أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار:















المزيد.....



تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4348 - 2014 / 1 / 28 - 21:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار:

الحوار المتمدن-العدد: 4150 - 2013 / 7 / 11 - 04:28

يقول عابدوا الحمار (( إنَّ -- في القرآن ست سور تحمل اسم حيوان: سورة البقرة، سورة الانعام، سورة النحل، سورة النمل، سورة العنكبوت وسورة الفيل. وأنا أعتب على مؤلف القرآن أنه لم يكرس سورة للحمار --)).

نقول للكتاب إنه ليس دقيقاً في ما ذهب إليه، لأنه قد أهمل حيوانات أخرى وطيور ودواب وحشرات، وأيضاً نماذج من البشر صنفهم بأنهم أضل من الحيوانات بكثير.
فهو على ما يبدوا متناقضاً مع نفسه، وهذا ليس بغريب أو مستغرب من أناس تعوزهم المنهجية وحتى لو كانت منهجية منحرفة ذات أهداف واضحة، فهم دائماً متناقضون مع أنفسهم ومع غيرهم ثم مع طبيعة الأشياء حيث أنهم يقيمون الأشياء من خلال أنفسهم المنكفئة، ووجدانهم المضطرب المتداعي، وقد لمست هذا التناقض والإضطراب من هذا "اللا موضوع"، الذي أتوا فيه "كعادتهم" بالمتناقضين معاً. فالكاتب يريد أن يخوض في القرآن الكريم "ساخراً مستهذئاً"، لأنه ذكر فيه أسماء بعض الحيوانات والمخلوقات الأخرى وجعلها أسماء لعدد من السور، وهذا يعكس بوضوح إحتقار وإستصغار شأن هذه الحيوانات والمخلوقات،، فما لبث أن نسي فكرته الساذجة تماماً وطفق يمتدح بعضها، "الحمار" تحديداً، فقط ليجد له مادة يفرغ من خلالها كوامن نفسه الحاقدة المعتدية والتي تنضح ظلماً وطغياناً. هو في حقيقة الأمر لم يقصد أن يمتدح ويمجد هذه الحيوانات ويعطيها قيماً عالية تستحقها كما فعل القرآن الكريم، ولكنه هو الذي يحقر الحيوانات وليس ذلك بغريب على مثل هؤلاء، فقد رأيناهم يعادون الملائكة الكرام وعلى الأخص جبريل وميكال عليهما السلام،، ثم يمجدون ويعبدون الشيطان أخس وألعن خلق الله، والد أعداء البشرية على الإطلاق،، فعلى سبيل المثال لا اللحصر وقول له:

أولاً: ألَمْ يُلْفِتُ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم نظر الغافلين الضالين المضلين إلى آية الإبل "بصفة عامة"؟ للذين أعمى الله أبصارهم وطمس على بصائرهم عن إدراك إعجاز الله في خلقه وتنوعه ومزايا كل مخلوق عن الآخر، حيث قال في سورة الغاشية: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ 17)؟ معتبراً أن هذه الإبل تتميز عن باقي الحيوانات الأخرى بمزايا تجعلها آية فريدة ومتميزة من آيات الله تعالى في خلقه. وكذلك "ناقة صالح" بصفة خاصة، التي إمتازت عن ذلك النوع من البشر الذي بضلاله صار دون الحيوانات في القيمة المعنوية وأدناها في القيمة الإدراكية والسلوكية والإنسانية، هم ثمود قوم نبي الله صالح الذين ظلموا أنفسهم بغبائهم وكفرهم وسوء تقديرهم ومعصيتهم لنبيهم وربهم، ولم يصدقوا التحذيرات التي جاءهم بها، يعجلون بهلاكهم حيث قال الله فيهم: (« كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا 11»، فلم يستمعوا للنصائح، وبدلاً عن ذلك صدقوا الضالين المضلين منهم: « إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا 12 »، وعلى الرغم من أن الرسول حذرهم من العاقبة المتوقعة إن إستمروا في غيهم وعنادهم، وحذرهم من مغبة الإعتداء على الناقة وعلى سقياها: « فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا 13»، ولكن غلبت عليهم شقوتهم: « فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا »14)، فهل كان هذا الهلاك والإهلاك يعني عند الله شيئاً؟ وهل يخشى الله تبعته إهلاكهم، أو إهلاك كل من في الأرض ومن في السماء جميعاً "إن شاء"، حتى إن لم يفعلوا شيئاً على الإطلاق؟ فما بالكم بقوم عصوه بإصرارهم على ظلم الناس ومعصية الأنبياء والرسل وتكبروا عليهم وعليه؟ بالطبع لا،، لأن الله لا يُسْألُ عَمَّاْ يفعلُ وهم يُسْألُونَ، وها هو ذا قد أهلكهم وسوى بهم الأرض، ولم يبالي، فقال: (وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا 15).

ثانياً: هناك الكلب أيضاً!! ... ألَمْ يقارن الله تعالى حال الكافرين والملحدين والمشركين بحال الكلب الذي يلهث، من حيث خراب وجدانهم وتخبطهم وضآلة فكرهم لدرجة أن صارت الأمور كلها عندهم مستوية لا يفرقون بين حق وباطل، فهم في كل الأحوال يعبرون عن دواخلهم المظلمة السوداء بكراهية الحق وعداء أهله وبالهجوم عليهم وسبابهم والتعدي عليهم وعلى مقدساتهم "حسداً من عند أنفسهم"، تماماً مثل الكلب الذي «يلهث» في كل الأحوال سواءاً أحَمَلْتَ عليه وقَهرتَهُ أو تركتَهُ فهو لا يترك اللَّهَثَ مُبْرِزَاً كل لسانه للخارج مُدْنِيَاً إياه صوب الأرض ولعابه يتساقط منه بكثافة، هكذا صور الله تعالى حال هؤلاء الكافرين المعتدين الذين يخلدون إلى الأرض ويتبعون أهواءهم ويلغون عقولهم ويحنطون أفكارهم، حيث وصف سلوك أحدهم «كنموذج» ومعيار يقيس عليه حالهم وحال أمثالهم ويصفه بدقة بالغة، قال: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا - «وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ» - «وَاتَّبَعَ هَوَاهُ» - «فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ» - «إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ - أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ» - ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا - فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )، إنْ وُجِدَ فيهم خيراً أو أمل في خير. كما ذُكِرَ هذا الكلب في سور وآيات أخرى، منها كلب أهل الكهف، يقول تعالى: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ «رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ «سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ» رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ «وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ» قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ - فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا - وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا 22). إذاً، فهذا الكلب قيمته عند الله أكبر بكثير من قيمة أولئك الشراذم من البشر المفترين الضالين الذين كانوا في أثر وتعقب هؤلاء الفتية المؤمنة الفارة بدينها منهم. وأيضاً جاء ذكر الكلب في الصيد في سورة المائدة، حيث قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ - قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ - وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ - «مُكَلِّبِينَ» تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ - «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ» - «وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» - «وَاتَّقُوا اللَّهَ» - إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ 4)، حيث شرَّعَ لِمَا إصطاده لهم ذلك الكلب المدرب. إذاً، هذه الآية تقول صراحةً إن الجوارح مثل الصقور والكلاب تستجيب للتعليم وتتقن حرفة الصيد،، ولكن كثير من البشر دون ذلك بكثير، وقد وصفهم الله في سورة الأعراف، قال: (سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ «الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا» وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ 177)، فالأمر يتوقف على هداية الله للفرد، فإن علم الله فيه خيراً هداه إلى الخير، ومن مالت نفسه نحو الشر وأصر عليه اضله الله، قال: («مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي» - «وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» 178)، والنتيجة في النهاية حق وميزان،، فإن رجحت كفة الخير نجا وفاز ومن رجحت كفة الشر فأمه هاوية وما أدراك ما هي، نار حاملة، قال تعالى: (وَلَقَدْ «ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ» «كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ» - لَهُمْ قُلُوبٌ «لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا» - وَلَهُمْ أَعْيُنٌ «لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا» - «وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا» - أُولَٰ-;-ئِكَ «كَالْأَنْعَامِ» بَلْ «هُمْ أَضَلُّ» - أُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ 179).

وبالمقابل،، ألم تر أنَّ الله تعالى قد مَجَّدَ الخيل في أكثر من آية بالقرآن الكريم، ففي سورة ص، قال واصفاً فضل تلك الجياد الكثيرة التي عرضت على نبي الله سليمان، وكانت من أجود أنواع الخيل فوصفها بقوله (... الصافنات الجياد ...)، ومع ذلك، وقد أخَّرته عن وقت صلاته، فإنزعج جداً لهذا الذنب وخشي من غضب الله فأمر بإعادتها عليه مرةً أخرى، فقام بذبحها كلها ووزع لحمها على الفقراء توبةً وإستغفاراً، قال تعالى في ذلك: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ «نِعْمَ الْعَبْدُ» إِنَّهُ أَوَّابٌ 30)، فأعطى صورة نموذجية لهذا الإيَابُ إلى الله تعالى، فقال عنه: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ «الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ» 31).
و أيضاً،، الَمْ يأتِ مدح أجود أنواع الخيل التي تحمل الفرسان المجاهدين في سورة كاملة هي "العاديات" ، حيث وصفها وصفاً كاملاً فقال عنها: («وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا 1»، من شدة عدوها المتواصل القوي «فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا 2»، تقدح حوافرها عندما تصرب بها الصخور في عدوها ليلاً «فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا 3»، حين تغير على وكر الأعداء في الصباح الباكر: «فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا 4»، من شدة ضربها للأرض بحوافرها فيتصاعد الغبار كثيفاً «فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا 5»)؟ لشجاعتها وشجاعة الفرسان الذين عليها وإقدامهم على القتال دون تردد.

كما ذكر كثير من الحيوانات بذكورها وإناثها، منها على سبيل المثال لا الحصر،، الغنم، والماشية والضأن، والمعز، والبقر بجانب الأبل، ويكفي أن هناك سورة كاملة إسمها "سورة الأنعام". لأن هذه الحيوانات من خلق الله وآياته المبصرة، التي تشهد له بالوحدانية وطلاقة القدرة وسعة العلم وإبداع الخلق،،، الخ، فكل عنصر من خلقه يعتبر آية عظيمة لا تقل عظمةٍ من آيات القرآن الكريم المقروءة "نصاً"، لأنها من الآيات المقروءة حساً وبصراً وسمعاً ولمساً وشماً وذوقاً،،، الخ.

ثالثاً: الطيور،،،: الَمْ يذكر الله الغراب في قصة أبني آدم "قابيل"، الرجل الصالح المؤمن وأخيه "هابيل" ذلك الكافر الظالم الذي عبث الشيطان الرجيم برأسه حتى زين له قتل أخيه فقتله حسداً، ولشدة غفلته وضحالة تقديره عجز تفكيره الضحل عن إيجاد طريقة يدفن بها جثمان أخيه المقتول، فكان الغراب قائداً له ومعلماً ومرشداً ليشرح له "عملياً" كيف يفعل ذلك حتى يواري سوأة أخيه الذي قتله ظلماً وعدواناً. قال تعالى في ذلك بسورة المائدة: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ «فَقَتَلَهُ» فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30)، فظل حائراً أمام جثمان إخيه ينظر إليه ببلاهة، لا يدري ماذا يفعل بجسده الطاهر، فتولى الله أمره ليكرم مثواه ولا يتركه لهذا الأحمق: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ «لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ» قَالَ يَا وَيْلَتَا - «أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰ-;-ذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي» - فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ 31)، فَشَرَّعَ الله تعالى لتحريم القتل عموماً منذ تلك الحادثة، حيث قال: (مِنْ أَجْلِ ذَٰ-;-لِكَ «كَتَبْنَا عَلَىٰ-;- بَنِي إِسْرَائِيلَ» أَنَّهُ «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ» «أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ» «فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» ... وَمَنْ أَحْيَاهَا «فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» - وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ - «ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰ-;-لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ»).
وكذلك الحال مع نماذج أخرى من الطيور، فمثلاً قوله تعالى في سورة ص: («وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً» كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ 19)، وقوله في سورة الملك: (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ 18)، (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ «فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ» «وَيَقْبِضْنَ» - مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰ-;-نُ - «إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ» 19)، وأيضاً في سورة سبأ قوله عن فضل نبي الله داود أبو سليمان: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا «يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ» «وَالطَّيْرَ» - وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ 10)، وقوله تعالى في سورة النمل إبتداءاً من الآية البينة المبينة الساطعة المحكمة: (طس 1)، التي تتكون من حرفين إثنين الأول منهما يشير إلى "الطير"، والثاني منهما يشير إلى "سبأ"، فهما معاً يشيران إلى أحداث وسلوكيات غاية في الأهمية والتأثير في مجرى الأحداث التي كان الفضل فيها للطير،، وتحديداً «الهدهد» ذلك القائد العظيم الذكي الشجاع في جيش سليمان "من الطير"، والذي قد أحاط بمخاطر وتجاوزات من قوم في مملكة نبي الله "سليمان"، الذي، - على الرغم من علمه الغزير الذي شهد الله تعالى له به، وتميزه وعظيم ملكه وسلطانه وحكمته، وتسخير الجن والرياح له، ورغم معرفته بمنطق الطير والهوام - إلا أن هذا الهدهد تفوق على كل هؤلاء الجنود والحكماء بالمملكة وذلك بفكره الثاقب وحسه العالي، فقال الله تعالى عن هذه الأحداث المثيرة العجيبة: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ - وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ «عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْر»ِ - «وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ» - إِنَّ هَٰ-;-ذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ 16)، (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ - مِنَ الْجِنِّ – وَالْإِنسِ «وَالطَّيْرِ» - فَهُمْ يُوزَعُونَ 17)، (وَتَفَقَّدَ - «الطَّيْرَ» - فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى «الْهُدْهُدَ» - «أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ» 18)، («لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا» أَوْ «لَأَذْبَحَنَّهُ» أَوْ «لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ» 19)، فجاءه الهدهد بعد أن قام بالمهمة كاملة وألمَّ بكل أطرافها، وتحمل مسئوليتها بشجاعة وتجرد وفداء،، تلك المهمة الصعبة التي قد تكلفه حياته أمام مليكه سليمان، ولكن لدقتها وأهميتها وخطورتها عرَّضَ نفسه للمساءلة الكبيرة التي قد تصل إلى الذبح، دون خوف أو وجل أو تفريط: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ «أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ» - وَجِئْتُكَ مِن «سَبَإٍ» بِنَبَإٍ يَقِينٍ 20)، لم أكن متغيباً، وإنما كنت في مهمة لا تحتمل التأخير والتأجيل، فذهبت أتقصاها لأحضر لك بالمفيد حتى تتخذ القرار الذي تراه مناسباً، قال: (إِنِّي وَجَدتُّ «امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ» - «وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ» - «وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ» 21)، (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا «يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ» - «وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ» - «فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ» - «فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ» 22)، إلى أن قال له سليمان مكلفاً له بالمهمة دون سواه لأنه الأقدر على إنجازها، مع إنه بإمكانه تكليف أحد مردة الجن من الشياطين، ولكنه خصه بذلك التكليف فقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰ-;-ذَا - «فَأَلْقِهْ إِلَيْهِم»ْ - «ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ» - «فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ» 28). مهمة دقيقة وتعليمات محددة وصارمة لا يقدر عليها إلَّا القلة من القادة العسكريين المحنكين ولكن الهدهد كان أهلها والقادر عليها.

ثالثاً الحشرات والدواب، بين الله تعالى أن الجن والشياطين لا يعلمون الغيب، وصور جهلهم "عملياً" حتى بالواقع الذي أمامهم فما بالك بالغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، فقال في سورة "سبأ" مبيناً أن سليمان ظل ميتاً فترة طويلة "متكئاً على عصاته"، والجن يجهلون ذلك، ويظنون أنه حي جالس في مكانه، فكانوا في خدمته وطاعته كل تلك الفترة لأنهم لو كانوا يعلمون الغيب لإكتشفوا موته ولتحرروا من عذاب القيد والعبودية التي كانوا فيها، قال تعالى في ذلك: («فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ» - مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ «إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَه»ُ - فَلَمَّا خَرَّ «تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ» 14)، إذاً،، فدابة الأرض (الأرضة) هي التي أعلمت الجن بموت سليمان بعد أن عجزت كل الجن أن تكتشف ذلك بنفسها لفترات زمنية طويلة. أليست هذه الدابة "على صغرها المتناهي" هي أكبر من الحمار بكثير وأقدر من الجن مجتمعة؟

أيضاً،، الَمْ يهلك الله تعالى الملك "النمرود" الذي حاج نبي الله إبراهيم في ربه، فعذبه الله وجنوده بذباب من الباعوض سلطه عليهم فأكل لحومهم ودماءهم؟ ألم يقل تعالى في الباعوض إنَّه الله لا يستحي أن يضرب مثلاً بأي شيء من خلقه حتى لو كان في ضآلة باعوضة فما قوقها؟ حيث قال في سورة البقرة: («إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا» - «بَعُوضَةً» «فَمَا فَوْقَهَا» - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا «فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ» - «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا» - فَيَقُولُونَ «مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰ-;-ذَا مَثَلًا» - «يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا» وَ «يَهْدِي بِهِ كَثِيرًا» - وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ 26). فليس ما فوق تلك الباعوضة يعني من حيث حجمها، إذ يمكن أن يكون الذي فوقها ما هو أصغر منها كالجراثيم الدقيقة المجهرية الفتاكة مثلاً، فهي أكثر ضرراً وفتكاً من الباعوضة أو حتى الفيل نفسه،

الَمْ يتحدى الله تعالى كل الخلق المكذبين بأن يخلقوا ذباباً واحداً، لا بل ما هو أدنى من الذباب نفسه، لذا بين، معجزاً ساخراً من كل الجبارين المتجبرين فقال إنَّهُ "لو لعق الذباب شيئا أو إمتصه لن يستطيع الخلق كله أن يستنقذوه منه ويعيدوه كما كان،، وبالطبع هذا يعتبر بحق أحد التحديات القائمة بالقرآن الكريم والتي تطلب من المكذبين به أو برسالة النبي الخاتم محمد أن يقبلوا تلك التحديات إن كانوا من الصادقين،،، وإلى ذلك الحين الذي "لن يحين أبداً"، يظل القرآن مُنَزَّلٌ من عند الله تعالى، وبشهادتهم الضمنية التي يؤكدها عجزهم وإنهزامهم، وأنَّ الذي أُنْزِلَ عليه هذا القرآن المعجز إنما هو خاتم الأنبياء والمرسلين إلى أن تقوم الساعة (أحمدٌ - بشارةً كل الأنبياء والرسل)، و (محمدٌ – خاتم الأنبياء والمرسلين). شاء من شاء وأبى من أبى،،، فمن له رأي غير ذلك فما عليه إلَّا أن يقبل أي من التحديات المطروحة صراحةً،،، منها قوله تعالى مثلاً في سورة الحج: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ««ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ»» - إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ««لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا - وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ»» - وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا ««لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ»» - ««ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ»» 73). ونحن ندعوكم ونلح عليكم، بل ونترجاكم أن تحاولوا،، "بدلاً من صورة الحمار الهزلية التي تقدح في عقولكم ... وخروج عن النص.."،،، إلى آخر هذه الخزعبلات والسخافات. التي لن تشفي صدوركم بل ستظهر عجزكم وضعفكم وفشلكم المركب. فالأفضل لكم إما أن تصمتوا وتحفظوا ماء وجوهكم وتتركوا الناس وشأنهم، أو أن تستغلوا وقتكم وجهدكم لتنفيذ ولو جزء صغير فقط من هذا التحدي،، لا أقول لكم بأن "تخلقوا ذبابا" أو حتى أصغر عضو فيه، ولكن فقط قوموا بتجربة صغيرة بأن تأخذوا ذبابةً من على كوب شاي أو عصير أو أي شيء من طعام، ثم إستعملوا كل ما عَلِمَتْهُ البشرية من تقنية حديثة ومعدات متناهية في الدقة، لإسترجاع ذلك الجزء المسلوب من العصير الذي سلبته تلك الذبابة مرة أخرى. فإن لم تستطيعوا «ولن تستطيعوا» - أقسم لكم على ذلك قسماً مغلظاً - فاعلموا أنكم إنما فقط تهلكون أنفسكم لا أكثر ولا أقل، وتجعلون الناس يسخرون منكم ويصفونكم بالخبل والعتاهة والجنون، وفي النهاية لن تعجزوا الله ولن تضروه شيئاً.

أما عن تهكمكم بأن سورة بالقرآن الكريم سُمِّيَت "سورة النمل"، فهذا ليس بالشيء الغريب، وقد رأينا كل أصناف وأجناس الكائنات البرية والبحرية والجوية تتناغم وتتفاهم مع بعضها البعض وليس النمل فقط، وذِكْرُه تحديداً في سورة "النمل"، ليس بدعاً خاصة وأن خالقها قال لنا عنها إنها "أمماً أمثالنا". أما قول النملة في هذه السورة الكريمة، فهي قصة واقعية حدثت فعلاً وأن النملة قالت ما قالت وقد فهمها سليمان لأن الله علمه منطق الطير ولغة الكائنات الأخرى، وراثةً من أبيه داؤد عليهما السلام. قال تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ «مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ» فَهُمْ يُوزَعُونَ 17)، (حَتَّىٰ-;- إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ-;- وَادِ النَّمْلِ «قَالَتْ نَمْلَةٌ» - «يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ» - «لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ» - وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ 18)، فهذه الآية تؤكد على أن سليمان عليه السلام يعرف لغة الكائنات كلها، وكانت الجبال تسبح مع أبيه داؤد، وبالتالي ما دام أنه فهم قول النملة فليس غريباً أن يتحاور مع الهدهد: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ «رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ-;- وَالِدَيَّ» - «وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ» - وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ 19).

وللعلماء والباحثين قديماً وحديثاً ما يؤكد حقيقة كلام النمل، فالموضوع يطول، ولكن لا مانع من أن نذكر فيما يلي نماذج من تلك الأبحاث بلغة أهلها، لعلها تفيد القاريء وتحفذه لمزيد من الإطلاع في هذا الموضوع إن أراد:
When Ants Speak:
After a long observation, researchers have found that the ants speak like us! Let s read this article.....
The researcher, Dr. Robert Heckling, has spent long years in insect observation and monitoring audio frequencies made by it. But, there was no possibility to confirm that only when he was able to record the voices issued by ants! The aim was to track the presence of ants in agricultural crops and scientists found that the most effective way is by tracking the voice of ants!
But what amazed this scientist is that the sound frequencies issued by ants vary from an ant to another, from one gender to another and from one situation to another! There are 12 thousand kinds of ants in the world, and the number of ants on the ground is more than doubles the number of people, this multiplicity puzzled researchers how to deal with these voices.
He has been able to record different voices of ants. Those researches have been published on the magazine Journal of Sound and Vibration in 2006, and it was the first time that man heard a real voice of ants!
This researcher has published many researches-;- the most important one is on ants’ communication, entitled Analysis of acoustic communication by ants on the magazine The Journal of the Acoustical Society of America. The result of this research shows that ants outperform us in the sense of hearing. Scientists expect that the ant uses feelers for the broadcasting and reception of audio-frequencies. the ant aggrandize the received acoustic signals like modern receivers, and even remove different influences in the process of filtering´-or-purification of voice to distinguish it! This is a very sophisticated system of communication which was unknown to scientists, and not only discovered but a few years ago, but glorious Quran has talked about this and told us that ants speak.
In this verse there is a clear reference to a language of understanding between ants, and God gave the prophet Solomon the ability to hear these voices and understand it. Today scientists are trying to understand these acoustic signals made by ants, and after long years of observation they distinguish four types of these voices.
Ants use audio signals especially pronounced during the sense of danger, we find that one of ants undertake the task of warning, she launches an appeal which the other ants receive, understand and immediately respond to it. Here I invite you to listen to the voice of this ant when she is warning the rest of the ants from a danger.

على أية حال، قول النملة لم يترتب عليه أي حكم، وإنما كان إشارة لطيفة إلى بعض النعم الكثيرة التي إختص الله بها عبده ونبيه سليمان ومن قبله أبوه داود عليهما السلام. ورداً مباشراً على من إدِّعَوا بأن سليمان كفر، فرد الله عليهم قائلاً (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ-;- مُلْكِ سُلَيْمَانَ - «وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ» - «وَلَٰ-;-كِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا» - يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ - وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ-;- يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ - فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ - وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ - وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ - وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ - وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ - لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 103).

أما عن البقرة، فهذه تعكس واقعةً محددةً، تصور مدى كفر وتعنت الجهلاء الفاسدين والمفسدين، من أولئك الذين يكرهون الحق ويبغونها عوجاً، وهي لا تحكي عن المسلمين من أمة محمد الخاتم، بل تحكي عن المجرمين من قوم موسى عيه السلام "ليس كلهم بالطبع"، فكان موسى يواجه جريمة قتل غامضة، الكل أنكرها وتدارى فيها، فأراد الله تعالى أن يكشف لبني إسرائيل قدرته على كشف خبايا أنفسهم وفضح ما يكتمونه من الحق لتحقيق العدالة، فأراد أن يريهم أيضاً كيف يحي "المَيِّتِ المقتولَ" بميت آخر "مذبوح"، بل وبجزء منه فقط، فصور ذلك في رائعة القرآن الكريم،، سورة البقرة، حيث قال: (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ-;- لِقَوْمِهِ «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً» - قَالُوا «أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا» - قَالَ «أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ» 67)، كان يكفيهم أن يذبحوا أي بقرة إن أطاعوا أمر ربهم من الوهلة الأولى، ولكنهم كعادتهم دخلوا معه في لجاجة ومماحكة: (قَالُوا «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ» - قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ «لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَٰ-;-لِكَ» - فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ 68)، أيضاً كانت هذه فرصة أفضل لهم إن أطاعوه، لأن هذه المواصفات يوجد الكثير من البقر الذي يتمتع بها، ولكنهم أيضاً لم يستغلوها بل فأضاعوها بحمقهم وصلفهم، وواصلوا في لجاجتهم: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ «يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا» - قَالَ «إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ» 69)، فجهلهم وغباؤهم لم يعطهم الفرصة في أن يفطنوا للتشديد المتصاعد الذي يحاصرهم كلما شددوا في لجاجتهم وتمحكهم، فعلى الرغم من أن الإختيار لا زال فيه فسحة بالرغم من تضييقهم على أنفسهم للغاية ولكن ظلوا في ضلالهم القديم، فإن بحثوا عن الصفات التي حددها الله لهم لوجدوا أكثر من بقرة صفراء فاقع لونها تحمل المواصفات السابقة، ولكنهم أبوا إلَّا أن يضيقوا الخناق على أنفسهم حتى حصر الله البقرة في واحدة لا بديل لها رداً على تعنتهم حيث أنهم: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ «يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا» - وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ 70)، في هذه المرحلة، وعقاباً لهم على عدم التزام الطاعة على الفور أسقط عنهم حق وفرصة الإحتيار: (قَالَ «إِنَّهُ يَقُولُ» - «إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ» - «مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا» - قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ - «فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ» 71)، حتى عندما لم يجدوا بداً من ذبحها، لم يفعلوا ذلك بهمة ونشاط تظهر الإقبال على الطاعة بأريحية وإقدام، بل على العكس من ذلك، فقد كان التنفيذ بتكاسل وعدم رضى، ولكنهم علموا تماماً بالأدلة والقرائن أنه لا خيار لهم في أن يفعلوا ذلك لأنه البقرة التي حددها الله تعالى ليس لها مثيل إلا عند يتيم لرجل صالح، فإضطروا أن يشتروها بأثمان باهظة للغاية وكم هائل من الذهب. وبين لهم نبي الله موسى أنَّ الغاية من ذبح هذه البقرة هي أن يكشف الله للناس القاتل المجهول، فقال: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا «فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا» - «وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ» 72)، كيفية إحياء ذلك الميت سيتم بأخذ بعض من لحم تلك البقرة المذبوحة وضرب الميت به فيرده الله تعالى إلى الحياة مرة أخرى ليخبر الناس بالذي قام بقتله: (فَقُلْنَا «اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا» - «كَذَٰ-;-لِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ-;-» - «وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» 73). هذا جزء يسير من قصة البقرة مختصر للغاية ولكنه كافٍ للفهم الكامل البيان والإبيان.

أما سورة الأنعام، فيقف الإنسان أمامها مبهوراً من ورعة البيان وقمة الإحكام ودقة التفصيل، ولو كان المقام هنا يسمح لما تركنا منها آية واحدة، ولكننا سنحاول أن نضغط على أنفسنا ونصبرها بأخذ مقتطفات من روائعها وطيب عطرها، قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ «فِي الْأَرْضِ» - «وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ» - «إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم» - «مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ» - ثُمَّ إِلَىٰ-;- رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ 38)، المهم في الأمر أن كل هذه الأمم تطيع الله وتعبده ولا تخالفه أو تشرك به شيئاً، ما عدا الثقلين الجن والإنس الذين أعطاهم الله حرية الإختيار في الطاعة أو المعصية، ولكنه بين لهم عاقبة كل من الخيارين يوم القيامة، فقال: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا «صُمٌّ وَبُكْمٌ» - فِي الظُّلُمَاتِ «مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ» - «وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ-;- صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» 39)، ولا يضلل الله إلَّا الذي يسعى للضلال ويصر عليه، ولكنه لا يضر إلا نفسه، فقال الله تعالى لنبيه أن يبلغ هؤلاء بقوله له: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ «إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ» - «وَخَتَمَ عَلَىٰ-;- قُلُوبِكُم» - «مَّنْ إِلَٰ-;-هٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ؟» - انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ «ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ» 46)، يجب على الإنسان أن يفكر عشرات المرات قبل أن يتجاوز هذه الآية الكريمة،،، ثم قال لنبيه الكريم: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ «إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً» - هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ 47)؟ ثم يذكرهم برقابته عليهم وقَيُّوْمِيَّتِهِ وإحصاء أعمالهم صالحها وطالحها، يومياً قبل "وفاة النوم" وإرسال "وبعث اليقظة" ويكون قد سجل عليكم كل كبيرة وصغيرة من خير أو شر، تمهيداً ليوم الحساب، فقال: (وَهُوَ الَّذِي «يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ» - «وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ - ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ» - «لِيُقْضَىٰ-;- أَجَلٌ مُّسَمًّى» - «ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ» - «ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» 60).

جاءت هذه السورة الكريمة بتشريعات كثيرة وهامة للغاية، منها قوله تعالى: (وَكَذَٰ-;-لِكَ جَعَلْنَا «لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا» - «شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ» - يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ-;- بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا - وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ «فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ» 112)، وكيد الشيطان للإنسان واضح وجلي ولا يحتاج إلى إستدلال، ولكن من الذي يستضعفه ويستغله ويسخر منه هذا الشيطان الضعيف؟، هل يستطيع أن يخدع المؤمنين الذين إصطفاهم الله تعالى ويمكر بهم؟ في الحقيقة هو نفسه إعترف بأن ذلك مستحيل عليه حيث كان حوار الشيطان في سورة ص: (قَالَ رَبِّ «فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ-;- يَوْمِ يُبْعَثُونَ 79» )، حتى يتشفى في آدم بإضلال ما يستطيعه من ولده: (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ 80)، إلى يوم القيامة: (إِلَىٰ-;- يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ 81)، فلك أن تفعل ما تستطيعه من غواية: (قَالَ «فَبِعِزَّتِكَ َلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» 82)، إن إستجابوا لغوايتي وإغراءاتي وكيدي: (««إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»» 83)، فهؤلاء لا طاقة لي بهم ولا أقدر على غوايتهم: (قَالَ فَالْحَقُّ «وَالْحَقَّ أَقُولُ» 84)، («لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ» - «مِنكَ» «وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ» 85)، إذن الذين إرتضوا لأنفسهم هذه المهانة والصغار هم المعنيون بذلك لأنهم سمحوا له بأن يقطن أفئدتهم ويتوسد قلوبهم، ويصدقوا إبليس فيهم ظنه، قال تعالى في ذلك: (وَلِتَصْغَىٰ-;- إِلَيْهِ «أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» - «وَلِيَرْضَوْهُ» - «وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ» 113)، فكل هذه الخسارة تقع على عاتق صاحبها ولن يضر الله شيئاً: (إِنَّ رَبَّكَ «هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ» - «وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» 117)، إن أكثر الناس مطيةً للشيطان هم المجرمون الماكرون بكل قرية أو مجتمع، قال: (وَكَذَٰ-;-لِكَ جَعَلْنَا «فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا» - «لِيَمْكُرُوا فِيهَا» - وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ 123).

أكبر ما فعله هؤلاء المجرمين هو مكرهم وتحليلهم وتحريمهم للأنعام من عند أنفسهم، وبما لم يأمرهم به الله: (وَقَالُوا هَٰ-;-ذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ «حِجْرٌ» - «لَّا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَن نَّشَاءُ» - «بِزَعْمِهِمْ» - «وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا» - «وَأَنْعَامٌ لَّا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا» - افْتِرَاءً عَلَيْهِ - سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ 138)، ليس ذلك فحسب، بل: (وَقَالُوا - مَا فِي بُطُونِ هَٰ-;-ذِهِ الْأَنْعَامِ - «خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا» - «وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ-;- أَزْوَاجِنَا» - «وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ» - سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ 139).

ثم تناول الله هؤلاء السفهاء المجرمين الذين لا يريدون أن يشاركهم أبناؤهم في طعم هذه الأنعام، فقتلوهم خشية إملاق، فقال فيهم:(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ - «سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ» - «وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ» - «قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» 140)، ثم يذكرهم بأنه لا مبرر لهذه الخشية لأن الله تعالى خلق من أنواع الرزق ما لا يعد ولا يحصى غير تلك الأنعام التي قتلوا أولادهم من أجل إستئثار أنفسهم بها، فقال في ذلك: (وَهُوَ الَّذِي «أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ» - «وَالنَّخْلَ» - «وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ» - «وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ» - مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ - «كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ» - «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ» - «وَلَا تُسْرِفُوا» - إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ 141)، فلا مببر لكل هذا لخشية من الفقر لدرجة قتل الأبناء، ولا تقف نِعَمِهِ عند ذلك الحد فقط، بل: (وَمِنَ الْأَنْعَامِ «حَمُولَةً» - «وَفَرْشًا» - كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ - وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ - إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 142). ثم ما لبث أن عدد لهم أنواع تلك الأنعام التي أحلها لهم، فقال: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ «مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ» - «وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ» - قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ - أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ - «نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ» إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ 143)، أيضاً («وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ» - «وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ» - قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ - أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ - «أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَٰ-;-ذَا» - فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ-;- عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ - «إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» 144). (قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ-;- طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ - إِلَّا أَن يَكُونَ «مَيْتَةً» أَوْ «دَمًا مَّسْفُوحًا» أَوْ «لَحْمَ خِنزِيرٍ» - فَإِنَّهُ رِجْسٌ - أَوْ «فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ» - فَمَنِ اضْطُرَّ «غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ» فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 145)، هذا وبصفة خاصة على ألذين هادوا، قال: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا «حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ» - «وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْم»ٍ - ذَٰ-;-لِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ 146).

في الحقيقة ليس غريباً أن يصدر عن المعادين والمتحاملين على عباد الله تعالى، وأعداء أنفسهم وأعداء الإنسانية والخير هذا القدر من الغفلة، فإنهم لو كانوا يفقهون ما يقرأون لما تدنت حالتهم الوجدانية والعقلية والفكرية إلى هذا الدرك الأسفل من الحضيض. يجب على الذين يكفرون ويكذبون بكتب الله السماوية أن يأخذوا في إعتبارهم أنهم لم – بل - ولن يستطيعوا فهم أي نص مقدس من عند الله تعالى،، والقرآن الكريم بصفة خاصة، لأن هذا الفهم قد جعله الله تعالى عليهم مستحيلاً ما داموا "مستهذئين ومتحاملين"، وبالتالي فإن فهمهم للآيات يعتبر تكذيباً للقرآن الكريم. إذ أن الله تعالى قد حكم عليهم بالضلال والغباء والغفلة بل وبالموت المعنوي حيث قال عنهم في سورة النحل: («وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ 20»، «أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 21»)، وبالتالي (لن يستطيعوا فهم أي من الآيات البينات) لأنها بإختصار شديد (محجوبة عنكم)، وقد قالها الله صراحةً في سورة فصلت: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا «لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ» - أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ - ««قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ»» - وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ««فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى»» - «أُولَٰ-;-ئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد»ٍ 44)، وقال عنكم في سورة البقرة: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ 18). ولكن ما دمتم قد أشرتم إلى ذكر الحمار في مهاتراتكم وإستفذاذاتكم لأنفسكم فلا بأس من أن نعرض على عقلاء القراء الكرام مدى ضحالة فكركم وتدني حسكم وحلاكة ظلام دواخلكم وأحقادكم، وأنتم تسيئون إلى مقدسات الآخرين عمداً وتجنياً وإعتداءً.

أولاً: وقبل كل شيء العقلاء من البشر يعلمون يقيناً أن الذي خلق السموات والأرض والكون كله هو الذي خلق الإنسان الذي جاء طاريءً على الكون بمخلوقاته الأخرى التي سبقته إليه، ومن بين تلك المخلوقات بالطبع كان الحمار وغيره من التنوع الرائع من المخلوقات، الذي لا يحسه ويقدره إلَّا من حباه الله بنعمة البصيرة والحس الحي والمشاعر المتأججه.
الله تعالى لا يستحي من أن يسمي سورة بإسم أي من مخلوقاته، فهناك سورة "المنافقون"، وهم من ألد أعداء الله، وأخرى "اللهب"، وهو أحقر وأخس وأخبث الناس هو وإمرأته، وثالثة "المطففين" الذين يؤثرون أنفسهم ويكيلون بمكيالين يستوفون لأنفسهم ويخسرون لغيرهم، ورابعة "الهمزة"، ذلك النموذج الخبيث من البشر الذي يخوض في أعراض الناس ويأذيهم في مشاعرهم، وخامسة "أصحاب الفيل" فهم قوم أشرار أرادوا هدم بيت الله الحرام فهدمهم الله تعالى بطير أبابيل،،، فما أظن أن أي من هؤلاء الطواغيت والرهط الذين أشارت إليهم هذه السور، ووصفت حالهم بأكرم من الحمار في شيء. فإن كان الله قد قَدَّرَ إنزال سورة ما بهذا الإسم أو ذاك فلا غضاضة في ذلك، فالكل خلقه، وآية في ذاته.

إن التمرد على الله تعالى ليس بظاهرة جديدة، بل هي مصاحبة للإنسان منذ بدء خلقه وقد ورثه من الأمم التي سبقته فَخَلَقَهُ خَلِيْفَةً لها. وقد أرسل الله تعالى مئات الأنبياء والعديد من الرسل ليصححوا مسار الإنسانية المتداعي بإستمرار، والغاية الأساسية كانت تتمحور في التعايش السلمي بين الناس وتوفير الأمن والعدالة الإجتماعية للجميع وعدم تغول الأقوياء على الضعفاء،، وذلك بالطبع يستلزم الإيمان بوحدانية وقيومية الله تعالى ضماناً لضبط السلوك العام بين البشر بعضهم ببعض من جهة وبينهم وبين المخلوقات التي تشاركهم في هذا الكون ثم الحفاظ عليه، وصيانة البيئة نفسها.

الحمار أحد مخلوقات ألله تعالى. ويعتبر من المخلوقات العظيمة الرائعة المفيدة، فالله تعالى لم يخلق شيئاً حقيراً معيباً قط، ويكفي أنه قال في سورة البقرة: (إِنَّ اللَّهَ «لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا» - «بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا» - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا «فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ» - وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا «فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰ-;-ذَا مَثَلًا» - «يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا» - «وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا» - وَمَا يُضِلُّ بِهِ «إِلَّا الْفَاسِقِينَ» 26). إذاً،، فكلٌ من الباعوضة والنحلة والذبابة والحمار والخيل والنمل والإبل والبقر والهدهد، والغراب،،، هي خلق الله الذي أبدع فيه، وأعْطَىْ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثم هَدَىْ. فالحمار ليس مخلوقاً معيباً، بل جاء ذكره في آيات كثيرة بالقرآن الكريم. بل وقد خلده بأن أماته مع عذير مائة عام ثم أحياه بعد ذلك ليكون آية، كما أن الله تعالى حَرَّمَ أكل لحم الحمار البلدي دون الوحشي، وذلك حفاظاً عليه من الإنقراض لأنه من أولى وسائل النقل والترحيل والمواصلات وكثير من الخدمات المفيدة في الزراعة والحصاد،،،، فقال تعالى في سورة النحل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ - «لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً» - وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ 8). أما عندما وصف الكافرين الضالين الهائمين على وجوههم الذين تلعب بهم الأهواء والشياطين بقوله فيهم (كأنهم «حمر مستنفرة» فرت من قسورة)، إنما شبه حالهم المعيب في إعراضهم عن الذكر بالحالة الطبيعية للحمير عندما تفر مزعورة من الأسد الذي في أثرها.

فالإنسان هو الذي يظلم الحيوانات ويحتقرها أولاً: لأنها غير مُكَلَّفَةٍ كالإنسان والجن، وثانياً: لأن الله زللها للإنسان، فقال تعالى في سورة يس: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا «أَنْعَامًا» فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ 71)، («وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ» - «فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ» «وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ» 72)، (وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ «أَفَلَا يَشْكُرُونَ؟» 73)،، ومع ذلك فالإنسان الظالم يصفها بأنها غير عاقلة، والواقع أنها ليست كما يصفها، لأنها إن لم تكن على شيء من العقل والعقلانية، وأنها لم تكن تفهم لما إستطاع الإنسان التعامل معها وتسخيرها ولما أطاعته وفهمت مراده منها. ويكفي أن الله تعالى قال عن كل المخلوقات في سورة الأنعام: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ - «وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ» - ««إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم»» - مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ - ثُمَّ إِلَىٰ-;- رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ 38)، (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا - «صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ» - «مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ» «وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ-;- صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» 39)، وقال عنها إنها تُسَبِّحُ لله تعالى ولكن العيب فينا نحن البشر، لأننا لا نفقه تسبيحها. كما جاء في سورة الإسراء: (تُسَبِّحُ لَهُ - «السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ» – «وَالْأَرْضُ» - «وَمَن فِيهِنّ»َ - ««وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»» - ««وَلَٰ-;-كِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ»» - إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا 44).

الآن،، وعلى ضوء ما تقدم، دعونا نناقش بعضاً من أقوالكم الهزلية الساخرة التالية:
تقولون عن القرآن الكريم: ((-- لا بل أنه عندما يذكر الحمار فمن باب الذم. فنحن نقرأ في القرآن هاتين الآيتين التي تسيء للحمير: في سورة الجمعة: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 5») وفي سورة لقمان: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ 19». --)).

نقول لكم إن عدم فهمكم للآيات، هذا أمر بديهي، لأن فهم القرآن يحتاجاً علماً كافياً تفتقرون إليه، ومع العلم يحتاج القاريء إلى عوامل أخرى لا ينفع العلم المجرد بدونها،، ومن أهمها،، الإيمان، والمصداقية والشفافية والصدق في التوجه وإحترام العلم والقصد الإيجابي للمعرفة والحياد.

إذاً،، ماذا تعني الآية التي تقول: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ 5)؟
حسناً،، هل المذموم هنا «الحمار»، الذي ليس من مهمته قراءة الأسفار وفهمها والعمل بها؟ أم المقصود بالذم أولئك الذين حُمِّلُوْا التوراة من بني إسرائيل، وطُلِبَ منهم فهمها والعمل بها وحفظها من التحريف والتزوير فحفظوها نصاً في رؤوسهم، ولكنهم جهلوها معنىً وعطلوهاً عملاً وتفعيلاً، فكانت هذه الصورة البلاغية الرائعة المدهشة من الربط ما بين الحمار الذي يحمل أسفاراً ومراجع ووثائق علمية وشرعية قيِّمَة وغايةً في الأهمية ولكنها لا تعني بالنسبة له شيئاً لأن مهمته هي حمل الأشياء وليس من مهمته تقييمها أو معرفة ما بها ودرجة فائدتها، وبالتالي يستوى عنده الغث والسمين، والصالح والطالح، والطيب والخبيث. أما الصورة الثانية وهي صورة «المشبه» بالحمار، وهم أولئك الذين كلفهم نبيهم بأن يحملوا عبء التوراة ليس لحفظ نصوصها في ذاكرتهم، تماماً كما يحمل الحمار الأسفار على ظهره، وليس منوطاً به أن يعمل بها أو يعرف قيمتها، فحسب بل الأهم من ذلك هو أن يتعهدوها بالإستيعاب وإدراك ما بها من أحكام وشرائع، وما بها من آيات لتفعيلها والعمل بها وصيانتها، ولكنهم لم يفعلوا أي من ذلك، بل تطابقت حالتهم بحالة الحمار لأنهم قد أصبحوا يحملون أسفاراً مثله ولا يعملون بها مثله أيضاً.
أرأيت كيف أن الحمار لم يُظْلَمْ؟ لأنه ببساطة شديدة قد أدَّىْ مهمته التي خُلق من أجلها كاملةً والتي تنتهي عند الحمل وكفى، وكيف أنه كان بذلك أفضل من أولئك الذين حُمِّلُوا التورات ثم لم يحملوها، لأن معمتهم العمل بها بعد إستيعابها وصيانتها ولكنهم حملوها على ظهورهم. هل يستطيع بشر أن يأتي بهذه الصوة البلاغية الرائعة، وهذا القدر من العلم والبيان والتفصيل بعد كل هذا الإحكام؟؟؟ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يفقهون ولا يتدبرون.

أما صوت الحمير في سورة لقمان، فهي تحكي رائعة من روائع القرآن الكريم،، ولكن قبل أن نصل إلى الآية المعنية بهذه السورة الكريمة، دعونا نتجول قليلاً في روضتها الغناء لنتنسم عبير مذاهرها وعبق عطرها الإنساني الراقي.
أراد الله تعالى أن يكشف منهج أحد عباده الصالحين المصلحين الذين قضوا حياتهم في الخير للناس وهدايتهم ونصحهم ومساعدتهم، بلا مقابل من أجر أو إنتظار شكر وثناء منهم. فأراد هذا الرجل الصالح أن يمتد هذا الخير الذي أسسه وصانه وإلتزمه طيلة حياته، حتى يستمر العطاء بعد وفاته عبر إبنه الذي سيخلفه من بعده، فلنرى الصِّفَاةَ التي تميز بها هذا العبد الصالح "لقمان الحكيم" والذي أشاد الله تعالى بعمله وبوصيته لإبنه تخليداً لها ومنهجاً يريده الله أن ينداح بين البشر حتى يسعدوا بالطمأنينة والعدل والسلام. فقال تعالى عن ذلك في سورة لقمان: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ «وَهُوَ يَعِظُهُ»...):
1. (...يَا بُنَيَّ «لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ» - ««إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»» 13)، فهل تظن أنَّ هناك ظلم يمكن أن يقع على لله؟؟؟ لا والله، لن يستطيع مخلوق أن يفعل شيئاً من ذلك، بل هو ظلم الإنسان لنفسه لأنه أوردها المهالك.
2. قال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ - «حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ-;- وَهْنٍ» - «وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ» - «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ» - إِلَيَّ الْمَصِيرُ 14)، هل يستطيع بشر أن يأتي بنصٍّ أو مجلدات من نصوص يمكنها أن تمجد الوالدين والإحسان إليهما وتُذَكِّرَ الإبن الغافل بفضل أمه عليه حيث أشقاها وأتعبها حمله في بطنها تسعة أشهر وهي في حالة ضعف مُرَكَّبٍ، ثم ذَكَّرهُ بمعاناتها عند الولادة وما يكتنف ذلك من وهن وخطر عليها، والرضاعة التي تستمر لمدة عامين كاملين،، فهل هناك أقل من الشكر أولاً: لله تعالى الذي كفل له كل هذه الحماية منذ أن كان نطفة ثم أصبح مخلوقاً ضعيفاً يعتمد عليها في غذائه لمدة عامين، وجعل في هذه الأم حناناً لا يفسده التعب ولا الوهن ولا المعاناة ولا الخطر، ثانياً: الشكر لهذه الأم التي تعطي وليدها جزءاً بل أجزاء من عمرها ودمها ولبنها ووقتها وسعادتها؟
3. ليس ذلك كل شيء مما كفله الله للوالدين، بل الأغرب من ذلك أن الله تعالى يطالبه بأن لا يغير من معاملته الكريمة لهما حتى إذا جاهداه على الإشراك بالله نفسه، فقال له أن لا يطعهما فقط "في الشرك"، حتى لا يظلم نفسه ويوبقها، ولكنه أكد عليه أن يصاحبهما في الدنيا معروفاً ولكنه يتبع سبيل من أناب إليه، وقد حذره أيضاً بعدم التفريط في ما أمره به من إحسان إليهما لأنه سيرجع إلى ربه ويحاسبه على أي تفريط في أمره، قال تعالى في ذلك: (وَإِن جَاهَدَاكَ «عَلَىٰ-;- أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» - « فَلَا تُطِعْهُمَا» - ««وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا»» - «وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ» - ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 15). هل يستطيع مخلوقاً أياً كان أن يأتي بأي تشريع يضاهي هذه الرحمة مع الوالدين حتى عندما يسعون بكل حزم وقوة إلى إجباره على الشرك بالله بالقوة؟؟
4. فيُذَكِّرُ هذا الرجل الصالح إبنه بعلم الله وقدرته ولطفه وخبرته فيقول له: (يَا بُنَيَّ «إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ» - «فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ» - «أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ» - «أَوْ فِي الْأَرْضِ» - ««يَأْتِ بِهَا اللَّهُ»» - إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ 16). حتى لا ينسى تلك الحقائق الدامغة فيضل ويشقى،
5. ثم يُحَرِّضُ إبنه موصِّيَاً إياه أن يلتزم بكل أدوات وعناصر النجاح والفلاح في الدارين، قال: (يَا بُنَيَّ «أَقِمِ الصَّلَاةَ» - «وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ» - «وَانْهَ عَنِ الْمُنكَر»ِ - «وَاصْبِرْ عَلَىٰ-;- مَا أَصَابَكَ» - إِنَّ ذَٰ-;-لِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ 17). وهذه الآية وأمثالها كثير هي التي تجعل المسلمين يصبرون كثيراً على إيذائكم وتطاولكم عليهم وعلى دينهم وعلى ربهم ورسولهم وكتابهم، على قدرتهم بالرد وبقوة وحسم وفق عدل الشرع، وليس ضعفاً فيهم كما يظن الجهلاء وإنما إلتزاماً بهذه الروح التي يريدها الله منهم إلى أن يأذن لهم،، فحينئذ، سيكون البأس شديداً.
6. ثم يوصيه بالتواضع مع الناس وعدم التكبر عليهم وعدم إظهار الأنفة والمشي المتبختر المرح، فيقول له: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ - «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا» - إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ 19)،
7. ثم يحذره من المشي بطيش ورعونة بل أن يكون مشياً وسطاً على أن لا يكون إنكساراً، وأن لا يرفع صوته عالياً مزعجاً للناس فينكرونه عليه كما ينكرون صوت نهيق الحمير الذي لا يحببه أحد من الناس فيقول له: («وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ» - «وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ» - «إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» 19). فهل أعاب الله على الحمار صوته وهو الذي قد خلقه بهذا الصوت لغاية يعلمها هو؟ وهل قال له صوتك قبيح كصوت الحمار؟ أو قال له أنت خبيث الصوت أو كريه الصوت كصوت الحمار؟ وحتى إن كان الله تعالى قال هذا أو ذلك أو تلك،، فما الضير في ذلك وهو القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير؟؟؟
8. أليست هذه الوصية تكفي لصلاح كل المجتمعات لو تحلى كل فرد فيها بهذه الأخلاق السامقة العالية الإنسانية المنصفة الرقيقة؟ فإن كنتم لا يضيركم "صوت نهيق الحمير" ولم يمثل لديكم إزعاجاً، فهل كل الناس يشاركونكم في هذا؟؟؟ أليس خفض الصوت في المجتمعات المتحضرة يعتبر من أهم المطالب؟ ألا تمنع القوانين إزعاج الناس بالأصوات العالية التي إن حدثت قد تعرض صاحبها للمساءلة القانونية إثر شكاوى ضده من المتضررين؟؟؟

أما سورة النحل، فهي من أروع روائع القرآن الكريم،، وهذه السورة تضم في طياتها كنوزاً ودرراً نادرة، فلننتهز فرصة ذكركم لسورة النحل، ونأخذ لنا سياحة مباركة بين أفنانها وأزهارها لنرى روعة إحكام الآيات ثم تفصيلها بصورة تخلب الألباب وتحرك القلوب. يقول الله تعالى في هذه السورة الكريمة معدداً بعض نعمه على الإنسان وفضله الذي لا يلقى منه عليه شكراً ولا عرفاناً، بل جحوداً وكفراً وإشراكاً وإلحاداً، فقال: («خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ» - «فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ» 4)، يكذب بآياته وكتبه ورسله وينكر عليه فضله ويسيء الأدب معه، فقال: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ - «فِيهَا دِفْءٌ» - «وَمَنَافِعُ» - «وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ» 5)، ليس ذلك فحسب، بل: (وَلَكُمْ فِيهَا ««جَمَالٌ»» - «حِينَ تُرِيحُونَ» «وَحِينَ تَسْرَحُونَ» 6)، بجانب كل ذلك، أيضاً: (وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ «إِلَىٰ-;- بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ» - إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ 7)، ومن وسائل النقل والترحيل خلق لكم أنواعاً منها: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ «لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً» - وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ 8).

وقال أيضاً: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ 19)، ويعلم أنكم تدعون غيره بدلاً من أن تختصوه بالدعاء، فقال: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ - «لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا» - وَهُمْ يُخْلَقُونَ 20)، لأنهم في الواقع: (أَمْوَاتٌ - «غَيْرُ أَحْيَاءٍ» - «وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» 21). كل الذين تعبدونهم من دون الله وَهْمٌ وإفتراءٌ عليه لأن: (««إِلَٰ-;-هُكُمْ إِلَٰ-;-هٌ وَاحِدٌ»» - فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ - «قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ» «وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ» 22)، (لَا جَرَمَ «أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ» - إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ 23). وهم مع علمهم بأن ما أنزل إليهم هو الحق من ربهم إلا أنم يصرون على الإنكار: (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ - «قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ» 24)، وهذا القول شقاء ووبال عليهم: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ - «وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ» - «أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ 25»).

فالعقلاء عادةً يتعظون بما حدث لغيرهم بدلاً من أن يخوضوا التجربة المهلكة بأنفسهم، فقال لهم مذكراً: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ - «فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِد»ِ - «فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ» - «وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ» 26)، هذا ما حدث لهم في الدنيا من عقاب: (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ «يُخْزِيهِمْ» وَيَقُولُ أَيْنَ «شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ؟» - قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ - ««إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ»» 27).

هناك حقيقة يجب أن يأخذها الناس في الإعتبار وهي أنَّ الإنكار يوم القيامة لن يفيد أحداً شيئاً، فَمَنْ نُوْقِشَ الحسابَ "عُذِّبْ"، لذا قال: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ «ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ» - «فَأَلْقَوُا السَّلَمَ» - «مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ» - «بَلَىٰ-;-» - إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 28)، فلن ينفعهم حينئذ إنكارهم لأنهم لن يستطيعوا خداع الله أو الكذب عليه، وقد قال تعالى: يوم تكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، فيؤمروا بولوج النار بأنفسهم فيقال لهم: (فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ «خَالِدِينَ فِيهَا» - فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ 29).
ويقول أيضاً للأغبياء الذين يخدعون أنفسهم، ظانين أنهم بمأمن من عذاب الله الذي قد يأتيهم في أي لحظة من ليل أو نهار وهم غافلون: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ «أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ؟» - «أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ؟» 45)؟ وإن لم يكن الخسف أو العذاب فهناك مخاطر أخرى: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ - فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ 46)، وكل شخص لو نظر حوله لعلم أن هناك مواليد ووفيات على مدار الساعة، لم يأتِ أياً منهم إلى الدنيا أو يخرج منها بإنذار أو بإعلان، بل جاءها قهراً وسيخرج منها كذلك، فقال تعالى: (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ-;- تَخَوُّفٍ - فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ 47)، فالموت متربص بكل فرد وفي كل لحظة فما دام أنه لم يفلت أحد منه من قبل فما الذي يجعل العاقل يستبعده، أو يستبطئه؟؟

فالله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ «بِظُلْمِهِم» - «مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ» - «وَلَٰ-;-كِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ-;- أَجَلٍ مُّسَمًّى» - فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ «لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً - وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» 61)، لا تقف جرائمهم عند هذا الحد، بل: (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ - «وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ» - أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَىٰ-;- - ««لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّار»»َ - وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ 62). من شدة غفلتهم وغبائهم أنهم لا يتعظون بما حدث لأمثالهم في السابق ويظنون أن ما يسمعونه من قصص للتسلية والتاريخ، لا إنهم مخطئون: (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ-;- أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ - «فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ» - «فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْم»َ - «وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» 63).

ثم يقول أيضا، مذكراً بأنواعٍ أخرى من نعمه وفضله عليهم، فقال لهم: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ «لَعِبْرَةً» - «نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ» - «مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ» - «لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ» 66) .... أما عن نِعَمِهِ من النبات فكثيرة ومتعددة، قال في ذلك: (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ - تَتَّخِذُونَ مِنْهُ - «سَكَرًا» «وَرِزْقًا حَسَنًا» - إِنَّ فِي ذَٰ-;-لِكَ «لَآيَةً» لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ 67). ولكن أين هم هؤلاء القوم الذين يعقلون؟ وهم يكفرون به وبنعمه وبفضله؟؟؟
وقوله: (وَأَوْحَىٰ-;- رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ - «أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا» - «وَمِنَ الشَّجَرِ» - «وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» 68)، لعمل خلايا العسل في المكان المناسب الآمن، إستعداداً لإنتاج العسل نفسه: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ - «فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا» - «يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ» - «فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ» - إِنَّ فِي ذَٰ-;-لِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ «يَتَفَكَّرُونَ» 69)، ولكن أين العقول التي تفكر، وهي لا تحسن تدبر الآيات البينات وفهمها فضلاً عن العمل بها والشكر عليها: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ - «ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ» - «وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ-;- أَرْذَلِ الْعُمُرِ» - لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا - إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ 70). فماذا بعد ارزل العمل؟ أليس مطلب الموت تكون أكثر تبريراً من إستمرارية الحياة في بؤس وشقاء له ولمن حوله؟

حكى لي صديق من صعيد مصر قصة شعبية ظريفة قصيرة في شكل حكمة قال فيها: (إنَّ إبناً قال لأبيه "يا أبِيْ،، عَلِّمْنِيْ الهَيَافَةَ،، فقال له أبوه: "بسيطة، تَاجِيْ فِيْ الفَارْغَة وتَتْصَدَّر"). فالبلهاء كثيرون والسذج أكثر،، ومن عيب تقنية الإتصالات أن سهولتها أخرجت العناكب من جحورها، ففردت صدورها. فأصبح كل من هَبَّ ودَبَّ يعرض سوءته على الناس دون أي ضوابط، لا شرعية ولا قانونية خاصة بعد أن فرضت غابة الفوضى ومشرعة الفساد قانون "الفوضة الخلاقة". فعمت الفوضة تلك الغابة وفاضت بعناكبها على الكون فأتلفته وأشعلته ودمرته.

يا أخي، أنت تقول أي كلام، وهو محسوب عليك، ويقدح مباشرة في شخصيتك – إن كانت لا تزال تهمك - ويجردك من مصداقيتك وأمانتك وجديتك وسلامة عقلك. فالشاعر يقول: (لِسَانُ الفَتَىْ نِصْفٌ، ونِصْفٌ فُؤَاْدُهُ ... فَلَمْ يَبْقَ إلَّا صُوْرَةَ اللَّحْمِ والدَّمِ), فإن كان هذا هو لسانك وذاك هو فؤادك فأين أنت وأين كيانك؟؟؟ ولماذا أنت مصر على أن تورد نفسك هذه المخازي؟
إعلم أن عالم القرآن الكريم ليس من أدبياته مادة الظلم، ويكفي تأكيداً لذلك وضماناً له قول الله تعالى في حديث قدسي ما معناه: (لقَدْ حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَىْ نَفْسِيْ وجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّمَاً،، فَلَاْ تَظَّاْلَمُوْا). ويقول جل شأنه في سورة طه: («وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ» - ««وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا»» 111)،، فمن ذا الذي يدَّعِي الإيمان ثم يجرؤ على أن يلقى الله وهو يحمل ظلماً؟؟؟. إنَّ أشر الناس "ظالم لنفسه وموبقها" وها أنتم ذا تبالغون في ظلم أنفسكم وإيباقها على مدار الساعة، هل هذا مكر الله بكم أم أنه أضلكم لضلالكم أنفسكم، فأوصد دونكم الباب؟؟؟

أولاً: إنَّ عبارة "مؤلف القرآن" هذه قد أصبحت ممجوجة، بعد أن لاكها أهل الكتاب ظناً منهم أنها قد توصلهم إلى شيء، ولا يزالون يفعلون دون ظائل ولا جدوى، فَغَلَبَتْهُمْ وغَلَّبَتْهُمْ وأقلقتهم، فأوغرت صدورهم أكثر فأكثر وضاعفت غيظهم وحنقهم ونفورهم وأكدت فجورهم، فقد أذاقتهم الله مرارة الفشل الذريع وعلقم الإحباط وصَبَّار الإخفاقات المتلاحقة لإعتداءاتهم المتواصلة للذين لم يأذوهم، فأظلمت صدورهم، وقد أصبحت بلا جدال أو مماحكة "كرتاً محروقاً" بائساً يائساً تعساً متعوساً.

ثانياً: إن كلمة "يستحي" التي تقولها لا تليق بعاقل منصف أمين مع نفسه أن يصف بها "سيد ولد آدم" وأكرم من وطأت قدماه الثرى، ليس ذلك إدعاءاً بل هو الحق والحقيقة، وهاك الدليل عليها:
1. القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المعجز،، وقد أنزله بعلمه ولا يسع علم الإنسان القليل أن يأتي بشيء منه، ولو بسورة واحدة من قصار السور،، فمن لم يقتنع ويصدق هذا القول من تلقاء نفسه فإن الله تعالى قد "قهره" على تصديقه شاء أم أبى، وإن عاند وماحك فما عليه سوى ((أن يقبل التحدي المفتوح على مدار اللحظة))،،، فإن عجز كما عجز الأولون وعجزتم وسيعجز الآخرون،، فهذا إيجاب "قهري" منكم على أن الذي أعجز البشر والجن كافة لا بد أن يكون من عند الله خالق كل شيء وهو السميع العليم.
2. إنَّ إدعاءكم بأن النبي الكريم هو الذي ألَّفَ هذا القرآن، فإنَّ هذا شرف عظيم كريم له ما بعده شرف ولكنه (لا يدعيه لنفسه، ولا ينبغي له)، ولو أنَّ «مجرد نسبته إليه» يرفعه فوق مستوى كل البشر والجن معاً،، ولكن لا يسعه إلا أن يقول عن نفسه إنه ((عبد الله ورسوله)). ويقول إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد.

وبالمناسبة،، هناك أناس أشقياء وصفهم الله تعالى بدقة، إذا ما واجهناهم بهذه الصفاة التي سيتعرفون عليها في أنفسهم بأنفسهم، فإنهم سيعانون من الغيرة والحسد للحمار بل وللخنزير، ولا شك أن كل منهم سيقول "يا ليتني كنت تراباً". أحسن لكم (خَلُّوْ الطَّابِقَ مَسْتُوْر!!!) ولا تضطرونا إلى ذكر خصل وسمات "إن تبد لكم تسؤكم"، فتزيد من إفلاسكم وإحباطكم. تخيل معي لو جاز لنا أن ننسب القرآن إلى النبي الكريم محمد، ما هي المكانة اللائقة به في عصرنا هذا والعصور الفائتة والقادمة؟ من المؤكد أنه :
1. سيكون في صدارة البشر كلهم خَلْقَاً وخُلُقَاً، إذا لا يوجد أبداً أحد غيره قال الله تعالى فيه (وإنك لعلى خلق غظيم) ،
2. سيكون مرجعاً في الفكر السياسي وفن القيادة والإدارة، وهذا القرآن يشهد له بذلك،
3. سيكون مرجعاً في العدل والإنصاف والقسط، ومصدراً للتشريع وفقه القانون،
4. سيكون مرجعاً في حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة والطفل بصفة خاصة، وحقوق الحيوان،
5. سيكون مرجعاً في القانون الدولي ورائداً في العلاقات الخارجية بين الدول والأمم،
6. سيكون أرأف الناس بالناس وأرحم بهم من كل من سواه على الإطلاق،
7. سيكون أصدق البشر في القول والفعل والترك،
8. ... الخ.

أما عن اعتذرك للحمار عن نفسك ومن أجحف في حقه معك من قراءك وأتباعك ومريديك "كما تقول"، فهذا حقه عليكم، وهذه علاقة حميمةٌ بينكم لا شأن لنا بها، نأمل صادقين أن يتواضع فيقبل منكم هذا الإعتذار بعد أن صرحتم أمامه علناً بأنكم "عندما تريدون أن تنعتوا أحداً منكم بأنه قليل الذكاء وبليد تطلقون عليه لقب حمار" وهذا ظلم له بإعترافكم أنتم وإعتذاركم له. فجيد منكم هذا الإعتراف بأن إعتقادكم في الحمار مجافياً للحقيقة، ترى هل سيأتي اليوم الذي نقرأ فيه تكرار توبتكم أمام الحمار مرة أخرى لتكون مثلاً إعتذاراً لنفسكم بنفسكم بعد أن تدركوا أن فعلكم كان مجافياً للحقيقة؟؟

على فكرة،، إن نسبة ذكاء الحمار التي قلت عنها أنها تعدل 99% لصالح الحمار على البشر، هذه حقيقة أكد عليها القرآن الكريم صراحةً عدة مرات، فكن مطمئناً أنه يستحق أن يكون رائداً لك وملهماً لكتابك المقدس الذي أوحى لك به ربك من دون الله طبعاً. ولكي تطمئن أكثر دعنا نعطيك بعض النماذج:
- قال تعالى في سورة التين: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي «أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» 4)، ولكن لسؤ تصرفه وسلوكه ومعاصيه إستحق النكسة، لذا قال فيه: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ «أَسْفَلَ سَافِلِينَ» 5)، ليتناسب وضعه مع سلوكه الذي إختاره لنفسه، مع إستثناء الذين إستجابوا لربهم وأطاعوه، فقال: («إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» - «فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» 6).
- في قوله تعالى: (... فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ...)، وليس مثل كل البشر- إنما الذين كذبوا فقط.
- يقول تعالى في سورة المدثر: («كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ 38)، يتوقف مصيرها على قبول الله عملها ويثقل به الميزان: («إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ» 39)، الذين إتقوا الله تعالى وعملوا لما بعد الموت فهؤلاء: («فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ» 40)، عن ماذا؟: («عَنِ الْمُجْرِمِينَ» 41)، فيسألون هؤلاء المجرمين قائلين لهم: («مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟» 42)، ولماذا أوردتم أنفسكم هذا المورد؟: (قَالُوا «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ» 43)، («وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ» 44، («وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ» 45)، («وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ» 46)، لم نفعل خيراً قط في حياتنا: («حَتَّىٰ-;- أَتَانَا الْيَقِينُ» 47)، ولكن ما هو الخلاص والمخرج لهم من هذا الغم، هل من شفاعة ترجى لهم؟ قال: («فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ» 48). الغريب في أمرهم أنهم لا يصغون إلى التذكرة بل يفرون منها فراراً، فما هو الدافع وراء ذلك؟ قال: (فَمَا لَهُمْ «عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ» 49)، بطريقة سريعة، شبههم الله تعالى بقوله: («كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ »50)، («فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ» 51).
- ويقول تعالى في سورة الأعراف: (سَاءَ مَثَلًا «الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا» - وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ 177)، فالإيمان والهداية ليستا أمراً سهلاً حتى يزهد الإنسان فيه، بل هو فضل ومنحة يجود بها الله عليه، فالله تعالى مستغنيٍ عن الناس والخلق كله، ولكن الناس هم الذي في حاجة إليه، فالذي يطلب الهدى من الله "مخلصاً" ومقبلاً عليه هداه إليه، أما من تكبر وتجبر وإستغنى، إستغنى الله عنه وتركه في ظلام الضلالة، قال: («مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي» «وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» 178). المعروف أن الذين يَرِدُوْنَ جهنم كثيرون، ولن تكتفي جهنم منهم مهما زاد عددهم، يقول تعالى "يوم نقول لجهنم هل إمتلأت فتقول هل من مزيد؟"، وفي هذه السورة قال أيضاً: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ - «كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ» - «لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا» - «وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا» - «وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا» - ««أُولَٰ-;-ئِكَ كَالْأَنْعَامِ» «بَلْ هُمْ أَضَلُّ»» - أُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ 179)،
- وفي سورة الفرقان يقول: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ «يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ؟» - «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ» - «بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا» 44)، أترى هنا أن من وصفهم الله تعالى من البشر هم أضل من الأنعام، وبالتالي للحمار عليهم درجة على الأقل إن لم تكن درجات.

تقول إنه في موضوعك: ((-- لو كان البشر أذكياء مثل الحمار لارتاحت البشرية من السخافات التي تقترف باسم الدين ولعاشت في سلام --)) = أكيد أن قولك هذا ومعتقدك نابع من ثقافتك ومفاهيمك عن ألدين وألسلام،، فمثلاً لو سألنا الأكمه عن الفرق ما بين الليل والنهار لقال إنَّ النهار صاخب مزعج مشمس حار، وإنَّ الليل هاديء بارد مريح، فإذا سئل عن الفرق ما بين اللون الأحمر واللون الأزرق لما إستطاع أن يجاوب إلا بقدر ما لُقِّنَ من الآخرين، وبقدر ملكات الذين لقنوه به على الوصف. وفي هذه الحالة يكون الحمار أقدر وأمهر وأزكى منه في معرفة الكثير من خصائص الألوان والتفريق ما بين الظلمة والنور.
أقول،، نعم أنا أتفق معك تماماً بأن هناك سخافات تقترف بإسم الدين، وإلَّا فما جدوى إرسال الأنبياء والرسل للبشرية؟ فالغباء البشري هو الذي يحتم تكرار تدخل السماء بإرسال الإختصاصيين في الإنسانية وعلم السلوك، هؤلاء الذين يعملون على إستئصال الورم اللاديني الخبيث من أبدان الأمم الضالة التائهة الفاجرة، أو نقص المناعة المكتسبة لدى الخاوين وجدانياً والمدمرين عقدياً وعقلياً ونفسياً، ومحاولة علاج الخبل الشذوذي لدى المثليين والسحاقيات وزنا المحارم والأمهات والأطفال في المدارس والكنائس والمكاتب والمركبات العامة وفي المنتزهات وبداخل السيارات وعلى قارعة الطريق، علماً بأن الحيوانات لا تفعل ذلك إلا ليلاً ومع زوجها الذي من جنسها، ولرفع المخلوقات المحسوبة على البشرية إلى مستوى الحمار الذي لا يقدم على تناول المخدرات والمسكرات والمدمنات والتبغ، وليس لديه أسلحة دمار شامل، ولا أسلحة كيميائية وباليستية وجرثومية ونووية ولا أجهزة تنصت على العالم كله ولا طائرات بدون طيار،،، الخ.

ألم يبلغ الغباء البشري درجةً جعلته يعبد أشياء ما أنزل الله بها من سلطان؟،، مثلا:
- الم يعبد الحجارة والأصنام وذبح على النصب، منذ زمن نوح وإبراهيم عليهما السلام؟
- ألم يعبدوا الشمس والقمر والنجوم، وقدم المصريون القدامى القرابين البشرية للنيل؟
- ألم يعبد بعض من بني إسرائيل عجلاً جسداً له خوار وكان نبيهم موسى بين ظهرانيهم وكذلك هارون؟
- ألم يعبد المجوس النار ويقدموا لها القرابين؟
- ألم يُؤَلِّه بعض من بني إسرائيل العبد الصالح "عزير" فإدعوا بأنه إبن الله؟
- ألم يعبد النصارى المسيح عيسى عليه السلام بقول بعضهم إنه ابن الله، وآخرون بأنه ثالث ثلاثة، وآخرون غيرهم قالوا إنه الله الواحد الديان؟ (تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً).
- ألم يعبد بعضهم البقر وغيره من الحيوانات ،،،؟
- ألم يعبد آخرون أنفسهم وأهليهم وخليلاتهم، ومالهم،،، الخ؟
- ألم يعبد بعضهم "الخروف" الذي أجلسوه على العرش؟؟
- ألم يقدس بعض جهلاء المسلمين أشخاصاً وشيوخاً وعلماء بدرجة تصل إلى التأليه والزندقة بل والشرك؟؟
- فما الغرابة في أن يعبد آخرون "الحمار"، ويفترون له صحيفةً بإسمه وإسم من إفتراها له؟
فما دام أن الوجدان خالياً من الله تعالى اصبح مركبة عامة يعتليها ويحتلها الواصل إليها أولا. فما أن يحدث هذا الإحتلال السهل، تظهر المصائب التي تقول أنت عنها. فالإسلام موقفه من القتل عموماً واضح ومفصل وجازم:
- فمن قتل نفسه أو فجرها "متعمداً"، ولأي سبب من الأسباب، فقد قتل نفسه. فلننظر ماذا قال فيه رسول الهدى محمد بن عبد الله - رَوَى البخاريُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنهُ قالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» ".
وقوله تعالى في سورة المائدة (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ - «إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا» - «فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا» «وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَر»ِ - قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ - قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27)، فالصالح في عرف عباد الله الصالحين وعلى رأسهم أمة محمد لا يفكرون في قتل الآخرين، لذا قال قابيل لأخيه: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي «مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ» - إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28)، سأترك عقابك لله تعالى فهو وحده القادر عليك وسيجازيك ويحفظ لي حقي عندك: (إِنِّي أُرِيدُ «أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ» - فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ - «وَذَٰ-;-لِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ» 29)، وكعادة الكفار والفاسدين، لا تنفع معهم العظة ولا النصح، لفساد قلوبهم وخراب تفكيرهم وسواد حقدهم: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ «فَقَتَلَهُ» - فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30)، ولكن لضلالته وغبائه وضحالة فكره عجز عن إيجاد طريقة يدفن بها أخيه: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ - «لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ» - قَالَ يَا وَيْلَتَا - «أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰ-;-ذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي» - فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ 31). بعد حادثة القتل هذه، التي تعتبر الأولى في ولد آدم، شَرَّعَ الله تعالى تحريماً كاملاً للقتل إلا بحق،، قال: (مِنْ أَجْلِ ذَٰ-;-لِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ-;- بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» - «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» - وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ - ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰ-;-لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ 32). إذن من قتل نفسه أو فجرها أو قتل غيره بدون حق قد شهد على نفسه بالهلاك ولربما الطرد من رحمة الله تعالى.
- بالنسبة لإكراه الناس على إعتناق دين ما بالقوة أو بالخداع، أو محاولة إجبار أحد على تغيير دينه بالقوة أو بالضغوط أو بإستغلال ضعفه، فإن ذلك قمة الظلم والتجني،، فالإنسان في نظر الإسلام "حر" لأن الله تعالى خيره بقوله في سورة الكهف: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن» - «وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُر»ْ - إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا - «وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ» - بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا 29)، وقال مؤكداً عدم جواز إكراه الناس في الدين في سورة البقرة: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ «قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» - «فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ» «وَيُؤْمِن بِاللَّهِ» - فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ-;- لَا انفِصَامَ لَهَا - وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 256)، وقال في سورة النبأ: (ذَٰ-;-لِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ «فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ-;- رَبِّهِ مَآبًا» 39)، (إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا «يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ» - «وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا» 40)،
- السمة الأساسية التي تميز الإنسان عن الحيوان، وتميز الإنسان الذي هو في أحسن تقويم عن ذلك الإنسان الآخر الذي هو في أسفل سافلين إنما هي شعيرة الصيام. فهو نسك تتسم به الصفوة من البشر على الإطلاق، ويضاهئونه الملائكة بهذه الشعيرة الراقية التي تقرب العبد من ربه وتحببه فيه. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهي تحرك جوانب إنسانية كثيرة ليس المجال هنا إلى تعدادها وحصرها، ولكن نذكر منها ما قد تستوعبه، وهي أن الإنسان يجرب في نفسه "عملياً" ولمدة شهر كامل ما يعانيه الفقراء الجوعى الذين قد تمر عليهم الأيام والليالي لا يتذوقون طعم الطعام، فتفكير الصائم في إرضاء الله من جهة، وفي بلوغ وقت الفطور من صيامه من جهة أخرى تجعله يعيد التفكير مرات ومرات أولاً في أحب عبادة إلى الله تعالى وهي الصوم، وأحب تقرباً إلى الله تعالى في عباده هي الزكاة والصدقة، والشعور بمعانات الضعفاء والمساكين ومساعدتهم. فأكيد هذا السمو والرقي في المشاعر ليس الحمار ولا الحيوانات الأخرى معنية به، أما الذين لا يصومون فهم الذين يلتقون مع الحمار والخنزير والهوام لعدم وجود سمة مميزة بيهم.
- أما قول المسلم: ««صلى الله عليه وسلم»»، كلما ذكر إسم محمد أو حتى بدون ذكر إسمه هذا فضل إختصنا الله به لإقترابنا من هذا النبي والرسول الخاتم، الذي لم يبلغ مكانته عند الله أحد. فهي ليست إجتهاد من عند المسلمين، بل مطلوبة بالأمر المباشر من الله تعالى بقوله في سورة الأحزاب: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» 56). فإذا كان الله تعالى وملائكته يصلون عليه، وأمر الله تعالى المؤمنين "وهم الصفوة على الإطلاق" بأن يصلوا عليه ويسلموا تسليماً، فأي شرف وسعادة ينالها المؤمن عندما تتاح له الفرصة السعيدة بالصلاة والسلام على خير ولد آدم وإمام الأنبياء والمرسلين؟؟؟ فلو عرفت لماذا تكون البشارة به بإسمه "أحمد" ونزول القرآن عليه بإسم "محمد"، لأدركت من هو هذا العبد والرسول، وما قيمته وقدره عند الله تعالى ولما ملكت نفسك من أن تصلي وتسلم عليه "إنْ مَنَّ اللهُ تعالى عليك، وأذن لك، ووفقك لذلك".

فمن هو "أحمد"؟ ومن هو محمد؟:
قبل أن ندخل في هذين الإسمين الكبيرين "العملاقين"، دعونا نتناول فقه اللغة العربية بعض الشيء لتبسيط المعنى للقاريء.
أولاً: الإسمان مشتقان من مصدر واحد هو "الحَمْدُ"، الذي يشتق منه الفعل الماضي "حَمِدَ" والفعل المضارع "يَحْمَدُ"، ثم إسم الفاعل "حَاْمِدٌ"، ثم إسم المفعول "مَحْمُوْدُ".
- فالحمد: يقع من العبد إلى ربه فيقول "الحَمْدُ للهِ"، أو "أحْمَدُ الله"،،، فيكون قد "حَمِدَ اللهَ تعالى"، فإذا أكثر من الحمد لله صار "حَاْمِدَاً" لله تعالى،، أما إن كان ذلك العبد هو الأكثر حمداً لله تعالى،، بمعنى أنه لم ولن يُوْجَدَ من هو أكثر منه حمداً لله تعالى صار يدعى بلا شك "أحْمَــــــدَاً". يعني (أحمد الناس لله تعالى).
- ويقع الحمد على الفرد من الآخرين فيكون قد "حُمِدَ"، فإن أكثر الآخرون حَمْدَهُ صار "مَحْمُوْدَاً" منهم، أما إن لم يوجد من حَمِدَهُ الآخرون مثل حمدهم أياه، بمعنى أنه كان "الأكثر حمداً من غيره من الخلق على الإطلاق، صار بلا شك "مُحَمَّــــــدَاً".

فما دام ذلك كذلك، إذاً،، كان لا بد عند البشرى بالنبي الخاتم من أنبياء الله ورسله الذين سبقوه بأنه ليس فقط بصفته "أحمد الخلق لله تعالى" بل صارت هذه الصفة المتفرد بها دون غيره من البشر "إسماً" مميزاً له، لم يسميه به الآخرون، وإنما سماه به الله تعالى فكان كل الذين بشروا به قالو بأن "إسمه أحمد"، ففي سورة الصف، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ «إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم» - «مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ» «وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» - فَلَمَّا ««جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ»» - قَالُوا هَٰ-;-ذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ 6)، وفي سورة الأعراف قال: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ ««النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ»» - الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ ««فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ»» - يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ - وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ - وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ - فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ ««وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ»» - أُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 157).
هذا بالإضافة إلى قول الله تعالى عنه في سورة الفتح: (««مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ»» - «وَالَّذِينَ مَعَهُ» أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ - تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا - سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ - «ذَٰ-;-لِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ» - «وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ» - كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ – فَآزَرَهُ – فَاسْتَغْلَظَ - فَاسْتَوَىٰ-;- عَلَىٰ-;- سُوقِهِ - يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ - «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» 29)،

أما بالنسبة لإدعائكم بأن المؤمنين يعتقدون أن ألقرآن الكريم من عند الله، هذا إدعاء باطل لأن المؤمنين ليس فقط يعتقدون بأنه من عند الله، بل إنما هم يجزمون بيقين راسخ أنَّه الكتاب الحق المبين من عند الله ومهيمناً على كل الكتب السماوية الأخرى، أما بالنسبة لغير المؤمنين به، فهم الذين "عملياً" يؤكدون ويشهدون كل يوم "رغماً عنهم" بأنه كتاب معجز ليس في مقدور أحد من الخلق الإتيان به،، لأنهم فشلوا في قبول التحدي بأن يأتوا بمثله، وهم يعكفون ليل نهار سراً وعلانية في أن يقبلوا بالتحدي ويجدوا لهم منفذاً ولكن هيهات ثم هيهات، فالواقع يقول إنهم قد فشلوا فشلاً ذريعاً محبطاً لذلك نرى منهم كل هذا الحقد الذي غلبهم كبته ففاض بهذه الطريقة التي نراكم فيها، بدلاً من أن يتبعوا الحق الذي أصبح واضحاً بيناً دون أي لبس، ولكن الظاهر أن شقوتهم قد غلبت عليهم. أما الحمار بالنسبة للقرآن الكريم فهو آية من آيات الله مثله مثل البقرة والناقة والهدهد والنحل، فكل هؤلاء يمتازون عن البشر الذين هم في "أسفل سافلين" بأنهم موحدون ومسبحون لله ربهم وخالقهم. يقول تعالى في سورة الحج: («إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا» - «وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ-;- وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا» - إِنَّ اللَّهَ «يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 17)، ثم مؤكداً حقيقة واقعية ماثلة، يقول: (أَلَمْ تَرَ «أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ» - «وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ» - ««وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ»» - «وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ» «وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ» - وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ - إ««ِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ»» 18). فكما تلاحظ فإن كل الكائنات حيوانها وجمادها يسجدون لله ربهم إلا الناس، فهناك كثير منهم لا يسجدون، لذا حق عليه العذاب يوم القيامة. الم أقل لك إن الحمار من المجموعات التي تسجد لله بمعدل 100% وليس 99% فقط كما تقول؟؟؟
هل تدري أين موقعك أنت بهاتين المجموعتين من الناس؟ هل بالمجموعة الأولى التي تسجد لله مثل باقي المخلوقات أم انك من المجموعة الثانية التي لا تسجد "تحت زعامة ورعاية إبليس اللعين"، وحق عليها العذاب، وأهانها الله وحرمها من أي مكرم؟

وعن قولك ((... أليست هذه الدلائل وغيرها التي لا يمكن انكارها أو تفنيدها برهان على أن الحمار أذكى بكثير من بني البشر؟ وإن نُعِت شخص ما بأنه حمار فهذه ليست مسبة لذاك الشخص بل للحمار...)). إذن أسمح لنا أن نجرب هذه الفكرة معك أنت شخصياً ما دامت هذه قناعتك، فما الذي يمنع؟؟؟

على أية حال أنت لم تذهب بعيداً عن الحقيقة،، فهذا ما قاله وأكده القرآن الكريم وشدد عليه ولكنه لا ينطبق على كل البشر كما تعتقد، وإنما على الجزء الثاني من البشر الذي حق عليه العذاب والإهانة وحُرِمَ من كُلِّ مكرم. وكما ترى،، فإن الحقائق لا يمكن تغييرها، وأن الله تعالى يمكر بالماكرين، فيجعلهم ينطقون بكلمة الحق في الوقت الذي يكونون فيه أشد الحرص على إخفاءها وإظهار الباطل، يقول تعالى في سورة الأنبياء: (بَلْ نَقْذِفُ «بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ» «فَيَدْمَغُهُ» - «فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ» - وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ 18).

إعلم أن سورة الغاشية التي تسخرون منها إنما فيها نذير الشؤم والخزلان للكافرين والملحدين، وحتى المؤمن نفسه يرتعد منها خوفاً وهلعاً من هولها ووعيدها،، يقول الله تعالى فيها لنبيه الكريم عن يوم القيامة: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ 1)؟ حيث فجائية الساعة وتدمير الكون كله، فيقوم الناس من أجداثهم لرب العالمين ليلقى كل عبد حسابه، فهم صنفان من البشر، يمتازون عن بعضهما بسيماهم ووجوههم، فالصنف الأول يقول عنه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ 2)، من شدة الذل والهوان: (عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ 3)، من شدة الإرهاق والتعب والكدر والخوف، لأنها: (تَصْلَىٰ-;- نَارًا حَامِيَةً 4)، جهنم التي ترمي بشرر كالقصر، كأنه جمالة صفر،، ويل يومئذ للمكذبين. ولهم أشر شراب من نتنه وحره: (تُسْقَىٰ-;- مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ 5)، وطعامهم هو "الضريع": (لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ 6)، ليس فيه أن قيمة غذائية وليس مستساغاً ولا يسكت عضة الجوع، فقال: (لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ 7). أما الصنف الثاني السعيد، قال فيه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ 8)، من السعادة والبشارة والرضى في حضرة ملائكة الرحمة: (لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ 9)، فقد أثقل موازينها ورجحت كفة الصالحات من سعيها وأعمالها: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ 10)، كريمة طيبة: (لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً 11)، بل في سرر متقابلين يستبشرون ببعضهم ويسعدون بصحبتهم: (فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ 12)، أنهار من عنسل مصفى ولبن وماء بارد كريم وكوثر،،،: (فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ 13)، (وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ 14)، (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ 15)، (وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ 16).

أما الألفاظ التي وردت من بعض المحبطين من الذين أسرفوا على أنفسهم بإتباع أهوائهم لا بد من أن تتدهور حالتهم حيال التناقضات التي وجدوا أنفسهم فيها،، وقد يتوهمون بأنهم في حرية أكبر من الآخرين، بينما هم - في قرارة أنفسهم - يشعرون بأنهم ضائعون كلما تقدمت بهم السنون ووخطهم نذير الموت، ودبت الأوجاع في المفاصل، وإنحنى الظهر وتراخت الجفون، ورق الجلد،،،، ودب الملل من رتابة الحياة السائبة التي يعيشونها فلا جديد بعد أن جربوا كل شيء وفي النهاية وجدوا أنهم قد تسربت من بين أصابعهم حياتهم وإستقرارهم النفسي وخواء وجدانهم من كثير من القيم الحقيقية التي حلت محلها قيماً جديدة معاشة ولكنها بدأت تظهر على حقيقتها لبعضهم إن لم نقل للغالبية العظمى منهم.
فدب الملل كما قلنا سابقاً، ثم بدأ التعويض بالشغب والعبث بقيم الآخرين لعلهم بذلك يثبتون لأنفسهم وجوداً وتأثيراً على الآخرين الذين يظنون أنهم ضحيتهم.
فالمطلع على تعبيراتهم المضطربة والهجوم على الغير بهذه الشراسة دون وجود أي مبرر لهم سوى العبث ومحاولة إظهار "التحرر" الذي قد فقدوه في الواقع والحياة العملية، وإحساسهم بأن المستقبل لا يبشر عندهم بأفضل مِمَّا هم عليه، نعتقد بأن هذا نتاج طبيعي لحالات الكثيرين من الشباب الضائع المسهوك المغيب، فنجد عبارات مثل "إذ أوى للغار،،، الخ" أو "الخروج عن النص،،، وهكذا لهو دليل بديهي ومنطقي لذلك الواقع المأسوي الذي أدخلوا أنفسهم فيه أو لربما كان وراء كل واحد منهم مأساة من أهل أو أقارب تسببوا في مأساتهم، فكان الباعث الحقيقي وراء هذا الحنق الذي نراهم يصبون جام غضبهم على الآخرين.

هناك كثير من الأسر المسلمة، التي في حقيقتها لا تمت للإسلام بصلة، فالعلاقة تقليدية وباهتة، والأباء لا يهتمون بتأصيل المباديء الإسلامية الحقيقية السامية والتي قد يكون السبب الأساسي وراء ذلك أمران متلازمان هما الأمية والفقر بالإضافة إلى ضيق الموارد التي تضعف رقابة الأسرة على ما يجري داخل البيت وخارجه، فينتج عن ذلك جيل ممزق ومتناقض مع ما يطلب منه بإسم الدين دون أن يعرف حقيقةً أهميته أو دواعيه وبين متطلبات حقيقية تنشأ صغيرة وتتزايد وتلح عليهم فيجدونها محاصرة بتلك المباديء الباهتة في وجدانهم، ومع ذلك تفرض عليهم بطريقة تنشيء عندهم بذرة التمرد عليها وعلى البيت والوالدين والدين والقوانين،،، الخ. أعتقد أن الحكومات في الدول الفقيرة هي العنصر الأساسي والقاسم المشترك في تأجج هذا الوجدان، لذا فهي مسئولة مع إنها معذورة لكبر حجم المسئولية وقلة وشح الموارد مما ينعكس على خدمات التعليم والرقابة وإيجاد البدائل التي تعوض الشباب عن متطلباتهم التي لا يجدون بداً ولا بديلاً لأخذها من مصادرها المتاحة المشبوهة، ظناً منهم بأنهم قد حققوا لأنفسهم مكاسب، ولكن سرعان ما يكتشفون أنهم قد خدعوا بعد أن فقدوا كل ما يمكن أن يفتخر به الإنسان ويعتز، فيقذب الشيطان بالحقد والحنق في ما تبقى من وجدان ليصبح عنصراً مدمراً لولد آدم بعد أن تم تدميره بالكامل وضمن ولائه له.

نقول لمثل هؤلاء الذين أسرفوا على أنفسهم، وظنوا أن الله تعالى قد حرمهم العودة إليه ومراجعة النفس، نقول لهم ما قاله عن نفسه في سورة الزمر: (قُلْ «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ-;- أَنفُسِهِمْ» - «لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ» - ««إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا»» - إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ 53)، وقال في سورة النساء: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ «إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ» - وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ «لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا» 64)،
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (للهُ أشَدُّ فَرَحَاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ المُؤمِنِ ، مِنْ رَّجُلٍ فِي أرض دَويّة مُهْلِكَةٍ ، مَعَهُ رَاحِلَتَهُ ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ ، فَنَامَ فاسْتَيْقَظَ وقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَىْ أدْرَكَهُ العَطَشَ ، ثُمَّ قَالَ: أرْجِعُ إلَىْ مَكَانِيَ الَّذِيْ كُنْتُ فِيْهِ ، فَأنَامُ حَتَّىْ أمُوْتُ ، فَوَضَعَ رَأسَهُ عَلَىْ سَاعِدِه لِيَمُوْتَ ، فاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادَهُ وَطَعَامُهُ وَشَرابُهُ ، فًاللهُ أشَدَّ فَرَحَاً بِتَوْبَةِ العَبْدِ المُؤمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وزاده - رواه مسلم .
تحية للقراء الكرام

بشارات أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردنا على تعليق: أحمد حسن البغدادي - (قل هو الله أحد):
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الأول:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الثاني:


المزيد.....




- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار: