قراءة أولية في مشروع الوثيقة التأسيسية لتحالف الوطنيين الأحرار في سوريا

شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 1236 - 2005 / 6 / 22 - 12:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    

أصدرت الهيئة التأسيسية المؤقتة لتحالف الوطنيين الأحرار في سوريا المؤلفة من السادة: الأستاذ سمير نشار تجارة عامة، الأستاذ نادر جمال جركس أعمال حرة، الدكتور طلال كيالي طبيب، الدكتور فارس ايغو طبيب، المهندس صلاح حموية تجارة بناء، الأستاذ مصطفى جابري مزارع، الأستاذ حسين إبراهيم باشا صناعي، بياناً أطلقت عليه اسم مشروع الوثيقة التأسيسية لتحالف الوطنيين الأحرار، وذلك بتاريخ 10/6/2005 في مدينة حلب. واختتم البيان بالقول: إنّه "مشروع تأسيسي قابل للمناقشة والتعديل والتطوير من قبل الذين يرون بالنهج الليبرالي بكل أشكاله طريقاً لحل أزمة المجتمع السوري وبناء الدولة السورية الديموقراطية دولة قوانين ومؤسسات - دولة لجميع المواطنين السوريين". وفي هذا السياق أرى مفيداً تبيان الملاحظات الأولية التالية، في موضوع البيان ـ مشروع الوثيقة ـ والذي سنسميه اختصاراً الوثيقة:
• الوطن يتسع لجميع الآراء والفعاليات والقوى البناءة، بل ويحتاجها...
• لا بد من تقدير جهود اللجنة التأسيسية، وغيرتها على معالجة هموم، وقضايا الوطن بروح وطنية شجاعة ومسؤولية.
• من المفيد والضروري أن يكون مشروع أية وثيقة، تهدف لمعالجة قضايا الوطن، مطروحاً للنقاش العام من قبل أبناء الوطن جميعاً مهما اختلفت مشاربهم الفكرية ووجهات نظرهم، وليس حكراً على فئة محددة، كما جاء في مشروع الوثيقة أعلاه..
• جاء في مقدمة الوثيقة "أخذت القوى الوطنية (الليبرالية) السورية على اختلاف تكويناتها الاجتماعية ومناطقها, بقيادة ملاك الأراضي والطبقة البرجوازية والفئات المتنورة من الشعب على عاتقها مهمة مقارعة الاستعمار الفرنسي من أجل الاستقلال والجلاء". أعتقد أنّ هذه الفقرة تحتاج إلى تدقيق؛ فهي تعيدنا إلى المفاهيم المنادية بقداسة بعض الطبقات، وأفضليتها على الأخرى.. ويحل هنا (ملاك الأراضي والطبقة البرجوازية والفئات المتنورة) محل (جماهير الشعب) في (صناعة التاريخ)... لقد ساهم جميع أبناء الشعب السوري في مقارعة الاستعمار من أجل الاستقلال، ولا يمكن تجاهل نضال بعض (وليس كل) ملاك الأراضي وبعض أبناء الطبقة البرجوازية للاستعمار، والتفاف أبناء الشعب من عمال وفلاحين حولهم، والملاك وحدهم لا يستطيعون تحقيق أهدافهم لولا جهود أبناء المجتمع والشعب كافة... وفي نفس لا يمكن تجاهل مسألة وقوف بعض ملاك الأراضي وبعض أبناء الطبقة البرجوازية إلى جانب المحتل الفرنسي الذي جند أيضاً عناصر من أبناء الشعب في خدمته... تقتضي النظرة الموضوعية تعديل الفقرة أعلاه لتعكس حقيقة أنّ مختلف أبناء الشعب من مختلف الطبقات والفئات وقفت في وجه الاستعمار، وناضلت في سبيل الجلاء والاستقلال، وتم تدشين ذلك النضال في معركة ميسلون، التي قادها واستشهد فيها وزير الدفاع يوسف العظمة، مع جنود الوطن الأشاوس.
• لما كانت الوثيقة تحاول تسليط الضوء على بعض مظاهر الحياة الليبرالية والبرلمانية في سوريا، فمن المفيد التذكير بتدشين أول برلمان في سوريا ألا وهو المؤتمر السوري العام الذي عقد في 7 حزيران 1919، حيث اجتمع المجلس الذي يمثل الشعب في دمشق برئاسة محمد فوزي العظم، والد رئيس وزراء سوريا الأسبق الوطني الأحمر المعروف خالد العظم. واعتمد المؤتمر السوري المنعقد في شهري حزيران ـ تموز عام 1920 أول دستور سوري في العصر الحديث... وعند الحديث عن الرموز الوطنية الكبيرة التي ظهرت في مرحلة مقارعة الاستعمار مثل إبراهيم هنانو ـ شكري القوتلي ـ سعد الله الجابري ـ هاشم الأتاسي و خالد العظم، من المفيد عدم نسيان: فارس الخوري، خليل مردم بك، الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وقادة الثورة السورية ومنهم: سلطان باشا الأطرش، الشيخ صالح العلي، حسن الخراط، محمد الأشمر... والسعي لكي تكون اللوحة الوطنية كاملة متكاملة...
• الوثيقة محقة في حديثها عن ظهور أجنة مؤسسات المجتمع المدني في سوريا بعد الاستقلال، وأن تلك "المرحلة اتسمت بنوع و شكل من أشكال الحياة الليبرالية ميزت المجتمع السوري من خلال توافر التعددية السياسية وتداول السلطة واحترام الرأي الآخر ومشاركته, وفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية, وسط هذا المناخ من الحرية نشطت الحركة الثقافية و بدأ يتشكل وعياً سياسياً ديموقراطياً" ... ومن مظاهر ذلك الوعي تأثر جميع القوى والأحزاب بهذا الوعي، بما في ذلك الأحزاب والقوى الراديكالية كالبعثيين والشيوعيين الذين، أخذوا يدعون إلى الحياة البرلمانية التعددية ويشاركون فيها... كما ترك ذلك أثراً إيجابياً على وعي وممارسة جماعة الإخوان المسلمين، وظهر ذلك جلياً في موقف زعيمهم الشيخ مصطفى السباعي عند صياغة الدستور، وفي علاقة الصحافة والصحفيين الديموقراطية فيما بينها، على الرغم من اختلاف التيارات السياسية التي تمثلها، وتنطق باسمها... كما أنّ الوثيقة محقة في التنويه إلى أنّ (هناك ميراث ليبرالي تآكل بفعل الحكم الشمولي). وأنّه في طور النمو الليبرالي المتزايد كان هناك معوقات عطلت المسار الديموقراطي (انقلابات عسكرية) كما لم تتوفر معايير ديموقراطية دقيقة وشفافة ... إلاّ أنّ الحقيقة التاريخية تبين أنّ إلغاء الحياة السياسية في سوريا بدأ مع الوحدة الاندماجية مع مصر في عام 1958 وتكرس ذلك الإلغاء بدءاً من 8/3/1963 ... "وتهجير كافة القوى السياسية الليبرالية من الساحة السياسية، وحتى من الوطن أيضاً، حين أُسس للمشروعية الثورية على حساب المشروعية الدستورية..." كما أنّ الوثيقة موفقة في التعريف بالمراحل المضيئة من تاريخ سوريا، والتي يسعى بعضهم إلى طمس معالمها... وهي موفقة في التعريف بوجهة نظر معدي الوثيقة حول النظرة الليبرالية المنسجمة مع ظروف وخصوصية المجتمع، واحترام الدين والحريات الدينية والمتدينين، ورفض التزمت والانغلاق، ونظرتهم لبناء دولة القانون الديموقراطية الدستورية التعددية التداولية...
• عند الحديث عن رأي الوطنيين الأحرار القائل بأنّ اعتماد آليات اقتصاد السوق هي الأجدى في تحقيق الازدهار الاقتصادي... مع تدخل الدولة في مجالات التعليم ـ الصحة ـ الخدمات وفي دعم المواد الأساسية وفي الدفاع عن مصالح الفئات المحرومة، وذلك لضمان السلم الاجتماعي، من المفيد التأكيد على ضرورة وجود آليات في اقتصاد السوق، وفي نهج الدولة وقوانينها تسمح في حسن توزيع الثروة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الاحتكار والفساد، وتوسيع مجالات عمل المرأة، وضمان حق العاملين في امتلاك وسائل الدفاع عن حقوقهم، ومنع استغلالهم المجحف، بما فيها حقهم في التظاهر والإضراب السلمي، فضلاً عن ضرورة وجود آلية للضمان الاجتماعي، تكفل حياة إنسانية للعاطلين عن العمل والمتقاعدين...الخ
• مع التأكيد على احترام حق الملكية من الضروري التأكيد على عدم احترام الملكية القائمة على الغش والفساد والجريمة، وضرورة محاسبة أصحاب الملكيات القائمة على الاحتكار غير القانوني وغير المشروع، والملكيات الفاسدة القائمة على الأعمال غير الشرعية، وسوء استخدام السلطة والمنصب وخاصة استغلال أبناء وأقارب المسؤولين لمناصبهم للحصول على الملكيات غير المشروعة، ومن المفيد الدعوة إلى عودة أو إعادة الرساميل المهربة خارج البلاد والمقدرة بعشرات المليارات من الدولارات، ومنع استمرار تدفقها غير المشروع من خارج العملية الاقتصادية إلى خارج البلاد... كما أنّه من الضروري إعادة صياغة الفقرة التي تنادي بالسعي "إلى إعادة النظر في القوانين التي صادرت أملاك المواطنين السوريين من خلال قوانين التأميم والإصلاح الزراعي..." لما لهذه القضية من آثار اجتماعية كبيرة، ومن الأفضل الدعوة إلى معالجة الآثار السلبية الناجمة عن تلك القوانين، بما يضمن العدالة الاجتماعية، وإحقاق الحقوق، وعدم إثارة التوتر الاجتماعي والطبقي...
• الوثيقة محقة في الدعوة لاستعادة الجولان، والتمسك بالحقوق الوطنية والتعاون المشترك مع الدول العربية نحو أوسع الآفاق الوحدوية المبنية على أسس ديموقراطية سليمة، واحترام القوانين والمواثيق الدولية... ومن المفيد التأكيد على مساندة الشعب العربي الفلسطيني في نيل حقوقه المنصوص عنها في القرارات الدولية في إقامة دولته المستقلة، ومعالجة مأساة اللاجئين الفلسطينيين، وتحرير كافة الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل في عدوان 1967... ومن الملفت أنّ أغلب المنتديات والتحالفات التي تتشكل في مختلف المدن السورية لا تذكر في بياناتها، وفي مشاريع وثائقها التأسيسية، القضية الفلسطينية، وهذا أمر يحتاج إلى بحث جدي، ففضلاً عن وجود مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، تترك قضية الشعب العربي الفلسطيني أثرها على مجمل مناحي حياتنا شئنا أم أبينا، بل تترك أثرها على التطور العالمي.. ومن الضروري أن تبقى في ضمير المناضلين في سبيل الحرية والديموقراطية... كما أنّه من الضروري التأكيد على مساندة الشعب العراقي في بناء دولته الديموقراطية الموحدة والمستقلة، وإنهاء الاحتلال، وفق الطرق الشرعية التي يختارها الشعب العراقي وحكومته المنتخبة ديموقراطياً...
• إن تحالف الوطنيين الأحرار في سوريا موفق في دعوته للالتزام "بالعمل السلمي ـ العلني ـ القانوني ـ الشفاف".. ومن الضروري تعديل الجملة التي تقول: "على ضوء ما تتخذه السلطة السياسية من قوانين تسمح بممارسة العمل السياسي على الصعيد الوطني." إلى: وفق الأسس القانونية الديموقراطية الدستورية الشرعية... فهذه الصيغة تتيح للتحالف إبداء رأيه في القوانين التي قد تتخذها السلطات، كما أنّها تتيح له العمل على الدعوة لتعديلها وتحسينها وتطويرها إن أتت ناقصة أو مجحفة، وليس "البصم عليها بالعشرة" قبل صدورها...
• من الملفت أنّ هذه الوثيقة صدرت في حلب، ويبدو أنّ أعضاءها من حلب، ونرى مفيداً الاتصال بجميع المهتمين بهذا الشأن من باقي المحافظات كي يكون المشروع وطنياً عاماً وليس مناطقياً... ويمكن الدعوة لاجتماع وطني عام لمناقشة هذه الأفكار، اجتماع لا يقتصر فقط على من يحمل الفكر الليبرالي وحدهم، بل من المفيد والضروري مشاركة شخصيات من اتجاهات متنوعة لاغناء الوثيقة، كما أنني أقترح تسمية التحالف بـ : تحالف الوطنيين الديموقراطيين الأحرار في سوريا، لأنّ الديموقراطية تحمل بعداً اجتماعياً وسياسياً وطننا ومجتمعنا بأمس الحاجة إليه..
تحية إلى الهيئة التأسيسية لـ "تحالف الوطنيين الديموقراطيين الأحرار في سوريا" على جهودهم وغيرتهم الوطنية، مع التمنيات الصادقة في التوفيق والنجاح لما فيه صالح مجتمعنا وشعبنا ووطننا الحبيب.
طرطوس 15/6/2005 المهندس: شاهر أحمد نصر

#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات