أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف رزين - عبادة الماء في المغارب القديمة















المزيد.....

عبادة الماء في المغارب القديمة


يوسف رزين

الحوار المتمدن-العدد: 4346 - 2014 / 1 / 26 - 13:17
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في موضوع بحثنا الحالي سنحاول معالجة اشكالية الماء و العبادة المتعلقة به لدى سكان شمال افريقيا في العصر القديم . و لهذا سنحاول الاجابة عن عدد من الاسئلة هي كالتالي : هل تقديس الامازيغ للماء نابع منهم ام تعلموه من شعوب اخرى ؟ كيف كانت أشكال عبادتهم للماء و هل لها اصول محلية علما ان اغلب الشواهد الاركيولوجية الخاصة بها تعود للحقبة الرومانية ؟ هل اقتصرت هذه العبادة على الفترة الوثنية أم انها استمرت بعد سيطرة الأديان التوحيدية بشمال افريقيا ؟
كما نعلم فإن الانسان الامازيغي القديم اعتقد في قوى خفية تسيطر على الطبيعة شانه شان باقي الشعوب الاخرى لذلك فقد عبد الجبال و الغابات و الكهوف الخ .. معتقدا في قواها الخفية و مقدما لها القرابين و الاضاحي و الاهداءات و لهذا كان من الطبيعي ان تمتد عبادته لعناصر الطبيعة الى الماء و ذلك منذ القدم و هو ما تؤكده الشواهد الاركيولوجية حيث تم العثور في " الكطار" في جنوب تونس (حوالي 6 كيلومترات من قفصة) على مجموعة من الاهداءات الموضوعة بجانب منبع مياه يعود تاريخه الى 100 الف سنة . و هو ما يقدم الدليل الواضح على ان عبادة الماء هي عبادة اصيلة لدى الامازيغ و لم يستوردوها من اقوام اخرى . فالماء كان في صدارة الانشغالات الدينية للامازيغ سواء في المناطق الماهولة بالمزارعين او الرعاة لعلاقته بخصوبة الارض و البهائم . و هو ما توضحه الشواهد الاركيولوجية التي تعود الى الحقبة الرومانية و التي توزعت فيها عبادة الماء الى عبادة خاصة بآلهة رئيسية(مذكرة و مؤنثة) و ثانوية أو تقديس للاشكال المائية من انهار و ابار و مطر مع ما يصاحب ذلك من طقوس احتفالية .
بخصوص اله الماء المذكر تحدثنا الشواهد الاركيولوجية عن الاله نبتون الذي كان يقام له احتفال يوم 23 يوليوز ربما ليحميهم من الجفاف . و يظهر من خلال هذه الشواهد انه عرف عند الامازيغ شعبية كبيرة ، فقد كان يسيطر على البحر و الانهار و الينابيع و جميع المياه ، اي انه شغل حتى المكانة المخصصة للحوريات " الالهة المؤنثة" ، بينما في العالم الروماني اقتصرت سيطرة نبتون على البحر و تركت المياه العذبة للحوريات .
الاله نبتون في شمال افريقيا حسب ما تذكره الشواهد الاثرية كانت له عدة وظائف و اختصاصات ، فهو اله المياه العذبة كما توضح الشواهد التي عثر عليها في موقع تيتولي بنوميديا ، كذلك كشفت الاشغال بموقع سبيطلة بتونس عن شاهد نذري يصف الاله نبتون باله الموجات ، بالاضافة الى نقيشة مكتشفة بدوجة بتونس تصف نبتون ب " أب الحوريات و سيد المياه " ، ايضا في منطقة دوكة الظهرة التونسية تم اكتشاف مذبح به حمامات تضمنت نصا يصف الاله نبتون ب " الشافي" و قد نظر اليه على انه ذلك الجن الذي يسخن المياه المعدنية و يهبها خصائص الشفاء . و كذلك اكتشفت نقيشة في تابسوس في الساحل التونسي تتحدث عن الطابع الزراعي لهذا الاله يظهر فيها اسم نبتون-بوصيدون على انه اله الخصوبة .
إذن حسب هذه النقائش المكتشفة فنبتون هو اله البحر و المياه العذبة و المعدنية و ضامن الخصوبة . لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل كان يوجد سيد افريقي للمسطحات المائية بشكل خاص في الحقبة ما قبل الرومانية و الذي يمكن ان يكون قد ادمج مع نبتون- بوصيدون ؟
طبعا ، فإنه من غير المنطقي انكار وجود اله مائي لدى الفينيقيين المستقرين بالسواحل الافريقية علما انهم شعب بحري بامتياز . في هذا الصدد تشير مصادر ادبية عديدة الى وجود اله مشابه لبوزيدون في البانثيون الفينيقي . ففيلون الجبيلي يقدمه كإبن لبانتوس الذي هو ايضا ابن لنيري و الاسطورة الخاصة به اعترفت له بروابط تربطه بفينيقيا . أما بالنسبة لهيرودوت فقد تحدث عن عبادة اله بحري كانت موجودة في افريقيا لدى الليبيين بدون شك قبل تأسيس قرطاج . و يصف اب التاريخ بان عبادة بوزيدون هي من اصل ليبي و ان الاغريق هم من اقتبسوها.
ما يمكن استخلاصه اذن هو وجود اله بحري محبوب من طرف القرطاجيين و البونيين سماه الاغريق ب "بوصيدون" و هو ما يؤكده ديودور الصقلي حيث ذكر بان جنرالات قرطاجيين اهدوا اضحيات لبوصيدون اثناء الحروب التي خاضوها ضد الاغريق في صقلية ،و ظهور اسم بوصيدون في المعاهدة المبرمة بين هانيبال و فيليب المقدوني .
اذن وجود هذا الاله في الفترة ما قبل الرومانية يدفعنا الى افتراض اصول افريقية لنبتون الروماني و هو ما سنعمل على معالجته . فبخصوص انتشار هذا الاله نلاحظ الآتي : اللوحات الفسيفسائية توجد في المدن الساحلية بينما تأتي النقائش من مدن الداخل و هو ما يشير الى تعدد المتدخلين الحضاريين فيما يخص حقيقة هذا الاله . توجد ملاحظة اخرى في هذا الصدد و هو انه في روما نبتون كان اله البحر فقط اما في شمال افريقيا فقد كان اله البحر و الينابيع . إذن فالسؤال الذي يطرح نفسه هو : لماذا لم يتوجه الرومان في افريقية الى الحوريات مثلما فعلوا في روما حينما تعلق الامر بالمياه العذبة ؟ هل يمكن افتراض تأثير اله افريقي على نبتون ؟
تجدر الاشارة الى انه بعين الحمادة (تونس) يوجد مذبح هناك يتضمن في سجله العلوي صورة لنبتون مرفوقا بأفعى ، الشيء الذي له دلالته الواضحة . فالافعى هي معبود محلي و هي تعطينا دليلا على ان الشخص الذي قدم الاهداء هو افريقي مرومن . إذن كخلاصة يمكن القول ان ارثا حضاريا متعددا (فينيقيا و بونيا و افريقيا و رومانيا) انضاف الى الارث الليبي المحلي .
و بجانب الاله نبتون تم تشريف آلهة انثوية خاصة بالماء . و يتعلق الامر بالحوريات. انهن آلهة الينابيع و الغابات و الجبال و يعني اسمهن الفتاة الشابة او الخطيبة و كان يتلخص دورهن في التحكم بمصادر المياه العذبة و المعدنية و الطبية . طبعا يطرح السؤال عن اصولهن بالمغرب العتيق و هل يتعلق الامر بإرث اغريقي او ليبي ؟
في الواقع فقد كن معبودات في افريقيا كآلهة خاصة بمصادر المياه مثل الحوريات الاغريقية الرومانية لانه في كل الاهداءات الموجهة لهن لم تتضمن اي واحدة منها لقبا محليا و لكن مع ذلك يمكن الافتراض بأن الالهة او الجن الليبي المحبوب من طرف الساكنة الافريقية استمر بالتواجد ربما تحت اسم الحورية او جني النافورة.
و بالاضافة الى هذه الالهة الرئيسية جعل الامازيغ الينابيع و الانهار موضوع عبادة موجهة للجن . هذا الجن المائي كان يصعب تمييزه عن الالهة الموضعية بل انه حسب الباحث مارسيل بن عبو لا يمكن التمييز بينهما بتاتا.
هذه الجن حصلت على اهداءات عديدة وجهت لهن من طرف افارقة مرومنين الذين اعتبروها كوارثة للجن الليبي قبل التواجد الروماني. يبقى القول انها لم تكن لها شخصية محددة بل كانت تعرف فقط باصلها الجغرافي و نجدها عادة عند العثور على عين ماء .
و يبقى المستوى الثالث من العبادة الخاصة بالماء و هو تقديس عناصر مائية دون توفر معبود خاص بها . و في هذا الصدد قدس الامازيغ آبارا في الفترة الرومانية كاستمرار لعبادة اقدم منها ، ايضا نفس الشيء فيما يخص الانهار فمثلا في ناحية الجريد بتونس في شهر ماي كانت النساء تستحم في الواد و هن يرددن الانشودة التالية : " فرعون أطل خصلات شعري و وسع خصري". كما هو واضح يتعلق الامر بممارسة موجهة لجلب الخصوبة . و قدسوا كذلك المطر و اكثروا من الطقوس و المراسيم السحرية المخصصة للحصول عليه و التي استمرت حتى مرحلة متأخرة. طبعا الطقس الاكثر شهرة هو "تسليت نونزار" اي "خطيبة انزار" او "تيسليت ن ومان" اي " خطيبة الماء" . انزار هو العنصر الرحيم الذي يقوي المزروعات و يعطي الغلة.
لاستجلاب المطر يجب طلب انزار و القيام بأي شيء لاستحضار فعله المخصب، لهذا يتم اهداءه خطيبة على شكل دمية من الخشب ترتدي ثوبا لامراة شابة متزوجة لها يدان على شكل ملعقتين مخصصتين لتلقي ماء المطر بشكل رمزي . اسم هذه الدمية هو " تاغونجا " أو " أم تانجو ".
في نهاية هذا البحث يبقى السؤال المطروح هو هل استمرت عبادة الماء لدى الامازيغ بعد الفترة الرومانية و كيف ؟
في الواقع ، فإن العبادة الخاصة بالمياه و خصوصا المتعلقة بالينابيع الاستشفائية عرفت استمرارية لافتة لم تستطع اي ثورة دينية إلغاءها بشكل تام. فإذا كان نبتون و الحوريات و جني الينبوع يتلقون الاهداءات في الحقبة الوثنية فإنه في الحقبة المسيحية تغير المناخ الديني و هكذا فإن آلهة المياه التي نصادفها في النقائش المتأخرة لم تعد إلا آلهة ادبية أي طريقة شعرية لتسمية المياه. فيما يخص الحامات فقد تم احيانا استعمالها في العبادة المسيحية ، اما بمجئ الاسلام فنلاحظ أن الولي هو من عوض الاله الوثني او الجني.
التقليد الوثني المتمثل في الاستحمام في البحر استمر لدى امازيغ ليبيا (حفلة آووسو) و امازيغ المغرب. في الاطلس المتوسط في جنوب جبل العياشي ، توجد بقرية تيفكرا عين ماء يأتيها الحجاج لإمضاء عقود الزواج او الولادة او ايضا لمنع الارواح الشريرة . و تتضمن الطقوس الممارسة تقديم أضاحي للسلاحف التي تعيش بالحوض هناك. بينما في عين ايمن تالت يذبح بمناسبة عيد الماء ماعز اسود و يطلب من جني العين سنة وفيرة .
مثال آخر لاستمرارية هذه العبادة ، هو ضريح الولي سيدي اليابوري بالرباط جيث يوجد بالقرب من ضريحه بئر يأتيها الناس طلبا للعلاج من امراض معينة كالخوف مثلا. الزوار يعتبرون هذا الماء مفيدا للنساء العازبات لتزويجهن . و يتم ايضا زيارة هذا الولي من اجل تجنب حدوث العاصفة البحرية ، و يعتبره البحارة كسيد للمحيط ، لهذا يحتفلون به في 26 شعبان من كل عام تخليدا لذكراه حيث يتم تقديم وجبات اكل للمعدمين.
تجدر الاشارة الى انه عند المسلمين ايضا في المساجد يعتبر الماء ضروريا للوضوء من اجل التطهر قبل الصلاة . نفس الشيء في التقليد اليهودي ، حيث نجد البيعة اليهودية بالقرب من الماء ، ما يعني أن الماء استمر حضوره في الاديان التوحيدية كعامل طهارة و نقاء .
___________________________
مرجع : الماء في المغارب العتيقة بين المقدس و المدنس / عبد العزيز بلفايدة



#يوسف_رزين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوسيولوجيا الأعيان
- حيرة شيخ - قراءة في مقال لعبد السلام ياسين -
- أحداث 23 مارس 1965
- الكتابة على الجسد..بحث في الدلالات
- وداعا نابليون
- أنثروبولوجيا الحرام
- تاريخ المطبخ الفرنسي
- شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة
- الحرية الجنسية في الإسلام
- نشأة علم التاريخ عند العرب
- فلسفة التاريخ بين هيغل و ماركس
- تاجر البندقية .. إعادة تفكيك
- إشكالات بخصوص التاريخ الإسلامي
- أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم
- الاحتلال الروماني للمغرب
- وليلي مدينة إقامة يوبا و الحكام الرومانيين
- لوح بابلي..حوار السيد و العبد
- لمحة عن الحياة العلمية في الأندلس في عهد الناصر و المستنصر و ...
- الحقيقة الغائبة
- عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف رزين - عبادة الماء في المغارب القديمة