جواد كاظم غلوم
الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 02:04
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
شكراً لعودتك ساعي البريد
في مسار حياتنا محطات جميلة يصعب نسيانها لانها جزء لايتجزّأ منا ، تتشّكل في ذاكرتنا الفردية والجمعية وتصبح علامة بارزة وملمح واضح من مكوّناتنا الموروثة ولو اختفت بعضها بسبب التغيرات التي تطرأ على المجتمع ؛ نتحسس فقدانها ونمنّي انفسنا بان تعود ، ومن تلك الملامح الرائعة التي تجلب السعد والهناء في النفس البشرية والتي غابت عنا هي شخصية ساعي البريد حيث كنّا نترقّبها بكل شوق ولهفة لينقل لنا اخبار واوضاع وحكايا احبّتنا البعيدين عن انظارنا ، فمازلت اذكر صديقنا الحميم ساعي البريد وهو يعتلي دراجته الهوائية ببدلتهِ المميزة ويضع جرابين على شكل جيوب يعلقهما في المقعد الخلفي الصغير للدراجة يضع فيهما مظاريف الرسائل ويجول من مكان الى اخر يوزع الرسائل والطرود الصغيرة الى هذا الجار وذاك القريب وينقل الينا بشارات الاهل والأحبة المقيمين بعيدا عنا واخبارهم ومجريات حياتهم في بلدان الغربة والمناطق النائية في عراقنا الجميل
ضاع ساعي البريد في الدروب الوعرة من حياتنا الصاخبة هذه وتاهت دراجته في عوالم الغوغل والياهو والهوت ميل واختفت رسائل الشوق الحميمة الملأى بالعواطف والاحاسيس الصادقة وعوض عنها برسائل الايميل والماسنجر والسكايب وغيرها من وسائل الاتصال الباردة البلهاء التي لاروح فيها
تمزقت اوراق الرسائل المختومة بالورد ، والمرسومة بقلب اخترقه سهم الحب والقبلة التي طبعناها على ورق الرسائل اختفت بفعل غبار العولمة وصارت قبلاتنا تمرّ عبر زجاج شاشة الحاسوب بلا ملمس اليد وأثَرالشفتين المطبوعتين على الورق باحمر الشفاه
الاسبوع الفائت طُرقتِ البابُ بقوّة مرتين متتاليتين ؛ نهضت فزعا من غرفتي لأرى من الطارق ، وانا هنا لااتحدث عن فيلم اسمه " ساعي البريد يقرع الباب مرتين " الذي شاهدته ابان الثمانينات من القرن الماضي وهو يسرد لنا قصة زوجة جميلة شابّة وجذّابة تعيش مع زوج عجوز أقعدهُ الهرم وفجأة يدخل حياتهما رجل وسيم ، غريب ، مفعم بالفحولة يقلب حياتهما رأسا على عقب ويثير في الزوجة مكامن الانوثة والعواطف الجيّاشة بل ان حديثي يحكي عن ساعي بريد غاب عنا طويلا وقد طرق بابي بغتةً وحمّلني رسائل من اصدقائي المقيمين في الشتات القصيّة مع نسخ من مؤلفاتهم ونتاجهم الادبي هديةً لي وكم كان فرحي في اوج عنفوانه وسعادتي لا تسعها الارض حينما وقّعت بالاستلام ووضعت قبلة على جبين زائري الذي افتقدته منذ أمَد ليس بالقصير
لاشك انكم تتذكرون الجملة اللازمة التي غالبا ماكنّا نراها في مظاريفنا الاوَل " شكرا لساعي البريد " غير انني بعد ان قبّلته وصافحت يده تمنيت من الله ان يعيد شيئا من بهاء وحلاوة ذلك الزمن الجميل
ودّعته غير مفارق لأنه وعدَني بزيارة لاحقة ...فاردفتُ قائلا : شكرا لعودتك ساعي البريد
جواد غلوم
[email protected]
#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟