أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نعيم عبد مهلهل - واقع وليس خيال ...طشت الخردة














المزيد.....

واقع وليس خيال ...طشت الخردة


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1238 - 2005 / 6 / 24 - 08:44
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


واقع وليس خيال
طشت الخردة ...
نعيم عبد مهلهل

ثمة أعضاء غادرت الجسد بفضل حنان الديناميت وسهو مردوخ عن عباده . جمعوها في طشت وسيدفنوها بفتوى بمقبرة خارج مدينة . أعضاء تعود لعشرات من البشر الفانيين من دون رغبة وقناعة أن العمر انتهى . لكن كابول قررت ذلك وثمة فرمان وقعه رجل بلحية رمادية قال : أن بابل بلد ينبغي أن لا تطول سعادته وان لا يفاخر أنه هزم الإسكندر بالهيضة وأن نبوخذنصر أسكن نصف أورشليم في حي الصفيح وان الحلة بلدة النخلة والكحلة وكاتبة جيدة لقصيدة حلم جلفية تهادت بحنان شهواني ومضت تعانق ظل الأسد الجاثم فوق رجل مسترخ لسيف الإمبراطور ومستغيثا برأفة الآلهة وسيارات الإسعاف.
طشت الخردة مصطلح جديد لم يعرفه العالم سوى في العراق وهو عبارة عن آنية من النحاس كبيرة يسمونها في العراق ويستخدم لغسل الملابس . إلا أن طشت الخردة لا يستخدم كما عرف عن هذه الآنية بل أستخدم لتجميع أعضاء بشرية لا يعرف أصحابها وجمعت متناثرة من مكان الذي تنفجر به السيارات المفخخة . عين طفل ، ذراع شيخ ، عضو ذكري لشاب ، ثدي امرأة ، إصبع لا يعرف جنسه لازال فيه خاتم عرس ولكن ليس من الذهب ، ظفيرة محناة . جزء من قدم يمنى ، يد مقطوعة ولكنها ليست يد أب الفضل العباس ع ، أعضاء كثيرة ، أنوف ، ألسنة ، شفاه علوية فقط ، حوض لازال يرتدي لباس داخلي لطفل رضيع ، كلها جمعت بهذا الطشت حين رفعت الجثث الممزقة ولم يبق إلا هذه اللقط . أنتخى أناس ما وجمعوها في طشوت . لقط ولكنها ليست أثرية رغم أن مكانها اللقط البشرية والأثرية واحد حيث المقابر ولكن سعرها يختلف فللقطة البشرية تتوسل بمحسن يدفنها بهدوء بعيدا عن جسدها الأصلي وهي تأمل أن تجتمع به في اليوم الحشر وينادى على من كان السبب ليتم الجزاء ، أما اللقطة الأثرية فهي غنية جدا وحالما تعبر الحدود سيكون منزلها متحف اللوفر أو بنسلفانيا وتباع باليورو . فيما أعضاء الجسد العراقي المجتمعة في طشت الخردة تتحاشى أشعة الشمس وامنية أن تدفن سريعا قبل أن تتعفن أو تترك عرضة للعبث وايدي السراق المشعوذين ممن يستخدمونها كتعاويذ في طقوس السحر والشعوذة لهذا يتمنى البعض من ضعاف النفوس شراء الطشوت بحجة دفنها تبركا وطلبا للحسنة ولكنهم يضعونها في ثلاجة ثم يبيعوها إلى أناس يظنون أن أرواح هؤلاء المنكوبين باقية في بؤبؤ العين وقد ملكت قوة سحرية خارقة .
هذا طشت واقعي وليس طشت خيالي كما بساط الريح . مصطلح أطلقه أهل الحلة على تلك الآنية يوم فجر انتحاري سيارة مفخخة بحشد هائل من البشر في مدينة الحلة قبل أشهر فتطاير في الهواء كحمامات مذبوحة أجساد البشر وتداخلت تكوينات بنيتها وافترقت منها أجزاء وتبعثرت في المكان لتصبح من دون هوية.
واحد فقط عرف يد أخيه لأن ساعته الستزن لازالت في معصمه . وأم عرفت ظفيرة أبنتها من خلال العطر التي كانت قد عطرت به جسدها قبل أن تذهب لتكمل أوراق تعينها معلمة . فيما صرخ أحدهم ذلك بؤبؤ عين أخي . سأله أحدهم : كيف عرفت . قال أنه ينظر ألي دامعا .
وهكذا تصبح المشاعر دليلا للتعرف على هوية عضو فقد الانتماء إلى جسد بملامح كاملة .
طشت الخردة جزء من الكوميديا السوداء التي بدأت تلف وجودنا الوطني في واحدة من أحرج لحظات تأريخنا . غرباء يدفعهم هوس قتل الأمريكي يعبرون الحدود في الليالي الحالكة . ولانهم لا يجدون الأمريكي لأنه لا يزال نائما في ثكنته العسكرية يقررون أن يقتلوا شابا تخرج للتو من الجامعة ، واقف في طابور الفحص الطبي من اجل لقمة العيش وربما بعد درزينة من السنوات والادخار يحصل على زوجه . لكن عضوه الذكري تزوج الآن طشت الخردة الذي صار له وسادة وسريرا وغرفة نوم أبدية .
لم أقرا عن هذا الطشت في أي حرب وأي حكاية شعبية وأي أسطورة ولم أسمع عنه في سوق الصفافير والحمامات الشعبية ولكنني سمعت عنه من ألسنة أهل الحلة وفسر لي الدكتور مالك المطلبي عندما كنا قبل شهر سوية في ملتقى الكويت الأول للشعر العربي في العراق عن ماهية وطبيعة هذا الطشت العجيب . وكلما أسمع خبر انفجار سيارة مفخخة أتذكر هذا الطشت واتسائل كم من الطشوت سيحتاج الوطن وأن سوق الصفارين سينتعش حتما وسوق المشعوذين أيضا إذ مع كل انفجار ستتطاير أعضاء لاحصر لها وستضطر فرق الإنقاذ والمحسنين والشرفاء إلى جمعها في تلك الطشوت ثم يؤخذ بها فتوى الدفن وقليل من الناس من يتعرف على هويتها عندها تؤخذ إلى الجسد الأصلي وتدفن معه وفي ذلك مفارقة أن تجد ثديا مسجى قرب صاحبته وهو غير ملتصق بصدرها وسترى المخيلة الشعبية تذهب إلى أسطرة هذا المشهد حيث سيقول بعض من حضر الدفن أن الثدي لازال يدر حليبا وينزف دما في نفس الوقت .
تلك هي قصة طشت الخردة . يكاد يكون لوحة سريالية تفننت بها مخيلة دالي الذي طالما تخيل هكذا عوالم . لكن طشوت دالي من صنع خياله الجنوني وطشوت الخردة العراقية صنيعة واقع مؤلم ومؤثر وعجيب .
تلك طشوتنا . كان من المؤمل أن نغسل بها ثياب المدرسة والعرس وبدلات العسكرية ولكننا نغسل بها الآن دموعنا وفي ذلك أسطرة لهذا الحزن الذي أتمنى أن لا يدوم .

أور السومرية 22 حزيران 2005



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسبوع التضامن من أجل أطلاق سراح القاص العراقي محسن الخفاجي
- ليل وطني أغنية للعشق وإناءاً للبن الرائب
- قرب ضريح سيد أحمد الرفاعي ..تصوف السيف والنجمة وذرة الرمل
- الميثولوجيا من نارام سين حتى بول بريمر
- بهجة الورد ثوباً ازرقاً لمراة
- رسالة انترنيت الى دراويش تكية 11 سبتمبر
- المندائية انباء جاوي وقبعة الملكة اليزابيث
- الثقافة بين التأويل والتدويل
- تواشيح مندائية تناشد الأب الروحي للطائفة
- متصوفة الورود الحمر .قلوبهم أثرية ودموعهم قيثارات
- الكتابة في حدود الرغبة والتحرر من الصفر المطلق
- المهاتما يقرأ في كتاب الغروب البابلي
- الشعر والثمالة ورامسفيلد ومايحدث الآن
- المراة بين اناء العسل وروح الكائن المطيع
- نجمة متقاعدة وقمر في الخدمة وناسا جامع للمتصوفة
- وطن الجنرال ويخت الجنرال ورقصة الجنرال
- فتاة من التبت تحب مارتن لوثر كنغ
- أستطلاع الواقع الثقافي العراقي ..محافظة ذي قار أنموذجاً
- قيامة إبراهيم
- الجندي الأيطالي والمتحف السومري


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - نعيم عبد مهلهل - واقع وليس خيال ...طشت الخردة