أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - حميد طولست - لكل جهنمه !!!















المزيد.....

لكل جهنمه !!!


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4353 - 2014 / 2 / 2 - 18:29
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


لكل جحيمه !
توطئة .
القارئ العزيز:
ليست هذه المقالة جزء من سيرة ذاتية ، وإنما هي انتقاء لبعض ذكريات ما مررت به من مواقف ومشاهدات وانطباعات في فترات ما من حياتي والتي لم أعرف لبعضها تفسيرا ولم أجد لبعضها الآخر معنى ولا مدلولا ، وأردت أن أنقلها إليك أيها القارئ الكريم ، بعض من تجارب ما مررت به فى تجارب ، ربما لم ييح لك ان عيشتها ، ليس بهدف املاء رأي أو تقديم نصيحة أو نقد لأي من تصرفك ، وإنما لتعميم الفائدة ، وللوقوف على بعض العقد النفسية التي تنشأ من التعرض لبعض الضغوط التي يتعرض الإنسان في مرحلة من حياته ، نتيجة لبعض القيم والعادات الاجتماعية التي تجعل الكثير من الأخطاء مقبولة اجتماعيا وتجعل ممارستها شيء طبيعي ، والخروج عنها يكون هو الخطأ في عرف الكثير من المجتمعات ..
الموضوع : مع ايقاع تعقيدات الحياة المتزايدة ومصاعبها المتوالية والمستمرة ، ينتاب كل منا الكثير من المتاعب والمشاق ، فيشبهها رجل الشارع المغربي ، كلما زادت حدتها وتعمقت جراحاتها ، وتأججت آلامها بـ "جهنم" ، ويصبغها بألوان مختلفة ، تميزا لدرجات شدة قساوتها ، إلى أن تعددت " جهنماته "، من "جهنم الحمرا " و " الكحلة " في حالة كانت مآسيها شديدة الوقع ولا تترك له لحظة واحدة من الراحة ، إلى جهنم "البيضا " حين تكون المعاناته بسيطة وطفيفة ، ما جعل الـ"جهنمات " تتنوع ، ويصبح لكل منا جهنمه الخاصة التي يستيقظ عليها صباحا ويقضي يومه فيها ، ويغمض أعيناه ليلا عليها ...
وأذكر أني لم أكد بمعزل عن بقية بني البشر ، حيث كانت لي ، ومند طفولتي الأولى ، كما كان لغيري من أطفال حينا الشعبي "فاس الجديد" ، "جنمات " عدة ، اذكر منها على سبيل المثال لا الحصر جهنم مصاحبة والدي ، يرحمه الله ، للحمام كل ليلة جمعة ، والذي كان جحيم الحمام يزداد جحيما ، كلما أصر والدي على أن أرتدي كل ملابسي - خوفا علي من ضربات البرد - بداخل الحمام الذي كنت أتألم بشدة من حرارته المرتفعة التي كانت تكاد تخنقني ولا أستطيع أن أنقل لأحد إحساس ما أعايشه من متاعب مع "جهنم" الحمام …
ثم كانت لي جهنم ثانية لا تقل قساوة عن جهنم الحمام ، والمتمثلة في موعد الذهاب عند "جبلو الحجام " الحلاق ، والذي كان يرعبني بمقصه وموساه التي يطبق بها وصايا والدي ، رحمه الله ، وبالحرف طمعا في بعض الريالات ، فكان يقص كل شعري على "الزيرو" بدعوى أن الشعر يأكل الوجه كله .. ثم أذكر أنه كان لي "جهنما" ثالثة ، أخطر وأشد علي نفسيتي من " الجهنمات " ، وهي "المسيد" الكتاب القرآني ، ذلك الجحيم الذي كنا ندخله كي نحفظ القرآن ونحن أطفال صغار جدا ، والذي كان يحدث فيه ، أحيان كثيرة ، خروج عن الأساليب التربوية واستخدام القسوة وتعنيف الصغار بالعصا والأحزمة والفلقا ، مما يحوله لذى "لمحاضرية" المتعلمين ، من مهمته التربوية إلى "جهنم " ترعب المتعلمين الأحداث ..
ومنه انتقلت إلى جهنم أخرى لا تقل رعبا وتخويفا لي وهي المدرسة الابتدائية ، التي كانت تخيفني عصا "مسيو بسيير" رئيس "جهنم" ، عفوا مدير المدرسة أنداك ، الواقف كالمعتاد مند السابعة صباحا من كل صباح ، بميمنة البوابة الفرعونية - كما كانت تبدو لي ساعتها- للمدرسة ، وهو يردد عبارته المشهورة Allez y Allez y "ملوحا بعصاه التي كان التلاميذ يراوغون لسعاتها المؤلمة ، دون الاهتمام بزعيق "با لحسن" بلهجته الصحراوية وسحنته الداكنة ، الذي اعتاد هو الآخر الوقوف بالجانب الآخر من الباب يساعد في تيسير سيولة الدخول ..
ولم يكن "جهنمي" اختراق البوابة المدرسة عند الدخول أو الخروج هو ما يشكل "جهنم" لدى غالبية التلاميذ ، بل كانت هناك "جهنمات " كثيرة في انتظارنا بداخل الأقسام والتي كنا نصلى نارها مع "السي الطرومباطي" محفظ القرآن الكريم ساعة استظهار ما يفترض أننا حفظناه عن ظهر قلب ، أما "مادام بونو" المتعصبة لقواعد اللغة الفرنسية حد الجنون ، فقد كانت أشد المعلمات وأكثرهم قساوة ، حيث أني لا زلت أتذكر يوم أخطأت خلال حصة الإملاء في إحدى قواعده Règles d orthographe فعوقبت بضربات بعدد حروف القاعدة التي تقول:
DEUX VERBES QUI SE SUIVENT LE DEUXIEME SE MET A L INFINITIF
أما ساعة الحساب فقد كانت تعادل وحدها كل "جهنمات" الدنيا والآخرة مجتمعة ، خاصة عندما كان يطلب منا معلم الحساب ، الذي لم أعد ، مع الأسف الشديد ، أذكر اسمه -رغم ان شكله لم يفارق ذاكرتي إلى اليوم ، بكل سمات الرفاهية والرقي وعلامات نعمة العافية وسلامة جسده القوي والفاره الطول ، التي كانت تبدو على وجهه الصبوح الصارم في نفس الآن - استظهار جدول الضرب عن ظهر قلب ، فترى فرائس الواحد منا ترتجف وربما يسيح تحت قدميه ما شرب من السوائل من صنابير ساحة المدرسة التي نتسابق إليها خلال الاستراحات ، وعيناه تتبعان عصا الرمان المدهونة المخيفة التي يحركها يمنة ويسرة ..
ولم تكن هذه "الجهنمات وحدها التي أثرت في حياتي ، كما في حياتات الكثيرين غيري ، فالجهنمات التي عرفت كثيرة ومتعدد -يضيق المجال لذكرها كلها في مقالة واحدة – ومن حسناتها أنها جعلتني أكتشف مدى صدق مقولة سارتر الشهيرة "الجحيم هم الآخارون " وأعرف أنه لم يقلها عن فراغ ، وإنما ليعبِّر بها عما عاشته وتعيشه الأغلبية العظمى من الناس مع "الآخرين" الذين يجسدون كل الـ"جهنمات " التي تتسبب في كل الآلام والأحزان التي تحاصرنا في كل مكان وزمان ، والشقاءات والهموم الثقيلة التي تتعقب خطواتنا ، لتصنع منا مخلوقات شقية مغتصبة الحقوق ، من طرف أولئك الذين وضعوا أنفسهم في مقام الوصاية علينا ، دون وجه حق ، ودون أن يكونوا مالكي لأي حق علينا .. إلا أنهم تربو على منظومة اخلاقية وسلوكية معينة ، يعتبرونها وبكل حمولاتها من النتائج السلبية وما تفرزه من مآس إنسانية وجهنمات نفسية نجدها في الكثير ممن هم حولنا ، وفينا وتكبر بدواخلنا ، وتتغذي مع الوقت بوجود تلك الفئات العريضة من "الآخرين" الغارقين في سكرة صنع "الجهنمات" المستمتعة بعذاباتنا ..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار ودي مع نقابي متميز على هامش يوم دراسي .
- معاناة المعالم التراثية العمرانية الحضارية والتاريخية للمدن ...
- لماذا رثاء المهندس خالد الغازي؟
- رثاء المهندس خالد الغازي
- وداعا المهندس خالد غازي .
- كفى فتنة ، فقد بلغ السيل الزبى!
- الحملات العنصرية الخاسرة للإسلاميين ضد الأمازيغ .
- كل عام و -رجال العام - ، بكل خير !
- الويسكي والشمبانيا في ميزانية 2014 للحكومة الإسلامية !
- كل عام وانتم بالف خير ...
- تشييع جماعة الإخوان إلى مثواها الأخير !
- بياض الثلج يزين حمرة لافتات المشاركة في استفتاء الدستور..
- الرياضة والسياسة (5) .
- حفل افتتاح الكارثي وفاشل بكل المقاييس
- جولة في مطاعم الفول الشعبية 2
- جولة في مطاعم الفول الشعبية
- رحيل طود الشعر العامي المناضل ، أحمد فؤاد نجم..
- الرياضة والسياسة (3)
- الرياضة والسياسة (4)
- الرياضة والسياسة (2) الشعارات السياسية في ملاعب كرة القدم .


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - حميد طولست - لكل جهنمه !!!