المسائل والموضوعات التي تندرج تحت بند حرية الرأي شبه مخنوقة، بدءا من داخل الأسرة، مرورا بالمدرسة، وصولا إلى الساحة السياسية/الاجتماعية من خلال القوانين "المتناقضة" التي تنظمها. فإذا تمعنّا بوضع منطقة الخليج العربي فقط، وركّزنا على الكويت لأنها تنعم بحريات سياسية واجتماعية تفوق جاراتها، نجد بأن هناك توافقا شبه عام على تغليظ عقوبة المختلف بالرأي حتى الوصول إلى "الإعدام" في قضية الإساءة إلى الرموز الدينية. وحول المساواة أمام القانون فحدّث ولا حرج، بل لا يمكن الحديث في هذا الجانب بسبب حساسيته المفرطة. أما بشأن الحريات الفردية والمساواة، فالعادات والتقاليد الاجتماعية، والتكاليف الدينية، وهي بالمناسبة عادات وتكاليف شعبية، تقمع المتحدّث بشأنهما وتهدّده بعقوبات دنيوية اجتماعية وقانونية وترهبه بعقوبات أخروية.
المثير في استطلاع "بيو" هو في الجانب الآخر من النتائج، التي تشير إلى أن المسلمين يريدون تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية بصورتها التاريخية، ويفضلون هيمنة الوجه الاجتماعي للدين التاريخي على حياتهم الراهنة... هل هناك تعارض بين التوجّهين أكثر مما "يفضحه" استطلاع "بيو"؟ ألا يجدر بمركز "بيو" أن يسأل المستطلعين كيف يمكنكم أن تجمعوا "الضدَّين" معا؟ أعتقد بأن مهمة "بيو" انتهت عن طريق كشفه هذا التّضاد، وأن مسؤولية المثقفين الإصلاحيين تبدأ من هنا، من معالجة هذا التضاد، وفي اعتبار أنه لا يمكن أن نرفع شعار احترام حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت لا نجزع من انتهاك تلك الحقوق.

كاتب كويتي



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإقصاء لمعالجة -الإقصاء-؟
- الشيعة.. وحزب الله.. والصراع السوري
- لا تنهزمي.. أمام -السلطة-
- إلى متى -تسجد- المرأة؟
- الثائر.. حينما يَنتقِد الثورة
- ازدواجية الإسلام السياسي
- وجه الإسلام السياسي
- إخفاقات ليبرالية
- اعتدال روحاني وواقعيته
- -الفتنة-.. ومبرر الإسكات
- الديمقراطية.. وخطاب المشاركين بالانتخابات
- لندعهم ينتقدون
- حساسية مفرطة
- بين سروش وخلجي: الساحة العامة ملك للجميع
- لماذا رُفضت أهلية رفسنجاني ومشائي؟
- خطر يهدد مطالب الحراك
- انقسام المحافظين يحرج خامنئي
- التكهن بمن سيفوز في الانتخابات الإيرانية.. صعب
- أن تكوني إمرأة
- تجميد القانون؟


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاخر السلطان - تناقضات المجتمع.. ومسؤولية المثقف