أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسني إبراهيم عبد العظيم - رحيل محمد جسوس: سقراط السوسيولوجيا العربية















المزيد.....

رحيل محمد جسوس: سقراط السوسيولوجيا العربية


حسني إبراهيم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 19:30
المحور: سيرة ذاتية
    


رحيل محمد جسوس: سقراط السوسيولوجيا العربية

فقدت السوسيولوجيا العربية صباح الجمعة 7/2/2014، واحداً من أهم مؤسسيها وروادها ومنظريها، فقد رحل عن عالمنا عالم الاجتماع المغربي الكبير محمد جسوس، الذي يمثل مدرسة سوسيولوجية متميزة تخرجت فيها أجيال متعددة من باحثي علم الاجتماع في المغرب الشقيق.

ولد محمد جسوس سنة 1938 في مدينة فاس، درس علم الاجتماع أولا بجامعة لافال الكندية، و منها حصل سنة 1960 على شهادة الميتريز في موضوع " حضارة القبيلة في المغرب :نموذج سوس" ، وحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية سنة 1968، ثم التحق سنة 1969 بكلية الآداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس في الرباط وعمل بها أستاذا لعلم الاجتماع حتى تقاعده سنة 2004.

يقول عنه الباحث السوسيولوجي المغربي المعروف الدكتور/ عبد الرحيم العطري: في كل محاولة مفترضة لتحقيب السوسيولوجيا بالمغرب، إلا و ينطرح إسم محمد جسوس لما له من أياد بيضاء على كثير من المشاريع المعرفية التي تعلن عن هوياتها و براديجماتها في مدرسة القلق الفكري، فلم يكن الرجل مجرد عابر سبيل في خرائط الدرس السوسيولوجي، بل كان، و ما يزال، علما مؤسسا و منارة بارزة في تاريخ سوسيولوجيا ما بعد الاستقلال.

وقد اتسم محمد جسوس بسمة جعلت البعض يطلق عليه لقب (سقراط السوسيولوجيا العربية) ألا وهي ميله نحو الشفاهية وعدم تدوين أفكاره، فكان بذلك شبيها بالفيلسوف اليوناني العظيم سقراط الذي لم يكتب في حياته مطلقاً، وكان يكتفي بأحاديثه ومحاضراته الشفهية لتلاميذه، وتولى تلميذه النجيب أفلاطون تدوين أفكاره من خلال المحاورات المرتبطه باسمه وجعل سقراط المحاور الرئيس فيها، والحق أن محمد جسوس لم يكن بدعا في ذلك الأمر، فالمعروف أن عالم الاجتماع الأمريكي الأشهر «جورج هربرت ميد» G.H. Mead (1963 – 1931) لم ينشر كتاباً واحداً في حياته، وقام تلاميذه بنشر كل إنتاجه ـ الذي كان في أساسه محاضراته في جامعة شيكاغو بعد وفاته، ابتداءً من عام 1932، ونشرت آرائه حول العلاقة بين الذات والمجتمع في كتاب العقل والذات والمجتمع في عام 1934، وهو الذي وردت فيه تحليلاته للبعد الجسدي في التفاعل الاجتماعي، وكانت تلك التحليلات بمثابة إرهاصات لسوسيولوجيا الجسد.

يعلق الدكتور العطري على ذلك قائلاً: إن علاقة محمد جسوس بالقلم لم تكن طيبة، كان مُقلاً في كتاباته، كان يميل إلى الشفاهي لا المكتوب، لكن هذا الميل لم يكن بالمرة ليقلل من قوة و أصالة منجزه، فالفكرة في جذوة التحليل و حرارة النقاش، تكون أكثر عمقا و تأثيرا. و لولا إلحاح بعض أحبته لما قرأنا طروحاته حول المسألة الاجتماعية في مستوى أول، و حول الثقافة و التربية و التعليم في مستوى ثان، و الصادرتين معا ضمن منشورات جريدة الأحداث المغربية، و لا تعرفنا على رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب الصادرة عن وزارة الثقافة، و التي قدم لها و أعدها للنشر الدكتور إدريس بنسعيد.

واعتبر الباحث محمد الصغير جنجار أن المغرب يفقد برحيل محمد جسوس رائد ومؤسس الدرس السوسيولوجي في الجامعة المغربية، مشيرا إلى أنه درس أجيال بكاملها. كما اعترف أنه وزملاءه في هذا المجال العلمي تعلم من الراحل المواجهة مع المعطيات الإمبريقية والبحث الميداني، موضحا أنه انخرط بفضله في المساهمة في دراسات حول الأحياء الشعبية والباعة المتجولين.. الخ. في هذا السياق، يتذكر جنجار أنهم كانوا يطلقون على الراحل «سقراط»، لأنه لم يكن يكتب، رغم أن الجميع كان ينتظر كتاباته وتدوين أفكاره. ويتذكر أيضا كرمه وسخاءه، مشيرا إلى بيت الراحل كان مفتوحا في وجه الطلبة، وقدم خدمات جليلة لكل طلابه. كما لا يغفل الهدية الثمينة، التي قدمها لمؤسسة آل سعود، حينما كانت بصدد جمع رصيدها الوثائقي، وهي عبارة ذخيرته من أعمال التحليل النفسي في أمريكا. (نقلا عن موقع اليوم 24 الإليكتروني)

ويشير السوسيولوجي المغربي د. مصطفى محسن في دراسته المعنونة المسألة السوسيولوجية والمسألة الاجتماعية عند محمد جسوس، المنشورة في العدد الخامس عشر /صيف 2011 من المجلة العربية لعلم الاجتماع(إضافات) إلى أن الذي يريد البحث في أعمال ومسار محمد جسوس: عالم اجتماع وفاعلاً سياسياً، سوف يشعر بانبهار كبير مرده في الأساس إلى سعة فكره، وتعدد وتداخل اهتماماته العلمية والسياسية والاجتماعية المتباينة مما يضع أمام الباحث صعوبات فكرية وعلمية متعددة، منها تغلب ذلك الجانب الشفاهي على عمله، فيقول إن محمد جسوس قد امتلك ناصية الخطاب الشفاهي، واعتمد عليه في ممارساته العلمية والسياسية.

ويعترف الدكتور إدريس بنسعيد وهو واحد من الأصدقاء المقربين إلى الراحل بمدى عجزه عن اختزال خصال عالم الاجتماع الكبير إذ يعتبر أن تعدد مزاياه وطول صداقتهما وعشرتهما يصعبان مهمة اختصار مسيرة حياته ومساره العلمي والبحثي، باعتباره أب السوسيولوجيا المغربية وقيدومها بامتياز. لكن بنسعيد يقدم شهادته عن الرجل من خلال مشاركته في حفل تكريم الراحل في تطوان بمناسبة المنتدى الوطني الأول للفكر السوسيولوجي بالمغرب، حيث توقف عند بعض المحطات من حياة محمد جسوس. ارتبطت المحطة الأولى بعودته من الولايات المتحدة الأمريكية وشروعه في تقديم دروس حول الطبقات الاجتماعية، إلى جانب عبد الواحد الراضي، بشعبة الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث كان إدريس بنسعيد طالبا من طلبته. وقد ارتبط هذا الدرس لديه- ولدى طلبته أيضا- بالنضال السياسي والطلابي- ضد القمع والاستبداد المخزني، وكذا بانفتاحه على مفاهيم جديدة في الحقلين العلمي والسياسي، مثل: الاختلاف والتعدد، الخ..، في سياق طبعه الصراع وسيادة الرأي الواحد. وفي هذه المرحلة أيضا، يتوقف بنسعيد، في شهادته عن الراحل، عند أربعة مبادئ في حياته هي: نسبية العلم، الفصل بين العلم والسياسة، الاختلاف وفهم الآخر، ضرورة البحث العلمي. كما يتوقف عند انشغالاته اليومية خلال فترة السبعينيات، حيث يقول إن: «الأستاذ محمد جسوس ولسنوات طويلة كانت التزاماته كثيرة وهامة في المجلس البلدي، وفي المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وفي التدريس في كلية الآداب وكلية الحقوق، وفي المدرسة الوطنية للإدارة، ومدرسة المهندسين، وفي مجالات متعددة... ولم يكن من مصطلحاته شيء اسمه العطلة أو الراحة». (نقلا عن موقع اليوم 24 الإليكتروني)

والحقيقة أن اهتمامات محمد جسوس وهمومه العلمية والاجتماعية قد تعددت وتنوعت، ويرى الدكتور العطري أنه من مؤسسي السوسيولوجيا القروية الوطنية في المغرب، فمع محمد جسوس الذي يصنفه رشدي فكار ضمن المؤسسين الأوائل لسوسيولوجيا العالم الثالث بالمغرب، ستعرف السوسيولوجيا القروية بالمغرب انطلاقتها الثانية، بعد انطلاقتها الأولى المبكرة التي دشنتها السوسيولوجيا الكولونيالية، فقد حاول جسوس منذ البدء أن يؤجج النقاش السوسيولوجي حول المجتمع القروي، معتبرا إياه الحقل الحيوي الذي يترجم و يكشف مجموع تفاعلات النسق المغربي، فمن خلال ذات المجتمع يمكن فهم كثير من الظواهر و القضايا التي تلوح في باقي الأنساق المجتمعية الأخرى، و يمكن أيضا اكتشاف "مآل المجتمع المغربي" الذي يعد تعبيرا أثيرا عند محمد جسوس.

إن تسخير السوسيولوجيا للنبش في هموم وآمال المجتمع القروي أمسى مطلبا أكيدا في راهننا هذا، الذي تعالت فيه آهات الفلاحين وزفراتهم الساخطة، فحاجتنا إلى سوسيولوجيا قروية أكثر جرأة في الطرح والتحليل ضرورة قصوى، بل إن الحاجة إلى هذه السوسيولوجيا لا يحددها فقط ما يعتمل في العالم القروي من ظواهر وحالات عصية على الفهم، ولا توجبها حصرا محدودية الدراسات والأبحاث التي تصدت لها، وكذا ضرورات توسيع دوائر الاهتمام العلمي بها، وإنما تفرضها فرضا خصوصيات المجتمع المغربي عموما، الذي يبقى مجتمعا قرويا وقبليا بالرغم من كل مظاهر انتماءاته الحضرية والحداثية.

نذكر في النهاية أن من أهم كتابات محمد جسوس بالعربية رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب،منشورات وزارة الثقافة بالرباط 2003، وطروحات حول المسألة الاجتماعية 2003، منشورات الأحداث المغربية، الدار البيضاء كتاب الشهر 6، و طروحات حول الثقافة واللغة والتعليم 2004، منشورات الأحداث المغربية، الدار البيضاء كتاب الشهر 7.


وأخيرا يبقى محمد جسوس بحق، كما يذكر الدكتور العطري العالم المربي الذي ينغرس عميقا في أفئدة طلابه و زملائه، والذي لا يمكن بالمرة تحقيب السوسيولوجيا المغربية و لا حتى السياسة المغربية بمفهومها النبيل، بدون الرجوع إليه مفكرا و مناضلا فوق العادة، فهذا الـ "جسوس" الذي سرقته السياسة من السوسيولوجيا، و دون أن تجعله يتنكر لصوت العلم الغائر فيه جدا. ففيه يجتمع العالم و السياسي، و الغلبة دوما لسوسيولوجيا النقد و المساءلة.

رحم الله تعالى الفقيد رحمة واسعة





#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعرفة العلمية: مفهومها بنائُها سماتها 1 (*)
- في نظرية رأس المال الاجتماعي 5 /5(*)
- في نظرية رأس المال الاجتماعي 4 (*)
- في نظرية رأس المال الاجتماعي 3 (*)
- في نظرية رأس المال الاجتماعي 2 (*)
- في نظرية رأس المال الاجتماعي 1 (*)
- الأبعاد الإيكولوجية للمرض: تحليل سوسيولوجي لجدلية العلاقة بي ...
- الأبعاد الإيكولوجية للمرض: تحليل سوسيولوجي لجدلية العلاقة بي ...
- الأبعاد الإيكولوجية للمرض: تحليل سوسيولوجي لجدلية العلاقة بي ...
- الأبعاد الإيكولوجية للمرض: تحليل سوسيولوجي لجدلية العلاقة بي ...
- التصنيفات العلمية للاتصال الإنساني 2
- التصنيفات العلمية للاتصال الإنساني 1
- في سوسيولوجيا المعتقد الشعبي: نظرة عابرة
- التحرش الجنسي وتراجع منظومة القيم في المجتمع العربي
- إقصاء المرأة العربية سابق على وجودها: قراءة في جدلية العلاقة ...
- مفاهيم سوسيولوجية حديثة 10.علم الاجتماع الإنساني Humanist S ...
- مفاهيم سوسيولوجية حديثة 9.العنف الرمزي Symbolic violence
- مفاهيم سوسيولوجية حديثة 8. رأس المال الرمزي Symbolic capital
- مفاهيم سوسيولوجية حديثة 7. رأس المال الثقافي
- أخطاء يجب أن تصحح في الفكر الإسلامي:المرأة لم تخلق من ضلع أع ...


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حسني إبراهيم عبد العظيم - رحيل محمد جسوس: سقراط السوسيولوجيا العربية