أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صلاح وهابي - قراءة في رواية (متاهة اخِيرهم)















المزيد.....

قراءة في رواية (متاهة اخِيرهم)


صلاح وهابي

الحوار المتمدن-العدد: 4351 - 2014 / 1 / 31 - 01:34
المحور: المجتمع المدني
    


انا لست ناقداَ ادبياً بل قاريء لي رؤيا فيما اقرأ.
اهداني الكاتب محمد الاحمد قبل عدة سنوات احدى قصصه.
و لكن روايته الاخيرة (متاهة اخيرهم) تعتبر نقلة نوعية.
بمداعبة قلمه اوتار كلماته لتنبعث من بين اصابعه سمفونية لتملأ اجواء مدينة البرتقال عطراً عبقا فكراً و جمالاً و خيالاً بالانتقال من الخاص الى العام.
و هي تحسب على القص الواقعي السحري، لانه يلضم همه بالهم العراقي بهذه المتاهة التي هي متاهتنا جميعاً، في بانوراما تصلح لدراسة انثروبولوجية (دراسة الانسان و منجزاته). فهي كأي مدينة اخرى يطمر فيها اكثر مما يطفو فوقها، و ما يقال همساً اكثر منه علناً ((وهي حقاً مدينة تسمع فيها اكثر مما ترى)) ص 182.
فالخيال يتدعم بالممكنات، بالابتعاد عن الميتافيزيقيا المفرطة في الخيال. فهو يغزل القصة على نسيج ابن يهوده بالحركات و الرموز في نبش فكرة التيه، بحيث يقودك في النهاية لتصدق الراوي هو (مكانيوس) ابن يهوده اخر شخوص التيه، و الوريث الوحيد لممتلكات (ناجي يعقوب) في سينما ديالى و البيت الكبير و محطة البنزين و شركة توزيع الافلام في بغداد و غيرهم. و نشرت الخبر و اكد زميلي ابو ربيع ما ذهب اليه استاذ اللغة العربية ظاهر شوكت.
مما دعاني لان اتأكد بسؤال عمه هادي علوان دندي جاري في السوق: هل ابراهيم (احمد) و زوجته سافرا الى ايطاليا بصحبة حسقيال بن ناجي يعقوب ؟ فكان الجواب نفياً. حينها تأكدت من مقدرته على جر رجل المتلقي الى متاهته في غاية الدقة و الجمال. بشخصياته الواقعية التي سهلت له الحركة داخل متاهته. و عندما ضاقت به كسر قشرتها لينفذ منها الى ايطاليا.
و هو يستعمل اللغة التي تتناسب مع وعي شخوصه، حينما يردد فؤاد ((لا يخاف الانسان إلا الانسان و انا لا اخاف الانسان)).
قال يهوده لصديقه ابراهيم دندي : ذات مرة ((لم يكن الدين يوماً سبباً في الصراع بين البشر في اي زمان و مكان .. بيد انه كان دائماً المبرر و الغول، لأطماع الاقتصاد)) ص121.
و هو يمر على بعض شخوصه الفرعية سريعاً لا تتعدى الدهشة كشخصيات طاردة او جاذبة، و هذا يضعف لدى السارد الجانب الميداني بالوقوف على اسباب تشكلهم و ليس فقط ابهاره، لتدعيم الثيمة و ما يشاكلها من صراع الشخوص في مكان الاحداث بطريقة تشبه المعرفة الانسكلوبيديّا.
أ نحن اولاد هابيل، ليطلع بيننا قابيل بين حين و اخر ليقتلنا؟!
فالذي قتل الخياطة حبيبة ميخائيل شالمو اليهودية في دربونة التوراة لم يكن فرفر (عبد الكريم الحاج علي) صانع غلوبي عثمان الكببجي لوحده، بل كانت السكين بيد علي حسين رشيد القصاب و شهاب احمد فارس الكببجي. حكم على الاولين بالسجن ثمان سنوات و براءة ثالثهم رشوةً، و لم يكملا نصف المدة.
فجزاء الحياة كانت ورائهم اذ قتل فرفر في قاطع مندلي للجيش الشعبي و علي حسين القصاب في قاطع البصرة، و يومها قالت الاهالي هذه (حوبة حبيبة اليهودية) و ثالثهم لم تمهله الحياة طويلاً فمات.
فالبعض لا يتخلص من بعده الواقعي ليسمو الى القيم الرمزية رغم مغادرته الحالة الاولى؟!. فحسنة الخبازة و ابنائها التي انقذها (نديم التويجري) من الضياع و التشرد و ساندتها عوائل المحلة، و لكن بعد ان استقرت و تحسن وضعها رجعت الى جذرها السيء. أ هي نتاج بيئة رديئة، ام لجذر جيني سيء، ام تفاعلهما ليشكل مخلوق مشوه؟.
اما الشخصيات المهمشة و الغير طاردة كشخصية عناد الرجل الجنتل مان بطوله الفارع وصدره العريض، يصلح كمصارع في حلبة، احد منتسبي القوات الخاصة رفض الحرب المجنونة، و تكرر هروبه، خرج من السجن فاقد الاحساس بالوقت و الناس و المكان و طعم البرتقال (وشابراً) مدينته الصغيرة في نصف ساعة طولاً و عرضاً، نراه في كل مكان لم يؤذِ احداً طلباً القليل ليعبيء به (عرقاً) ليلاً.
و فؤاد عيدان و هو من العوائل العريقة و ابن محلتي دربونة الدجاج، لم يكمل معهد الفنون الجميلة و شخصيته الجميلة تشبه ابطال الافلام الاجنبية طالباً (العشغة) محولا الراء الى غين. قال لي يوماً منتصف السبيعينيات: ((ان جبهتكم مصيدة لكم)) و اختفى في ظروف غامضة.
و خليلو طباخ مجموعة المدرسين اليساريين و الديمقراطيين في قضاء المقدادية انتقل الى بعقوبة بعد تفريقهم. يوماً سألته :
لماذا بطلت الضرب على الطبل؟ و الحرب في بدايتها. قال: ((طبول الحرب اسكتت طبولنا)).
كما ان الزمن لم يكن لدى السارد هلامياً فهو يدخل متاهته 1966-1972 و يخرج منه 1982، و يبقى السرد داخل الزمن يلاحق شخوصه الرئيسيين اينما حلوا: بوضع اسئلة ذكية و ملغمة و صادمة وصولاً في دفع وعي شخوصه بتفكيك المسلمات التي لا تدعمها الوقائع. فهو يسبح عكس تيار نهر خريسان من الاسفل الى الاعلى ابتدأً من مقبرة ابي دريس و محطة القطار و مقبرة اليهود صعودا الى قنطرة خليل باشا.
قالت امه طليلة: ((كان الولد في كل مرة يعلن تمرده و لا ادري كيف يستبد بي اليأس فيسأل، عما يقارنه بالذي يسمعه فهو يجهر اكتشافه من خلخلة في الموازين، فكان دائماً يقول :
ما هذا الكون لم يشهد اهله ان عرفوا حصاناً كان يطير فوق الغيوم و يبلغ المسافات .. ويؤكد ان العارف سوف يعرفها بأنها تدرجها علناً و تسخر منها ضمناً)) ص 298-299.
و يستذكر السارد اعادة ختان اخيه الصغير لتصحيح خطأ خلقي. لن نسأل انفسنا يوما
أ ليس الختان هو عبارة عن تصحيح خطأ سماوي؟.
انه عادة مصرية اتخذها النبي موسى بإعتباره اخناتون المصري الذي اعتبر الختان ميزة للشعب المختار، ليميزهم بالختان عن غيرهم (سيد محمود القمني: النبي موسى و اخر ايام تل العمارنة: الجزء الثالث) كما جاء في العهد القديم، و كأن الله يحتاج الى علامة للتفريق بين المختار و غيرهم. أ ليس هو تشويه لخلق الله؟. و تبناها المسلمين من بعدهم.
او يسأل امه:
لماذا تلبسين الشال عند الصلاة و ترفعينها عند الانتهاء؟.
و يمكن اعتبار رواية (متاهة اخِرهم) على القص (ما بعد الحداثة) اذا اخذنا بما ذهب اليه ادور سعيد:- ((ان مصطلح ما بعد الحداثة هو موقف خارج الثقافات أي رافض المركز او المهيمن الثقافي او الفلسفي الذي ينطلق من مفاهيم كلية سواء فلسفات مادية او مثالية من اجل فهم و تفسير العالم .. و يرى اخرون بأنها تمرد على الواقع سياسي اجتماعي سادته حروب مؤلمة وغمرته الاحباطات المتتالية)) حسن فالح: الخطاب المرئي في فنون ما بعد الحداثة (مقاربة نقدية): مجلة الشرارة: العدد 83: الصفحة 72.
لهذا فهو لا يتواطأ مع الواقع الراهن و لا يؤمن بالحتميات، فهو متحيز و متعاطف مع الانسان بشكل احترافي و يتعاطف مع الشخوص متاهته الانسانية. فرمان الكببجي و زرزور و حبيبة الخياطة اليهودية و نديم و بيت ميخائيل .... محاولاً السمو فوق الاختلافات التي يبررها الواقع، لأنه يتنبأ بان الثقافات المستقبلية سوف تحمل حزمة من الافكار و الاجتهادات لتشمل وجه العصر و مستقبله، و هو يعلو على المفاهيم المغلقة و غير المتفاعلة مع نقائض الاشياء فيسمو على صغائر الاشياء و المفاهيم: عشيرة عنصر مذهب دين و فلسفة. لهذا فهو قريب من شخوص متاهته، متحسس آلامهم و امالهم بشعوره بمظلوميته من خلال مظلوميتهم.
اعتماد بعض السرد في الرواية على السمع الشائع، دون تمحيص و مساندة تدعم الواقع العلمي الواقعي، مما يفقد الحدث مصداقيته و حرارته لدى المتلقي النبه، و يوهم البسيط ((كانت مسعودة من طائفته، امتنع ناجي يعقوب من تزويج ابنه البكر من ارملة لأنها حسب عرفهم الاجتماعي نذير شؤم لكنها من احد العوائل المتنفذة و سيطرتها على السوق، و يقال بأن هذه العائلة كانت تستورد الطحين اثناء حصار المدينة، و تبيعه بنفس السعر)) ص 118.
خلال تجربتي في السوق لاكثر من عقدين صحيح للجانب الاخلاقي و مستوى الوعي و طول و عمق التجربة في السوق تلعب دورهما بين هذا التاجر و ذاك في سعر بضاعته و حسن تعامله. و لكن كل ذلك محكوم بقانون السوق (الربح) المستند على قانون (العرض و الطلب) رغم اختلاف مشارب التجار. فالأجر يجب ان يكون بمقدار المنجز انسانياً، و فوقه يعتبر سرقة و استغلال طاقات الغير و يختلف ذلك بإختلاف الزمان و المكان، و لكن بالدرجة و ليس بالنوع. و هذا ما نشاهده اليوم من حيتان الاستغلال و النفوذ و سيطرتهم على الاسواق بالاحتكار و سرقة المال العام.
فهو لا يكتفي بوصف الامكنة و ما يدور فيها من شخوص و احداث بل ينتقل بهم من حالة التأمل التي شاعت في فلسفة (فيور باخ) الى عالم اكثر رحابة و نقاوة، فالراوي منحاز الى (الطيبة مقرونة بالتفائل) رغم متاهتنا. يهتف تشير نيشيفسكي قائلا ((سيحل العيد في شوارعنا نهاية المطاف)). و اقول ستغادرنا الحركة يوماً، و لكن لا بد ان نسمع صياح الديكة غداً حين ينشطر الليل ليبزغ شعاع يوم جديد، سنسمع فوقنا رقص الشباب على انغام تغريد البلابل و وجوجة العصافير و هديل الفخاتي، حينها سنشق الارض لنشاركهم رقصهم الجماعي.
هذه الرواية هدية الكاتب لمدينته بعقوبة، لإدراكه لمسؤليته كأحد ابنائها الغيارى، مقدار الضرر الذي لحق بها من تخلف و هدم و تهجير و تشويه وقتل و تفكيك نسيجها الاجتماعي، من زحف الغربان. ليؤرشف جزء من تاريخها من الضياع، كما ضاع الكثير في طاحونته.
و هي رواية جديرة بالقراءة و الاقتناء و خاصة لهذا الجيل الذي انقطعت لديه سبل معرفة تاريخ مدينة ابائهم و اجدادهم، فهي ترمي لرفع جزء ما تراكم عليها من غبار الزمن الثقيل، عسى لملمة الهوة بين الاجيال، و التي كانت احد اسباب هذا الخراب، و هذا التيه الذي ليس اخيرهم!؟.



#صلاح_وهابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرض السكر الطائفي القومي
- التيه
- تعقيب (حول نفي محاصرة احياء في ديالى بالكتل الكونكريتية من ق ...
- الصندوق المفخخ
- هل يمكن تكوين كتلة تاريخية من الشيوعيين و الديمقراطيين و الص ...
- النياندرتال
- ذاكرة المكان .... دربونة ام الدجاج
- مقاربات مجنونة بين صدام و القذافي
- حين دقت الساعة 7:20 مساءً
- المحرمات خطيئة على السطح مباحة في الظلمة
- مدينة بعقوبة و القها ....محي الدين زه نكه نه
- ولم هذا الصمت ايها العراقيون؟
- قائمة اتحاد الشعب ليست تحفة تبحث عن متحف
- فتاوي سياسية !
- مخاطر الفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائية
- نريد برلمانا تزدهر في حديقتة الوان الطيف العراقي
- العراقيون بين حزيرانين
- حزب العمال الكردستاني وعقدة الخواكة التركي
- قراءة في رواية عمارة يعقوبيان
- دعوة لاحياء اسماء حضارة بين النهرين


المزيد.....




- أستراليا.. اعتقال سبعة مراهقين يعتنقون -أيديولوجية متطرفة-
- الكرملين يدعو لاعتماد المعلومات الرسمية بشأن اعتقال تيمور إي ...
- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - صلاح وهابي - قراءة في رواية (متاهة اخِيرهم)