أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين كريكر - فلسفة ديكارت و بذور الذاتية الغربية















المزيد.....

فلسفة ديكارت و بذور الذاتية الغربية


ياسين كريكر

الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 18:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اتفق تقليديا على اعتبار ديكارت (1596-1650) كمؤسس ( بمعنى غير إرادي ) للمثالية الحديثة1 . ذلك أنه من أبرز دعاة المثالية في العصر الحديث يتخذ من المبادئ العليا والحقائق الميتافيزيقية فيما وراء الطبيعة أساسا لبناء فلسفته ، واعتمد على العقل أولا بالذات في منهجه الفلسفي ، خلافا لما جرى عليه سابقوه من اتخاذ الجزئيات المادية أساسا لبناء فلسفتهم و الاعتماد على المنهج التجريبي الاستقرائي القائم على الملاحظة والتجربة .
فقد امتاز أسلوب ديكارت الفلسفي باستعمال الشك للتحقق من كل ما يتجلى له عن طريق النور الفطري والطريقة المنهجية الراشدة ، وقد شرح هذا بنفسه قائلا : « ولما كنت راغبا في التفرغ للبحث عن الحقيقة رأيت ... أن أعتبر كل ما أستطيع أن أتوهم فيه أقل شك باطل على الإطلاق"2 فالشك الديكارتي شك منهجي ، مبالغ فيه ، لا يقوم على الحواس أو الملاحظة المباشرة بل يقوم على العقل لاستنطاق الحقائق « و هكذا فإنني لما رأيت أن حواسنا تخدعنا أحيانا أردت أن أفرض أن لا شيئ هو في الواقع على الوجه الذي تصوره لنا الحواس "3 .
وإنه من أبرز دعاة المثالية في العصر الحديث هو الفيلسوف ديكارت، فالفلسفة المثالية تقوم كما رأيت على حبس الحقيقية ( المعنى) داخل سور منيع عرف باسم " سجن العقل " ، حتى إن الذات الإنسانية لم تعد في هذه الفلسفة سوى ماهية مفكرة، عرفت بالذات المفكرة أو الكوجيتو بتعبير ديكارت فما المقصود بالكوجيتو إذن ؟
صحيح أن فلسفة ديكارت ، فلسفة عقلية ( مثالية ) راسخة الأركان و تقف موقف الشك إزاء العديد من القضايا والمسائل الفلسفية، "ولكن وسط هذا الشك الكلي تراءت له الحقيقة التالية : إن مجرد شكنا يترتب عليه بالضرورة القول بوجودنا ( إنهــا العبارة الشهيرة: أفكر، إذن أنا موجود، هذا هو أول يقين متاح للإنسان : وجوده الخاص بما هو كائن ذو تفكير، إلا أن الطريق تصبح أيضا مفتوحة أمام المثـالية ، إذ يتبين مما سبق أن الحقيقة الوحيدة التي نبلغها بصورة يقينية هي حقيقة تفكيرنا"4.

تقوم فلسفة ديكارت في مجملها على البرهنة أولا أن الذات الإنسانية جوهر مفكر ، وهذا يقتضي أن يكون ثمة خالق لها ، يتصف بالديمومة والكمال ، وهو الله عز وجل ، والذي تهتدي له هذه الذات بواسطة العقل يقول ديكارت : "إذا أردنا أن نفرغ لدراسة الفلسفة دراسة جدية والبحث عن جميع الحقائق التي في مقدرونا معرفتها وجب علينا أن نتخلص من أحكامنا السابقة ، و أن نحرص على اطراح جميع الآراء التي سلمنا بها من قبل وذلك ريثما تنكشف لنا صحتها بعد إعادة النظر فيها ، وينبغي أيضا أن نراجع ما بأذهاننا من تصورات ، و ألا نصدق منها إلا التصورات التي ندركها في وضوح و تميز ، وبهذه الطريقة نعرف أولا أننا موجودون باعتبار أن طبيعتنا هي التفكير ، و نعرف في الوقت نفسه وجود إله نعتمد عليه ، وبعد أن ننظر في صفاته نستطيع أن نبحث عن حقيقة الأشياء الأخرى جميعا نظرا إلى أنه هو علتها"5 .
تكشف هذه الخلاصة فلسفة ديكارت التي تعتمد على الحدس والبداهة العقلية بهدف إثبات الذات أولا باعتبارها ذات مفكرة، ثم إثبات الله ثانيا، باعتباره علة كل شيئ في الوجود، وأخيرا إثبات العالم و إدراكه ، فمن بين صفات الإنسان الكثيرة مثل : المشي والتغذية والإحساس ... يرى ديكارت أن أهم صفة يحملها و يعتز بها هي صفة التفكير قائلا : "وهذه هي الصفة التي أشعر بأنها تخصني، و أن الفكر وحده هو الذي يلازمني ولا ينفصل عني بحال من الأحوال مهما شككت في وجود الأشياء جميعها "6.
ولذلك أطلق ديكارت قولته الشهيرة : ما دمت أفكر فأنا موجود ، و كانت النقطة التي بدأ منها ديكارت فلسفته لإثبات " الذات " أو " الأنا" ، ليقيم عليها صرح فلسفته و ليرتب عليها كل نظرياته و آرائه سواء في فلسفته الطبيعية أوما وراء الطبيعية. يقول الدكتور عثمان أمين في كتابه " رواد المثالية "، باعتباره أحد المناصرين المتحمسين للديكارتية، " ... من هذا اليقين الأول ، اليقين بوجود الذات المفكرة، أو ثبوتها بتعبير أدق، استخلص التمييز الحاسم بين النفس و الجسم ... و استخلص أن جوهر النفس هو الفكر ، و ان جوهر الله هو الكمال ، و أن جوهر الجسم هو الامتداد ، و بذلك سار الفيلسوف من النفس إلى الله مباشرة و بغير واسطة ، لم يرد أن تكون معرفتنا بوجود الله عن طريق العالم، كما صنع غيره من الفلاسفة واللاهويتين، بل رأى على العكس من ذلك أن المعرفة بوجود الله هي التي تفتقر إلى وجوء الله سندا لها ..."7.
يبدو من هذا التصريح المقر بفضل الكوجيتو الديكارتي على الفلسفة الحدثية، أن الإنسان عند ديكارت نفس ( ذات ) وبدن ( جسم ) وحتى يتمكن الإنسان من الوصول إلى الحقيقة عليه أن يفصل الذات عن البدن ذلك أن معرفة الإنسان لنفسه أكثر من معرفة لجسمه أو بدنه ، لأنها منبع التفكير بكل ما فيه من عمليات الشك الفهم ،التصور ، الإثبات، النفي ،الإرادة ،التخيل ، الشعور ..... ومن ثم فالبدن يعد واقعا ماديا ملموسا أما الذات فهي مفكرة ،ولذا فعليها البقاء داخل العقل ( النسق ) .
ويرى العديد من المفكرين أن الكوجيتو الديكارتي ليس إلا موقفا تقليديا معروفا في الفلسفة المدرسية التي قامت على مذهب روحي يتصل بميتافيزيقا اللاهوت وفي مقدمتها براهين وجود الله " وهو الدليل الأنطولوجي الشهير الذي صاغه القديس أنسلم في القرن الحادي عشر"8، والذي وجهت له انتقادات كثيرة من قبل العديد من الفلاسفة ، وعلى رأسهم الفيلسوف الألماني كانط الذي قال فيه " إننا لا نستطيع أن ننتقل مما هو موجد في فكرنا لإثبات شيئ في الواقع ، وبما أننا لا نستطيع التفكير في الله ككائن غير موجود لا يبرر لنا إثبات وجوده ، ذلك أن إثباتنا الوجود لله لا يدل على شيئ لأن الوجود وضع وإثبات ، أي لفظ يدل على أن شيء ما له قوام ، ولا يدل على صفة زائدة فيه أو على كمال لأنه لفظ لا يمكن اعتباره محمول من المحمولات . فإذا قلت : الله حكيم ، وعالم ورحيم وموجود فإنني لا أستطيع أن أعتبر لفظ موجود مثل الألفاظ التي قبله لأنها محمولات وهو غير محمول"9 .
فالمنهج الفلسفي الذي اعتمده ديكارت كان يهدف إلى تنقية العقل من تصوراته الموروثة ومثل ذلك إثبات وجود الله ، وما يلاحظ على هذا المنهج أنه هو نفس الذي شغل اللاهوت في العصور الوسطى ، وعلى هذا الأساس يرى ديكارت بأن فلسفته، ليست بفلسفة عادية، وإنما هي فلسفة يغذيها ويضمنــها الله أو بأحرى هي إلهام من الله عز وجل " ... وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يمكن القول بأن ديكارت يطابق اللاهوتين في فهمهم للدين تمام المطابقة في الواقع إنه أكثر تطورا منه بالمعنى الفلسفي لأن فكره بدأ يتصل بنموذج أخر لتفكير إلا أنه ما زال متعلقا بالنموذج القديم أيضا "10.
فالاهوتيون كانوا يرون بأن العالم ممتزج من فعل الله و فعل الإنسان ذلك لأن الله نفسه قد أصبح إنسانا بعدما امتزج لاهوته مع ناسوته ( المسيح )، ومن ثم فهم يردون وضع الإنسان أمام عالم يحكمه الإنسان، غير أن هذا الإنسان الحاكم لا بد وأن تتوفر فيه شروط الإيمان والمقصود هنا هو البابا بالطبع، لكن ديكارت يقول بخلاف ذلك فهو يريد وضع الإنسان، أمام عالم يحكمه الله تعالى ، لأن الله هو خالق الإنسان والحقيقة وكل شيء . ولذلك كانت الدعوة إلى كل البشر لأجل تحكيم العقل في ذلك ....
ومن هنا يمكنني القول أن الكوجيتو الديكارتي ليس سوى تأكيد على مبدأ انتقال الحقيقة ( المعنى ) من الطبيعة ( الخارج ) إلى العقل ( الداخل ) ...فديكارت بدأ يركز موضوعاته حول اللاهوت أو إثباتها على أمل إثبات العالم الموضوعي، عالم الله أو عالم الحقيقة الذي هو متعال عن عالم الإنسان استنادا إليها وهذا ما جعله يقسم فرضية إلى ثلاثة أقسام :
1- إثبات الذات المفكرة، 2 – إثبات الله خالقها ، 3 – إثبات العالم .
وعلى هذا الأساس يرى الدكتور عثمان أمين "أن فلسفة ديكارت قوضت مذهب أرسطو وقضت على علم العصر الوسيط ، وأيدت سلطان العقل الناضج ، وناصرت قضية الحرية المستنيرة وهيأت النفوس للثورة الإنسانية الكبرى ..."11 ، وإن العقل الغربي بانتقاله من العلم التجريبي القائم على الملاحظة و التجربة إلى استعمال العقل في البرهنة على وجود الحقيقة لدليل قاطع على مأساته وتقلبه في البحث عن السعادة والديمومة في هذا الكون ، بحث طويل جعله يتقلب بين قطبي الخارج والداخل أو قطبي الشك واليقين الموضوعي ، وهو ما يؤكد ما قيل عن ثنائية الجوهر المفكر والجوهر المادي في الفكر الغربي ، وإن البنيوية بتركيزها على النسق أو النظام اللساني تمثل اليقين الموضوعي الذي أثبته العلم التجريبي ، كما تتقاطع أيضا مع الفلسفة العقلية، المثالية في مبدأ النسق.

المراجع المعتمدة :
(1) فرانسوا غريغوار ، المشكلات الميتافيزيقية الكبرى " ، تر : نهاد رضا ، ص : 52 .
(2) الربيع ميمون ، " مشكلة الدور الديكارتي " ، الشركة العربية للنشر والتوزيع ، ط (01) ، الجزائر ، 1982 ، ص : 28.
(3) المرجع نفسه ، ص: 28
(4) فرانسوا غر يغوار ، المشكلات الميتافيزيقية الكبرى " ، ص : 52 .
(5) عبد الله إبراهيم ، " المركزية الغربية " ، ص : 75 .
(6) محمد عبد الرحمن بيصار ، " تأملات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة " ، ص : 70.
(7) عبد الله إبراهيم ، " المركزية الغربية " ، ص:78،79
(8) عبد الله إبراهيم ، " المركزية الغربية " ، ص : 79.
(9) الربيع ميمون ، " مشكلة الدور الديكارتي " ، ص : 57 .
(10) عبد الله إبراهيم ، " المركزية الغربية " ، ص : 72.
(11) عبد الله إبراهيم ، " المركزية الغربية " ، ص: 82.



#ياسين_كريكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حل المشاكل وصنع القرار بالتفكير
- هندسة الحجاج كمجال للحركة حاضر بقوة في يوميات الإنسان
- أهمية علم النفس بالنسبة الاتجاهات الابستمولوجيا المعاصرة
- -حدجنة السياسة من داخل القبة البرلمانية-


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين كريكر - فلسفة ديكارت و بذور الذاتية الغربية