أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قحطان جاسم - وهم الطائفة والقومية والدين وبناء الديمقراطية في العراق؟















المزيد.....


وهم الطائفة والقومية والدين وبناء الديمقراطية في العراق؟


قحطان جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 18:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


توطئة :                                                                    
منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ظهرت دعوات تنادي بالتنوع الثقافي والديني والطائفي في العراق. ورغم ان هذه الدعوات ليست جديدة الا انها اخذت منحى طائفيا او قوميا اكثر حدّة، وتنطلق من مفاهيم انعزالية تتعارض مع الأسس الاولية لبناء دولة ديمقراطية في العراق. وتعزو هذه الدعوات الانعزال او الانغلاق على الطائفة او القومية او الدين الى ما تعرضت له خلال التجربة التاريخية المأساوية خلال عقود في ظل  الانظمة العراقية السابقة. وتحتج هذه التبريرات اما بحق القومية بممارسة حقوقها بما فيه حقها بتقرير المصير، او انطلاقا من حق اكثرية الطائفة الذي يسمح لها، في سياق العملية الديمقراطية، ببسط هيمنتها و نفوذها وسلوكها وافكارها على بقية المجتمع. و كثيرا ما تستشهد تلك الدعوات بامثلة شبيهة من العالم، لكنها شهادات منزوعة من سياقها. كما ان هناك خلط فاضح لهذه التبريرات بين حقيقة الدعوة القائلة بحق التمتع بممارسة الحقوق القومية لشعب، او حق اية طائفة دينية ومجموعة ثقافية ان تمارس تقاليدها وعاداتها وبين الدعاوى للانغلاق والتشرذم الطائفي والقومي الذي تنتج عنها تلك الدعوات. إذ ينبغي الفصل هنا بين صدق تلك الدعاوى اذا ما كانت في ظل دول قمعية دكتاتورية او في اطار دول ديمقراطية. واذا افترضنا ان ما يجري في العراق هو بناء دولة ديمقراطية، وهو امر اقرّته جميع القوى السياسية والاجتماعية الممثلة لتلك الدعوات ،فسيحيلنا هذا الافتراض الى نتيجة مفادها ان اصحاب الدعوات الأثنية والدينية والثقافية يدافعون في الحقيقية عن مصالحهم ونفوذهم الخاص، وليس دفاعا عن الطائفة او القومية او الدين. كما ان هذه الدعوات تفقد مصداقيتها العملية والفكرية ولا تصلح ان تكون منطلقا لممارسة الحقوق والحريات، إذا ما عرفنا ان العراق في الواقع ليس اطارا قوميا، بل هو وحدة سياسية وطنية تضم تجمعاتٍ بشرية متنوعة ثقافيا ودينيا وإثنيا.  علاوة على أن الحريات وحقوق الانسان في الدولة الديمقراطية، كما اقرتها المواثيق الدولية منذ الاربعينات، لا تقوم على ضمان حق المجموعة البشرية  في تعريف وتحديد هذه الحريات والحقوق، بل تنطلق من الفرد باعتباره الاساس وهدف هذه الحقوق. ويشكل مفهوم "المواطنة" المنطلق الفكري والعملي لتحقيق هذه الحقوق، بل وايضا جوهر العملية الديمقراطية برمتها. واخيرا فان تلك الدعوات تتناقض كليا مع المباديء التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية وهي بالتالي تهدف الى تفتيت الدولة العراقية.               
  وفي ما يلي سأناقش باختصار بعض اوجه التعارض بين وهم الانغلاق الديني والطائفي والقومي وبناء الديمقراطية في العراق، انطلاقا مما طرحه بعض المفكرين وعلى ضوء التجربة التاريخية في البلدان الديمقرطية. وقد يعترض قائل بانه لا يمكن مقارنة التجارب الديمقراطية المتقدمة في العالم مع تجربة العراق. وهو امر يمتلك الى حد ما جانبا من المعقولية، الا ان تعريف الديمقراطية وفي اطارها العام والآليات التي تتحكم فيها لا يختلف في المحصلة كثيرا من دولة الى آخرى وان اختلفت التسميات . ولهذا اجد هذه المقارنة ممكنة فكريا وتطبيقيا وتصلح لمناقشة التنوع الثقافي والديني والاثني و قضية بناء الديمقراطية في العراق. 
      التعدد الثقافي في الدولة الديمقراطية:                                   
عام 1924 كتب الباحث الامريكي هوراس ماير كالفن عن واحدة من اهم قضايا العصر التي واجهت أمريكا بسبب الهجرة المتصاعدة آنذاك والمستمرة حتى يومنا هذا. ويدور كتابه حول سؤال مهم:  كيف يتم معالجة قضية التنوع والاختلافات الثقافية في مجتمع ذي هويات ثقافية ودينية وقومية متنوعة في بلاد ديمقراطية.1 وهل ينبغي ان تحافظ تلك المجاميع البشرية التي هاجرت الى امريكا على قيمها وولاءاتها الى دولها وقومياتها واديانها وثقافاتها السابقة أم ان عليها الاندماج والانصهار كليا في البوتقة الاميركية وقيمها، وان يكون ولاءها المطلق الى الدولة الاميركية وحدها. وكان كتابه بمثابة رد على مفاهيم " بوتقة الانصهار " السائدة آنذاك، والتي كانت تدعو الى ضرورة ان يتخلى المهجّر او اللاجيء الى اميركا عن كل ماضيه وثقافته وإنتماءه القومي وان يقبل ان يكون اميركيا من اليوم الاول.                                       
 وهي المفاهيم التي بشر بها الفيسلوف الاميركي رالف والدو ايمرسن عام 1845.                                                                           
وكان ايمرسن يعلل دعواه تلك من ان " الانسان هو اكثر المخلوقات المركبة (....) فكما حدث عند احتراق معبد كورنيث، ظهورتركيبة معدنية جديدة، او ما يسمى "النحاس الكورنيثي"، التي نتجت عن انصهار الذهب والفضة ومعادن اخرى موجودة في المعبد، كانت ذات قيمه اكثر من كل شيء آخر ، فسيحدث نفس الامر في هذه القارة (الاميركية) ، حيث ان طالبي اللجوء من مختلف القوميات- الايرلنديين، الاتراك، البولونديين، القوزاق وكل الاوربيين والاميركيين وطاقات القبائل البولينيزية- سيكونون عنصرا جديدا، دينا جديدا ودولة جديدة وادبا جديدا، الذي سيكون قويا جدا يشبه ما نتج عنه في "بوتقة انصهار" العصور القديمة." وطبقا لهذه الافكار فقد بشر ايمرسن بان هذا "الانصهار" سينتج عنه مجتمعا امريكيا  ذا ثقافة متجانسة.                    
 وبالنقيض من وجهة النظر الاحادية الافق التي اتسمت بها اطروحات ايمرسن فقد طرح كالن مقاربته حول " تعدد الثقافات". وشدد كالن في كتابه على " اننا بحاجة لكي نحصل على مجتمع ديمقراطي مستقر الى اخضاع المجاميع الاثنية المختلفة في المجتمع الى القيم الاساسية التي يقوم عليها، مع الاحتفاظ بنفس الوقت على جزء من ثقافتها الخاصة التي لا تمثل تهديدا ما للمجتمع"  ص23. ويعني كالن بالقيم الاساسية للمجتمع، هي القيم الديمقراطية والقوانين التي تسيّر الدولة والآليات التي تتحكم بها وتضمن سلامة وأمن المجتمع والتعايش السلمي والمساواة بين المواطنين. لكنه من الجهة الاخرى طالب باحترام التنوع الثقافي والاثني والديني ، رغم تأكيده على ضرورة ان لا تشكل هذه القيم والتقاليد الثقافية للفئات الاجتماعية المختلفة تهديدا للمجتمع واستقرار الدولة. بمعنى آخر ، انه وضع قيم الديمقراطية ومصالح المجتمع والدولة في مرتبة اولى ، تليها بعد ذلك قيم المجاميع والفئات الثقافية، حتى لو تطلب الامر ان تضحي هذه الفئات بجزء من قيمها من اجل الصالح العام.  وقد رأى ان "دعم التعدد الثقافي سيساعد القادم الجديد على الاندماج الاجتماعي الطوعي بحيث يحسّ كل مواطن بان له حصة في الواقع الذي يعيش فيه والدولة التي ينتمي اليها".                                                                       
 لكن كالن لم يطالب خضوع الاقلية للاكثرية الحاكمة التي تمثل الصالح العام على اساس حجج مبنية على اساس قومي او اثني او ديني ،اي الى خضوعها الى قيم الدين المسيحي والثقافة الغربية المهيمنة اصلا في اميركا، بل الى خضوع الاقليات الثقافية والاجتماعية الاخرى الى القيم التي يحددها الدستور الاميركي والمتمثلة باحترام الحقوق والحريات الفردية والاحتكام الى المواطنة.                                                                          
 وقد لاقى كتاب كالن الترحيب وتم اعتباره واحدا من المصادر المهمة لمعالجة قضية التنوع الثقافي في ظل متطلبات الدولة الديمقراطية، الا انه تعرض بنفس الوقت الى  نقد بعض المفكرين السياسيين والاجتماعيين وخصوصا في امريكا.                                                                                                     
موجات الهجرة الجديدة والبحث عن مشتركات ثقافية:                          
شهدت اوروبا موجة هجرات جديدة منذ خمسينات القرن الماضي وتوطن ملايين البشر قادمين اليها من مجتمعات ثقافية واثنية ودينية ذات خلفيات مختلفة عنها مما تسبب في توليد ظواهر جديدة سلوكية وفكرية غريبة عن المجتمعات الاوربية. وقد قادت تلك التحولات الديمغرافية والثقافية من جديد الى نقاش واسع، وخصوصا بين المفكرين والباحثين الاوربيين، في مسعى لفهم تلك الظواهر الجديدة، والبحث عن وسائل لتحليلها ودراستها،  وتقديم الحلول الناجعة للمعضلات التي تواجه تلك البلدان.                                   يحتل الباحث الكندي ويل كيمليكا،  البروفيسور في الفلسفة، مكانة مهمة  بين أولئك المفكرين، حيث طرح من جديد اهمية التأكيد على "التعدد الثقافي"2 من منطلق حماية الحقوق والحريات االديمقراطية التي يكفلها الدستورالديمقراطي للدولة الكندية. وقد دعى الى تمتع الاقليات الاثنية والدينية والاجتماعية بكامل حقوقها، حتى ما يتعارض منها مع قيم الديمقراطية؛ كالمطالبة بارتداء الازياء الدينية، ، او الحق باقامة محاكم دينية اسلامية خاصة بها تفصل في قضايا الزواج والطلاق، او قضية الحلال والحرام بالنسبة للمسلمين واليهود فيما يخص تقاليد ذبح الحيوانات، بل ان كيمليكا ذهب الى ابعد من ذلك للتأكيد على ضرورة توفير الفرص لهذه الاقليات لكي تمارس حقوقها، حتى في المؤسسات الحكومية، التي تشمل الحق بممارسة التقاليد التي تخص الملبس والمأكل واقامة الصلاة وممارسة الطقوس الدينية الاخرى. وقد تعرضت اطروحاته الى نقد  شديد من العديد من المفكرين الليبراليين، باعتبار ان ذلك يقود الى خلق كانتوات اجتماعية منغلقة على نفسها تعيش على هامش المجتمعات الاوربية وبالتضاد مع قيمها العليا التي تنادي بالمساواة بين الجنسين وعدم التمايز بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات او غيرها. وحذر بعضهم الى ان انغلاق هذه الاقليات  سيقود لاحقا الى الاضرار بالعملية الديمقراطية وسيمهد الارضية الى تفكك هذه الدول عبر  تأجيج صراعات ثقافية واثنية كما حدث في دول اخرى في العالم.
           
  نقد التعددية الثقافية:                                                                                                                                                          وكانت اكثر تلك الانتقادات هي التي وجهها الفيسلسوف  البريطاني بريان باري 3 . فطبقا لباري فان التعدد الثقافي والديني لا علاقة له بقضية الحريات الدينيىة وحقوق الانسان، لان احتفاظ كل مجموعة ثقافية او دينية او اثنية بتقاليدها وقيمها الخاصة سيولد ما يتعارض مع الديمقراطية والقوانين المعمول بها في تلك البلدان. ويقول ان تلك التقاليد قادمة من بلدان ومجتمعات غريبة على الديمقراطية، وطالب على ضوء ذلك التشديد على اهمية خضوع الاقليات الى القيم الديمقراطية التي تقوم عليها الدول الاوربية،  والتي يضمنها ويكفلها الدستور لكل مواطن، بغض النظر عن قوميته ودينه وانتمائه الطائفي. وطالب ان تكون المواطنة هي المقياس الوحيد الذي يتم على ضوئها التعامل مع التنوع الثقافي والديني والقومي. ويشير باري الى نقطة مهمة جدا الى ان من ينادون بما يسمى ب" التعدد الثقافي" ينطلقون من مفهوم خاطيء لفهم قضية حقوق الانسان والحريات، حيث ان هدف هذه الحريات والحقوق هو الدفاع عن الانسان الفرد وليس المجاميع او الحشود. ويضيف ان الطائفة او المجموعة  المطالبة بحقوق الاختلاف الثقافي ، والتي تتعارض مع اسس الدولة الديمقراطية القائمة، ستقود الى "الانغلاق الثقافي" الذي يمكن ان يولد ما يسميه الباحث الدانماركي توماس بوسيوس " العنصرية ثقافية" 4، اي العنصرية  التي لا تقوم افكارها على مبدأ التمايز البايولوجي، بل على التشدد والاختلاف الثقافي واالتأكيد على اهمية ذلك الاختلاف " ص 89
                          وتتوافق افكار الباحث الالماني من اصل سوري في العلوم السياسية بسّام طيبي مع اطروحات بريان باري. ويشير طيبي بصورة خاصة الى تعارض العديد من الافكار والسلوكيات الاسلاموية مع القيم الديمقراطية السائدة في المانيا ويؤكد على ضرورة الارتهان الى مبدأ المواطنة عند معالجة التنوع الثقافي وليس الى ما تسعى اليه المجموعات الدينية الثقافية بخلق كانتوات ثقافية واثنية ودينية منغلقة على نفسها تعيش جنبا الى جنب مع المجتمع الالماني.5           
المواطنة : صمام الامان للتنوع والديني والاثني الثقافي:                     
اعاد الفيلسوف الاميركي ارثور م. شليسنجر في بداية تسعينات القرن الماضي مناقشة قضية حقوق الاقليات والتنوع الثقافي في امريكا 6. وقد وجه انتقادا حادا الى الدعوات التي تطالب بالتعددية الثقافية التي تقود الى انعزال وانغلاق المجاميع الاثنية والدينية  وتجعل ولاءها الى قيمها الخاصة بها. ووجه كذلك انتقادا الى الدعوات المطالبة بتدريس اجباري لمواد التاريخ التي تسلط الضوء على  تاريخ اضطهاد الزنوج فقط.                               
فطبقا لشليسنجر "يصبح المهاجرون امريكيين عبر ممارستهم الحقوق السياسية والمسؤوليات المدنية الملقاة على عاتقهم التي حددها اعلان مباديء الاستقلال والدستور الاميركي." ص26 . و يضيف ان المهم جدا هو تطوير فكرة المواطنة باعتبارها مفهوما سياسيا اكثر منه مفهوما ثقافيا. حيث يكون المواطن تابعا لوحدة سياسية ذات مساحة محددة (الدولة) يتم خلالها تحديد الحقوق والواجبات . ويدعم رأيه بالاشارة  الى خطاب الرئيس الاميركي وودرو ويلسون، الذي وجهه الى مجموعة من المواطنين الالمان الذين حصلوا على الجنسية الاميركية، بعد ثلاثة ايام على قيام البحرية الالمانية عام 1915باغراق سفينة الركاب الاميركية "لوسيتانيا"، قائلا لهم :"لا يمكنكم ان تكونوا اميركيين حقيقين اذا فكرتم بانفسكم كمجاميع . اميركا لا تتكون من مجاميع . ان المرء الذي يفكر بنفسه منتميا الى مجموعة قومية خاصة في اميركا فانه لم يصبح اميركيا بعد" ص 33.                                     
 انتبه شليسنجر الى مخاطر الاستخدام الايديولوجي للتأريخ، ولهذا فقد حذر من هذا الاستخدام  للتاريخ الذي يهدف الى دعم قضية الهوية والاختلاف الاثني والثقافي  بين المجموعات الاجتماعية. وكما يقول" ان التاريخ باعتباره اداة لتعريف الهوية القومية يتحول الى وسائل لخلق التاريخ. ومن ثم تتحول كتابة التاريخ من حقل للتوافق الى سلاح شعاره " من يهيمن على الماضي يمكنه ان يهيمن على المستقبل" . ص46 معللا ذلك  " بأن التاريخ في الحقيقة هو دليل بلا نهاية"ص57                                                  
  ورغم ان شليسنجر لا ينفي اهمية التعدد الثقافي في مجتمع ديمقراطي ولكنه يحذر من المغالاة في طرح قضية هذا التنوع، ولذلك يرد على انصار دعاة تدريس التاريخ بالنقد ويعتبره محاولة لاذكاء الخلافات والتفرق في المجتمع، خصوصا حين يتم تلقين الاطفال الحقائق عن الاحداث التاريخية باعتبارها  اساطير تاريخية. ص 74. او كما يكتب " ان استخدام التاريخ باعتباره علاجا يعني افساد التاريخ باعتباره تاريخا" ويضيف "لقد ارتكبت كلّ الاجناس البشرية، الثقافات و الامم في هذا الوقت او ذاك جرائمَ و ارهابَ وتخريب "ص93. ويشير شليسنجر الى ذلك بأمثلة تاريخية واضحة كالخلافات بين الاتراك والارمن، الصوماليين والاثيوبيين، الارتييريين والاثيوبيين، الاتراك والاكراد، الاكراد والعرب، الصرب والالبان، اسرائيل والفلسطينين. كما يعتبرالزنوج انفسهم ينحدرون من التاريخ المصري، ولهذا فان كل واحد منهم سيؤكد على تعرضه الى الاستغلال والقتل من قبل مجموعة اخرى، ولكن التاريخ يمتلك حقائقا اخرى واكثر تعقيدا" ص95 ويواصل قائلا " فتخيلوا لو ان كل تلك المجاميع الاثنية تركز على تعلم تاريخها وتعتبره مصدرا لتطورها اللاحق." وشليسنجر لا يعارض تدريس التاريخ وعرضه في المدارس ولكنه يطالب بعدم عرضه في مسعى  لتأكيد الانغلاق الذاتي  واختلاف الثقافات والتقاليد للمجموعات الاثنية والدينية، بل لفهم التاريخ والماضي  وتعلم التحليل والحكم، وان التاكيد على ابراز الافكار التي تظهر الاحترام للتنوع الثقافي وحماية لامحدودة لافكار التسامح والديمقراطية وحقوق الانسان التي تؤكد على الوحدة ، هي التي تجعل البحث التاريخي الحر ممكنا." ص 99، ثم يؤكد ان المغالات في التشبث على الاختلاف الاثني سيعزز الكراهية والتناقضات وسيخلق حدودا عميقة مرعبة بين الاجناس البشرية والقوميات . وستكون النهاية هي الرثاء للذات و الغيتو الذاتي."ص102.                             
 ويمكن القول باختصار، وطبقا لافكار شليسنجر، ان المواطنة هي الحل الامثل لتجنب المواجهات المرعبة الدموية التي تنبع من الاختلافات الدينية والعرقية والثقافية، وان الدعوة الى التنوع ينبغي ان تنطلق من حس المواطنة، وان المطالبة بهذه المواطنة او الحقوق ينبغي ان يكون هدفها الفرد وليس الجماعة، طالما ان ولاءات الافراد يكون الى الدول و يحدده وجودهم ضمن حدودها الادارية والقانونية وليس امرا آخرَ .                                     
الخاتمة                                                                             
ومما تقدم يمكن القول ان ما يجري في العراق من مناقشات وممارسة حول قضية التنوع الاثني والقومي او الديني هي نقاشات لا تنطلق من مباديء صحيحة ولا تصلح ان تكون  اسسا فكرية او عملية لبناء الدولة الديمقراطية في العراق.  إذ ترمي هذه النقاشات والممارسات في حقيقتها الى الحفاظ على المصالح الخاصة والنفوذ للنخب القومية والطائفية والثقافية.  واذا كان البعض يبني حججه قائلا بانه تم استخدام الدولة العراقية لقمع هذه الطائفة او القومية اوالثقافية عبر العقود الماضية لتبرير مواقفه الراهنة التي تعزز الوهم والانغلاق الطائفي والقومي والديني،  فانها ليست سببا كافيا لذلك. فهناك تجاهل جوهري ان العراق كيان سياسي وليس قومي ..ولهذا فان الدعوة الى وحدة العراق لا تشدد على اية دعوة قومية او طائفية او دينية ولا تضر باية مجموعة قومية او عرقية او دينية، بل بالعكس من ذلك. لقد انفتحت امام هذه المجاميع الثقافية والاثنية والدينية فرصا لا حدود لها لممارسة حقوقها في اطار وحدة العراق الديمقراطي.                                                  
 ومثلما تبين الامثلة التاريخية ان الانغلاقات القومية والثقافية على نفسها بين التجمعات البشرية تقود الى تشرذم الدول وتفككها وتولد الكراهية لبعضها البعض الآخر، كما حدث في العديد من دول العالم . فان الحكومة الدينية التي تقوم على اساس الدين هي حكومة اقصاء لطوائف وقيم اخرى، وتتعارض مع قيم الدولة الديمقراطية .ويبدوهذا التعارض للمباديء التي تقوم عليها الدولة الديمقراطية مع الدولة الدينية واضحا في المثال العملي للدولة الايرانية. وقد صاغ ذلك التعارض بوضوح اكبر الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي في كتابه " مطالعات في الدين والاسلام والعصر"7، حيث كتب "... ونحن حين نصف دولة بانها اسلامية فهذا معناه ان الدين هو الذي يحدد الشروط والظروف العامة( ...) فالحكم الديني يعني ان يتولى المتدينون السلطة وهو شرط اوّل، واما الشرط الثاني فهو قبول الشعب بذلك؛ هذان الشرطان هما ركنا الحكومة الدينية وزوال احدهما يزيل الصفة الدينية عن الحكم"ص107. وخاتمي يتجنب الاجابة المباشرة عن سؤال مهم: ماذا عن حقوق الطوائف والاقليات الثقافية والدينية التي تتعارض قيمها مع قيم الحكومة الدينية التي تحكم على ضوء الاسلام؟                                                                    
ولهذا فان العراق كوحدة سياسة ذات حدود وطنية ادارية وسياسية وقانونية، والذي يضم قوميات وطوائف ومجموعات  ثقافية ودينية مختلفة اختلطت مع بعضها وتزاوجت على مدى قرون، ليس قومية، و لا يقدم حجة معقولة ومنطقية للمنطلقات الفكرية والسلوكيات السسياسية التي تشدد على وهم الطائفة او القومية والدين، ويكشف عن جهل فاضح او تجاهل متعمد باسس بناء الديمقراطية فيه. كما انه فهم ناقص للحقوق والحريات ولمجمل العملية الديمقراطية وآلياتها، التي تثمل المواطنة الحجر الاساس لها. فالمواطنة لا تنطلق من مبدأ حقوق المجموعات الدينية او القومية او الثقافية، بل من الحقوق الفردية. فحسب شليسنجر، وعلى ضوء الخبرة التاريخية للتطبيق الديمقراطي في اميركا واوروبا الغربية، فان " الدستور يقوم على الحقوق الفردية وليس على حقوق الجماعة" ص 134، ويضيف ان المباديء الديمقراطية التي تقوم على المواطنة يمكنها ان " تقدم في آن واحد الروابط الفلسفية للوحدة والخبرة العملية في المشاركة المدنية " ص134                  ومن هنا يمكن القول ان  ضمان الحقوق الشرعية لكل مواطن وحقه بالانتماء لايّة ثقافة او طائفة او دين او عرق يتطلب التاكيد على وحدة الوطن ووحدة الدولة الديمقراطية :التي اسمها العراق. كما ان ضمان هذه الوحدة القائمة على المباديء الديمقراطية ومفهوم الموطنة سيكون صمام الأمان ضد اية ممارسة اقصائية من قبل الدولة لأية مجموعة اثنية او قومية او دينية او ثقافية.                                                                      
 
1)   Horace Meyer Kallen, Culture and Democracy in the United States: Studies in the Groups Psychology of the American People (New York: Anro Press and New York Times, 1970).  (-;-Original work published in 1924.)-;-
2) Will Kymlica: Multicultural Citizenshil: A Liberal Theory of Minority Rights, New York: Oxford University Press, 1955
 ((3Brian Barry: An Egalitarian Critique of Multiculturalism, Harvard University Press, 2002.
(4 Thomas Bossius: Racism og etnicitet i Black-Metal Kultur, Social Kritik , nr. 74- juli, 2001
(5 Arthur M. Schlesinger , Jr. :The Disunity of America- Reflections on a Multicultural Society, W.W Norton & Company, New York, London, 1992
(6 Bassam Tibi: "Europeanizing Islam´-or-the Islamization of Europe," in: Peter Katzenstein, ed., Religion in an Expanding Europe (Cambridge: Cambridge University Press, 2006)
7) محمد خاتمي: مطالعات في الدين والدولة والعصر، لبنان ، بيروت: دار الجديد،
1998
 



#قحطان_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - قحطان جاسم - وهم الطائفة والقومية والدين وبناء الديمقراطية في العراق؟