أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - الآه الفاشلة














المزيد.....

الآه الفاشلة


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 4354 - 2014 / 2 / 3 - 15:53
المحور: الادب والفن
    


كان أهل الحي يعرفونه باسم أبو سمير ولكننا لم نكن لنعرف الكثير عنه إذ انتقل مؤخراً ليعيش في هذا الحي الشعبي مع زوجته التي ـ وبرغم ما بان عليها من فقر وعوز ـ كانت تبدو مقتنعة بأن الحياة أعطتها ما فيه الكثير، فهي باختصار زوجة أبا سمير..، لم نره يوماً يذهب لعمل ولم نعرف كيف استطاع أن يتدبر أموره... لم يكن لأبي سمير أطفال.. غالباً ما كنت أراه عندما أخرج بعيد العصر وهو يحتضن آلة العود ويجلس على كرسي قش قديم بالقرب من الباب الخارجي ووراءه صحن الدار، مشهد فيه ما يوحي بأن اهتمامه للخارج أكثر من الداخل، أو وكأنه مهتم بأن لا يفوته شيء مما يحصل خارج باب الدار...كان دوما ممسكا بالعود ويلعب عليه، ولكن لم أكن يوماً بالمستطيع تمييز لحن ما يعزفه كما لم أشعر ولو مرة واحدة بشيء من الانجذاب أو الحنين أو الطرب أو الانتعاش الذي ينتابني عادة عندما أستمع للموسيقا وبكل الأحوال لم أره ولو مرة واحدة مركّزاً مع العود بل كان رأسه يتحرك ذات اليمين وذات الشمال مع القادمين من هذا الاتجاه أو ذاك من الشارع وريشته بين أصابعه تلعب براحتها وعشوائيتها على أوتار العود... وذات يوم اعتلى صراخ أبو سمير وصيحات هلع زوجته فتسارع الجيران واقتحموا دار الساكن الغريب في الحي وبدلا من أن يخجل أبا سمير بدا وكأنه بالضبط يبتغي تدخّل الجيران أو كأن يريد أن يخرج ما بصدره...وسرعان ما تحولت صرخاته المهددة بوجه أم سمير إلى مناداة لها لتجلب كراسي للجيران الذين تجمعوا لإخماد نار المشكلة بين الزوجين...وبينما شرعت الزوجة بإخراج بقية كراسي القش إلى الدار سارع الجيران بالانسحاب واحداً بعد الآخر وحاولتُ أن أفعل مثلهم إلا أن أبا سمير أمسكني بيدي مصراً أن أجلس وقال: " والله لتقعد..." جلست وليس لدي ما أبدأ الحديث به لأنني سأكون متطفلا ومتدخلا بشؤون خاصة بين زوج وزوجة من ناحية وأكثر، من ناحية أخرى، لأنني لم أكن أشعر حينها أن من أراه أمامي ـ وهذه المرة عن قرب ووجها لوجه ـ هو بالضبط من أريد أن أقضي بصحبته بعض الوقت محدثاً أو مصغياً...لكن محاولتي بالانسحاب باءت بالفشل عندما شرع يروي ما دفعه ليتشاجر مع زوجته...قال: "بنت ستين ألف كلب...يوم أخدتها كانت كلب وقط الي واليوم صارت نمرود...لا بتتعاون معي ولا بتساعدني...أنا لو معي مرة [امرأة] متل العالم والناس كنت غير هيك وما كان حدا شافني هون بهالحارة الوسخة... جبتها من "عين الحلوة" والدبان آكلها...جبتها الي عون وقلبت علي فرعون...!" وتابع يتكلم.. مرة رشاً وأخرى دراكاً حتى وصل إلى لب مشكلة اليوم وسألني أستحلفك بالله أن تقول لي هل بها صعوبة أن تقول هالبنت الكلب "آه" مع عزفي وغنائي!؟ ظننت لبرهة أن هذا الرجل ربما لايخلو من شيئ وأنه يتكلم مجازياً..! لكنه تابع موضحاً أنه يحضّر لحفلات فنية خارج الحي إذ سيبدأ من الأحياء والقرى القريبة (بـ"الدكوانة" و"بسكنتا") وسيتابع بعدها في بيروت ومن ثم سيصل أكبر العواصم العربية وبعدها سيصبح مشهوراً وسيغني ويعزف في كبرى عواصم العالم....أما العثرة الوحيدة التي تقف بطريق أبو سمير فسببها زوجته التي لاتجيد الــ"آه"...أصغيت بدون تعليق وبصمت مطبق وهو يحكي ويرفع صوته ويصرخ ويلوم زوجته...وهو في أوج حماسه حوّل هدفه من السرد إلى البرهان حيث صرخ: "بنت الكلب هاتيلي العود..!" وبامتثال كامل أحضرت زوجته العود قائلة تفضل فأجابها "انقلعي من وجي يا غبية ياخرابة بيوت العامرة"! فاختفت في الداخل...أمسك أبو سمير بالعود وسحب الريشة المشكولة بين الأوتار وقال لي اسمع: طرق على الاوتار ثم مد رقبته للأعلى وصاح "الأرض بتتكلم عربي الأرض الأرض...الأرض آه" أعاد مقطع أغنية سيد مكاوي ماداً الآه أطول هذه المرة"الأرض بتتكلم عربي الأرض الأرض...آآآآه" وأعاد المقطع مرات ومرات وهو ينظر في عيني...وبعدها توقف ليسألني هل هناك صعوبة في غناء هذه الـ"آه" وبحس وتفاعل فني!؟ بعدها تجرأت على الإجابة عن سؤاله بسؤال "ـ أهذه الآه هي العثرة !؟" ثم تابعت "ـ إن كانت كذلك فقلها بنفسك ودع الـــ"آآه" تخرج من الصميم والقلب!" فقال: هنا التجديد لقد غناها سيد مكاوي بمفرده ولو كان معه صوت نسائي يقول الآه لكانت قنبلة كل المواسم الفنية...وهذه فرصتي وأدرّب هالبنت الكلب على الآه صبحا ومساء ولكنها لاتتعلم....أكررلها يوميا والتكرار يعلم الحمار ولكنها لاتتعلم...!! قلت بنفسي يجب أن أنسحب وليس لدي الوقت الكافي لأستمع للمزيد من وجع القلب هذا...ولكن أبو سمير لم يكن ليصمت ولو لدقيقة لأغتنم الفرصة وأهب خارجاً...وأصبحت مع أبو سمير في مشهد يصعب علي وصفه دون الاستخفاف بتفاصيله إذ نحن نجلس بالقرب من بعض ولكن كل منا يسرح بعالمه، إنه يصرخ بينما أنا صامت، بيده آلة موسيقية بينما فمه يفيض بالشتائم التي لاتنضب ولا تخف، أصابني الملل وأريد أن أنسحب بينما تتجدد حيويته وهو يريد أن يتكلم أكثر وأكثر...ووسط شرودي بعالم آخر كان أبو سمير يتابع في إطلاق موجات من الكلام امتد من فشل الآخرين في إسماعه الآه التي يريدها إلى أسماء دول المنطقة والعالم يقرعني بذكرها (العراق، مصر، سوريا، إسرائيل، أمريكا، انكلترا...) وبينما كان يتابع في العتاب والآه واللوم والأحاديث والمواعظ استفقت فجأة على شرحه لسبب تفوق الإنكليز على العالم فهم برأيه ـ يشربون الشاي بالحليب بعد الظهر وهذا سبب تحضّرهم وذكائهم وتفوقهم واختراعاتهم...أما العالم فيشرب الشاي في الصباح وبدون حليب... عند هذا الحد كان لابد لي من أن أنسحب، توقفت ولكنه قال لي اجلس فلدي الكثير الكثير الذي سأحدثك عنه...قلت له وبلهجة فيها مزيج من الحماس والحزن لكي يصدقني: اسمعني جيداً، أنت هنا في مكان لايقدر قيمتك ومعرفتك..حرام أن تكون في هذا الحي الصغير.. وحرام أن تكون فقط مجرد وزير عادي أو رئيس وزراء...أنت قليل عليك أن تكون رئيساً لهذه البلاد...يجب أن تقود العالم...لم أعد أحتمل رؤية الرجل المناسب بغير مكانه...! وأسرعت خارجاً بحركة توحي بأنني سأفعل شيئا.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقد تنافسوا مع الطاغية على القتل والدمار في سوريا
- استنساخ الوحش في مقارعته
- هموم أبو مصطفى
- كتاب جديد عن علاقة الدين بالدولة
- اغتيال البوطي وخلط الأوراق
- هل نحتاج لثورة على ((الثورة))؟
- العائلة تذهب إلى السينما
- كلبهم...ومخلوقنا
- لن نكون وقوداً لمن يريد حرق سوريا
- عرف عالمي وسوفتوير عربي (software)
- شكر وتساؤل للأستاذ برهان غليون
- بين الخنوع والتمرد
- في واقع الحريات الدينية في العالم العربي والإسلامي
- أحقاً هو غياب طائفي في معارضة النظام في سوريا!؟
- إنه عبثنا ... لا غدر السنين!
- الفن والأيديولوجيا: أيام الولدنة وبقية الجوائز
- هل لتفاؤل العرب بنتائج الانتخابات الأمريكية ما يبرره؟
- إلى متى يستمر الشعب السوري في الصمت؟
- لا نور في نهاية نفق سنوات الضياع
- إيران في نظر العربي المغبون


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - الآه الفاشلة