أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تعليقنا على: بين اسلام مكة واسلام المدينة:















المزيد.....



تعليقنا على: بين اسلام مكة واسلام المدينة:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4352 - 2014 / 2 / 1 - 08:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعليقنا على: بين اسلام مكة واسلام المدينة:

مصداقية سامي الذيب في الميزان:
أولاً،، دعونا نتقف معاً على مرجعية نحتكم إليها كلنا، حتى لا ندخل في لغط وجدل فارغ من المضمون والمحتوى،، وهذا الأمر لازم ولا بد منه حتى نستطيع ضبط الحوار ليستفيد القاريء والمتابع. ونحن نعرف أن من أكبر معاول الهدم لدى أعداء الحق والحقيقة هو اللجاجة والتعويم والتشكيك، والهروب من المواجهة الفكرية، أما نحن فنصر على أن نحصرهم في دائرة الواقعية والمصداقية والأمانة العلمية، لذا فإننا لا ولن نقبل أي طرح بدون إقامة دليل وشواهد عليه، ولا أظن المتابعين والمراقبين من القراء الكرام يقبل أن يستخف بعقله ويعامل بسذاجة وإستخفاف. فالمرجعية التي يجب أن نتفق عليها يحددها الجواب على السؤال التالي:
(من هو الله الذي يدور الحوار حوله ؟ هل هو نفس الإله الذي يعتمده الطرفان المتحاوران، أم أن لكل واحد منهم إلهه الخاص الذي يختلف عن إله الطرف الآخر؟). لذا، سنبادر نحن بتحديد من هو الإله الذي نعتمده ونشير إليه في كل أحاديثنا وحواراتنا، وعلى الطرف المقابل إما أن يعتمد من أشرنا إليه أو أن يدلنا على من كان غيره أسوة بما فعله النصارى فقد حددوا أن إلههم وهو عيسى ابن مريم. لذا نقول، نستطيع حوارهم إما بالقرآن أو بمناقشتهم بما جاء بكتابهم ومراجعهم المعتمدة لديهم، لذا نقول:
الله الذي نجادل ونحاور به ونعتمده، وليس لنا بديل عنه أو ند له أو شريك إنما هو الله الواحد الأحد الذي خلق كل شي وسيؤل إليه كل شي.

ونستطيع أن نقيم الدليل على كل ذلك بما يضحد أي قول غيره. فلنضرب مثلاً على ذلك فنقول وبالله التوفيق:
- لو قال لك شخص ما إنَّ هذا الكون بكل دِقَّةِ خَلْقِهِ من سموات وأرضين وما بينهما، من شمس وقمر ونجوم ومجرات وكواكب ونيازك ومذنبات، وتقلب والنهار، ومنازل القمر لمعرفة عدد السنين والحساب،،، وبكل ما يخلب اللب من النعم والخيرات من ماءٍ وهواءٍ وبحار وأنهار وأشجار وأمطار وسحب وصواعق وبرق يخطف الأبصار، وجبال من برد،،، وكل صنوف الفواكه والنباتات والخضروات،، والحيوانات والطيور والأسماك ،،، ثم بعد ذلك ميلاد في ضعف، فحياة تتزايد قوة وعطاءاً حتى تبلغ مداها، ثم لا تلبث أن تتناقص إلى أن تنتهي إلى ضعف وشيبة ووهن حتى يبلغ حد الموت. الخ ثم قال لك ذلك الشخص بعد كل هذا (إنَّ هذا الكون وليد الصدفة وأنْ ليس وراءه قوة، وطلاقة قدرة وتدبير مُعْجِزٍ، وعلماً فوق علم البشر، وإنَّ كل هذا الخلق والإبداع ليس وراءه غاية ...), هل يمكن لعاقل أن يصدق مثل هذا القول؟؟؟
- فمن أنكر كل هذا وإدعى أنَّ هذا الكون ليس له صاحب وهذا الصاحب عنده طلاقة القدرة على فعل كل ما يريد،، فما دليله على ذلك إن كان من الصادقين؟
- وإذا صَدَّقَ بأن لهذا الكون إله قادر قاهر عليم حكيم وخالق كل شيء ومدبر أمره،، فإن لم يكن هو إله آدم ونوح ،،، وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم،، فمن يكون إذن؟؟ وما دليل المدعي على صدق إدعائه إن كان من الصادقين؟؟؟
- فإن عجز عن إيجاد الدليل وبقي على ضلاله القديم،، نقول له إن كان هناك إله آخر غير إله محمد، فلا شك في أنه إله "غافل جاهل ضعيف، لا يقوى على خلق ذرة رمل أو ما دونها"، لسبب بسيط ومنطقي وهو أن (إله محمد قد أنزل كتاباً "عياناً بياناً" منشوراً يتلى ليل نهار ومتاح للعدو قبل الصديق، وذلك قبل أكثر من اربعة عشر قرناً من الزمان. وقد نَسَبَ مُنَزِّلُهُ كل شيء لنفسه دون سواه وتحدي فيه الإنس والجن، فقال إنَّه هو الخالق الباريء المصور، وهو دون سواه الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، وهو الذي ينزل الغيث ويعلم ما تغيض به الأرحام وهو الذي يَهَبُ لِمَنْ يشاء إناثاً يَهَبُ لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً،، وهو الذ ينبت الذرع وهو الذي يولج الليل في النهار يولج النهار في الليل، وهو الذي قال إنَّهُ أرسل الأنبياء والرسل وهو الذي قبل ذلك هو من خلق آدم من تراب،،، الخ)، وهنا نجد أنفسنا أمام أحد إحتمالين لا ثالث لهما... فإما أن يكون صاحب هذا الكتاب هو الله الواحد الأحد، فتخرص الألسن ويسطع نور الحق المبين، وإما أن يكون هناك إله غيره،، وفي هذه الحالة نقول لذلك الإله المزعوم (أين أنت يا إله "الغفلة والجهل والضعف؟" أما عَمِلْتَ أو سمعت أو رأيت أو قيل لك،،، أنَّ صاحب القرآن الكريم قد أخذ كل ما في الكون والوجود ونسبه إلى نفسه فأين خلقك الذي تدعيه بغير علم ولا سلطان ولا كتاب منير؟ أما الذي نسبه إليه قد أنزل كتاباً محكماً ومفصلاً نَظَّمَ فيه وبه حركة الخلائق بكل أممها، وأنت لا تزال، وستظل غافلاً تائهاً لم ولن تستطع أن تسترده أو تحاجج عنه،،، ما أعجزك من إله مفترى لا تقدر على الدفاع عن نفسك فما فائدتك للخلق، وكيف تستطيع أن تديره بهذه الدقة والروعة والإعجاز والقدرة المطلقة؟؟).
- نخلص من ذلك أن صاحب هذا الكتاب المبين (القرآن الكريم) هو الله الذي نشير إليه ونحاجج به، فمن كان له إله غيره، حاججناه بالقرآن "وليس بأهوائنا أو آرائنا"، والنتيجة محسومةً سلفاً، فليس أمام المدعي سوى التقدم بالدليل والبرهان، كأن يُوْقِفَ إلهه المزعوم المَوْتَ، أو أن يجعل الحياة تبدأ بطريقة عكسية، (من الشيخوخة وتنتهي إلى العلقة، فالنطفة ثم العدم)، أو أن يجعل الشمس تشرق من الشمال وتغرب في الجنوب، أو أن ينزل عليها المطر حبوباً وغلالاً. أو على الأقل يأتينا بكتابه الذي يشهد له بإلوهيته إن كان في الأصل له وجود،،، وإلى أن يظهر لنا ذلك المجهول ويستيقظ من ثباته العميق يكون قد شهد على نفسه بأنه غير موجود أكرم له من أن يكون موجوداً ومنهزماً وبالتالي يظل صاحب الكتاب هو الله الخالق الواحد الأحد الصمد بدون منازع، وما دام ذلك كذلك، يبقى من جاء بهذا القرآن هو رسول هذا الخالق بلا منازع ولا جدال،، وعليه فإن كل حرف من هذا الكتاب يعتبر كلام الله تعالى صاحب هذا الكتاب.
هذه هي المرجعية التي لدينا، ونحاور وفق هذا الإطار،، ولكن هذا لا يعني أننا نلزم أي شخص بشيء على الإطلاق لأن صاحب هذا الكتاب المبين قالها صراحة (من شاء فليؤمن ومن شاء فلكفر)، ولكن يتحمل في النهاية تبعة إختيار ومشيئته "عن علم يقيم عليه الحجة". وأعتقد أن هذا الطرح عادل ومفهوم لدى الجميع.

نرد الآن على الكاتب:
فهو يقول: ((-- نقرأ في القرآن: ان الدين عند الله الاسلام "آل عمران 19"
ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين "آل عمران 85"
اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا "المائدة 3" --))

نرد عليه فنقول وبالله التوفيق:
أولا: قوله بهذا التصور تماما كقول أحدهم: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ) ثم يسكت عليها دون قرآءة السورة من أولها، أو حتى دون تكملتها حتى نهايتها، فيوهم السامح "قصداً أو جهلاً" بأن الله قد توعد المصلين بالويل، أو قد يزيد على ذلك فيقول مثلا: («فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ» «الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ») فيقف عندها أيضاً فيكون قد ترك صفات أخرى ملازمة لهذه الصفة بحيث أن الصفات مجتمعةً هي التي تُحِقُّ الوَيْلَ على من إتصف بها وهي قوله: («فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ» «الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ» - «الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ» «وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ»). ومع ذلك لا يستقيم المعنى المراد بالسورة مكتملة إلَّا إذا أخذناها من أولها وهي قوله تعالى: («أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ» - «فَذَٰ-;-لِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ» «وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ-;- طَعَامِ الْمِسْكِينِ»)،
فالسورة في القرآن الكريم وحدة متكاملة فلا يجوز أخذ أية واحدة "عشوائياً"، ثم تُقَيَّمُ السورة بكاملها على أساسها، فتأتي المعاني وفق الأهواء والمقاصد، وهذا هو التحريف بعينه. فالسورة تكون ضاربةً بسور حول آياتها كلها) لا تكتمل مقاصدها إلا بها بكامل آياتها، وهي لا تعتبر قائمة بها مجموعة آيات مرصوص مرقمة، بحيث تُؤخَذُ منها آية أو آيات متتاليتين أو متباعدة أو معكوسة الوضع ثم يحاجج بها إفتراءاً على الله تعالى، فلو نظرنا إلى الآيتين الأخيرتين من سورة الماعون عند قوله تعالى: («الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ 6» «وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ 7») من حيث ربطهما بباقي آيات السورة لوجدناهما يرتبطان مع الآيتين («فَذَٰ-;-لِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ 2» «وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ-;- طَعَامِ الْمِسْكِينِ 3»). ولكننا نكون واهمين إن إكتفينا بذلك ولم نأخذ في إعتبارنا الصنفين الذين ذكرهما الله في مطلع السورة، وهما ("الذي يكذب بالدين"، "فذلك الذي يدع اليتيم")، حيث يقول الله فيهما: («أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ 1»؟ «فَذَٰ-;-لِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ 2»؟). هذا فيما يتعلق بهذه السورة الصغيرة التي لا تزيد أياتها عن سبعة آيات قصيرة تتراوح عدد كلماتها من بين كلمتين إلى خمس كلمات فقط. فما بالك بالسور الطوال مثلاً سورة البقرة التي يبلغ عدد آياتها 286 آية، وأقصر آية منها هي (ألم) مع العلم بأنها تتضمن مئات الكلمات،، وفيها أكثر من آية هي عديدة الكلمات مثل الآية 282 حيث تزيد كلماتها عن مئة وعشرين كلمة. تتكامل كل هذه الآيات مع بعضها البعض حتى تعطي المراد منها "كسورة" تضم آياتها داخل (سورها). فما دام ذلك كذلك، فإن المؤمن عليه أن يأخذ الآية بمفهومها من خلال السورة وليست مبتورةً عنها. لأننا إذا إتبعنا آلية أو عملية البتر والتمزيق التي هي سمة المحرفين المحترفين، فإننا نكون قد خدعنا أنفسنا قبل أن نخدع الآخرين. فليس منطقياً أو مقبولاً أن يأتينا شخص ما بِغُصْنِ شجرةٍ فيدعي أنَّه شجرةٌ كاملة بساقها وجزورها وفروعها وورقها، أو يأتينا بِظُلْفٍ فيحاول إقناعنا بأنه عجل له خوار، أو يأتينا بحبة قمح فيدعي أنها سنبلة بها مئة حبة.

فالآية التي أشار إليها الكتاب، من سورة آل عمران تقول: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 19).
ثم تجاهل كل الآيات (من الآية 1 إلى الآية 18)، فلم ترق له وتخدم غرضه الذي يسعى إليه "في ظنه"، فإنتقل "قفذاً" إلى الآية رقم 85، عند قوله تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85)، تاركاً "عامداً متعمداً 66 آية (من الآية 20 إلى الآية 84). ثم بعد كل هذه الإنتقائية المخلة، يجد من يصدقه ويثق فيه ويأتمنه على رأسه، ولكن هيهات. فالذي يسعى إلى إضلال الناس لن يستطيع أن يضل إلَّا من إختار طريق الضلال بمحض إرادته وإختياره فيتخلى عنه الله تعالى ويتركه يتأرجح بين هواه وهوى غيره وبين أوامر عدوه اللدود إبليس اللعين، الذي قال لربه (فبعزتك لأغوينهم أجمعين،، إلَّا عبادك منهم المخلصين)، فَمَنْ تَمَكَّنَ منه الشيطان فغوى فقد إبتعد عن معية الله وحِصْنِهِ فتلقفه هذا وذاك صيداً ميسراً. قال المصطفى صلى الله عليه وسلم محذراً (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).

فلننظر إلى الآية 19 عند قوله تعالى: («إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» - «وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ» - «وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» 19). وهذه المعاني لو دققنا فيها نجدها تمهيد للآيات (84 و 85 و 86) من السورة نفسها.

ولتأكيد ما قلناه، دعونا ننظر إلى الآية 84 التي تسبق الآية التي أشير إليه، مباشرة لنرى ماذا تقول؟ وهل كان الكاتب محقاً في قفزه منها إلى ما بعدها لأنهما معاً ستنسفان مشروعه ومقصده من اساسه؟ فلننظر ثم بعد ذلك نحكم ... قال تعالى (قُلْ - «آمَنَّا بِاللَّهِ» «وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا» «وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ-;- إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ» «وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ-;- وَعِيسَىٰ-;- وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ» - «لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ» - «وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» 84).

إذاً،، هذه الآية الصريحة تقول بوضوح لا لبس فيه إن الأنبياء والرسل جميعاً إبتداءاً من أبو الأنببياء إبراهيم، مروراً بموسى وعيسى كلهم "مسلمون" ونحن أمة محمد وأتباعه إمتداد طبيعي لهؤلاء الأنبياء والرسل الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، لأننا ... أولاً آمنا بالله كما آمنوا، ثانياً: آمنا بما أنزل علينا وما أنزل عليهم "كله"، ونحن مسلمون معهم وإمتداد لهم. فمن الطبيعي أن تأتي الآية التالية تأكيد على أن هذا المعيار الذي هو المقبول لدى الله تعالى، وما دون ذلك يتركه حظاً للشيطان وأعوانه. لذا قال تعالى: («وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ» وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85)،
إذن كل ما جاء به أهل الكتاب وإختلفوا فيه بعد ما جاءهم العلم – كان بغياً بينهم – وكفر بآيات الله، لم ينزل بها من سلطان، وإعتبره الله كفراً صريحاً، وبالتالي كان لا بد من لفت نظرهم لذلك وإعطائهم الفرصة لإصلاح ما أفسدوه فَكَتَبَهُ الله عليهم كفراً، ثم ذكَّرهُم بأن من يصر على موقفه من الكفر سيكون من الخاسرين.

الآن،، ماذا قال الله تعالى، بعد أن ثبت بأن أهل الكتاب أخَلُّوْا بمعايير الإسلام وضلوا طريقهم إلى ربهم "بإختيارهم"، وذلك في الآية التي بعدها 86 مباشرةً؟؟ قال تعالى مستنكراً: («كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ؟» «وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ «وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ؟» - «وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» 86).

الآن،، على المرأ أن يكون منصفاً صادقاً مع نفسه فيقرأ هذه الآيات الثلاثة معاً ثم يجاوب على الأسئلة التالية:
1. هل المسلمون هم فقط أمة محمد واتباعه، أم أنهم يتضمنون كل الأنبياء دون إستثناء وكل من إتبعهم بحق وصدق، ولم يدخل في جريمة التحريف والتأليف والتزوير؟
2. هل أتباع النبي محمد أسقطوا من حساباتهم أي كتاب من الكتب السماوية التي أنزلت على الأنبياء والرسل جميعاً دون إستثناء؟ فإن كان ذلك كذلك، فهل يستحقون بهذه الصفة أن يكونوا الأكمل إيماناً وإسلامناً أم لا؟؟
3. وهل فَرَّقَ المسلمون أتباع محمد ما بين الأنبياء والمرسلين أبداً؟ فإذا قالوا (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)، هل غالوا أو نافقوا أو جانبوا الحقيقة منذ ذلك الزمان وحتى الآن؟
4. فإذا الخروج عن هذا المنهج الرباني كان "كفراً صريحاً" فهل ظُلِمَ الذي فعلها ووُصِفَ بالكفر الذي حكم الله تعالى به عليه؟
5. فإذا كان منهج كل أنبياء الله ورسله هو "الإسلام"، ولا يعترف الله إلَّا بالمسلمين، وبدينهم، فهل يقبل من أحد ديناً غيره بعد ذلك التأكيد المغلظ؟
6. فمن رفض إلتزام منهج الأنبياء والرسل والصالحين على مر الأزمنة والعصور وإختار لنفسه ما يمليه عليه هواه، فهل يكون في الآخرة من الفائزين أم من الخاسرين؟؟؟
مالكم كيف تحكمون؟؟؟

إنَّ عدم فهم الآية والتعجل في الحكم لن تكون الآية المعنية، ولا القرآن كله مسئولان عن ذلك الإخفاق والضلال الناتج عن ذلك التعجل وعدم الفهم. وكما هو معلوم فإن الباحث دائماً يرجح الإختلافات لصالح بحثه "إن زهد في المصداقية والأمانة العلمية" أو لانه كان يجهل المعايير والإلتزام بالشفافية والتجرد، فإذا كانت غايته البحث عن الحقيقة المحضة، دقق وإجتهد ومحص، أما إذا كانت غايته الخوض والتحريف، وتتبع النصوص "لدس" الثغرات والمآخذ، لن يغلب حيلة في أن يحاول قلب الموازين وتشويه النصوص حتى تأتي النتائج مشوهة وفق ما أراد. وقد يكتفي بإيهام العامة والجهلاء بأنه على حق حتى إن وصل معهم إلى حالة الشك والتشكك، فلا بأس عنده "شيء ما خير من لا شيء".

أولاً كل الأنبياء والمرسلين هم في الواقع مسلمون، فنوح عليه السلام "مسلمٌ" وكل من إتبعه فهو مسلم كذلك، وإبراهيم "مسلم"، وكل من إتبعوه في حنفيته مسلمون، بل هو إبراهيم "خليل الرحمن" الذي سمانا "مسلمين"، ويعقوب ويوسف وإخوته كلهم مسلمون، وكل من إتبعهم "دون تحريف" فهم مسلمون أيضاً، وموسى بن عمران "مسلم"، وكل من إبتعوه "دون تحريف" مسلمون، وكذلك عيسى عليهم جميعاً السلام "مسلم" أيضاً كل من إتبعه "بدون تحريف" مسلمون أيضاً. أما محمد الخاتم فهو "أول المسلمين" وأتباعه فهم "آخر المسلمين"، وأشملهم وأكملهم إسلاماً لله تعالى، ليس ذلك إدعاءً وإنما هو الواقع، أنظر إلى تفاصيل إسلام المسلم:
- فالمسلم: يؤمن بالله وحده لا شريك له ولا ند ولا نظير،، بمستوى سورة الإخلاص، التي نزهت الله تعالى عن كل أنواع الشرك بقوله تعالى (الله أحد، الله الصمد)، ونزهته عن الوالد والولد بقوله تعالى (لم يلد ولم يولد)، ونزهته عن المكافي والند بقوله تعالى (ولم يكن له كفوا أحد)، أما في غيرهم فكانت نسبة الولد من بعض اليهود بإدعائهم "عزير ابن الله"، بعض النصارى بإدعائهم "عيسى بن مريم" أبن الله وبعضهم قال إنه ثالث ثلاثة وبعضهم قال إنه هو الله الخالق الديان (تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً).
- والمسلم: يؤمن بالملائكة كلهم عليهم السلام، وغيرهم لا يفعل ذلك، فمنهم من جعل الملائكة إناثاً إفتراءاً على الله، ومنهم من إتخذ جبريل وميكال أعداءاً،،، الخ، وهذا يقدح في كمال الإيمان وسلامته،
- والمسلم: يؤمن بكل الكتب السماوية دون تمييز، ويؤمن إيماناً جازماً بأنها كلها من عند الله تعالى بدءاً من الصحف الأولى – صحف إبراهيم وموسى، ثم التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم، وكلها عنده مقدسة، بينما اليهود لا يؤمنون بالإنجيل ولا يؤمنون بالقرآن الكريم،، أما النصارى فهم لا يؤمنون بالقرآن الكريم،، وبالتالي فلأن المسلمين من أمة محمد يؤمنون بكل الكتب السماوية المنزلة من عند الله تعالى فهم أكمل إيمانا من غيرهم بها.
- والمسلم: يؤمن بكل الأنبياء والمرسلين على الإطلاق، بدءاً من آدم عليه السلام وحتى محمد الخاتم، وهم المذكورون في القرآن الكريم بأسمائهم والذين بلغوا خمسة وعشرين نبياً ورسولاً، كما يؤمنون بأن لبني إسرائيل عدد من الإنبياء ما بين موسى وعيسى عليهما السلام، "غيباً"، ولم يتفق أن سب أحد المسلمين أي أحد من الأنبياء أو اي أحد من المرسلين من الملائكة والبشر، أو ذكره بأقل من التكريم والتبجيل والإحترام وسمو القدر، ولكن غيرهم شذ عن هذه القاعدة، فاليهود مثلا لا يؤمنون بعيسى عيه السلام نبياً أو رسولاً، وبالتالي لا يؤمنون بالإنجيل أو يعترفون به، بل ولا يعترفون بصحة نسبه أو عفة أمه العذراء البتول الصديقة المصطفاة على نساء العالمين، ولا يؤمنون بالقرآن الكريم ولا بنبوة ورسالة النبي الخاتم محمد بل ويسبونه ويخوضون في دينه وهم في حالة حرب شعوءا مستعرة ضده وضد دينه وضد أمته، أما النصارى فهم لا يؤمنون بالنبي محمد ولا بالقرآن الكريم ويناصبونه العداء وقد حاولوا مع اليهود تصفيته جسدياً أكثر من مرة ولا يزالون يكيلون له السباب والإساءة والخوض في دينه ويعادون ربه،، وبالتالي يكون المسلمون أتباع محمد أكمل الأمم إيماناً بالأنبياء والمرسلين وإكرامهم وتبجيلهم وحبهم وعد التفريق بين الله ورسله.
- المسلم: أكمل الأمم إيماناً باليوم الآخر، وأكثرهم إيماناً بالقدر خيره وشره،
فإذا كان الله تعالى قد وصف الإيمان به ووضع المعايير التي يكون الإيمان مقبولاً لديه ومعتمداً عنده، بل وأعطاهم رمزاً هو الحرف (ألف) ووصفهم بالمتقين، وذلك في أول سورة من القرآن حيث قال في سورة البقرة: (الم - ذَٰ-;-لِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)، فمن هم هؤلاء المتقين المقصودون هنا في هذه الآية؟؟ هل هم المسلمون أن غيرهم؟ فلنتدبر هذه المعايير لنعرف، قال:
1. («الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ» - «وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ» - «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»)،
2. («وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ» - «وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ» - «وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»)،
3. («أُولَٰ-;-ئِكَ عَلَىٰ-;- هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ» «وَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»)،
إذن هذا هو الإسلام، هؤلاء هم المسلمون الذين يعتبرهم الله مطابقين للمواصفات، وهذا ينطبق على كل الأنبياء والمرسلين دون إستثناء ومن صدق من أتباعهم.

ولكن،، لو سألنا الذين يفتون بغير علم، هل يستطيع أحدهم أن يُعَرِّفَ لنا "الإسلام"؟ على الأقل بمفهومه وإعتقاده؟ ويبين لنا من هم المسلمون وفي أي عهد كانوا؟ فإن كان يعلم فتلك مصيبة كئود، لأنه يوهم الناس بعكس ما يعلم "قصداً وعمداً" لشيء في نفسه لم يفصح عنه، وإن كان لا يعلم،، فالمصيبة أعظم لأنه يخوض فيما لا يعلم فالنتيجة والمحصلة النهائية هي نفسها في الحالتين، وهذه إشكالية كبيرة تستحق الدراسة والتمحيص.

ثانياً: يقول أيضاً: ((-- الآيتان الأوليتان تعطيان انطباعا بأن هناك دين اسلامي واضح المعالم على المرء أن يتبعه.--))،،، ثم يستدرك - قائلاً إلا أن الآية الثالثة - (يقصد الآية 3 من سورة المائدة،)، تبين أن الدين الإسلامي لم يكتمل إلا في مرحلة معينة، كان قبلها في حالة تطور. --)).
نلاحظ هنا جملة مفاهيم خاطئة تدل على عدم الدقة في الطرح، أو بناء التخمينات على أسس منضبطة، وفي هذا تخبط ظاهر وخلط للأوراق. للعدة أسباب،، ولكن قبل أن نناقش هذه الفقرة لابد لنا أن نعرض الآية التي اشار إليها الكاتب، وهي قوله تعالى في سورة المائدة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ-;- عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ 3).

هذه السورة الكريمة هي ملخص كامل لكل ما ورد بكتاب الله تعالى، وليس كما قال الكاتب، فهي تناولت كل أسس تعامل المؤمنين مع بعضهم البعض ومع منهج دينهم الذي قد أكمله الله تعالى وها هو ذا يضع كل الأساسيات أو مواد الدستور الإسلامي الذي سيضبط كل حركة المؤمنين لذلك لم يخاطبهم بالمسلمين، ولكنه عنى "المؤمنين" تحديداً فحدد لهم بهذه السورة الكريمة المعجزة كل مواد الدستور الذي إرتضاه الله تعالى للبشرية قاطبة لمن اراد أن ينضم إلى طائفة المؤمنين بإختياره، فهذه السورة تناولت في أغلبها التركيز على العقود والعهود والمواثيق، ثم الحلال والحرام،،، وإنحصر خطابها في ثلاث جهات لا رابع لها، هي:
1. المؤمنين: حيث خاطبهم بقوله (يا ايها الذين آمنو) في أكثر من 27 آية ارقامها (1، 2، 6، 8، 11، 35، 51، 54، 57، 58، 61، 87، 88، 89، 90، 91، 92، 94، 95، 96، 98، 99، 101، 102، 106، 107).
2. ثم أهل الكتاب: بقوله في الغالب (يا أهل الكتاب،) وذلك في أكثر من عشرة آيات أرقامها (15، 19، 111، 112، 113، 114، 115، 116، 117، 118)،
3. ثم الرسول: حيث خاطبه بقوله في الغالب (يا أيها الرسول)، في أكثر من ثمانية آيات، أرقامها (41، 59، 60، 67، 77، 82، 100).
فهذه السورة ينبغي أن تعرض كاملةً، لأنها ستجاوب على كثير من التساؤلات والمغالطات، وحيث أن المقام هنا لا يسع ذلك سنحاول لاحقاً إفراد موضوع متكامل عن (سورة المائدة – دستور المؤمن) بإذن الله تعالى.

أما الآن فلنناقش الآية 3 التي أشار إليها الكاتب والآيتين التين تسسقها (1 و 2) فيما يلي:
بدأ الله هذا السورة بأول بند في الدستور الكريم بالعقود والأنعام فقال: («يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» «أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ» - إِلَّا مَا يُتْلَىٰ-;- عَلَيْكُمْ «غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ» - إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ 1)،

البند الثاني قال فيه: («يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» «لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ» «وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ» «وَلَا الْهَدْيَ» «وَلَا الْقَلَائِدَ» - «وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا» - «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا» - «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا» - «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ-;-» «وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» «وَاتَّقُوا اللَّهَ» - إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 2).

البند الثالث قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ «الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ» «وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» «وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ» «وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ» - إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ - «وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ» - «وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ» - ذَٰ-;-لِكُمْ فِسْقٌ -- الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ - «فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ» -- «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» «وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» -- «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ - غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ» -- فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 3). فكما قلنا، فإن هذه الآية الكريمة والآيات التي قبلها تحدد بنود الدستور وترسم معالم وخارطة الطريق، ومن البديهي أن تأصل للحرام والحلال الذي ستسير عليه أمة الإسلام بخطى ثابتة واثقة لمنهج الله تعالى الذي إرتضاه للبشرية كلها، وحيث أن الحياة تقتضي التعامل مع أهل الكتاب لذا لم تتجاهلهم سورة الإعلان الدستوري للأمة ببنوده الأساسية التي فصلها باقي القرآن الكريم تفصيلاً دقيقاً.
البند الرابع يخاطب فيه الرسول بقوله له: («يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ» - «قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ» «وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ - تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ» - «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ -وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» -- وَاتَّقُوا اللَّهَ -- إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 4).

ولكن،، ماذا قال الكاتب في هذه الآية الكريمة؟؟؟ لقد قال: ((-- ويظن البعض أن هذه الآية هي آخر أية نزلت في القرآن رغم انها ضمن سورة المائدة التي تحمل الرقم 112 وفقا للتسلسل التاريخي للقرآن --))، وطبعاً هذه الفرضيات لا أساس لها من الصحة،، بل إنما هي دليل على أن قائلها يجهل كل شيء عن الإسلام، فلو إسترشد بقول الله تعالى (اليوم أكملت لكم ...)، وتدبر الآيات على الأقل حفاظاً على المصداقية والأمانة العلمية، لكفى نفسه الكثير من المآخذ، خاصة وأن كتاب الله تعالى "متين"، ومحكم وبليغ، فلا مجال للإرتجال فيه ولا للتلفيق، فهذه الأشياء تفقد صاحبها ثقة القرآء فيما يقول. أما مسألة التسلسل التاريخي للقرآن، فهذا لم نسمع به من قبل، والظاهر أن صاحب هذا الطرح "والله أعلم" تسيطر عليه فكرة "تأليف القرآن الكريم"، لذلك يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ من سورة حتى نهايتها ثم يبدأ بالسورة التي تليها فيغيب عن فكره الكيفية التي نزل بها القرآن الكريم،،، وهذه تعتبر إشكالية كبيرة بالنسبة له. ويؤكد ما ذهبنا إليه ويدعمه قول الكاتب تكلمة للفقرة السابقة عن سورة المائدة: ((-- وتتبعها سور التوبة التي تعتبر من أقسى سور القرآن اذ تنص على آية السيف التي نسخت عددا كبيرا من الآيات المتسامحة في القرآن ومن بينها آية "لا اكراه في الدين" "البقرة 256"، فهذا الطرح مأساة حقيقية يواجهها المسلمون – كان الله في عونهم – ونقول له إن سورة براءة من أرَقَّ السور في القرآن الكريم،، ولكن،، وقد أسهبنا في ذلك في تبرئتنا لهذه السورة الكريمة من كتاب الله مباشرة ولم ندخل فيه رأينا وإنما تتبعنا السورة آية آية. ولكن الذين إعتادوا القطع والقص بعض آيات من السورة أو جزء من آية واحدة لا بد وأن تصلهم الحقائق ضبابية إن لم تعمى عليهم بكاملها.

يقول الكاتب ((-- المتتبع لسيرة النبي محمد ولتسلسل آيات القرآن يرى أطواراً مختلفة كما هو الأمر مع كل انسان. فأفكاري اليوم تختلف عن أفكاري عندما كنت شابا --)).
نقول له وبالله التوفيق:،
أولاً: حسبك!! من الطبيعي أن يكون الأمر بالنسبة لك هكذا كما تقول، لأنك بإختصار شديد، شخص عادي وليس نبياً ومن الطبيعي أن لا تكون معصوماً فتخضع لنواميس الكون من ضعف، ثم من بعد ضعف قوة ثم من بعد قوة ضعفا وشيبة،، فكيف تقارن نفسك بنبي بشرت به كل الأنبياء قبله "بإسمه"، وقد إدخره الله تعالى لآخر الزمان ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين وهو آخر ذرية إبراهيم الخليل (الإصطفاء الثالث والوسط)،، وقد كان (عمران) والد السيدة مريم العذراء هو آخر ذرية آل عمران (الإصطفاء الرابع) قبل إصطفاء مريم على نساء العالمين. فهو نبي قبل أن يولد، ولكن الرسالة تأخرت إلى أن أذن الله بذلك وأنزل عيه الوحي. وقد شرح الله تعالى صدره وهو طفل، وقال الله تعالى فيه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى).

ثانياً: قوله ((-- وليس عبثا ان قسم الفقهاء المسلمون سور وآيات القرآن إلى سور وآيات مكية (نزلت في مكة) وسور وآيات مدينية (نزلت في المدينة). ولكن يا للأسف طباعة القرآن المتعارف عليها اليوم تخلط بين المجموعتين مما يجعل من الصعب ملاحظة الاختلاف بينهما --)).
نقول له في ذلك، إن كان قول العلماء عبث أو غير ذلك، فهذه الأقوال إجتهادات لا يستطيع أي منهم إقامة أي دليل عليها لا نقلي ولا عقلي،، والذين يحاولوا الولوج من باب التسلسل التاريخي هذا لن يفلح مسعاهم لأنه رجم بالغيب، وإجتهادات ليست في الإتجاه الصحيح،، وقد أعيى القرآن الكريم المتربصين فظلوا يدورون حول سياجه المنيع فيصدهم خائبين وسيكون هذا فأل كل من تطاول عليه. قد حاول الكثيرون العبث ولكن الله صدهم خائبين وما أسهل أن يذهب أي شخص إلى أي مطبعة ويصدر منها ما شاء من نصوص وتصانيف ولكنها ستكون نبتاً شيطانياً منبوذاً لن يقتنيه إلَّا من وقع في الضلال، أما القرآن الكريم فهو معصوم، فلن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.


ثالثاً: الكاتب يقول: ((-- وحقيقة الأمر الفرق بين القرآن المكي والقرآن المديني كالفرق بين السماء والأرض، ليس فقط في الأسلوب ولكن أيضا في المضمون --)).

نقول لك وبالله التوفيق: أنا أجزم لك بأن ما قلته ليس صحيحاً على الإطلاق،، وهذا الكلام عليك إثباته،، أرنا نماذج لهذا الإختلاف في الأسلوب والمضمون، فنحن لا نريد من إيجاد فرقٍ بين السماء والأرض بل يكفينا الفرق بين النعجة والعنزة، حتى نحاججك فيما قلت "بكتاب الله تعالى" أما إن لم تستطع (ولن تستطع) فيكون ما قلته كلاماً مرسلاً لا قيمة له ولا وزن.
رابعاً: وقوله ((-- ولا ابالغ ان قلت ان إسلام مكة "قبل الهجرة" يختلف تماما عن اسلام المدينة "بعد الهجرة" --))، هذا القول نتاج طبيعي للمفاهيم المغلوطة والخلط الرهيب وعدم التفرقة ما بين التغير والتطور المرحلي الذي يقتضيه الإعداد، والتنفيذ والتقييم لعمل البشر، أما شخصية النبي الكريم محمد فهي أكبر من أن ينال منها السفهاء من الناس، الذين أصبح إنهزامهم أمام شموخه مدمراً لمعنوياتهم لفشلهم في أن يخترفوا القرآن الكريم أو يغيروا من منهجه.

غريب أمر كثير من الناس في آخر الزمان، حيث إختلط الحابل بالنابل، فضاعت الفروق الحقيقية بين الناس، فتطاول السفيه على الكريم، وهو يعرف أنه سفيه، فأصبح الإنسان لا يأمن على نفسه وكرامته ومقدساته بعد أن سلط الله تعالى بغاث الطير وسفهاء البشر فكشروا عن أنيابهم السامة وصاروا يخوضون في أعراض الناس ويتحرشون فيهم تحت سمع وبصر ورعاية تلك الدول الغاشمة التي أعماها الحقد وأسكرها التفوق المادي من أن تتحسس مواطن الإنسانية وكرامة الإنسان فصار السفهاء يحتمون بها وتشجعهم على إستفذاذ الآمنين المسالمين لتجد المبرر لإبادتهم بعد التضييق عليهم في أخص خصوصياتهم ومقدساتهم، فعندما يثور البعض إنتصاراً لكرامته المهدرة تتسارع تلك الطواغيت الضالة بوصمها بالإرهاب الذي تمارسه ضدهم ليل نهار بإستراتيجية شيطانية مريضة، ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد.

هؤلاء الشواذ الحاقدون ليس لهم هم إلا الإساءة للإسلام والمسلمين أقدس وأطهر أمة بقيت في هذا الزمان، لذا يبغونها عوجاً،، ولكن لن يصلوا إلى مرادهم. مثلاً هذا الكاتب الذي يتخبط يمنةً ويسرة يخوض فيما لا يعرف وينتقد من لا يستطيع أن يبلغ قيمهم العالية رغم التردي الواضح الذي أصاب بعض المسلمين نتيجةً لإنتمائهم الإسمي فظن الجهلاء المعتدون الإرهابيون أن كل المسين كذلك. يقول هذا الكاتب ((-- ألمراقب للمسلمين اليوم يرى فئات مختلفة. فهناك المسالم وهناك الإرهابي وهناك المتذبذب بين هذا وذاك --))، نقول له أليس الأفضل لك أن تراقب نفسك فتنقذها من وحلها فالغفلة لن تنجيك مما ينتظرك عند من تتطاول عليه فذاك الطاغية الذي عاس في الأرض فسادا فأماته الله تعالى فيما يقرب من العقد الكامل، وأنظر إلى حال ونهاية الجبابرة الذين تكبروا وتجبروا على الخلق والخالق، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر. فإن بلغك أن أي منهم قد مات ميتةً سهلة تكون مخطئاً. فالله تعالى يمهل ولا يهمل. فالأفضل لك أن توجه سهامك إلى عيوبك التي فاحت رائحتها وظهرت عورتها وأنت لا تدري، تظن أنه كلام قد يرضي نفسك المتصدعة المضطربة، ولكن كل ذلك على الحساب. أما إن ظننت أن ما تقوله وتفعله من إعتداءات على ملايين البشر الذين لا خصومة لك معهم سوى إختلافك معهم في العقيدة، فهذا ليس بمبرر في أن تجرح مشاعر الآخرين فالمسلم لا يسب حتى الصنم مع إنه يعرف تماماً أنه صنم يعبد من دون الله تعالى إحتراماً لمشاعر الشخص الذي قدس ذلك الحجر عن قناعة منه، هذه هي الحضارة والإنسانية والرقي إن كنت تدعيها ولا تتصف بها.
أنت تقول بأنك تراقب المسلمين وتصنفهم حسب هواك وما تمليه عليك نفسك المعتدية الظالمة، فالمثل يقول إن لم تستح فأفعل ما شئت. يا أخي حتى الإرهابي الذي تقول عنه فلعله منطلق من قناعات أخرى أو أنه تعرض إلى إستفذاذات وإعتداءات من أمثالك فلم يستطع "الحلم" أو "الصبر" على هذا الأذى غير المبرر. وحتى لو سلمنا جدلاً بأن لك دوافع معينة جعلتك تهاجم من تظنه إرهابياً ولكنك بالطبع لو نظرت إلى حالك وما تكتبه وتقوله ليل نهار ضد الآخرين وفي هجومك وتطاولك عليهم وعلى مشاعرهم ومقدساتهم، لعلمت أنك كبير الإرهابيين على الإطلاق. أما الذين تقول عنهم أنهم مسالمون،، فما هو مبررك إلى ما تقوم به ضدهم من إساءة لأقدس مقدساتهم من دين ونبي وكتاب، هل تراهم ضعفاء حقيرون لا يستطيعون الرد عليك بالمثل؟ أم تريد أن تخرجهم من سلميتهم وتحولهم إلى إرهابيين؟ فهل هذه إستراتيجبة للإستكباريين تقوم أنت ومجموعتك بتحريكها في الإتجاه المرسوم ضد أناس لا يعرفون معنى الإرهاب لا في دينهم ولا في سلوكهم؟
أما إدعاءاتك المبرمجة المضحكة التي تقول بأن المسلم يكفر غيره، هذا سخف وفكر مريض متدني،، أنتم الذي تخوضون في غيركم، أما المسلم فيحرم عليه أن يكفر غيره لسبب بسيط أن تكفيره لغيره يعتبر (تألهاً على الله تعالى)، وهو الهلاك المبين بالنسبة له، ولكن ليس الإسلام فقط بل كل الأديان السماوية تعتبر من سَبَّ الأنبياء والرسل أو سب الله تعالى يعتبر كافر وفي المسيحية واليهودية يعتبر "جدف"، وحكمه القتل رجماً بالحجارة، راجع الكتاب المقدس لترى بعينك ما أقوله لك. ولكن أين هم الذين يرجمون الآن؟؟؟
والشي الغريب حقاً والمحير أنك تقول مستنكراً إحتجاج الذين تعتدي عليهم بإستفذاذاتك، فتقول ((-- وليس من حقي ان انكر على أي منهم اتباعه الإسلام --)) نعم يا أخي العرف والقانون والمنطق والإنسانية والرجولة والشهامة والخلق النبيل لا يعطيك الحق في التدخل في خصوصيات الآخرين وتنتقد عقائدهم أو سلوكياتهم إلا بالنصيحة إن إرتضوها منك وإلا يعتبر سلوك همجي لا يمكن أن يوصف به شخص يظن أنه متحضر لأنه دون أخلاق الغاب والتطفل الذي يميز الذباب والباعوض الذي يغتصب دماء الآخرين ليتغذى بها دون إستئذان ثم يلوث ما بقي من دم يوهن بها الجسد كله.

وكما ترى بالمقابل، هم يعرفون عقيدتكم وتوجهكم، وعاقبتكم، ولهم فيه رأي واضح ولكنهم لا يقدمون على إنتقادكم أو كشف عيوبكم وما أنتم عليه،، لسبب بسيط لأن هذا إختياركم لأنفسكم بأنفسكم وبكامل الحرية التي كفلها لكم الله تعالى، وقد منع الله المسلم بالقرآن من سب الآلهة المفتراة حتى لا يسب عابديها الله عدواً بغير علم كما جاء في سورة الأنعام (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَٰ-;-لِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ-;- رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 108). فدعكم من هذه الخرافات والبلاهة المضحكة، وتصنيف الناس على هواكم وإدعائكم بأن ((-- المسالم يتبع اسلام مكة، بينما الإرهابي فيتبع اسلام المدينة، والمتذبذب هو المحتار بين الاثنين --))، يا أخي أنت تفتقر إلى أبسط مقتضيات المعرفة بالإسلام،، ويعوزك الحياد، فليس في الإسلام هذه التصنيفات التي تروج لها وتكررها بدون أدنى دليل ولا برهان. إعلم أن لدينا ثاث معايير (محسن، ومؤمن، ومسلم)،، فالحد الأدنى للنجاة هو "الإيمان الكامل"، بكل بنوده التي وردت في سورة البقرة، وكما رأيت فإن الله تعالى لم يخاطب سوى المؤمنين في سورة المائدة، أما الإحسان فهو درجة عالية راقية من الإيمان، وأما الإسلام فقط فهذا يمتد تدنيه حتى يبلغ درجة النفاق الذي هو في الحقيقة "الكفر بعد الإيمان". ومعلوم أن المنافق "في الدرك الأسفل من النار. وهو ينتمي إلى الإسلام بالإسم فقط، ولكن الكثيرين منهم قد إستغنى الله عنهم وتركهم لأهوائهم بعد أن فُقِدَ الأمل فيهم. فمثل هؤلاء المسلمين الضالين الميئوس منهم لا تتعب نفسك في السعي إليهم، لأنهم آيلون للسقوط، وقد يأتونك من تلقاء أنفسهم، ومثل هؤلاء لن نبكي عليهم. أما المؤمن فهو عصي عليكم ولن تستطيعوا أن تنالوا منه، ولا يمكن مثل هذه السخافات أن تهزه بل تزيده قوة ومنعةً وتثبيتاً.

الملاحظ أنكم تخلطون الأوراق بصورة مذرية تدعوا للشفقة،، حاولوا ولو مرة واحدة التفكير بصورة إيجابية، بأن تنظروا إلى الإسلام كدين عالمي متاح لكل أنواع البشر، فمن اراد أن يدخل فيه لا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تمنعه الدخول فيه، وليس هناك شروط مسبقة،، وبالطبع سيدخله بشخصيته كما هي سواءاً أكانت شريرة أو مسالمة أو معتدلة،، وهو بعد دخوله "مسلماً" يكون عرضةً لكل الإحتمالات، فقد يضعف إيمانه وينزوي حتى ينافق، أما إن وقر في قلبه الإيمان بعد ذلك وصدق في توجهه، يستحيل أن يقبل هذا القلب أي شر لأن لشر والإيمان متنافران لايلتقيان معاً ولا يبقيان فيه جنباً إلى جنب. لذا عندما وضع الله تعالى دستوراً لهذا الدين لم يخاطب به الناس كمسلمين إطلاقاً، بل في كل بند فيه يقول: (يا أيها الذين آمنوا ...). فالإسلام دين كامل مكتمل الأركان، إنما جاء في الأساس ليرفع الظلم عن الضعفاء والمظلومين والمقهورين، وليس العكس كما يدعي المبطلون من أعداء الإستقامة والعدل. وغايته الأساسية هي تصحيح العقيدة التي نزلت من السماء نقية طاهرة منذ صحف إبراهيم وموسى مروراً بالتوراة ثم الإنجيل،، فكانت اليد الآثمة والقلوب الفاجرة قد تجرأت على كتب الله وعملت فيها "تحريفاً" وتأليفاً ودساً وقصاً،، بمساعدة الشيطان الرجيم عدو الإنسانية تماماً كما يفعل الظالمون المجرمون الآن مع الإسلام والقرآن،، ذلك الكتاب "المعصوم" الذي أقلقهم بصموده أمام محاولاتهم التي تزيل الجبال من التآمر والخبث والإصرار فوجدوا لأنفسهم موطيء قدم من خلال كتب التفسير والسيرة التي لم يحتاط الكثير من أصحابها للتطور في الفجور والجريمة الذي نشهده الآن في عصر الفتن التي باتت كقطع من الليل مظلمةً. فبدأوا بالتشكيك، والهجوم الكاسح على المسلمين في الغفلة والضعف الذي هم فيه والمتاهة التي أدخلهم فيها المنظرون من المحسوبين على العلماء وهم أكثر الناس جهلاً.

أما المسلمين من حيث سلوكهم فهناك تنوع كبير يسع تنوعات البشر كلها، فكثير منهم متناقضون مع الإسلام قلباً وقالباً لضعف علمهم وثقافتهم الدينية الصحيحة، بل بعضهم مندس بين صفوفهم ويعمل على هدمه من الداخل. يمكنك إن شئت أن تراجع سورة "التوبة" من الآية 38 وإلى الآية 70 ، ستجد أن كل هذه الآيات تتحدث عن المنافقين الذين كفروا بعد إسلامهم في عهد النبي نفسه فكشف الله شرورهم وفضحهم، وقد كان ضررهم على النبي وعلى المؤمنين وعلى الإسلام أكبر من ضرر المشركين وأهل الكتاب المحاربين،، ومع ذلك لن تجد أية واحدة تطلب من النبي أن يصدر عليهم أي حكم بل أوكل أمرهم إلى يوم القيامة الذي سيحاسب الله فيه الخلق بنفسه،، ولكنه قد بشرهم بما يستحقونه من العذاب يوم القيامة.

فمن يقول بأن الإسلام هو دينان فهو واهم وعلى باطل وضلال مبين، والقول بأن هناك إسلام مكة أم اسلام مدينة، فهذا هو السفه والإفلاس عينه. فالإسلام هو دين واحد "والدين الوحيد الذي إرتضاه الله تعالى للبشر كافةً،، فمن كان على التوراة كما نزلت على موسى، لن يتوه عنها أو يفتقدها في القرآن، ومن كان على حنفية إبراهيم، فسيجدها في القرآن الكريم، ومن كان على المسيحية كما نزلت على عيسى، سيجدها أيضاً في القرآن الكريم. لقد تشكك بنوا إسرائيل في نبوة ورسالة عيسى عليه السلام، فجاء الإسلام ليدعم النصارى في التأكيد على صدق نبوة ورسالة عيسى عليه السلام، وقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم خمسة وعشرين مرةً بينما جاء ذكر النبي محمد نفسه في القرآن فقط أربعة مرات، وأثبت الله تعالى نسبه إلى أجداده من أمه وهو "عمران" والد مريم وآخر ذرية آل عمران، في سورة آل عمران التي هي من طوال السور، وبين حقيقة خلقه ومعجزاته ورسالته. أما عن أمه العذراء البتول الصديقة مريم، فقد خاض اليهود في عفتها وإتهموها تارةً بالجندي الروماني بن بديرا أو بحبيب النجار،، ولكن جاء القرآن ليمجدها بما لم يستطع النصارى أنفسهم إثبات النذر اليسير منه فكان التأكيد على عفتها وطهارتها وقد إصطفاها الله تعالى مرتين ثم كفلها نبيه زكريا راعياً ومربياً، وتولى الله إطعامها ورعايتها، ثم جاءتها البشرى بعيسى عبد الله ورسوله.

وقد "شفر" الله تعالى سورة آل عمران بالآية الكريمة (ألم)، حمايةً لها من عبث اليهود المتربصون بعيسى وأمه، وقد أودعها أسراراً غاية في الخطورة وصرف عنها الأنظار إلى حين يشاء الله تعالى كشفها، وكذلك الحال مع سورة مريم التي "شفرها" بالآية الكريمة البينة المنيرة "كهيعص"، أيضاً لنفس الغاية حتى لا تصلها يد العابثين فتطمس معالمها قبل أن يأتي الوقت المعلوم الذي يعلمه الله تعالى، أما نبي الله ورسوله موسى عليه السلام فقد توزعت قصته ورسالته وأحداثها على الكثير من سور القرآن الكريم وآياته البينات. وكانت سورة محمد في القرآن من أقصر السور التي جاءت بإسماء بعض الأنبياء والرسل حيث لم تتجاوز عدد آياتها بضع وثلاثين آية فقط، فإن كان قد كتب القرآن الكريم وإفتراه على الله، كما يدعي الأغبياء الغارقين في ظلام الجهل والجهالة والجاهلية، والمتربصون بكل ما فيه خير وصدق وحق، فما الذي كان يمنعه من أن تكون هناك سورة بإسمه على الأقل (في طول ووزن سورة البقرة إن لم تكن أطول منها)، وما الذي يمنعه من أن يتضمن القرآن تخليداً لسيرة أهل بيته وقبيلته وأمجاده، وتكون على الأقل لبنته "فاطمة الزهراء" مثلاً سورة تقابل سورة "مريم"، أو على الأقل سورة بإسم أم المؤمنين "خديجة" التي كانت لها مكانة عالية في نفسه مثل أو بدلاً من "إمرأة فرعون" أو "التي تجادله في زوجها"، علماً بأنه قد أنزل الله تعالى سورة بإسم "أبي لهب" ألدَّ أعداء الإسلام، وأنزل الله سورة كاملة يصف فيها "الخيل". ولماذا قال الرسول عن عمه أبو طالب الذي مات على الشرك "بأن الله قد أدخله الجنة"، خاصة وقد كان له دور كبير في حياته وتحمل معه الكثير، ولكنه بدلاً عن ذلك قال عنه بأنه "في ضحضاح من النار"، بينما قال في الحبر ورقة أبن نوفل الذي مات قبل ظهور الإسلام، بأنه قد رأى له رؤيةً كان في ملابس بيضاء، وقال: "لو كان من أهل النار لرآه على غير ذلك"، ولماذا لم يقل بأن أبويه (آمنة بنت وهب وعبد الله) قد أدخلهما الله الجنة على الأقل إكراماً له لمكانته عند ربه، ولكنه لم يفعل. ثم ينزل الله تعالى سورة كاملة من الطوال بإسم "مريم"، فصَّل فيها فضلها ومكانتها وتفاصيل حملها وولادتها لعيسى عليه السلام.
والأدهى من ذلك وأمر، هو إصراركم على إدارة وتشغيل تلك الإسطوانة المشروخة التي ترددونها ليل نهار منها قولكم ((-- أن المسلمين اليوم يخلطون باستمرار بين اسلام مكة المسالم واسلام المدينة الإرهابي. وهذا الخلط نابع من عدم وضوح الرؤية لديهم، خاصة بسبب طباعة القرآن التي خلطت بين القرآن المكي والقرآن المديني. فمن كان دليله مشوشا لا بد ان يكون عقله مشوشا مثله --))،،، الى آخر هذه الأقوال المرسلة التي تشمئذ منها النفس القويمة المستقيمة.
هذا كله خطرفة وهزيان ومحاولة يائسة إلى تشتيت أذهان المسلمين، وإدخال عبارات وكلمات رنانة مثل ("إسلام مكة، وإسلام المدينة،" و"يتخبطون بإستمرار"، و"الخلط النابع من عدم الوضوح"، و"دليله مشوش وعقله مشوش"،،، الخ)، كل هذا لن يقدم أو يؤخر بل في الحقيقة يقدح مباشرة في مفاهيمكم ومصداقيتكم ونزاهة طرحكم. إن مشكلة المسلمين الأساسية والوحيدة هي مكائدكم التي تريدون ان تطفئوا نور الله بأفواهكم والله متم نوره ولو كره الكافرون. فأعملوا على مكانتكم إنا عاملون. وسيرى الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون.

تحية للقراء الكرام،،،

بشارات أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار:
- ردنا على تعليق: أحمد حسن البغدادي - (قل هو الله أحد):
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الأول:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الثاني:


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تعليقنا على: بين اسلام مكة واسلام المدينة: