|
أوضاعنا المُتأزمة
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4357 - 2014 / 2 / 6 - 11:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعض أصدقائي من الحزب الديمقراطي الكردستاني ، يزعلون أحياناً ، عندما أُبدي رأيي بخصوص الوضع المتأزم في الأقليم .. لأنهم كما يبدو ، يُفّضلون أن يستمعوا دوماً ، الى المديح والثناء ، أو على أقل تقدير ، يُريدون من الجميع ، أن يُصّدقوا ببساطة ، أعذار وتفسيرات الحكومة وتبريرات الحزب الديمقراطي الحاكم ، بدون مُناقشة ولا إعتراض ! . لكنهم ، في الحقيقة ، لايستطيعون ، تفنيد القَول ، بأن هنالك مشاكل جّمة داخل المجتمع الكردستاني ، مشاكل إقتصادية وسياسية وإجتماعية ، أحد أسبابها الرئيسية ، هو : ( سوء الإدارة وسوء التخطيط والفساد وعدم الشفافية وتبذير الأموال العامة ) . ومن الطبيعي ، ان الحزب الديمقراطي الكردستاني ، هو الذي يتحّمل الجزء الأكبر من المسؤولية ، بإعتبارهِ الحزب القابض على السُلطة ، منذ أكثر من عشرين سنة . فلنتحدث عن محافظة دهوك ، على سبيل المثال ، وهي إفتراضاً من أهم مَعاقل الحزب الديمقراطي الكردستاني : * إقتصاديا : في 1992 / 1993 ، كانَ أكثر من 90% من الأراضي الصالحة للزراعة في المحافظة ، مزروعة فعلاً ، بالحنطة والشعير والحبوب الأخرى ومختلف انواع الفواكه والخضار . وكان إنتاج المحافظة من الدجاج والبيض واللحوم جيداً جدا. كانتْ هنالك بعض المصانع والمعامل المنتجة ، مثل معمل التعليب ومعجون الطماطة ، معمل السجاد ، حقول الدواجن والتفقيس والمجازر ، وغيرها أيضاً . في السنوات الاولى بعد الإنتفاضة ، والحصار المزدوج المفروض ، على أقليم كردستان .. كان هنالك إكتفاءٌ ذاتي تقريبي ، بالنسبة للمحاصيل الزراعية الأساسية واللحوم والدجاج .. بل كان هنالك أحياناً فائض يمكن تصديره أيضاً . وبالطبع ، فأن الزراعة على نطاق واسع ، كانتْ تمتص الكثير من الأيدي العاملة وتُقلل البطالة . اليوم ، فأن الزراعة في تراجع مُضطرد ، فالإنتاج الزراعي والحيواني المحلي ، على قّلتهِ ، مُهّمَش وغير مدعوم ، وبات الإعتماد شُبه كُلي على الإستيراد من دول الجوار . ولم تعُد هنالك معامل ومصانع مُنتجة ، فالقليلة التي كانتْ موجودة سابقاً ، صُفِيت او بيعتْ للقطاع الخاص ، الذي حّورها لإستخدامات تجارية ! . نستطيع القول ، بأنه بعد مرور عشرين سنة .. أن الزراعة تراجعتْ بصورةٍ كبيرة ، والصناعة إندثرتْ ، وحتى السياحة التي كانتْ مُزدهرة في السبعينات والثمانينيات ، قد فقدتْ الكثير من مقوماتها ، حيث قام " المُستثمرون المحليون " الذين اُعطيت لهم عقود مُغرية ، قاموا ببناء بعض البيوت السياحية ، لكنهم باعوا العديد منها للأثرياء ، الذين يستخدمونها لقضاء العُطَل فقط .. فأبعدوا هذه المشاريع ، عن أهدافها الأساسية ، السياحية العامة . النتيجة ، وبعد عقدين من الزمن ، إزدادتْ البطالة وإرتفعتْ نسبة البطالة المُقّنَعة ، تدهورتْ الزراعة والسياحة ، وإنتعشتْ التجارة الإستهلاكية ذات الإتجاه الواحد ، أي الإستيراد ، ونشأَ جيلٌ من الإتكاليين ، غير المُنتجين ، جيلٌ من المُستهلكين المعتمدين على الرواتب والمنح التي تدفعها الحكومة ! . * سياسياً : في 1991 / 1992 ، كانَ هنالك تنوعٌ سياسي فعلي ، على الساحة ، بوجود بوتقة تضم كافة الأطراف ، وهي ( الجبهة الكردستانية ) . صحيح ، ان الحزب الديمقراطي الكردستاني ، كان له موقعٌ متميز أكثر من الآخرين .. لكن الأحزاب الأخرى كلها ، كانَ لها دورٌ أيضاً ومُشتركة في صُنع القرار بدرجةٍ أو بأخرى .. ولكن تدريجياً ومنذ قُبيل إنتخابات 1992 ، ظهرتْ أعراض النَزعة الإحتكارية ، لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني ... فقضمَ كعكة " الشراكة " شيئاً فشيئاً ، حتى غَدَتْ خالية من المُحتوى ! ، بحيث بقى أي الحزب الديمقراطي ، هو المُسيطِر الوحيد على الحُكم بِكل مفاتيحه المالية والعسكرية والتجارية في " المنطقة الصفراء " إذا جاز التعبير ، ( كما فعلَ ذلك الإتحاد الوطني في " المنطقة الخضراء " ) . واليوم من الناحية العملية ، فأن كُل الموظفين الكبار في كافة قطاعات الإدارة في محافظة دهوك ، وكذلك البيشمركة والقوى الأمنية المختلفة ، والمسؤولين الفعليين للنقابات المهنية وحتى منظمات المجتمع المدني ، منتمين أو موالين للحزب الديمقراطي حصراً . ولحد الآن ، ليسَ مُتاحاً لأي حزب آخر ، أن يعمل ب [ حُرِية ] ويزيد من جماهيريته ، وإذا صادفَ ذلك ، بين الحين والحين ، فأن ( فورات شبابية عفوية ! ) تقوم بإحراق مقراتهم ، كما حدث عدة مرات . وحتى العلاقات الخارجية للأقليم ، فانها تُعاني من التذبذب وعدم الإستقرار ، لعدم وجود إستراتيجية واضحة متينة ، مُتَفَق عليها مِنْ قبل الاطراف الداخلية الفاعلة . لذا نرى تراكُم الأزمات المتتالية ، مع بغداد ، وضبابية الموقف من أحداث سوريا ، ونوعية العلاقة مع كل من تركيا وإيران والشركات النفطية . أستطيع القول ، ان الوضع السياسي ، قد تراجعَ بالفعل ، بعد مرور عشرين سنة . * إجتماعياً : قبل 22 سنة ، كانتْ لاتزال هنالك بعض ( القِيَم ) الإجتماعية مُنتشرة بوضوح [ أقول "بعض" ، لأن النظام البعثي السابق ، قد دّمَر بصورةْ منهجية متعمدة ، الكثير من أفضل القِيَم الإجتماعية النبيلة ، لدى الشعب العراقي عموماً ] . نعم .. قبل عقدين ، كان لايزال ، السارق والمُرتشي والناهب ، منبوذاً وغير مُرّحَب بهِ .. وكانتْ العلاقات الإجتماعية أكثر حميمية وإنسانية . كان مجتمعنا أكثر بساطةً وتواضعا . أما اليوم ، فمن الشائع تماماً ، ان فُلان الذي صعدتْ أسهمه صعوداً صاروخياً ، خلال فترةٍ زمنية قصيرة ، وتحوم شكوكٌ قوية على مصدر أموالهِ .. إلا ان غالبية المجتمع ، تتقبله بل تتملقه أيضاً .. أصبح الفساد والإثراء السريع بأي وسيلة ، ظاهرة في المجتمع .. وتغيرتْ الاخلاق تبعاً لذلك ، إذ باتتْ [ المظاهِر ] أهم كثيراً من المُحتوى والجوهر . بناء القصور الفخمة وإقتناء السيارات الحديثة وتبذير الأموال هنا وهناك ، صارَ شيئاً مألوفاً . بُنيَتْ عشرات المولات الكبيرة ، ولا تزال بنايات معظم المدارس بائسة . إنتشرت المطاعم والمقاهي والأسواق بصورةٍ كثيفة ، ولا تزال الخدمات الصحية ، متخلفة عن مثيلاتها في البلدان المجاورة . إمتلأتْ المدن والقصبات ، بالسيارات .. لكن الطُرق والشوارع ليست بالمستوى المطلوب ولا توجد وسائل نقل حديثة تراعي البيئة . الفَرقُ يتسع بين الأغنياء والفقراء بشكلٍ مُستمر .. عموماً ، يمكن وصف مجتمعنا الآن ، بأنه إستهلاكي بإمتياز ، إتكالي ، غير مُنتِج . ............................. هل هنالك إيجابيات في واقعنا الحالي ؟ .. نعم .. وعلى رأسها : الإستقرار الأمني النسبي . لكني أعتقد ، بأن عدم مُعالجة الأوضاع المتأزمة أعلاه ، بصورةٍ مدروسة وجذرية ، سوف يُؤدي بالنهاية ، الى إضطراب الوضع الأمني أيضاً ، لأنه لايمكن ، فصل مسألة اللاعدالة واللامُساواة الطويلة الأمَد ، في الملف الإقتصادي والسياسي والإجتماعي ، عن الوضع الأمني ، فكلها مُترابطة مع بعض .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَنْ س ( يلوكِلْنا ) بعد إنتخابات نيسان 2014 ؟
-
- لعبة - تشكيل حكومة الأقليم
-
- حركة التغيير - بحاجة الى بعض التغيير
-
أينَ حّقي ؟
-
هل هنالك أمل ؟
-
بين هَورامي والشهرستاني ، ضاعتْ الأماني
-
الأزمة المالية في الأقليم .. حّلها سَهل
-
حَج أنقرة وعُمْرة طهران
-
المواطن العادي .. ومَلف النفط
-
إحذروا من -داعش- يا أهلنا في الموصل
-
في دهوك : علامات وشواخِص
-
حركة التغيير .. في الفَخ
-
- سيد صادق - تصنع مجدها
-
سوران وبهدينان ... إقترابات
-
يحدث في العراق
-
مهرجان -الرومي- والوضع العراقي
-
الفاسدين لايحبونَ الإحصاء
-
أقليم كردستان و -بطيخة- السُلطة
-
بعض ما يجري في كركوك
-
كُلٌ يشبه محيطه
المزيد.....
-
تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد
...
-
وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي
...
-
-رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع
...
-
هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن
...
-
بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
-
صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
-
عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط
...
-
8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|