أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - صبحي حديدي - في مديح التباطؤ














المزيد.....

في مديح التباطؤ


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يُنسب إلى الرئيس السوري بشار الأسد أنه، في خطبته المطوّلة التي اختتمت المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، قال ما معناه: خيرٌ لنا أن نسير كالسلحفاة في الطريق الصحيح، من أن نقفز كالأرنب في الطريق الخاطىء. وقد يصعب على المرء أن يفهم السبب في المفاضلة بين هاتين السرعتين تحديداً (إذْ ما الذي يمنع من العثور على سرعة ثالثة في الطريق الصحيح؟)، سوى أنّ الأسد كان في نهاية المطاف يتكيء على ثقافة كونية عريقة تمتدح التأنّي وتذمّ الاستعجال. وقد يصحّ القول إنّ للعرب باعاً أطول بعض الشيء في تنمية هذه الثقافة، لأسباب ليس هنا المقام المناسب لاستعراضها. والمرء يتذكّر الأمثال الشهيرة: «مَن تأنّى أدرك ما تمنّى»، أو: «في التأنّي السلامة وفي العجلة الندامة»، أو «العجلة فرصة العَجَزة»...
والحال أنه تتوفّر اليوم حركة، وليس مجرّد عادات أو مأثورات ثقافية، تناهض العجلة والاستعجال والسرعة، وتدعو إلى التأنّي والتمهّل والتباطؤ، أخذت تنتشر في الغرب والدول المصنّعة المتقدّمة إجمالاً، حيث تكون سمة الزمان هي «عصر السرعة». هذا بالطبع لا يعني أنّ للحركة مقرّاتها وفروعها وقياداتها، على غرار الحركات العالمية البيئية، أو المناهضة للعولمة، أو الداعية إلى تقسيم أكثر عدلاً للثروات، وما إليها. غير أنّ اتساع نطاق موضوعاتها، وتكاثر المراكز المعبّرة عن أفكارها الأساسية، والتسهيلات الواسعة التي توفّرها شبكة الإنترنيت في الإتصال والتواصل، تبرّر إطلاق صفة «الحركة» على مختلف هذه التيّارات المناهضة للسرعة.
هنالك «نادي الكسل» في اليابان، و«الجمعية الأوروبية لإبطاء الزمن»، وتحالف «إستردّ وقتك» في أمريكا، و«نادي الجنس البطيء» في بريطانيا، وحتى «كرنفال البطء» في أوستراليا. وهنالك ما يشبه التخصّص أيضاً، مثل جمعية «الطعام البطيء» الإيطالية التي تدعوا إلى «إحياء فكرة متمدّنة تقول إنّ ما نأكله ينبغي أن يكون جيّد الإعداد، يُطبخ بعناية فائقة، ويؤكل بأناة وتمهّل وتلذّذ». وهذه الجمعية أصدرت بيان تأسيس، مانيفستو، يوجز الفلسفة بأسرها: «إنّ عصرنا، الذي بدأ وتطوّر تحت شارة الحضارة الصناعية، اخترع الآلة أوّلاً ثمّ اعتبرها بعدئذ نموذج حياة. نحن عبيد السرعة، وقد سقطنا صرعى الفيروس الخبيث ذاته: الحياة السريعة، التي تقوّض عاداتنا، وتخترق خصوصيّات بيوتنا، وتجبرنا على التهام الطعام السريع».
على صعيد المؤلفات، صدر في الآونة الأخيرة كتاب طريف للغاية، لكنه جادّ ولافت تماماً في الآن ذاته، للبريطاني كارل أونوريه، بعنوان «في مديح التباطؤ: كيف تقوم حركة عالمية بتحدّي عبادة السرعة»، سرعان ما تُرجم إلى الفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية والهولندية واليابانية والصربو ـ كرواتية والكورية والصينية والعبرية، وصدرت طبعاته الإنكليزية في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. وهو يقع في 310 صفحات، حافلة بمعلومات وآراء وحكايات واقتباسات، فكرية وفلسفية وأدبية وتاريخية وعلمية، تبرّر على هذا النحو أو ذاك مبدأ الكتاب: مديح التأنّي والتمهّل والبطء والتباطؤ!
وفصول الكتاب العشر تضع محاسن التباطؤ في حال من الموازنة المقارنة مع مساوىء السرعة، في ظواهر الحياة اليومية في البيت والشارع والعمل والإجازة والفراش، وتخلص إلى نصح القارىء باعتماد القاعدة البسيطة التالية: «كُنْ سريعاً حين يكون للسرعة معنى، وكُن بطيئاً حين تقتضي الحال أن تتمهّل. إبحثْ عن العيش على غرار ما يسمّيه الموسيقيون السرعة المناسبة Tempo giusto». لكن المؤلف يحذّرنا من مغبّة عبادة السرعة بذريعة أنّ مَن يحيا بإيقاع حياة سريع هو وحده العصري المتمدّن المدرك لقيمة الوقت. إننا نخلط بين الأجندة الحافلة والحياة الحافلة، يقول أونوريه، ومن السهل أن نقنع أنفسنا بأنّ رجلاً كثير الأشغال لا بدّ أن يكون شخصاً هاماً للغاية.
قبل هذا الكتاب كان جون دي غراف، المنسّق الأمريكي لتحالف «إستردّ وقتك»، قد حرّر كتاباً ضخماً حمل اسم التحالف ذاته، وكتب مقالة مثيرة بعنوان «وقت للخبز ووقت للورد»، ناقش فيها رمزَي/ قطبَي الحياة اليومية: الخبز دلالة الرزق والعمل، والورد دلالة الاستمتاع بمباهج الحياة. وأبدى دي غراف أسفه لأنّ تفسير البعض الرديء لمعنى الوقت والسرعة جعل التركيز أشدّ على طراز من الرفاهية تختصره إضافة الزبدة إلى الخبز، فكان أن تُركت الزهور تذبل تماماً...
وفي الحصيلة كان مسعى دي غراف، مثل أونوريه وعشرات الجمعيات التي تمتدح التباطؤ، هو البحث عن التوازن السليم بين أقصَيَيْ الإيقاع. وهذا يعيدني إلى بشار الأسد، وغياب التوازن بسبب إغلاق أفق الإصلاحات على سرعتَين لا ثالثة لهما: زحف السلاحف أو قفز الأرانب. ولكن... ما المشكلة في اعتماد إيقاع الحمام مثلاً، الذي امتدح مشيته إبن حزم الأندلسي: كأنما مشيها مشي الحمامة، لا كدّ يُعاب ولا بطء به باس؟ أو ربما ذلك التوازن الذي قال به أحمد فارس الشدياق: فالذي به بطء، كالذي به عجل؟
أم أنّ الإصلاح الذي يريده الرئيس السوري من نوع يأتي ولا يأتي: أبطأ من غراب نوح، كما تقول العرب؟





#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الأب إلى الإبن: جورج بوش وسياق العراق
- رؤساء المخافر
- هشام بختيار: مجرم حرب عضو في القيادة القطرية
- تقاعد خدّام: استباق العاصفة أم التباكي على السياسة؟
- تأتأة عن الماغوط
- اغتيال سمير قصير: الوحش الأمني حيّ يسعى ويؤدّب ويقتل
- ماركسية عصرنا: أداة تحرير ومقاومة
- نبوءة ماركس والأشباح العائدة
- إسكندرية كافافيس
- الدستور الأوروبي الموحد وانحطاط الحلم إلى ردّة
- وما أدراك ما القراءة
- سورية والجوهري هذه الأيام: عود القمع على بدء الاستبداد
- مواطَنة فخمة
- السعودية: عنف يتفاقم، مأزق يستحكم، ونظام يتآكل
- تحية إلى المؤتمر السادس لحزب الشعب الديمقراطي السوري
- من طروادة إلى بغداد
- بلير والولاية الثالثة: الناخب أعطى، وثاتشر أخذت
- أبقار نووية
- بشار الأسد بعد الإنسحاب من لبنان: اختبار النار؟
- العراقي الطائر


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - صبحي حديدي - في مديح التباطؤ