أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 9















المزيد.....

سيرَة حارَة 9


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 4350 - 2014 / 1 / 30 - 08:49
المحور: الادب والفن
    



1
" كردي بدون سلاح، هو كردي بدون شرف "؛ هذا مثل من ركن الدين، توارثه أبناؤها جيلاً وراء جيل. فالميل للمباهاة بحمل السلاح، قد ترسّخ في هذا الحيّ القديم، العريق. وهذا يعود لكون الطبيعة العشائرية قد غلبت على الحيّ حتى منتصف القرن العشرين، علاوة على أنّ الأسلاف كانوا بمعظمهم من جيش صلاح الدين أو ممن خدموا لاحقاً في عسكر بني عثمان، سواءً كجند نظاميين أو مرتزقة....!
وها نحن في خمسينات القرن الفائت، الذي شهدت احدى أمسيات صيفه حفلة زفاف صاخبة تخللتها الاطلاقات النارية الكثيفة، على جاري العادة. عمّي الكبير، كان قد استدعى " خلّو "، ابن شقيقته، كي يطلب منه التوجّه إلى صديقه " عدنان بوبو " لجلب مزيداً من الطلقات لمسدسه. ابن عمتنا، وكان آنذاك شاباً بمقتبل العمر، هرع إلى " مقهى أبو رياح " الكائن في مدخل الحارة؛ بما أنّ ذلك الرجل العتيّ قد اعتاد على السهر هناك ليلاً. صاحب المقهى، من ناحيته، لم يكن يقدّم الخمرَ للزبائن، ولكنه كان يتسامح مع أولئك الذين يأتون محمّلين بزادهم من زجاجات الشراب....!
حينما عرف " عدنان بوبو " طلبَ عمّنا، فإنه لبث يتفكّر برهة قبل أن يقف ويخاطب الرسولَ بالقول: " تعال بابا، الحقني! ". ثم اتجه إلى جهة " خرابة أبو رسلان " القريبة؛ هناك، حيث ينتصب كوخ صغير للحارس الليليّ. هذا الأخير، وكان رجلاً غريباً، يبدو أنه ارتبك حينما فاجأه عتيّ الحارة بهذه الزيارة غير المتوقعة. وأضحى الرجل حائراً، حينما علم بسبب الزيارة: " أحتاجُ لذخيرة مسدس 9 ملم "، قال له الآخر ببساطة وشدّة في آن. حينما لم يُجاب طلبه حالاً، فإنّ العتيّ سحب خنجراً فقطع حزام حارس الليل، الذي يشدّ جرابَ المسدس. ثمّ ما عتمَ أن بدأ بافراغ الطلقات من المخازن، ليناولها إلى الفتى. قريبنا هذا، التفت قبل أن يمضي إلى " عدنان بوبو "، متسائلاً بسذاجة: " ولكنك تركت الرجل بلا ذخيرة، فكيف سيقوم بواجبه؟ "
" بابا!.. حارتنا ليست بحاجة لحارس لا يستطيع حماية نفسه "، أجابه العتيّ وهو يبتسم........!!

2
" جراد وكراد، هيك الله راد "؛ هذا مثل شامي قديم، يشبّه الأكراد بالجراد لناحية ضررهم. وربما المثل يُحيل إلى فترة العثمانيين بشكل خاص، حينما كان الكثير من كرد دمشق يعيثون في الأرض فساداً بسبب خدمتهم العسكرية أو لكونهم لصوصاً ونهّابين....!
في فترة الفرنسيين ( وتحديداً بعد فشل الثورة السورية الكبرى )، فتح الباب مجدداً لكرد المدينة كي يتطوعوا في جيش الشرق أو سلك الدرك. " علي حسّو "، زوج ابنة عمتي، كان أحد أولئك المتطوعين في سلاح الدرك ( الفرسان ). وكان ذات يوم صيفيّ على رأس سريّته، المشكّلة بمعظمها من أولاد الحارة، حينما اجتاحوا احدى قرى الريف سعياً للنهب. فما كان من رجال القرية سوى الفرار، تاركين حريمهم وأطفالهم. عند ذلك، راح بعض أفراد السرية يتحرشون بالنساء. فما كان من قريبنا إلا محاولة ردعهم، ومن ثمّ تذكيرهم بأن هذا ليس من شيَم الناس الشرفاء....
بضعة أعوام، على الأثر، وصادف أن مرّت سريّة الدرك نفسها في تلك القرية. هرب رجالها، كالعادة، وبقيت النسوة مع أطفالهن. ولكن، ما أن همّ فرسان السريّة بالنهب، حتى بوغتوا بأطفال القرية الصغار وهم يحملون عليهم بالحجارة. عندئذٍ، التفت " علي حسّو " إلى رفاقه وقال لهم متبسّماً: " ألم أنصحكم، قبلاً، بألا تعتدوا على شرف الحريم؟ والآن، انظروا كيف جرى الدم الكرديّ بعروق هؤلاء الأطفال
"........!!
3
" نيّو "؛ هو قريبنا، وكان معروفاً بالحارة كدونجوان، نظراً لوسامته وأناقته و فتوحاته النسوية. بدءاً، كان الرجل يسكن مع عائلته الكبيرة في منزل والديه، والذي ضمّ أيضاً أسر أشقائه الخمسة. آنذاك، خطرت له فكرة جيّدة، وهيَ فتح محل باله كي يدعم راتبه الزهيد، المتحصّل من وظيفته الحكومية. ولكن، بما أنّ أكثر زبائنه كانوا من الجنس اللطيف، فما لبث المحل أن أفلس....!
ثمّ انتقل قريبنا إلى حيّ مساكن برزة، المجاور. ثمّة، صار يشعر بالوحدة والضجر ـ حسبما كان يشكو لأم عياله. هذه الأخيرة ( وكانت بالأصل من الصالحية )، تفهمّت على ما يبدو ضرورة ذهابها كل خميس مع الأولاد إلى منزل أهلها والمبيت هناك، كي يتسنى لزوجها السهر مع أصدقائه. حتى كانت احدى المرات، حيث حضرت لزيارتها امرأة الدكنجي " أبو خالد "، معربةً عن مخاوفها من أن سهرات الخميس فيها " إنّ "؛ وهو حرف يرفع الخبر والضغط معاً....! 
عندئذٍ، لعب الفأر بعبّ زوجة الدونجوان، فصممت على التحقق من الأمر بنفسها. في الخميس التالي، وكالمعتاد، أخذت الأولاد إلى بيت أهلها عن طريق سوق الجمعة. ولكنها ما لبثت أن عادت لمنزلها لوحدها، بعدما قدّرت بأنّ أوان السهرة قد حان. وضعت المفتاح بالباب، ثم انسلّت بهدوء إلى الداخل. من حجرة الصالون، كان يتصاعد لغط رجال سكارى مع أصوات نسائية واضحة ومرحة. إذاك، تناولت الزوجة العصا المنتهية بالمكنسة، ثمّ توجهت الى تلك الناحية. فما أن همّت باقتحام الحجرة، حتى فاجأها ظهور الدكنجي " أبو خالد "، ما غيره، وهو بالسروال الداخلي الطويل، فانهالت عليه بالعصا وهي تصرخ: " ولاه، أبو كرش! انت كمان عامل لي غراميات في بيتي؟ "........!

4
الأستاذ " عبد الجليل رشواني "، كان في زمانه شيوعياً متحمساً. علاوة على ذلك، كان شكله يوحي بالطرافة وخفة الظل. وقد تسنى لي أن ألتقي معه بعض المرات، أثناء زياراتي لمنزله، كون ابنه " نضال " زميلاً لي في المدرسة الابتدائية....
في أيام الوحدة المصرية، شنت السلطات حملة اعتقالات كبيرة على الشيوعيين، فاعتقِلَ منهم من اعتقِلْ واختفى من اختفى. ويبدو أن " الأستاذ عبد الجليل " قد اشتاق ذات يوم لبيته، فتسلل إليه ليلاً خفية عن أعين المخبرين. ولكن، عند حلول الظهر، إذا بدورية للمكتب الثاني ( المخابرات ) تداهم المنزل. استغرب رجال الأمن، حينما علموا أن من فتح لهم الباب هو الشخص المطلوب نفسه. لا بل إن " عبد الجليل " بالغ في الترحيب بأفراد الدورية، حتى أنهم قبلوا أخيراً دعوته للضيافة في حجرة الصالون ريثما يرتدي ملابسه كي يخرج معهم إلى المعتقل....!
بعد خروجه من السجن، دأبَ الرجل على المرور من أمام منزل رفيقه الكبير " بكداش "، المشرف على ضفة نهر " يزيد ". ثمّة، كان رفاق الحزب قد سبق وزرعوا الورود والعرائش والخمائل، فجعلوا من المكان أشبه بحديقة. ذات مرة، انتبه " عبد الجليل " إلى طاحونة الماء الصغيرة ( التي كان قد نصبها بنفسه هناك )، وأنها قد تعطلت ولم تعد مراوحها تتحرك مع جريان تيار النهر. فانحنى على طاحونته الدقيقة الحجم، فراح يحرك مراوحها بيده وهو يردد متنهداً: " دوري يا طاحونتي، دوري!.. لا بدّ أن يأتي يومك، لكي تدوري "........!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة حارَة 8
- من أجل عَظمة
- أحلام مشبوبة
- الشاطيء الشاهد
- النمر الزيتوني
- فكّة فلوس
- القضيّة
- الطوفان
- مسك الليل
- خفير الخلاء
- البرج
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 3
- طنجة؛ مدينة محمد شكري 2
- طنجة؛ مدينة محمد شكري
- سيرَة حارَة 7
- في عام 9 للميلاد
- سيرَة حارَة 6
- سيرَة حارَة 5
- سيرَة حارَة 4
- في عام 10 للميلاد


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة حارَة 9