أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - مناقشة - مشروع بيان غير شيوعي















المزيد.....


مناقشة - مشروع بيان غير شيوعي


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 1236 - 2005 / 6 / 22 - 13:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



يُطلق الأستاذ نذير جزماتي " بياناً غير شيوعي ". يبتدئ فيه من الحسم بأن الإشتراكية لن تُبنى في أي بلد من بلدان العالم الثالث قبل أن تُبنى في الولايات المتّحدة أو في مجموعة الدول الصناعية السبعة. لهذا سيكون النظام الرأسمالي " قدر مقدّر " في كل أرجاء العالم قبل أن يكون ممكناً تحقيق الإشتراكية. و لتأكيد ذلك و إعطائه " المصداقية الكاملة "، يفعل كما كان يفعل الكثير من الشيوعيين سابقاً ( و ربما إلى الآن )، حيث يدعم أفكاره هذه بالإشارة إلى ماركس/ إنجلز و لينين. لهذا نراه يقول أن ماركس و إنجلز " قالا بالفم الملآن أن لا سبيل إلى الإشتراكية قبل أن يعمّ النظام الرأسمالي كل أرجاء العالم ". و يشير إلى أن لينين في كتابه " خطتا الإشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية " قال مثل هذا الكلام. و بالتالي فإن النظام الرأسمالي هو الذي يجب أن يسود، دون حاجة لقطع الطريق كما فعلت ثورة أكتوبر.
طبعاً، هذه الرؤية ليست جديدة، على العكس فإنها تكرِّر منطق الحركة الشيوعية العربية قبل إلتحاقها بأنظمة الأحزاب القومية، و بالتالي إدِّعائها تحقيق الإشتراكية، أو التوجّه الإشتراكي، أو التطوّر اللارأسمالي. و الكثير من أعضائها أصدر الحكم على ثورة أكتوبر بأنها كانت تمثّل حرفاً لمسار التطوّر، إستناداً إلى هذا المنطق حيث أن التطوّر يقتضي حتماً المرور بالمرحلة الرأسمالية. و هذا ما كنت قد ناقشته في أكثر من كتاب، منها " فوضى الأفكار " و " مشكلات الماركسية في الوطن العربي ".
و بالتالي فإننا، مع ما يقدِّمه الأستاذ نذير، لازلنا في حقل " الماركسية السوفييتية " ( أي الماركسية اللينينية كما كانت تُسمّى )، فهي التي كرَّست هذا التصوّر للتطوّر البشري في إتجاه معاكس لمنطق ثورة أكتوبر، حيث أكّدت على حتمية المرور بالمرحلة الرأسمالية، و بالتالي كانت تتجاهل تحليل لينين للوضع العالمي آنئذ، و إستنتاجه لطبيعة الرأسمالية حينها، حيث غدت إمبريالية تحتكر العالم عبر تقاسم مناطق النفوذ، و تؤسِّس لتطوّر غير متكافئ فيه، الأمر الذي فرض إستحالة إنتصار الرأسمالية في الأمم التي كانت لاتزال متخلّفة. رغم أن الماركسية السوفييتية أسندت تصوّراتها بنصوص لماركس/ إنجلز و لينين، كانت تنزعها من سياقها، أو كانت تحرِّفها.
و يبدو أن الأستاذ نذير يفعل ذلك أيضاً، بإشارته إلى ماركس/ إنجلز و خصوصاً إلى لينين في كتابه " خطتا الإشتراكية ". حيث أن ماركس/ إنجلز لم يقولا أن الإشتراكية لن تتحقَّق قبل أن يعمّ النظام الرأسمالي " كل أرجاء العالم "، على العكس قالا أنها سوف تتحقّق أوّلاً في البلدان الرأسمالية ( بيان الحزب الشيوعي، ص 65 )، و أن إنتصار الإشتراكية في هذه البلدان سوف يسمح لها بمساعدة الأمم المتخلّفة على التطوّر و الإنتقال إلى الإشتراكية. لهذا فإن التعميم الذي يطلقه نذير يُحرِّف تصوّر ماركس/ إنجلز، رغم أنه كان في الأسطر الأولى من " بيانه " يستند إلى فكرة ماركس/ إنجلز هذه، حيث أشار إلى أن الإشتراكية تتحقّق أوّلاً في الولايات المتحدة أو مجموعة السبع.
و لاشكّ في أ، هذه الفكرة قد نوقشت كثيراً، و جرى تجاوزها من قبل قطاعات هامة من ماركسيي العالم منذ لينين، بخلاف ردّة الماركسية السوفييتية التي أعادت إطلاقها و تشرّبها قطاع من ماركسيي العالم هو ذاك الذي كان ملحقاً بالإتحاد السوفييتي. كما بات واضحاً أن إحتمالات تحقّق الإشتراكية في الأمم الرأسمالية هو أضعف كثيراً منه في الأمم المخلَّفة، لأن التكوين الطبقي المتشكِّل و القائم على غلبة الفئات الوسطى لا يطرح على نفسه هذه المهمة، بل يطرح مهمة تحسين ظروف العيش في إطار النمط الرأسمالي، و كانت هيمنة الرأسمالية على العالم هي السبب في هذه الوضعية.
و إذا كان لينين هو المتَّهم بحرف مسار التاريخ، و قطع طريق التطوّر الرأسمالي، فها أن نذير يستند إليه لتأكيد فكرة معاكسة تماماً، رغم أنه من متّهميه ( أنظر كتابه " هل كانت ثورة أكتوبر ثورة إشتراكية؟ " )، تقول بضرورة التطوّر الرأسمالي إستناداً إلى كتابه " خطتا الإشتراكية ". رغم أن هذا الكتاب كان يؤسِّس لرؤية مختلفة للتطوّر، حيث لمس أن البرجوازية الروسية متردِّدة و جبانة و مترابطة مع الإقطاع ( ص 45- 47 )، لهذا فهي لا تريد تحقيق " الثورة الديمقراطية برجوازية الطابع ". ليصل إلى الإستنتاج بأن تحقيق هذه الثورة بات من مهمة الطبقة العاملة ( ص 5- 6 و ص 109 )، و هذا هو الأساس الذي قاد إلى ثورة أكتوبر و طريق روسيا نحو التطوّر. و هي الفكرة التي أسّست تاريخ القرن العشرين، و قسمت الحركة الشيوعية العالمية إلى أحزاب منتصرة أسّست تصوّراتها إنطلاقاً من هذه الفكرة، و أخرى مهزومة ( كما في الوطن العربي ) أسّست تصوّراتها إنطلاقاً من الماركسية السوفييتية التي كانت قد شطبت هذه الفكرة و أعادت إنتاج تصوّرات كاوتسكي/ بليخانوف، و الرؤية الماركسية التقليدية للتطوّر السابقة للينين.
و كان تطوّر الصين " ذات الوتائر التنموية العالية " كما يشير، نتاج الدور الذي لعبه ( و لازال ) الحزب الشيوعي الصيني " في تحقيق " الثورة الديمقراطية "، و بالتالي في تحقيق التطوّر الصناعي. رغم أن نذير يعتقد إلى أنها ستسير في طريق التطوّر الرأسمالي، لكن مع إستمرار الحاجة الماسّة لدور " الدولة المركزية " و قطاع الدولة. أي بعكس التطوّر الرأسمالي " الطبيعي " القائم على حرية السوق. بمعنى أن " التطوّر الرأسمالي " لن يتحقّق إلا في صيغة مخالفة لما تعمّم بإسم الماركسية، حيث تلعب البرجوازية دورها " التاريخي " في تحقيق الثورة الديمقراطية البرجوازية.
إن فهم فكرة لينين حول تحقيق الطبقة العاملة لثورة ديمقراطية " برجوازية الطابع " مهم هنا، لأنه يعني أن يتحقّق التطوّر المجتمعي المتمثّل في بناء الصناعة و تحديث الزراعة و بناء الدولة/ الأمة و العلمنة و الحداثة ( أي كل ما حقّقته البرجوازية في أوروبا و أميركا و اليابان )، فقط عبر الدور الذي يمكن أن تلعبه الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء في إطار تحالف واسع مع الفئات الوسطى الريفية و المدينية، و ليس عبر دور البرجوازية التي باتت أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة. حيث أنها باتت تتكيّف مع رأسمالية المراكز و تعمل كمكمّل و تابع لها. و هذا موضوع يحتاج إلى بحث و ليس إلى تكرار أوهام حول دور البرجوازية دون دراسة و دراية. و هناك دراسات عديدة حول ذلك توضّح أن البرجوازية لا تميل إلى تحقيق المهمات التي إرتبطت بها، و لا تسعى إلى تحويل رأسمالها المتراكم بفعل النشاط التجاري إلى النشاط الصناعي.
لهذا فإن التأكيد على " أن النظام الرأسمالي قدر مقدَّر لكل البلدان في مختلف أرجاء العالم " يبدو مفارقاً للحقيقة. فلاشكّ في أن هذا النظام هو خطوة تقدّمية هائلة، كما يشير نذير، لكن في تأكيد ذلك حلٌّ لفظيٌّ أكثر منه إجابة على سؤال، لأنه يخلط بين ما حقّقته البرجوازية في أوروبا و أميركا و اليابان، و بين دور البرجوازية ذاتها فيما تحقّق. أي أنه يخلط بين المهمات المتحقِّقة و الطبقة التي عملت على تحقيقها في لحظة معيّنة. و هو يجمع بينها تحت تعبير " النظام الرأسمالي ". و لاشكّ في أن التطوّر الصناعي و الحداثي الذي نشأ مع الرأسمالية هو خطوة تقدميّة هائلة، قامت بها البرجوازية في تلك الأمم. و هو أيضاً خطوة تقدّمية هائلة في كل الأمم المخلّفة. لكن السؤال هنا هو : مَنْ يحقِّق هذه الخطوة التقدمية الهائلة؟
الخلاف مع نذير نابع من أنه يربط تحقيق هذه الخطوة التقدمية الهائلة بالبرجوازية ( كما حدث في أوروبا و أميركا و اليابان ). لهذا فهو يرفض " قطع الطريق " الذي أحدثته ثورة أكتوبر، و بالتالي يرفض تكرار قطع الطريق هذا في كل أرجاء العالم، و يعتبر بأن " النظام الرأسمالي قدر مقدّر ".
و إذا كنت أعتقد بأن الإشتراكية ليست هدفاً راهناً لا في الأمم المخلّفة و لا في الأمم الرأسمالية، و أن الهدف الأساسي الآن هو تحقيق المهمات الديمقراطية المشار إليها أعلاه، يكون المطلوب هنا هو تحديد مَنْ هي الطبقة التي يمكنها أن تحقِّقها؟ و بالتالي يتحدَّد الخلاف في دور البرجوازية و في إمكانياتها، و أصلاً في ميلها لتحقيق هذه المهمات.
هل تستطيع البرجوازية تحقيق هذه المهمات؟ و ما هو تكوين البرجوازية القائمة بالفعل، و ليس البرجوازية المتخيّلة؟ هذه أسئلة يهرب الأيديولوجي من الإجابة عليها، لهذا لا يميل إلى البحث في الواقع و في تحديد طبيعة الرأسمالية و آليات إشتغالها، و مجال توظيف الكتلة الرئيسية لرأس المال، و أسباب الهروب من التوظيف في القطاع الصناعي، و علاقة كل ذلك بالنمط الرأسمالي العالمي.
ما يبدو في الواقع هو أن كتلة رأس المال في الأمم المخلّفة تعمل في مجالات لا تشكّل تحدّياً للآليات التي تفرضها الرأسمالية في المراكز، و لا تقود إلى التنافس. و يتعلّق الأمر هنا في إنتاج السلع بالأساس، لهذا ينشط الرأسمال المحلّي في المجالات المكمّلة لدائرة الإنتاج في المراكز، أي في التجارة و الخدمات و المال. و بالتالي يتكيّف مع السياسات التي ترسمها رأسمالية المراكز، و يقبل النظام الذي تفرضه. فلا يعود معنياً بالتطوّر إلا بالقدر الذي تريده رأسمالية المراكز ذاتها. و هذه الرأسمالية لا تريد للصناعة أن تنتشر في الأرض، لأن ذلك يعني نشوء منافسين جدد و فقدان أسواق جديدة، و منافسة أعلى في الإستحواذ على النفط. الأمر الذي فرض أوّلاً أن يقود التنافس إلى هيمنة شركات قليلة في المراكز ذاتها، و بالتالي سيادة الإحتكار، و من ثَمّ تحوُّل الإحتكار إلى قوّة هائلة قادرة على هزيمة كل محاولات التطوّر المتأخرة، عبر النافسة بالذات أو عبر القوّة إن إقتضى الأمر.
هذا هو أساس التكوين العالمي الراهن، و بالتالي فإن عجز البرجوازية في الأمم المخلّفة هو نتاج هيمنة النمط الرأسمالي على العالم. لنلحظ هنا أن الحديث عن أن ثورة أكتوبر هي التي قطعت طريق التطوّر الرأسمالي ( بمعناه الصناعي ) يكون مضللاً، حيث أن هذه الهيمنة على العالم هي التي قطعت طريق التطوّر الرأسمالي، و مسخت تطوّر كل الأمم الأخرى، و فاقمت التناقضات فيها إلى الحدّ الذي كان يدفع إلى التمرّد و الثورة، و لكن أيضاً البحث عن طريق آخر يقود إلى تحقيق المهمات الديمقراطية. و هذا ما بدأه لينين و أصبح هو أساس كل إنتصارات القرن العشرين، التي توضّح أن هذا الطريق قد نجح فقط في تحقيق المهمات الديمقراطية ( أي ليس في تحقيق الإشتراكية ). فقد باتت روسيا دولة صناعية حديثة، و الصين باتت تتحوّل إلى عملاق صناعي، و كل الدول التي حكمتها أنظمة إشتراكية حقّقت تقدّماً مهماً، عكس الدول التي ظلّت رأسمالية ( أي متكيّفة مع السوق الرأسمالي )، مثل المغرب و تركيا و البرازيل و كل دول أميركا اللاتينية ( و لن أناقش هنا الإستثناء في كوريا الجنوبية و تايوان، و أيضاً الهند ).
القطع إذن، أحدثته الرأسمالية ذاتها، لأنها لم تَعُدْ تسمح بنشوء الصناعة في الأمم المخلّفة، و تميل لإبقائها مجتمعات زراعية، أو مهمّشة تعتمد على تصدير المواد الأوّلية، و تعيش حالة تخلّف و فقر و تهميش، و حيث لا يقود هذا الوضع لنشوء برجوازية تطمح لبناء الصناعة كما لاحظنا للتو. و كل ذلك هو الذي يطرح البحث عن طريق آخر.
لهذا يبدو أن الحلم بأن تحقِّق البرجوازية هذه الخطوة التقدمية الهائلة وهماً ، و لقد قاد الحركة الشيوعية العربية ( و كل الأحزاب الشيوعية التي إلتزمت الماركسية السوفييتية ) إلى الحال التي نشاهدها الآن، حيث التفكّك و التفتّت و الهامشية و الإنعزال. فقد ظلّت تراهن على برجوازيٍّ يحقّق التطوّر المنشود، إلى أن فوجئت بالجيش يغيّر كل المعادلة، و يعدها بتحقيق الإشتراكية، فإلتحقت به، و عاشت وهماً آخر قاد إلى الكارثة. لكن الأخطر هنا هو أن هذا الوهم لازال يتكرّر رهاناً على برجوازية ليست موجودة، في وضع باتت التناقضات فيه تتفجّر و بالتالي تحتاج إلى الحركة السياسية التي تفضي بها إلى إنتصار حقيقيّ، يحقّق المصلحة المجتمعية. و يقطع الطريق على القوى الأصولية من جهة و الفوضى من جهة أخرى.
و إذا كان نذير يرى أن " النظام الرأسمالي الكلاسيكي " يتّجه " نحو بلادنا بسرعة البرق " عبر الإندماج بما يسمّه " الجانب الإيجابي من العولمة "، فهو يختار الفوضى و الدمار و الإفقار و البطالة، التي تنتج كلها عن هذا الجانب الإيجابي من العولمة. حيث أن مجرّد تعميم إقتصاد السوق ( و هو مطلبه ) يعني كل ذلك و أكثر، حيث تنهار الصناعات القائمة و تتدمّر إمكانية بناء الصناعة. الأمر الذي يفرض زيادة الإستيراد و بالتالي النهب الإمبريالي. و هذا الطرح متخلّف عما كانت تطرحه الحركة الشيوعية، لأنه لا يحمل مشروعاً بل يتقبّل المشروع الإمبريالي ( مع عذري لهذا التحديد ).
العالم بات رأسمالياً بمعنى ما، أي بمعنى أن العلاقات الرأسمالية باتت هي المسيطرة في العالم. لكن المشكلة في أن العالم ينقسم إلى أمم صناعية ( و هي الأقلية ) و أخرى مهمّشة ( و هذا وضع أغلبية الأمم ). و هذا الوضع هو الذي يوجد اللاتكافؤ، و النهب ، و إعادة إنتاج التخلّف في الجنوب. و بالتالي منع إنتشار الحداثة و الديمقراطية. و هو الوضع الذي يفرض التمرّد على الرأسمالية و إختيار طريق آخر.
لهذا ألخّص ما أقول بالتالي:
1) أن ما يُطرح هو تكرار لطرح قديم أثبت فشله، على الأقل في الوطن العربي. و وهمية هذا الطرح هي التي قادت إلى دخول الجيش ميدان الصراع الإجتماعي و تحقيق التغيير ، حيث بدا أمام تفاقم الصراع الإجتماعي أن ليس من مشروع لدى الحركة السياسية، و خصوصاً الماركسية، الأمر الذي دفع الجيش الذي كانت قاعدته من الفئات الوسطى و الفقيرة الريفية إلى التغيير معبِّراً عن تلك الفئات، في إطار مشروع يخدم مصالحها، لكنه كان يهدف أولاً إلى تصفية البنية الإقطاعية القديمة و فتح الأفق لتطوّر رأسمالي. لكن تعقيد التطوّر ذاته كونه يتصادم مع النمط الرأسمالي العالمي، و كذلك المصلحة الخاصة التي حكمت الفئات التي باتت هي السلطة، أفشل التطوّر بعد أن كان قد حقّق بعض التقدّم. الأمر الذي يشير إلى أن كل أشكال التطوّر الرأسمالي باتت مستحيلة.
2) إن المسألة لا تتعلّق بالدعوة الأيديولوجية إلى النظام الرأسمالي، بل يجب تحليل الواقع القائم، و تحديد دور الطبقات و ممكنات كلٍّ منها، و تجاوز التمسّك بفكرة عامة دون دراسة الواقع و دراسة إمكانيات هذه الفكرة. لهذا تبدو الفكرة و كأنها تغرق في الطابع الأيديولوجي، لأنها تُطرح بشكل مجرّد، و يجري الإصرار عليها دون إسناد واقعي، ليبدو كحلم لدى فئات يسكنها حبٌّ غامر للرأسمالية بغض النظر عن إمكانيات تحقُّقها، و هذا هو الطابع الأيديولوجي في الموضوع.
3) سنصل إذن، إلى أن مشروع البيان غير الشيوعي الذي يقدّمه الأستاذ نذير، هو في الحقيقة مشروع بيان شيوعي لأنه يكرِّر ما تطرحه الحركة الشيوعية العربية منذ نهاية ثلاثينات القرن العشرين، وفق المبرِّرات ذاتها و وفق الأسس ذاتها، و الهدف ذاته، و كذلك الآليات ذاتها، حيث أن المهمات الديمقراطية تستدعي قيادة البرجوازية من أجل تحقيقها، و أن على الشيوعيين أن يندمجوا في حركة البرجوازية لتحقيق تلك المهمات. و أعتقد أن المطلوب هو بيان " غير شيوعي " حقيقة، بيان ماركسي يوضّح طبيعة الواقع العالمي و آفاق الصراع فيه، و يحدِّد مشكلاتنا الواقعية لكي يكون ممكناً تحديد المهمات الواقعية و كيف يمكن أن تتحقَّق، و أي الطبقات هي المعنية بتحقيقها إلى النهاية.
4) المسألة هنا تتمثّل في أن على الحركة الماركسية أن تفهم أن النمط الرأسمالي العالمي لا يسمح بتحقيق التطوّر الرأسمالي في الأطراف، بسبب كونه يمنع نشوء برجوازية طامحة لتحقيق التطوّر الصناعي، و لهذا كان طابع الفئات البرجوازية المتشكّلة يتمثّل في الغالب في كونها تنشط في التجارة/ الخدمات/ المال، و لا تميل إلى النشاط في القوى المنتجة الزراعية و الصناعية. و بالتالي فإن المهمات الديمقراطية ( التي تسمّى الثورة القومية الديمقراطية ) هي من مهمة هذه الحركة عبر إلتحامها بالطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و تحالفها مع كل الفئات الوسطى الريفية و المدينية المعنية بتحقيق هذه المهمات. و بالتالي يجب ملاحظة الفصل الضروري بين المهمات الديمقراطية و بين الطبقة التي يمكنها أن تحقِّق هذه المهمات، فهذه مسألة منهجية أساسية و إلا ظل الواقع يسير بعفويّته دون دور للعقل البشري، و أيضاً دون أن يتقدَّم إلى الأمام، لأنه لا يخضع للحتمية، و كان دائماً في حاجة للعقل البشري، و هذا ما فعلته البرجوازية الناشئة في أوروبا حينما فرضت التطوّر. لهذا من الضروري وعي كيف يمكن أن تتحقَّق هذه المهمات الآن، و في لحظة تناقض جذري مع مصالح الرأسمالية الإمبريالية. دون القياس على صيرورة نشوئها الأولى في أوروبا، لأنها بنشوئها ذاك قد أصبحت قوّة فِعل أنهت صيرورة التطوّر الرأسمالي " الطبيعي "، و غدت قوّة داخلية في كل الأمم الأخرى حتى دون أن تكون محتلّة. حيث أنها أسَّست عالماً غير متكافئ و محتكر، و أي نشاط في إطار " الحرية الإقتصادية " لن يفعل سوى تعزيز هيمنتها. الأمر الذي يجعل الفعل الإرادي المضاد ضرورة، مستنداً إلى طبقات شعبية مفقرة و مهمّشة واسعة و ثورية، من أجل تحقيق ما تمنع هي تحقيقه، أي التطوّر الصناعي، و بالتالي التحديث المجتمعي.
لهذا يبقى خيار لينين حاضراً، و هو الذي طرحه منذ بداية القرن العشرين مع إكتمال تشكّل النمط الرأسمالي العالمي، أي مع تبلور التكوين العالمي الراهن، حيث يشير إلى " أن مآل الثورة يتوقف على ما يلي: أتقوم الطبقة العاملة بدور المساعد للبرجوازية، مساعد قوي من حيث شدَّة هجومه على الأوتوقراطية، و لكنه عاجز من الوجهة السياسية، أم أنها ستضطلع بدور القائد للثورة الشعبية؟ " ( خطتا الإشتراكية ص 5-6 ). و يجيب " إما أنه يجب علينا أن نقوم بالثورة مع الشعب و نحرز إنتصاراً تاماً على القيصرية، رغم البرجوازية المتذبذبة، الأنانية، الجبانة، و إما أننا لا نقبل بهذا " الرغم "، و نخشى أن " تنصرف " البرجوازية، و إذ ذاك نسلِّم البروليتاريا و الشعب إلى البرجوازية، إلى البرجوازية المتذبذبة، الأنانية، الجبانة " ( ص 109 ).
لقد سلّمت الحركة الشيوعية العربية الشعب للبرجوازية فلم يتحقّق شيء. و دخلت الفئات الوسطى الصراع منتصرة فإلتحقت بها. هل نعود الآن للإلتحاق بالبرجوازية التي لا تحمل مشروعاً سوى مشروع الإلتحاق بالمشروع الإمبريالي؟
يبدو أن الشيوعية لم تشكّل " ذاتاً " فاعلة، مستقلة، و مندفعة للصفوف الأولى. لهذا تسعى هذه " الذات " إلى أن تلتحق بآخر. و هذا هو الأساس الذي يجعلها تطرح مسألة المهمات الديمقراطية في شكل عقيدي، يربطها حتماً بالبرجوازية. المطلوب اليوم هو " ذات " شيوعية فاعلة، مكافحة، تطرح مهمة تحقيق البرنامج الديمقراطي، بالتحالف مع كل الفئات الوسطى المعنية بتحقيق هذا البرنامج. حيث دون هذا الدور ليس من الممكن أن يتحقٌَّق التطوّر، و سيبقى العالم المتخلّف يعيش التهميش و الفقر و النهب، و يعاني الإضطهاد و السحق. إذن دون " ذات " مستقلة فاعلة ليس من الممكن أن تنهض الشيوعية، دون التقدُّم إلى الصفوف الأولى لا حاجة لها، لأنها ساعتئذ سوف تكون هامشاً في مشروع رأسمالي وهميّ . لهذا من الضروري أن يصاغ بيان شيوعي حقيقي.








#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منطق الإستبداد لحظة القرار الأميركي بالتغيير في سوريا
- الماركسية و أفق البديل الإشتراكي: الماركسية في أزمة؟
- مأزق اليسار الديمقراطي و إشكالية الإشتراكية الديمقراطية
- دافوس البحر الميّت
- سياسة أميركا
- ورقة عن الحرب الإمبريالية الصهيونية في المنطقة العربية
- الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن
- مسار الخصخصة في سوريا
- عودة الى الطبقة العاملة
- الحركات الشعبية و دور أميركا
- التغيير التائه بين الداخل و الخارج
- ديمقراطية الطوائف
- أميركا و الأصولية
- منزلقات الأصولية
- الإصلاح ليس ضرورة
- الى الأستاذ حسقيل قوجمان
- نداء إلى كل الماركسيين في الوطن العربي
- غيبوبة السياسة السورية
- بوش في أوروبا، هل يمكن تحقيق التوافق؟
- طبيعة المقاومة العراقية


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - مناقشة - مشروع بيان غير شيوعي