أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:















المزيد.....



براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4343 - 2014 / 1 / 23 - 08:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:
تابع لتعليقنا على موضوع: آية السيف تصنع التاريخ وتنشر الإسلام:

تكذيب الإفتراءات المغرضة بالأدلة الدامغة والبراهين:
الرد على سعد الله خليل
بالحوار المتمدن-العدد: 1266 - 2005 / 7 / 25 - 07:21

• جزء 1: حوارٌ مباشرٌ ومُفَصَّلٌ مع سورة التوبة نفسها.
• √-;- جزء 2: تكذيب الإفتراءات المغرضة بالأدلة الدامغة والبراهين.
• جزء 3: تفنيد الآيات المُدَّعَىْ عليها بأنها نُسِخُت بآيةِ/آياتِ السيف المزعومة.

لقد وقفنا في الجزء الأول من هذا الموضوع على حقيقة ما تناولته سورة التوبة من خلال حوار مباشر معها لعله من خلال واحد وثلاثين آية خلت،، قد أثبت براءتها تماماً من تهمة السيف التي إلصقت بها جهلاً من بعض المسلمين الذين نصبوا أنفسهم "علماء على الأمة"، أو قلدهم هذه المرتبة البعض الآخر مِمَّنْ هم أجهل منهم ، بل وأغدقوا عليهم قدسية وحصانة غير مبررة، فكانت كتبهم وأفكارهم وإجتهاداتهم "سداً منيعاً" يحول بين المسلمين ومصادرهم الأصلية التي هي "كتاب الله الكريم" وما صح من "سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم". ومن جهة أخرى فطن أعداء الإسلام والأمة من كفارة ومشركي أهل الكتاب وغيرهم من فسقوا عن أمر الله، إلى هذه الثغرة التي أوجدها هؤلاء الجهلاء فإنقضوا "بخبثهم ولئمهم وشؤمهم" على الإسلام وكتابه الكريم يلغون فيه ويشككوا في إحكامه لأنه الشاهد الوحيد عليهم وعلى ما قاموا به من تحريف لكتب الله السماوية العظيمة (التوراة والإنجيل). وفضح سلوكياتهم مع أتْبَاعِهِمْ بإستغلالهم الظالم، وبالتأله عليهم والإستخفاف بعقولهم وتشويه وجدانهم.
وفي هذا الجزء – ومن خلال سورة براءة – سنقف معاً على الحقيقة كاملةً ومفصلة تفصيلاً دقيقاً معجزاً من الخالق سبحانه وتعالى. ولنبدأ في تحديد أصل المشكلة التي أوجدها أهل الكتاب في خلافهم المصطنع مع الإسلام والقرآن الكريم مع انه مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل.
لابد أنَّ القاريء قد أشكل عليه تركيزنا في الجزء الأول من تعليقنا هذا على مكة المكرمة "حصرياً"، علماً بأن السورة مدنية، وأن أغلب أحداثها وقعت في المدينة المنورة إلا أننا عمدنا إلى ذلك "قصداً"، للفت إنتباه القراء إلى أن خصوصية مكة والبيت الحرام من جهة والتشريعات الخاصة التي إختصت بها هذه السورة الكريمة من جهة أخرى خاصةً مسألة تصنيف المشركين بأنهم "نجس" وتحريم المسجد الحرام عليهم ولا حتى مجرد الإقتراب منه، جعلنا نركز عليها "تخصيصاً" حتى لا تضعف المقاصد بتشتيت الإنتباه، ولكن في هذا الجزء الثاني سنراعي مكان نزولها على النبي بالمدينة خاصة وأن باقي الآيات تتحدث عن تفاصيل المجتمع بالديار الإسلامية والمجتمع المسلم بالمدينة وغيرها، وقد ركزت السورة كثيراً على المنافقين والمنافقات الذين كفروا بعد إيمانهم. ثم التعرض للذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ومواقفهم من الإسلام والمسلمين، ومكائدهم المتنوعة، وكيفية التعامل معهم بعد تصنيفهم في الأيات السابقة من هذه السورة الكريمة التي عرضناها في الجزء الأول. ونبدأ هذا الجزء فنقول وبالله التوفيق:

لماذا لم تبدأ سورة التوبة بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم)؟
قد يتوهم البعض بأن هذه السورة الكريمة ليست سورة قائمة بذاتها وإنما هي جزء مكمل لسورة أخرى، أو قد يتوهم بأن البسملة قد سقطت سهواً، أو قد يشطح فيدعي أنها "ملغية"،،، الى آخر هذه التوهمات والإدعاءات دون أدنى بينة أو دليل سوى القيل والقال من عبدة البشر والحجر والشر.
بالنظر إلى سور القرآن الكريم كلها نجد أن المتحدث هو الله تعالى دون سواه أو معه غيره، فمثلاً عندما يقول تعالى: (قل هو الله أحد ...), لا يستطيع أحد أن يغير قوله تعالى، مع أنه يأمره كعبد بأن يقول عنه ( إنَّه هو الله أحد) ولكنه لا يستطيع أن يطيع الأمر بدون ذكر فعل الأمر الوارد في القول صراحةً، تماماً كما قاله الله تعالى، وبالتالي فإن نسبة القول إلى الله تعالى تقتضي ذكر البسملة قبله كما هو الحال مع 113 سورة بالقرآن.
أما سورة التوبة، نحسبها أنها شذت عن هذه القاعدة، فلو أنَّ الآية بدأت بقوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ ...) فقط دون عطف "رسوله" إليه، لأستوت مع باقي السور الأخرى وبالتالي لإقتضت بالضرورة ورود "البسلمة" قبلها، ولكن السورة بدأت "بعطف رسوله إليه سبحانه": حيث قال: (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ – وَ- رَسُولِهِ ...), فلعل هذا العطف هو الذي حال دون إفتتاح السورة "بالبسملة"،،، نحسب ذلك كذلك "تدبراً"، والله تعالى أعلم بمراده.
لاحظنا أن البعض يخلط الأوراق إما جهلاً وتجهلاً وإما خبثاً وتخابثاً، فكما هو واضح أننا في الجزء الأول قد ناقشنا السورة نفسها دون أن نزايد فيها، ولم نقصد بالطبع أن نزيد السورة إيضاحاً "لا سمح الله"، أو أن نزيل بها غموضاً، فالقرآن الكريم يستغنى عن كل ذلك بنفسه، فهو يشهد بصدق منزله سبحانه بأنه قرآن أحكم آياته ثم فصلها، ويسرها للذكر، فَمِمَّا فقاله عنه:
1. في سورة يوسف: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ 1)، (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 2)،
2. وفي الزمر: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰ-;-ذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 28)، (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 28)،
3. وفي سورة طه: (وَكَذَٰ-;-لِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا 113)،
4. وفي سورة الكهف: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ-;- عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا 1)، (قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا 2)،
5. وفي سورة النحل: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰ-;-ذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ 103)،
6. وفي سورة الزخرف: ("حم 1"، " وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ 2"، " إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 3")،
7. وفي سورة الإسراء: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا 12)، (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا 105)، (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ-;- مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا 106)،
8. وفي سورة الأعراف: (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ-;- عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 52)،
9. وفي سورة هود: (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 1)، (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ 2)،
10. وفي سورة القمر: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 17).
وعلى الرغم من كل هذا البيان والوضوح والإحكام والتفصيل، نجد المغرضين والمتربصين يحاولون جاهدين أن يضللوا الناس بأوهامهم وأكاذيبهم وتحريفهم ولكن الله لهم بالمرصاد، فهو متم نوره ولو كره الكافرون. وما دام أننا قد تدبرنا آيات هذه السورة الكريمة وتتبعنا روعة إحكام آياتها ودقة تفصيلها، فلا شك بأن هذا العمل سيهدم صرحاً من الإفك قام به أصحابه المتربصون لهذا الدين الذي جاء محطماً لأحلامهم ومسفهاً لمعتقداتهم الباطلة التي عكفوا عليها دهوراً يزينون للناس ما زينه لهم الشيطان ليضلوا عن سبيل الله، وبالتالي فمن البديهي أن يتصدى هؤلاء لكل شيء يصف في خانة الحق ولكن هيهات. فمن كان لسانه عربياً وكتب له الله الهداية إهتدى ومن أضله الله تعالى على علم فلن تجد له ولياً مرشداً.

لماذا يَتَزَعَّمُ الأحبار والرهبان مناهضة الإسلام ومحاربته بهذه الشراسة؟
إن أردت أن تجاوب على هذا السؤال بإختصار، فعليك أن تجاوب على سؤال آخر يقول:
"لماذا سميت سورة التوبة بالفاضحة؟؟؟"، وغيرها من الأسماء الأخرى التي تميزت بها من دون باقي سور القرآن. فإن الجواب هنا سيكون جواباً مباشراً للسؤال الأول. على أية حال، دعنا نرى بعضاً من اسباب هذا العدوان المبرر من جانبهم في التفصيل الرباني الدقيق بهذه السورة الكريمة، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل توقع سلوكاً غير هذا العدوان ما داموا على موقفهم المعادي للحق والحقيقة وعدم مراجعة النفس وتحري المصداقية معها، وذلك بالطبع لأسباب كثيرة منطقية،، منها:
أولاً، إن وجود القرآن الكريم بهذا الوضوح وهذه الجرأة والدقة والتفصيل المحير في كشف أسرار كثيرة ظلت حبيسة الصدور لآلاف السنين قبل بزوغ نور الله تعالى بالإسلام، الذي سطع على هذه المخابئ الخبيثة الماكرة فكشف ما بداخل عتمتها وسوادها دون أن يضيئها لذاتها، فَجَنَّ جُنُوْنُ أصحابها المتكبرين المتغطرسين المتعالين على غيرهم من البشر، الذين قالوا نحن أبناء الله وأحباءه، فأذهب عنهم حلمهم وكشف غطاءهم وعرَّاهُم أمام الناس على مر الأزمنة والعصور والحقب. فقرروا أن لا يهدأ لهم بال أو يهادنوا هذا الإسلام بصفة عامة، والقرآن بصفة خاصة، بل وسورة براءة "الفاضحة"، بصفة أخص، وعلى ذلك الخط الإستراتيجي بدأوها بحرب شعواء سُخِّرَتْ لها كل الإمكانيات المادية والمعنوية والفكرية وإقيمت من أجلها الندوات والمؤتمرات والورش، بل كثير من المدارس والجامعات والكليات والمعاهد اللاهوتية المتخصصة لهذه الغاية، ويوازيها الجانب العسكري الإستئصالي الضارب، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل، هذا بالإضافة إلى المكائد والحصارات الديبلوماسية والسياسية والإقتصادية والعسكرية، لإيجاد مخرجٍ من وَقْعِ هذا النور الساطع الذي فضح سترهم وعَرَّاهُمْ أمام أنفسهم وأمام الخلق كله على مر العصور وتداوُلِ وتعاقُبِ الأجيالِ، فالله تعالى موضحاً ذلك قال عن هذه الإستراتيجية والمنهجية إنهم: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ...)، لانهم لن يستطيعوا تغيير واقعهم المزمن والغارق في الظلام وهو موثق في كتبهم وفي التاريخ والآثار والوثائق التاريخية الحقيقية, وذلك بالخوض فيه ومحاولة إيجاد أو تلفيق أي ثغرات تشفي غليلهم للتملص والهروب من الحقائق الدامغة التي كشفها ووثقها وأزاع بها وأقام عليها الأدلة والبراهين والحجج، ظناً منهم أن ذلك متاحٌ وميسرٌ كما هو الحال مع التوراة والإنجيل، ولم يقتنعوا أو يقنعوا ويستكينوا بأن هذا الكتاب "معصــــــوم"، لن يستطيع أحد من الخلق كله أن يصل إليه بباطل قط" رغم المحاولات المستميتة ولكن،، ولعل الله قد أراد لهم أن يشقوا باللهث وراء سراب بقيعة ليذوقوا وبال أمرهم. وقد رأينا كيف يشككون في كل شيء له علاقة بهذا الدين وبالقرآن الكريم وبنبيه الخاتم، لكن أنَّا لهم ذلك: (... وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ ..), وقد أتمه سبحانه وقد رأوا بأنفسهم كيف كان ويكون هذا الإباء. فحفظ الله تعالى كتابه بنفسه، فتكسرت رماحهم وطاشت سهامهم دونه، ورُفِعَ ذكر نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فملأ بذكره الآفاق آذآناً وإقامة وصلاة وتسليماً ومدحاً وثناءاً، شاءوا أم أبوا، ومهما كانت النتائج: (... وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ 32). هذا النور حقيقيٌ ماديٌّ مُجَسَّدٌ ودائمٌ, وشُعاعُه ينفذ من الأجسام الصلبة المعتمة فلا تنكسر ولا تنحرف عن هدفها ومراميها، وكتاب مبين، ليس لأحد القدرة على أن يصل إليه بسوء أو باطل، لأن الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ-;- ...)، وحياً من عنده يوحى لخاتم الأنبياء والمرسلين: (... وَدِينِ الْحَقِّ ...)، الذي أضاء آفاق السموات والأرض بنور ربها، ليس عبثاً وإنما: (... لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ...)، قهراً، من لدن آدم وحتى عيسى عليهم السلام (... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ 33)، فليس هذا الدين أنزله الله لإرضاء الأهواء،، وإنما لينير به السموات والأرض والآفاق والقلوب المؤمنة والعقول النيرة، ويغيظ به المشركين والكافرين والمنافقين والملحدين.

ثانياً: إنَّ أول شعاع سطع من هذا النور الإهي، جاء ليكشف كذب وزيف كثير من المدعين الصلاح من الأمم السابقة عبر آلاف السنين، فوضع الله تعالى حداً لهذا الزيف، فخاطب المؤمنين قائلاً لهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...), لا تنخدعوا بالمنظر والمظهر فيغيب عنكم الجوهر فيخفيه الشر: (... إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ ...), من الذين يدعون الأمانة والصدق والكياسة، (... لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ...), لأنهم لا أمانة لهم مع الله تعالى: (... وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ...), كل من آمن أو أراد أن يجعل الإيمان خياره الأول، وكل همهم كنز الزهب والفضة التي يأخذونها من الناس بالباطل دون وجه حق: (... وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ...), حتى لو كانت أموالهم الخالصة التي إكتسبوها بأوجه مشروعة، ولكنهم فضلوا إدخارها وكنزها مع وجود المحتاجين إليها من الفقراء والمساكين والمعوزين،،،: (... وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ...), فإنها لن تكون خيراً لهم ولا مصدرَ سعادةٍ عند الله، لذا! (... فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 34), يستحقونه، وستكون هذه المكنوزات يوم القيامة من أدوات تعذيبهم وإيلامهم بها: (يَوْمَ يُحْمَىٰ-;- عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ...), حتى تصبح ملتهبةً من شدة حَرِّهَا، ولهيبها: (... فَتُكْوَىٰ-;- بِهَا جِبَاهُهُمْ – وَجُنُوبُهُمْ - وَظُهُورُهُمْ ...), فيقال لهم سخريةً وتبكيتاً: (... هَٰ-;-ذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ...), وبخلتم به ولم تتصدقوا منه أو تنفقونه في أوجه الخير: (... فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ 35)، فهذا هو مصير المال المكنوز عند الله تعالى.

لاحظ أن الله تعالى هنا لم يتحدث عن كل أحبار ورهبان أهل الكتاب، بل تحدث عن كثير منهم، (إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ...)، إذاً،، هناك منهم من لا يفعل ذلك بالطبع بل على العكس تماماً، فيجب أن لا تغيب هذه الحقيقة عن البال والخاطر. يقول الله تعالى عنهم في سورة آل عمران: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ...)، لشدة أمانته ومصداقيته، (... وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰ-;-لِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ 75). فالقرآن الكريم يعطي كل ذي حق حقه بالعدل والإنصاف والقسط.
تُرَىْ!!! هل يُعقل أو يُنْتَظَرُ أو يُتَوَقَّعُ أنَّ أحداً من هؤلاء المفضوحين من الأحبار والرهبان – الذين ما زالوا على حالتهم هذه من الخداع والمراوغة – أن يرضى في يوم من الأيام عن دين وقرآن يعمل على كشف خباياه، وخفايا نفسه حيث عرَّاهُ وأقام عليها الحجة ولم يترك لهم ثغرة ينفذون منها أو إمكانية يتحايلون بها على هذا الكتاب "المعصوم"، الذي بعد كل هذا الفضح الفاضح، توعدهم بالعذاب وسوء المصير؟ أليس هذا المفضوح يكون أكبر هم له هو القضاء على هذا الدين والقرآن إن فكر تفكيراً سلبياً وتمادى في ظلم لنفسه؟ إذاً إذا سأل أحد "لماذا يريدون أن يطفئوا نور الله؟" سيكون الجواب المنطقي والبديهي هو لأن نور الله هذا قد جاء بالحق المبين، والحقيقة كاملة فإنكشف سِرٌّ حرصوا على إخفائها لآلاف السنين، وتعطلت مصالحهم وإنكشفت ألاعيبهم التي يأكلون بها أموال الناس بالباطل،،، الخ. ولا أظن أن الثورة عليهم وظاهرة العلمانية وأسبابها بخافية على أحد. ولو إلتزم أهل الكتاب ونظروا إلى هذه الآية لما أضطروا إلى هذه العلمانية بعد الإنقسامات المتتالية بين طوائفهم والمظالم التي خرج عليها الناس وتصدوا لها وناهضوها.

لماذا قال الله تعالى هنا في هذه السورة "إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً"؟
يستخدم الناس عنصري الزمن والتاريخ في حياتهم وفي كل نشاطاتهم وحركتهم في الماضي عبر التاريخ والحاضر المعاش، ثم تنبؤات المستقبل القريب والبعيد، بالتأريخ لماضيهم وحاضررهم ومستقبلهم، وليس هناك ما هو أحرج من هذين العنصرين، وبالذات الزمن الذي إضطر الإنسان في كثير من الحالات إلى تقسيم الثانية الواحدة إلى تقسيمات أخرى أصغر منها.
ومعلوم أن مصدر هذين العنصرين هما الشمس والقمر، وقد تولى الله تعالى ضبطهما بدقة متناهية. فهما آيتان كونيتان عظيمتان، أبدعهما الخلاق العليم بِحُسْبَانٍ لتكونان حُسْبَانَاً منقطع النظير في الدقة والدور والغاية. أما الشمس فجعلها دليل على الظل، والظلمة التي هي الأساس في حقيقة الوجود، ثم جعلها خِلْفَةً مع النهار الذي يحدث بظهورها من المشرق حيث تبدد أشعتها ظلمة الأرض بكسائها ضياءاً وسِرَاجَاً وهَّاجَاً، بدرجات متفاوتة تبدأ ضئيلة عند شروقها وتتزايد كثافة الكساء فيبلغ مداه عند منتصف النهار ثم تجري الشمس مواصلةً مسيرتها لمستقر لها، تركض وراء ضوئِها الهارب منها فلا تلحق به ويركض خلفها ظلام الكون الذي يطلبها فلا يدركها، في حركة دائبة مضبوطة ودقيقة. وتتناقص بذلك كثافة كساءِ ضَوئِهَا خلفها ويَرِقُّ عن الأرض كلما إقتربت من الغروب مُخَلِّفَةً وراءها ظلاماً بعد أن ينسلخ النهار من الكون ويكتمل ذلك السلخ عند غروب ضوءها وشفقها تماماً. ثم تعاود ألشروق مرة أخرى في يوم جديد بعد أن تكمل دورتها الكسائية في النصف الآخر من كرة الأرض. فالنصف الذي إنسلخت عنه تَوَّاً يصبح ليلاً لليوم الجديد. وتصير بذلك بداية النهار ونهايتَهُ محسمومةً ومقيدةً بالشروق والغروب، كما أن بداية الليل ونهايته أيضا محسومةً ومُحَدَّدَةً بغروب الشمس وشروقها، وبذلك تكتمل دورة كاملة "لليلة بنهارها"، معطيةً يوماً كاملاً. والأمر المعجز أنَّ كل دورة تساوي تماماً الدورة التي سبقتها والتي تليها منذ أن خلق الله السموات والأرض وإلى ما شاء الله تعالى. ومن مهمتها أنها بجانب اليوم تعطينا آلية لحساب الاسبوع وأيامه السبعة، ولكنها لا تعطي الشهور لأنه ليس لديها علامة تدل على بداية الشهر أو نهايته، إذ أن البداية الوحيدة لديها هي أول السنة، بينما النهاية الوحيدة لها هي آخر السنة بعد أن تكون قد أكملت دورة كاملة في مدارها الذي تسبح فيه.
قال تعالى في سورة يونس: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ - الشَّمْسَ ضِيَاء - وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ - لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ - مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 5)،
أما دورة القمر، رغم إشتراكه مع الشمس في أنه مضبوطَ الحركَةِ وبنفس القدر من الدقة والديمومة والإنضباط، ولكنه يختلف عنها في دورته الحسابية، وفي مساره حيث أنه لا يُحْسَبُ جريه لمستقر له كالشمس، فهو يبدأ هلالاً رقيقاً فتحته - للناظر إليه - تكون جهة كتفه الأيسر-;-، وذلك بعد إختفائه الذي يسبق بدء ظهوره بمقدار ليلةً أو ليلتين، كما يختلف في غايته ودوره عنها، حيث أنه يكون مسئولاً عن تحديد الآيام وحساب الشهور ومن ثم يساعد في حساب السنين والتاريخ. فهو يتزايد حجمه يومياً حتى يبلغ نصف قرص، ثم يواصل في التزايد إلى أن يكتمل بدراً في يومي 14 و15، منه ثم يبدأ في التناقص من الجهة المقابلة ويستمر في ذلك التناقص حتى يعود رقيقاً "كالعرجون القديم" فتكون فتحته – للناظر إليه – حينئذ إلى جهة كتفه الأيمن -;-، مُؤذِّنَاً بنهاية الشهر، فيختفي بعد ذلك ليعاود الظهور في شهر تالٍ،، وهكذا.

إجتهد الناس في تقسيم الدورة الكاملة للشمس "اليوم الكامل" إلى أجزاء متساوية عددها 24 جزءاً، كل جزء سمي "ساعة"، ثم قسمت الساعة إلى 60 جزءاً كل جزء سمي "دقيقة"، وبالتالي قسمت الدقيقة الواحدة إلى 60 جزءاً كل جزء أطلق عليه "ثانية",,, وهكذا، وذلك حتى يسهل عليهم معرفة الوقت وتقييم وتقدير العمل والنشاطات والمعاملات والمواقيت للعبادات كالصلوات والصيام إمساكاً فالإفطار فسحر،،، الخ. ثم إجتهدوا فإبتكروا لهم شهوراً وسنوات شمسية "غير حقيقية"، حيث قسمت دورتها إلى 365/366 يوماً، وزعت على إثني عشر شهراً يضاهئون بها أشهر الله تعالى، تقسيماً لم يسلم من الهوى، فكانت الشهور متفاوتة في عدد أيام كل شهر، فبعضها 28/29 يوماً، وأخرى 30 يوماً وثالثة 31 يوماً مثل شهر (يوليو، إشارة إلى يوليوس قيصر)، دون وجود أي مبرر لهذا التقسيم سوى التباهي والتفاخر والهوى، وأطلقت عليها مسميات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، (يناير – ديسمبر)، ليس هنا مجال لمناقشة زيفها بالتفصيل في هذا المقام.
كما أن هناك أنماط أخرى من الشهور المبتكرة والمفتراة على الله،، منها على سبيل المثال الشهور القمرية العبرية، والتي لها تركيبها الخاص المعقد.

ما الذي فعله اليهود في التقويم الشمسي والقمري؟:
كان الشهر العبري في التوراة، شهراً قمرياً (محرم إلى ذي الحجة)، يعتمد في حسابه على ظهور الهلال الرقيق عند ميلاد كل قمر جديد-;-. فتتعاقب الشهور إن كان الشهر 30 يوماً يكون الشهر الذي يليه 29 يوماً وإذا كان 29 يوماً -;- يكون الشهر الذي يليه 30 يوماً وهكذا، وبذلك يكون طول السنة بالأيام هو ((30 + 29) × 6 = 354 يوم). ولكن هناك فرق 8 ساعات، و48 دقيقة، و38 ثانية إضافية في كل سنة.

والتقويم القمري هو تقويم كل الأنبياء والمرسلين لأنه التقويم الذي خلقه الله تعالى تقويماً وحيداً للكون. فتدخل البشر في تغيير هذا التقويم والعبث في آيات الله البينات، فكان أول من تَدَخَّلَ في تغيير هذه الآيات الكونية والتحايل عليها هم اليهود وكان ذلك في سنة 360 بالتقويم الشمسي الذي يطلق عليه النصارى (ميلادي)، فقاموا بالتغييرات الآتية:
(1) طول السنة الشمسية، يزيد عن طول السنة القمرية بمقدار 10 أيام و 21 ساعة. فأرادوا إحداث توازن بين التقويمين معاً، فوجدوا أنفسهم مضطرين إلى وضع ما عرف لديهم "بالسنة الكبيسة" فعمدوا إلى إضافة "شهر ثالث عشر"، أطلقوا عليه "آذار ثاني" (فيازار).
(2) وحتى سنة 360م ، كانوا يحسبون كل: 8 سنوات عبرية قمرية مصافاً إليها 3 شهور كبيسة تساوي لديهم (8 سنوات شمسية),
(3) عندما غير اليهود تقويمهم، سنة 360 م ، أصبحت لديهم السنة العبرية القمرية أقصر من السنة الشمسية بمقدار 10 أيام فقط بدون كسور، وعليه إستطاعوا حساب كل (19 سنة قمرية عبرية + 7 شهور كبيسة إليها لتساوي بالضبط 19 سنة شمسية). فأطلقوا على هذا التقييم المصطنع إسم (دورة الفصح الكبرى). وذلك حتى تأتيهم أعيادهم في مواعيدها بالضبط كل سنة، فأصبح نظام التقويم عندهم متداخلاً والنظام الشرعي مختل هكذا:
(نيسان "أبيب" 1: يقابل شهري مارس وأبريل، مدته30 يوم )، و(زِيُو "آيار" 2: يقابل شهري إبريل ومايو، "29 يوم") و(سيفان "سِيوَان" 3: يقابل شهري مايو ويونيو "30 يوم") و (تموز 4: يقابل شهري يونيو ويوليو ومن معاني الكلمة "اسم إله البابليين"، "29 يوم") و (آب 5: يقابل شهري يوليو وأغسطس "30 يوم") و (أيلول 6: يقابل شهري أغسطس وسبتمبر "29 يوم") و (أَيْثَانيِم "تشري" 7: يقابل شهري سبتمبر وأكتوبر "30 يوم") و (بُول "هيشفان" 8: يقابل شهري أكتوبر ونوفمبر "29 /30 يوم") و(كَسْلُو 9: يقابل شهري نوفمبر وديسمبر "29 /30 يوم") و (تيفيت "طِيبيِت" 10: يقابل شهري ديسمبر ويناير "29 يوم") و (شَبَاط 11: يقابل شهري يناير وفبراير "30 يوم") و (أَذَار 12: يقابل شهري فبراير ومارس "29 /30 يوم – الكبيسة")،،، ثم (فيادارا "أَذَار الثاني" 13: هذا الشهر أدخله اليهود شهراً إضافياً يمر عليهم كل ثلاثة سنوات، وذلك ليجعلوا السنة القمرية تُعادل السنة الشمسية تقريباً.
علماً بأنهم يعترفون أن قياس طول الشهر بدورة القمر، يعود لزمن نبي الله موسى عليه السلام، وأن نبي الله داؤد, قد اشار إلى ذلك بقوله: "صنع القمر للمواقيت ..."، وذلك في مزمور 4 19:10،، كما أن العهد القديم يذكر بأن التقليد المتبع تقسيم السنة إلى اثنى عشر شهراً.

ولكن،،، كيف يحسب اليهود التاريخ حالياً؟
كما هو معروف، فإن أغلب دول العالم تستعمل نظاماً لحساب التاريخ:
(1) إما بالنظام الشمسى النصراني الذي يعرف بالميلادي حيث يؤرخ على أساس ميلاد المسيح عيسى عليه السلام فما كان قبل ميلاده يشار إليه بعبارة قبل الميلاد "ق.م."، وما كان بعده يشار إليه بعبارة "بعد الميلاد" "ب.م"، على أساس السنة الشمسية.
(2) أو بنظام التاريخ الحقيقي، الذي يستخدم السنة القمرية الذي عرفه أهل الكتاب كلهم كتأريخ شرعي، بالإضافة إلى المسلمين الذين إعتبروا مرجعية التأريخ لديهم هو عام هجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة فما قبل الهجرة يعبر عنه بعبارة "قبل الهجرة "ق.هـ"، وما بعد الهجرة يعبر عنه بعبارة بعد الهجرة "ب.هـ". وهم يعتبرون أن إستخدام التقويم الشمسي "في حساب الشهور مبتدع وغير شرعي.
أما اليهود، ولأنهم لا يعترفون بعبد الله ورسوله عيسى عليه السلام على أنه "المسيح"، الحقيقي الذي ينتظرونه، ولا يؤرخون على أساس تاريخ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وزهدوا في تقويم نبيهم موسى عليه السلام لشيء في أنفسهم، فقد إبتكروا نظاماً خاصاً بهم أطلقوا عليه عبارة "تاريخ العالم"، ويقصدون بذلك ما يعرف بـ "السنة التقليدية لخلق العالم"، تلك هي حسب رأيهم "سنة خُلِقَ العالم، في خريف سنة 3761 قبل الميلاد كما يعتقدون"، فأصبح تأريخهم لما قبل هذا التاريخ يطلقون عليه عبارة "ما قبل تاريخ العالم"، والتاريخ الذي يأتي بعد هذا التاريخ يطلقون عليه عبارة "تاريخ ما بعد العالم". والسنة الشمسية عندهم لا تبدأ (من يناير إلى ديسمبر) كما هو معروف عند غيرهم، بل تبدا (من إكتوبر وتنتهي في سبتمبر). ويحسب التاريخ لديهم بإضافة "تاريخ العالم" إلى التاريخ الذي يريدون حسابه، وعليه يكون عام 2013م = 3760 + 2013 = 5773 عبري، وهكذا.

لربما يسأل سائل، عن سبب ذكرنا كل هذه التفاصيل عن تزوير التواريخ، خاصة هنا في هذه السورة الكريمة بالذات, وهو سوال منطقي وبديهي ومتوقع، ولكن عندما نعرف ما يترتب على عملية التزوير هذه يتضح لنا خطورته لإنتهاكه أحكاماً شرعية أساسية في عقيدة كل أهل الكتاب بصفة عامة، وفي العقيدة الإسلامية بصفة خاصة.
لأنه بإختصار شديد، كل هذه الشهور وأنظمة التقويم المبتكرة والمفتراة وفق الأهواء غير معتبرة عند الله تعالى لأنه قد حددها سبحانه، عَدداً وسماها بنفسه وخص كل شهر منها بخصائصه المتفرد والمتميز بها منذ بداية خلقه للكون، وليس لأحد الحق والقدرة في أن يغيرها من تلقاء نفسه، وأي محاولة من هذا النوع تعتبر "تَحْرِيْفَاً" صريحاً ومباشراً لآيات الله في كل الكتب المنزلة من السماء، فالشمس والقمر آيتان، وأي محاولة للتلاعب فيهما تعتبر تلاعباً في آيات الله البينات عمداً وقصداً، وهذا قد وصفه الله بعبارة "زيادة في الكفر" ، لذا فإن كل الأنبياء والمرسلين كانوا ملتزمين بهذه المواقيت والتسميات وقد بَلَّغُوْهَا للناس بكل أمانة، يقول سبحانه و تعالى في ذلك:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ...), وليست ثلاثة عشر شهراً كما يدعي اليهود، علماً بأن هذه العدة قد إعترفوا هم أنفسهم بأنها موجودة عندهم: وهذه العدة موجودة: (... فِي كِتَابِ اللَّهِ ...), كله، منذ عهدي موسى وداود عليهما السلام، بل هي كذلك قبل خلق آدم أبو البشر عليه السلام، "تحديداً": (... يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ...), وهي "شهور قمرية" تبدأ بالشهر "المحرم وتنتهي بشهر ذي الحجة"، بدليل قوله تعالى: (... مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ...), وقوله تعالى "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ..."، وهكذا قد عرفها الأنبياء والمرسلين كلهم، وتعاملوا بها وعلموها لقومهم، وإلتزمها المؤمنون بهم منهم، لذا قال: (... ذَٰ-;-لِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ...), بلا أدنى شك، (... فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ...), بالإنخداع بتلاعب اليهود في التواريخ والأزمان والمواقيت، فما أن تنقضي المهلة بإنسلاخ الأشهر الحرم التي حددها الله تعالى، تيقظوا جيداً: (... وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ...), لأن المقاتلين لكم منهم ليسوا فقط أولئك الذين تعرفونهم وترونهم أمامكم، وإنما هناك منهم مَنْ لا تعرفونهم ولكنهم في حرب حقيقية معكم وسيأتي دورهم فينقضوا عليكم، فكافة المشركين المعتدين هم في حالة قتال معكم، شئتم أم أبيتم، فهذا قدركم، وليس لديكم خيار في أن تقاتلوهم دفاعاً عن أنفسكم وصداً لعنوانهم وشرهم: (... كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ...), لتردوا بأسهم عن أنفسكم ولكن مع ذلك، إتقوا الله وأحذروا أن تظلموا أحداً منهم، ومن ثم، عليكم أن تتبينوا جيداً "إلتزاماً بأوامر الله وتوجيهات وأسوةَ بنبيِّهِ الكريم": (... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ 36). وهكذا كما ترون فقد ذكر الله تعالى المؤمنين بالتقوى للمرة الثالثة وقد سبق أن ذكرهم بها في الآيتين الكريمتين رقم 4 ورقم 7 .

لدينا هنا ملاحظة هامة:
لاحظ أنه عندما قال الله تعالى للمؤمنين: (... وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ...), لم يترك هذا الأمر بدون تقييد، كما قد يظن الغافلون، وإنما قيده بحقيقة أن هؤلاء المشركين إنما هم الذين يقاتلونكم كافة، وأنهم هم الذين بدأوا هذا القتال وفرضوه على المؤمنين فقال لهم: (... كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ...), ومع ذلك حذَّرهُم من التهاون في توخي الدقة في تمييز نوع العدوان عليهم من هؤلاء المشركين فقال سبحانه: (... وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ 36). فإن تخليتم عن التقوى تخلى الله عنكم، فكانت الغلبة "دون النصر" لمن يملك مقوماتها ودواعيها.

النَّسِيءُ والتلاعب بالشهور:
فما دام أن اليهود قد غيروا وبدلوا في التقويم الشرعي، ودمجوا التقويمين الشمسي والقمري معاً وجعلوا سَنَتَهُم العبرية تختلف عن نظم التقويم الأخرى لدى الآخرين، فإن ذلك حتماً سيؤدي إلى إخلال في زمن الأشْهُرِ الحُرُمِ ومواقيت العبادة ومن ثم، فإن هذا التغيير حقيقةً هو المقصود به "النَّسِيءُ" بعينه، الذي يقول تعالى فيه: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ...)، لأنهم جعلوا الشهور ثلاثة عشر شهراً بإضافة شهر "مفترىً" للسنة القمرية، فقال تعالى في ذلك: (... يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ...)، لأنهم بعملهم هذا غيروا مواقيت الشهور المحرمة، فأصبح الشهر الحرام يكون في عامٍ مَاْ خارج نطاق الأشهر الحرم، فيُحِلُّوْنَهُ مع حرمته، أو يكون في سنة تالية داخل نطاق الأشهر الحرم، حسب تقويمهم المفترى، فيُحَرِّمُوْنَهُ مع حِلِّهِ، فبين الله هذه الحقيقة بقوله: (... يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ...)، وقد وضعوا نظاماً للتقويم القمري مخالفاً للنظام الذي شرعه الله تعالى، عمداً وقصداً وإفتراءاً: (... لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ...)، فقد يمر عليهم شَهرٌ حَرامٌ، فيُحِلُّوْنَهُ وفقاً لتقويمهم المفترى، فيقعون في الحرام: (... فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ...)، كل ذلك عمل فاسد مفسد، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً: (... زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ...)، فضلوا وأضلوا، وضلوا عن سواء السبيل بكفرهم: (... وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 37).

لدينا هنا وقفة وسؤال، وقد مرت بنا حتى الآن كل الآيات المدعى عليها بأنها "آيات السيف" وأنها أمرت بقتل المشركين، أليس كذلك؟؟؟ إذاً فلنرد على هذه الأسئلة البديهية المباشرة:
(1) هل هناك أيّ آية بهذه السورة أمرت بقتل أو حتى بقتال المشركين أو الكافرين لِدِيْنِهِمْ؟
(2) هل هناك أيُّ آيةٍ أمرت بقتل حتى المشركين المعتدين المحاربين إلَّا عند الضرورة القصوى وفي ميدان القتال، وحينما يتعذر الردع أو الأسر، ويكون القتل هو الخيار الأوحد، ويستوي في الطرفين المتقاتلين، بل وتحت رقابة الله تعالى المباشرة؟
(3) إن كانت الغاية هي قتل المشركين "مطلقاً" كما يتوهم الأغبياء الجهلاء ويدعي المتربصون الخبثاء، فما الداعي إذاً لكل هذا التشريع والتفصيل؟ وهل هناك حالات قتل خارج ميدان المعركة المفروضة على المسلمين المغلوبين على أمرهم من الذين ليس لديهم أي خيار ليصدوا ذلك العدوان ويحرصون "بأمر الله" أن تكون النتيجة سلمية لكل الأطراف؟
(4) وهل هناك أي جهة "سوى الله تعالى بذاته" لها الحق في محاسبة الناس على عقائدهم وأديانهم؟ فإن كان الشرك والكفر سيحسم بالقتل، كما يدعي المغرضون المضللون، فما جدوى الإنذار بعقاب الآخرة؟
(5) وهل الكفار هم فقط من أهل الكتاب والمشركين أم أنَّ هناك مسلمين إعتبرهم الله كفاراً؟ فمن هم هؤلاء الكفار الذين هم من المسلمين أيضا؟ وهل هم صنف واحد أم أصناف كثيرة؟
فلنعرف هذه الطوائف من كفار المسلمين الذين نافقوا بعد إيمانهم، وتفاصيلها فيما يلي.

التشديد على المؤمنين المتقاعسين عن النفير للقتال:
ما بقي من آيات بهذه السورة من الآية (38 إلى 129) كلها قد خصها الله تعالى لوصف حال للمنافقين الذين كفروا بعد إسلامهم، وهم يَدَّعُونَ الإيمان ثم لوصف حال ألمؤمنين حقاً بالمقابل، وليس هناك أي ذكر للمشركين ولا أهل الكتاب ولا الملحدين.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...), إن كنتم قد آمنتم حقاً، لِمَ تتقاعسون وتتهربون عن النفير في سبيل الله كلما قيل لكم ذلك؟ (... مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ...), لم تُظْهِرُوْا حماساً وإهتماماً، بل على العكس من ذلك: (... اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ...), تكاسلاً وكراهية للنفير في الحر، أو لعله الموت: (... أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ...)؟ وكرهتم الشهادة في سبيل الله تعالى دفاعاً عن الحق ورفع الظلم عن الضعفاء والمضطهدين؟ وتهاونتم في طلب أجر الشهداء في الجنة حيث النعيم المقيم؟ (... فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ 38). المسألة ليست هوىً أو خيار، ولكنها تكليف لا يستهان به، لأنكم إلَّا تفعلوا ما قيل لكم وتُلبُّوا، سيقع عليكم العذاب الأليم من الله تعالى: (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ...), والأكثر من ذلك لعله قد يستغنى عنكم: (... وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ...), يطيعون الله ورسوله وينفرون مستجيبين برضى ونشاط وقبول أفضل وأكثر منكم، وستخسرون كل شيء: (... وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ...), فإستبدالكم ليس معضلة بالنسبة له إن أراد ذلك، وتذكروا أنكم كنتم من قبل كافرين ومشركين فَمَنَّ الله عليكم بالإسلام، كما أن أهل الكتاب كانوا أهل إيمان وبني إسرائيل فضلهم على العالمين، ولكنهم نكصوا أيمانهم فإستغنى الله وإستبدلهم بكم، (... وَاللَّهُ عَلَىٰ-;- كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 39).

وبَيَّنَ الله لهم أنه ليس في حاجة إلى نصرهم لنَبِيِّهِ فسينصره بدونهم وقد نصره كذلك من قبل، فإلَّا تنصروه بنفيركم في سبيل الله، هذا لا يمنع عنه تحقيق النصر بدونكم، والدليل على ذلك أنَّ الله قد نصره من قبلُ بدونكم وبدون غيركم: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ...), حيًن كان وحيداً لا أحد معه سوى صديق له وكانا أعزلين: (... إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...), من مكة وكانت قريش كلها في أثره، حين كان في الغار عندما هاجر من مكة إلى المدينة، حيث كان: (... ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ...), هو وصديقه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان الخطر يحاصرهما من كل مكان وفي كل لحظة، ومع ذلك كان يطمئن صاحبه حتى لا يتسرب الحزن والخوف إلى قلبه خوفاً على نبيه الكريم، وليس على نفسه: (... إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ ...), لن يصل إلينا أحد من هؤلاء ولا غيرهم: (... إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ...), فنصره الله سبحانه وتعالى بدونكم: (... فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ...), وتحققت له على أعدائه الغلبة، بل النصر والفوز: (... وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ...), فرجع أعدائه بالخيبة والحسرة والغيظ مع إنه كان في متناول يدهم ولكن أعمى الله تعالى أبصارهم وبصائرهم: (... وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ-;- ...), لأنها الباطل فأحبط توعدهم وتوهمهم بأنهم سينالون منه لا محالة، فكانت النتيجة غير ما كانوا يرجون،، إحباطاً لعزمهم وكلمتهم: (... وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ...), لأنها الحق وهو الحق (... وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 40).
• فهل المخاطبون والمعنيون هنا مشركين أو كافرين أو أهل الكتاب أو حدى ملحدين؟؟؟
• ألم يخاطبهم الله تعالى بقوله لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...)؟
• فهل يكفي أن يؤمن الإنسان ولا يقدم "عملياً" ما يثبت أنه مؤمن حقاً، فيقبله الله؟
• وهل إستثناهم من العتاب والتهديد والوعيد والتذكير بالآخرة بنعيمها وجحيمها؟
• ما الذي يجعل الله يهب الإنسان "الإختيار"، ويعطيه الحرية في أن يكفر به إن شاء ذلك، ويسمح له بالمعصية "إبتداءاً" إن كان يريده أن يؤمن به "قهراً"؟ أليس الله تعالى بقادر على أن يفطره، بل ويقهره على الإيمان به قهراً كما فعل مع السموات والأرض والجبال والدواب،، أو كما فعل مع الملائكة الكرام الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون؟؟
وعلى ذلك، فالأفضل لكم أيها المؤمنون أن تنفروا في سبيل الله طواعيةً، إذاً! (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا ...)، لعل الله يقبل عملكم ويرتضيه منكم: (... وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ...)، لتفوزوا ويربح بيعكم: (... ذَٰ-;-لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ...)، في دنياكم وآخرتكم بلا شك: (... إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ 41) بأن وعد الله حق، وأنه لا يخلف الميعاد.

التدرج في توصيف حال المنافقين المندسين بين المؤمنين:
يخاطب الله تعالى نبيه الكريم كاشفاً له خفايا وخبايا نفوس المتقاعسين من أتباعه عن الجهاد في سبيل الله ودوافع ذلك السلوك الشاذ، فيبين له موقف هؤلاء قائلاً: (لَوْ كَانَ ...), هذا النفير والجهاد الذي تدعوهم إليه فلا يتحمسون له: (... عَرَضًا قَرِيبًا ...), فيه منفعة ذاتية لهم ولا يستغرق منهم وقتاً وجهداً كبيراً، ويحقق لهم مكاسب سريعة تحبها أنفسهم: (... وَسَفَرًا قَاصِدًا ...), يضمنون فيه تحقيق مبتغاهم من حطام الدنيا الزائف بدون جهد يذكر: (... لَّاتَّبَعُوكَ ...), راضين متهللين حتى يغنموا منه ما يشتهون: (... وَلَٰ-;-كِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ ...), فوجدوا أنَّ طريق الجهاد طويل وشاق، والنفرة في الحر قاسية والغنيمة غير مضمونة، فآثروا القعود والتكاسل عنه وعنك، فَطَفِقُوا يبحثون لهم عن أعذار يبررون بها هذا التخازل، فيَدَّعُوْنَ ما ليس بحق، ويحاولون إقناعكم بأعذارهم فيحلفون لكم أنَّ الذي أقعدهم هو العذر الواهي الذي ساقوه لكم: (... وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ ...), كذباً وإدعاءً، وبذلك حقيقةً إنما: (... يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ ...), في تَصَنُّعِ الصدق حتى تصدقوهم، كما فعل إخوة يوسف إذ جاءوا أباهم عشاءاً يبكون، وجاءوا على قميصه بدم كذب،،، كذلك هؤلاء المدَّعِين الإيمان يسوقون لك الأعذار المصطنعة: (... وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 42), ومع ذلك فقد أذِنْتَ لهم بالخروج معك رغم كذبهم الظاهر لسماحة خلقك العظيم: (عَفَا اللَّهُ عَنكَ ...), ما كان ينبغي لك أن تأذن لهم، ولكن، (... لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ...)؟؟ لا!!!،، لا تأذن لهم بالخروج معك بدون تمحيص وإختبار: (... حَتَّىٰ-;- يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ...), منهم فيما يقولونه لك ليبرروا به تقاعسهم: (... وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ 43).

إنَّ الذين معك منهم المؤمنون حقاً،،، أولئك الذين لا يسمح لهم إيمانهم وأخلاقهم بأن يستأذنوك للخروج، بل هم يخرجون من تلقاء أنفسهم تلبيةً للنداء: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...), في أمر الجهاد لأنهم يسعون إليه من تلقاء أنفسهم بكل حماس وهمة وإلتزام: (... أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ...), لأن هدفهم ومسعاهم هو حبٌ في الله ورسوله، ورجاءٌ لنيل إحدى الحسنيين: (... وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ 44), فهؤلاء لا يستأذنونك في الخروج أبداً، بل يخرجون راضين مقتنعين، (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ...)، بتشككهم في صدق ما وعدهم به الله ورسوله: (... وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ ...)، فخشوا على أنفسهم من الثمن الذي سيدفعونه وهم لا يثقون في حصولهم على المقابل لتعاظم شكهم وتَجَذُّرِ كفرهم في صدورهم: (... فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ 45). هؤلاء ليس لديهم أيَّة رغبة في الخروج في الأصل: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ ...), كإخوانهم المؤمنين الصادقين، بلا شك: (... لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ...), كما فعل أولئك الصادقين المخلصين، ولكن كره الله منهم هذه الروح الكافرة المتخازلة المتشككة المرتابة، فلم يُرِدْ خروجهم معكم ولم يأذن لهم، فخارت عزائمهم تسبيطاً لهم من الله وإستغناءاً عنهم، فقال في ذلك: (... وَلَٰ-;-كِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ...), فكتب عليهم أن يقعدوا مع الخالفين: (... وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ 46). لأن هؤلاء سيكون خروجهم مع المؤمنين المجاهدين الصادقين فيه خطورة شديدة عليهم، ولن يحققوا لهم سوى نتائج عكسية مخزية،،، فقال في ذلك: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم ...), بهذه الروح الخبيثة الجبانة الكاذبة: (... مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا ...), ببث هذه الروح المريضة بين المجاهدين الآخرين: (... وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ ...). هم في الأصل لا يرجون لكم الخير والفلاح، بل: (... يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ...), لذا يشككون ويُحَرِّضُون غيرهم من ضعفاء الإيمان على عدم الخروج والقعود معهم: (... وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ...), لذا، يستطيعون التأثير عليهم فتنتشر روح الخور والتراجع فيؤثر ذلك في الروح المعنوية والعزيمة للمقاتلين الآخرين بصفة عامة بظلمهم: (... وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ 47).

لاحظ هنا أن الحديث ليس عن اليهود ولا النصارى ولا المشركين، بل عن المسلمين المنافقين "بصفة عامة"، الذين هم أشد خطراً من الآخرين، لأنهم مندسون بين المسلمين ويعرفون أخبارهم وبالتالي يكون ضررهم عليهم أكبر. فهل أمر الله بقتلهم لعقيدتهم الفاسدة؟ فإن فعل ذلك وكانت سنة لقتل المشركين والكافرين لوجدنا أن هناك الكثير من المدعين الإسلام يستحقون ذلك القتل أكثر من المشركين، أليس كذلك؟ أم أن السورة كما هو واضح أنها "فاضحة"، تصنف الناس "كل الناس" بأديانهم وطوائفهم ومشاربهم كل وفق قيمه الحقيقية الظاهرة منها والباطنة، ولم يستثن الله تعالى المسلمين من هذا التصنيف، وها نحن ذا نراه قد تناول المسلمين تفصيلاً وتفنيداً وإنذاراً وتبشيراً شأنهم شأن غيرهم من البشر.
فإذا وجد من بين المسلمين مَنْ كان إسلامهم "نفاقاً"، وهم يبطنون الكفر والحقد على المسلمين،، ومع ذلك لا يُطْلَبُ منهم دفع الجزية كالمشركين المحاربين،، فهل كان غائباً عن الله تعالى وعن رسوله أنَّ الخيار الثالث في قوله تعالى عن المشركين: (... فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ - فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ... 5)، بأن هذا الخيار يمكن أن يمثل فرصة سانحةً سهلةً للمشركين للخلاص من الطرد أو المقاتلة أو دفع الجزية بأن يُقْبِلوا على هذا الخيار وهم يجمحون، "ولو نفاقاً" كما فعل غيرهم من الذين إدعوا الإيمان وهم ألد الخصام؟ فهل يريد الشرع أن يخدع نفسه حتى إن كان في ذلك الخطر الحقيقي الذي تصفه الآيات التالية؟؟ أم أن هواك غاية يجهلها الكثيرون.

يبين الله تعالى حال هؤلاء المنافقين ويصنفهم ويفصل خصال كل طائفة منهم فبين فيما يلي:
1= ليست هذه هي المرة الأولى التي يسعى فيها المنافقون للفتنة بينكم، بل قد فعلوها قبل ذلك: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ ...)، بخبثهم وتحريضهم لغيرهم: (... وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ...), وإستمروا في تلك المكايد: (... حَتَّىٰ-;- جَاءَ الْحَقُّ ...), فإنكشف أمرهم وخفاياهم، وخباياهم: (... وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ ...), عليهم وبهم وفيهم رغم أنفهم: (... وَهُمْ كَارِهُونَ 48), لبلوغ أمرهم المفضوح إلى هذه النتيجة المخزية والبائسة لهم.
2= وبين أن هناك أيضاً صنفٌ آخر من هؤلاء المنافقين، ذو خصلة مختلفة، فهو صنف يلجأ إلى الإستئذان من الرسول بدون عذر حقيقي، قال الله عنه: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ...)، حتى لا يقع عليه أي حرج إستخفاءً من الناس دون الله، ظانين أنهم بذلك الأذن قد برأت ساحتهم ونجوا من الفتنة، لكن على العكس: (... أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ...)، وأنفضح أمرهم وبان كفرهم وشاع بين الناس وعظم ذنبهم: (... وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ 49).

لاحظ أن العقاب والمؤاخذة على الشرك والكفر والنفاق والإلحاد،، كله مؤجل إلى يوم القيامة، وليس هناك أي عقاب أو محاسبة لا من الرسول ولا من الناس لأي شخص إختار لنفسه ما يراه مناسباً له بقناعته، ولكن المؤاخذة الوحيدة هي صد كيد المعتدي والمحارب الذي لا يترك خياراً آخر أمام المسلمين المعتدى عليهم والمهددة حياتهم ومصالحهم سوى مقاتلته وصده وإرهابه حتى لا يُضطروا إلى قتله إن عَزَّتِ القدرة على حصره أو أسره.
إذن مفهوم الإرهاب عند المسلمين هو "تخويف العدو المقاتل حتى يراجع نفسه قبل التمادي في إرتكاب حماقات قد تفضي إلى قتله، لذا فمفهوم الإرهاب هو صد العدو من المغامرة فيرتدع ويحفظ حياته من القتل أو الوقوع في الأسر،، فالإرهاب في الشريعة الإسلامية هو آلية فعالة لمنع سفك الدماء وإزهاق الأرواح، فلنضرب مثلاً لذلك (لو كانت لديك مزرعة ورأيت مجموعة من الماشية نفشت فيها وأوشكت أن تتلفها، ألا ينبغي عليك التصرف السريع بإتخاذ الإجراء المناسب:
1. فأن كان همك فقط هو إقاذ المزرعة من التلف بأي ثمن وبغض النظر عن أي خسارة تقع على تلك الماشية، أليس من الأسهل وأسرع وأضمن هو إطلاق النار عليها على الفور؟
2. وإن كان همك هو إنقاذ المزرعة بأقل الخسائر الممكنة فهل إطلاق النار هنا هو الخيار المناسب أم الأفضل هو "إرهاب" هذه الماشية بزجرها وتخويفها لتخرج سالمة، وقد تضطر إلى ضربها بعصىً أو نحوها ما لم يصل الأمر إلى الإضطرار لإطلاق النار عليها؟
فهل "الترهيب" سيكون لصالح الماشية وحفاظاً على حياتها أم لصالحك أنت ببذلك مزيداً من الجهد وتكليف نفسك أكثر من طاقتها من أجل سلامتها هي رغم إعتدائها على مزرعتك وتعريضها للخطر؟

مثل هؤلاء المنافقين كثيرون يدعون بأنهم مسلمون ولكنهم في الواقع أبعد الناس منه وأكثر أعدائه شراسةً، من الذين يحاولون محاربته تحت أسماءٍ تمويهية كما نرى الآن، مثلاً وقولهم (المتشددين، الإخوانيين، الإسلاميين، السلفيين، الإرهابيين، الأصوليين، الجهاديين، والإسلام السياسي، والعنف الإسلامي،،،). ويسمون أنفسهم بأسماء تمويهية لإيهام الناس بأنهم مسلمين مثال ذلك (التقدميين، المعتدلين، العلمانيين، الشيوعيين اليساريين المسلمين، الليراليين، الطائفيين، الخوارج، بل والسنة، والشيعة ،،،،الخ)، كما نشاهد ونسمع الآن بكيفية لا يمكن تصديقها وكيف أن هؤلاء يُكِنُّونَ لكل ما هو إسلامي لا أقول كراهية، بل هو حقد مخيف، وعداء متأصل في نفوسهم ووجدانهم، لم نشاهده ولم نتوقعه حتى من اليهود والنصارى والمشركين. ويسمون أنفسهم بأسماء ما أنزل الله تعالى بها من سلطان. ومع ذلك هم المسلمون حقاً كما تعتقد كل طائفة منهم،، ولكن أيها التي على حق فهذا السؤال قد أجابت عليه سورة التوبة بعد أن حددت الهوية لكل طائفة وفرد وفق معايير الله ذاته.

حقيقة هؤلاء المنافقين مع إدعائهم الإيمان فهم أعداء حاقدون مندسون وسطكم، ومتربصون بكم: (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ...), لأنهم لا يريدون لك خيراً أو نجاحاً أو فوزاً: (... وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ ...), يشمتوا بك ويفرحوا، بل ويقولوا لغيرهم نحن كنا على حق وإحتطنا لأنفسنا لذلك نجونا من هذه المصيبة التي ألمت بكم: (... يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ ...), فيسعدون لأمرين:
• الأول، لأنهم أنقذوا أنفسهم "حسب ظنهم" من هذه المصيبة،
• والثاني، لأنهم وجدوا فرصة مؤاتيةً للشماتة بالمؤمنين المجاهدين، وأنهم لينتشون فرحاً وسعادة كلما رأوا عليكم ما يحزنكم: (... وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ 50).
ولكن هذا بالطبع هذا جهل وسوء تقدير منهم، لأن الحقيقة غير هذا الفكر الخاطيء الضال: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ...), الذي حدث لنا هو قدر الله تعالى الذي لا يضل ولا ينسى، ولحكمة يعلمها هو سبحانه وتعالى، لأننا نعرف أنه بلا شك: (... هُوَ مَوْلَانَا ...), الذي وعدنا سبحانه إحدى الحسنيين، إما النصر وإما الشهادة، والله لا يخلف الميعاد، ولكن هاتين الحسنيين لا يأتيهما لأحد بدون تمحيص وإبتلاءات لميز للناس مستحقيها وهو أعلم بهم، فإيماننا الراسخ بالله تعالى يجعلنا نتقبل مثل هذه المصائب برضى وقبول وعظة ومراجعة للنفس ومحاسبتها والتغلب عليها بالإستغفار والتوبة وبالصبر والمصابرة والمرابطة والتوكل: (... وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ 51)، فلا تفرحوا، أنتم الذين خسرتم الدنيا والآخرة وبُؤتُمْ بغضب من الله: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ...)؟ فإمَّا خروج من الدنيا شهداء مّوْعُودُينَ، بأن نكون أحياء عند ربهم يرزقون، أو منتصرين بنصر الله لنا وليس بالغلبة المادية بالكثرة والعتاد: (... وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ ...), بعذاب ينزله عليكم من عنده كما فعل بأمثالكم من قبل، أو يمكننا منكم فنزيقكم بأسنا، فالله قادر على أن يصيبكم: (... بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ...), فلكم أن تفرحوا بمصائبنا إلى حين، لكن: (... فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ 52).

أترى كيف أن هذه السورة فاضحة لكل من اراد أن يخفي هويته الحقيقية ليخدع الناس وهو يضمر لهم الشر كله؟
أسمحوا لنا هنا بأن نطرح بعض الأسئلة المنطقية الهامة:
• هل قصَّرَتِ السُورةُ فأهملت أو نسيت أحداً من البشر لم تحدد هويته بكل دقة وموضوعية وتفصيل؟
• هل قصدت السورة شخصاً أو أشخاص بعينهم فقالت لهم أنتم "تحديداً" مشركين أو كافرين أو منافقين، أم أنها وضعت معايير مفصلة لكل هوية، من إختار مكوناتها لنفسه إستحقها دون تدخل من أحد. فأنت مثلاً تذهب إلى معارض الملابس الجاهزة، فتختار المقاس الذي يناسبك فإن كان مقاسك متوسطاً لا يمكن أن يلزمك البائع أن تشتري المقاس الأصغر أو المقاس الأكبر، فإن إستشرته ليساعدك في الإختيار، أوصى لك بالمقياس الذي يراه "بخبرته" أنه يناسبك أكثر، أما إذا إخترت بنفسك مقاساً أوسع بكثير أو أضيق بكثير فلن يتدخل البائع إلا بالنصيحة وإبداء الرأي. فهل هناك ما يمنع أن ينتقد الناس عموماً هذا الإختيار الشاذ عندما يرونك ترتديه ويبدوا عليك غير متناسبٍ؟؟؟ وهل هذه النقد يتجاوز الحدود بأن يسمح أحدهم لنفسه بسبابك أو إهانتك أو نعتك بما يعتبر تدخلاً في شئونك أو تطاولاً عليك؟

= هناك صنف آخر من المنافقين الذين يحاولون إخفاء نفاقهم،، ولكن مهما حاول هؤلاء التستر وراء أعمالهم لإخفاء كفرهم ونفاقهم وذلك بإنفاق أموالهم في الزكاة والصدقات ليدعموا نفاقهم ومخادعتهم لله والذين آمنوا، لن يجدوا لذلك سبيلاً: (قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ...)، فهذا الإنفاق الذي في حقيقة أمره ليس مقصوداً به وجه الله تعالى: (... لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ ...)، بعد أن إستغنى الله عنكم وأحبط أعمالكم، (... إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ 53)، وإعلموا أنَّ الله تعالى لا يضيع أعمال الناس ولا يظلمهم شيئاً، ولكنهم هم الذين إختاروا طريق المراوغة والمخادعة فأبعدهم الله تعالى، وقال في ذلك: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ ...), ظلماً لهم أو إضاعة لأعمالهم ولكن ذلك فقط بسبب كفرهم الذي يخفونه داخل صدورهم المظلمة الظالمة: (... إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ...), ثم فضحوا أنفسهم لتكاسلهم أيضاً في أداء فريضة الصلاة كما ينبغي، فقال: (... وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ-;- ...), وكذلك الحال مع فريضة الزكاة، قال: (... وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ 54), فكيف إذاً يُتَقَبَّل من أحدٍ عملاً لا إيمان فيه بالله وبرسوله، ولا صلاة فيه ولا زكاة ؟؟ لذا: (فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ ...), فهي متاع الحياة الدنيا لا أكثر: (... وَلَا أَوْلَادُهُمْ ...), الذين سيكونون وبالاً عليهم وحسرة وشقاء: (... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...), فلا تسعدهم كثرة الأموال ولا كثرة الأولاد، هذه كلها عناصر شقاء أراد الله أن يعذبهم بها أولاً في الدنيا: (... وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ 55), إستعداداً وتهيئة لعذاب الآخرة.

= هؤلاء المنافقين خطرهم عليكم أكبر من المشركين أنفسهم، لأنهم يحاولون جاهدين أن يقنعوكم بأنهم مؤمنين منكم، ليتمكنوا أكثر من الكيد لكم عن قرب: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ ...), مكراً وخبثاً ظانين أن الله تعالى لن يكشف سرهم وتدبيرهم: (... وَمَا هُم مِّنكُمْ ...), فهذا إدعاء باطل يحاولون به خداعكم: (... وَلَٰ-;-كِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ 56). هؤلاء المنافقون الكافرون، عندما يُؤَذِّنُ المؤذن بالجهاد في سبيل الله، يتوارون، ويحاولون التهرب منه بكل الوسائل، فهم: (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً ...)، يلجأون إليه بعيداً عنكم وعن أعينكم: (... أَوْ مَغَارَاتٍ ...)، يختفون فيها حتى لا ترونهم: (... أَوْ مُدَّخَلًا ...)، يخفيهم عنكم،، لن يترددوا في ذلك بل لولَّوا إليه مسرعين متسابقين بلا أدنى شك، قال: (... لَّوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ 57). هؤلاء المنافقين الكفرة ليس هم فصيل واحد بل فصائل متعددة كل فصيل يمتاز بخصال وسجايا خبيثة رغم أنهم مشتركون في النفاق والكفر.

=هناك صنف آخر من المنافقين، يمتاز عن الآخرين بخصلة اللمز، قال: (وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ...), ظانين أنك تحابي فيها وفق هواك، ولا تتوخى العدل بين الناس، وهؤلاء لديهم معايير مزدوجة: (... فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا ...), أما إنْ لم يستحقوها ولم يكن لهم فيها نصيب غضبوا وألمزوك فيها: (... وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا ...), تضجروا، ولم يرضوا ذلك منكم: (... إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ 58). هذا السلوك مَرَدَّهُ إلى نفاق متجزر في قلوبهم وكفر بالله ورسوله متأصل فيهم: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...), بدلاً من اللمز والسخط: (... وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ...), رضينا بما قسمه الله لنا، ولو أنه قُسِمَ لنا من هذه الصدقة نصيباً لما حجبه عنا رسوله الأمين الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، ثم قالوا مطمئنين واثقين في كرم الله وفضله: (... سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ...), في صدقات أُخْرَ قادمات، بل، ورضوا بقسمة الرسول، وقالوا: (... إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ 59) لكان خيراً لهم وأجدى.

فالصدقات ليست مطلوقة وسائبة ليس لها أصحاب ومستحقين محددين، قال تعالى في ذلك "تحديداً":
1. (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ...), الذين لا يملكون كفايتهم لضروريات الحياة الأساسية، ومع ذلك لا يسألون الناس إلحافاً،
2. (... وَالْمَسَاكِينِ ...), وهم الفقراء المحتاجون أشد الاحتياج، والذين لا شيء لهم ، وهم أيضاً من كانوا مقهورين ذليلين خاضعين لغيرهم،
3. (... وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ...), المكلفين بتحصيلها وجمعها وإدارتها وتوزيعها على مستحقيها،
4. (... وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ...), مِنْ الذين يرجى إيمانهم لميولهم للحق فيعطوا منها تشجيعاً لهم،
5. (... وَفِي الرِّقَابِ ...), وهم أولئك الذين عليهم ديات قتل، لا يملكون ما يكفي لسدادها لمستحقيها من أولياء الدم.
6. (... وَالْغَارِمِينَ ...), الذين عليهم ديون مستحقة، وقد عجزوا عن سدادها لأصحابها في وقت إستحقاقها،
7. (... وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ...), بصفة عامة وهذا باب واسع كبير له مصارف متعددة،
8. (... وَابْنِ السَّبِيلِ ...), الذي أقعدته الحاجة عن مواصلة طريقه إلى حيث يقصد أو عودته لدياره وماله،
كل هؤلاء لهم إستحقاقات ليس فيها هوى أو محاباة، وإنما هي: (... فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ...), إذاً، ما دام الأمر كذلك، فما الذي يجعل هؤلاء المنافقين الكفار يسخطون ويلمزون علماً بأنهم لا ينتمون لأي من أصحاب الإستحقاق من الفئات المذكورة؟ فالله تعالى عليم بحال خلقه وحكيم يعطي المستحق بعلم وحكمة، والنبي لا هوى له بل ينفذ ما أوحاه له ربه كما أمر: (... وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 60) يعلم من يستحق ومن لا يستحق ومقدار إستحقاقه فلا مجال لأحد في أن يتدخل في ذلك أو يعترض أو حتى يسخط أو يبطن في داخله غير الرضى والتسليم.

هنا لدينا وقفة مهمة:
أولاً وقبل كل شيء الفقير هو: الْمُحْتَاجُ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ مَتَاعاً وَلاَ مَالاً، أو المحتاج الذي لا يملك من الموارد ما يكفيه ويكفي عياله، وهو المحتاج والمعوز، واصطلاحا هو من لا يملك قوت سنته لا قُوَّةٌ تُعِيْنُهُ على إمتلاكه ولا فِعْلَاً يُبْلِغُهُ ذلك .وقد وصف القرآن الكريم نوعاً فريداً من هؤلاء الفقراء، هم الأحق بالصدقة بصورة لا تجرح مشاعرهم وإن كانت الآية قد خصت الفقراء الذين أحصروا في سبيل الله، ذلك في قوله تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا ...)، إلا أن هذه الصفاة ثابتة في هذا النوع العفيف من الفقراء الذين يخفوف فقرهم عن الناس "تعففاً" ولا يتكففونهم رغم ما يعانونه من فاقة ومقاساة للجوع والعوز. فهؤلاء أحق المستحقين للصدقات، وقد بدأ الله بهم أصحاب الإستحقاق الثمانية.

أما المسكين: فهو الفقير المحتاج أشد الاحتياج، والذي لا شيء له ، وهو من كان مقهوراً ذليلاً خاضعاً .ولكنه لربما لا يتحرج في سؤال الناس المساعدة وليس لديه غضاضة في أن يتكففهم، فهذا له مخارج للتغلب على معاناته، فجاءت مرتبته بعد الأول. ثم جاء في المرتبة الثامنة والأخيرة "إبن السبيل" وهذا عونه ضروري لأنه قد فقد ما يوصله إلى مقصده لعدم أو قلة التمويل لذلك. إذن ترتيب المستحقين هو ترتيب أولويات وليس غير ولم يوكل هذا الترتيب إلى البشر ولا حتى للنبي الخاتم.
ثانياً: لاحظ أن الله سبحانه وتعالى حين أشار إلى مستحقي الصدقات قال إنها: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ولم يقل مثلاً "لفقراء المسلمين أو مساكينهم"، وفي هذا تعميم لفقراء المجتمع عموماً، وإن كانت الأولوية لفقراء المسلمين ولكن تركها عامةً دون تمييز، وقد خص بعضاً من غير المسلمين الذين سماهم بالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، فهولاء رغم أنهم لا يزالون على غير الإسلام إلا أن الله تعالى خصهم بنصيب من الصدقات وإعتبر هذه الأنصبة " فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ" ولا لأحد الحق في أن يغير أو يبدل فيها أو يلغيها.

= وهناك صِنْفٌ آخرَ من هؤلاء المنافقين الكافرين لا يتورع في إيذاء النبي بالقول الجارح المؤلم، كما نرى الآن من الأشقياء التعساء الذين سلطهم الله على أنفسهم وغلبت عليهم شقوتهم بالتعرض للنبي الكريم بالإساءة والكاركاتيرات والرسوم التي يرمزون بها للإساءة إليه دون علم، فقال الله في هؤلاء وأولئك الأشقياء التعساء: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ...)، بالقول الذي لا يليق به وبمقامه صلى الله عليه وسلم، ويرمونه بما ليس فيه ولا ينبغي له: (... وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ...)، يستمع إلى الوشاية من البعض على الآخرين، فقال الله تعالى لنبيه الكريم: (... قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ...)، لا يسمع إلا الحق والصدق وكل الخير، ولا يسمح للواشي أن يجالسه في مجلسه، فهو: (... يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ...)، ربه وربكم ويعلم أن الله تعالى لا يرضى ذلك، وقد توعد الهمزة اللمزة بالويل: (... وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ...)، وفوق هذا وذاك، هو مصدر نور وفضل: (... وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ...)، وليس كما يدعي هؤلاء المنافقين الكفار، الذين بشرهم الله بعذاب إليم على إيذائهم نبي الرحمة الخاتم الأمين، فقال: (... وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 61) ولم يقيد هذا العذاب بزمن مما يدل على أن العذاب الأليم ليس وقفاً على الآخرة فحسب بل هو عذاب أليم في الدارين معاً والبرزخ أيضاً، لأنه قد كتب عليهم فإستحقوه ولا شك أنه واقع بهم وملاقوا هذا الإستحقاق على الفور لا التراخي أو التأجيل بعد أن كُتِبَ وإنتهى الأمر فيه.

هؤلاء المنافقين، في قرارة أنفسهم يشعرون بأنهم مخترقون، وأنَّ أمْرَهُم لم يعد مستوراً عن الناس، ويعرفون أنهم مكان شك وريبة وحذر، لذا يحاولون بكل الوسائل أن يقنعوا الناس بأنهم فوق الشبهات، لذا،،: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ ...), "يكاد المريب أن يقول خذوني": (... وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ 62), ولكن جهلهم وفسادهم جعلهم في حيرة من أمرهم التعس، ولكن: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...), قد خاب وخسر في الدنيا، وتعس في الآخرة؟ (... فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ...)؟ لا يخفف عنه العذاب ولا ينقطع،،،: (... ذَٰ-;-لِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ 63).

أيضاً هؤلاء المنافقيق لم يكن حَذَرُهُمْ خوفاً من الله تعالى، ولكن خوفهم من أن ينفضحوا وينكشف أمرهم عبر الوحي، الذي قال عنهم: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ ...), كما إنفضحت تصرفاتهم وسلوكياتهم الظاهرة، أن تكشف المستور من الفساد في داخل وجدانهم الأسود المريض: (... تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ...), فيفقدون فرصة المراوغة والمماحكة والخداع والإستهذاء: (... قُلِ اسْتَهْزِئُوا ...), ظناً منكم أنكم أذكياء بكتمانكم ما في صدوركم من غِلٍّ وكفر وعدوان، وأنكم قادرون على كتم ذلك الواقع عن المؤمنين، ولكن خاب ظنكم وخسئتم: (... إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ 64)، وقد أخرجه بالفعل.
ولكن،، لِمَ كل هذا الوجدان المُتَقَيِّحُ المُنْتِنُ؟ وما الذي يرمون إليه ويريدون تحقيقه؟؟ (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ...)، لِمَ كل هذا الفساد والإفساد؟ (... لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ...)، هذا ما يقولونه ويصرحون به، ولكن ما يكتمونه لَفَظَاعَتُهُ أكبرُ من ذلك القول، إذ أنه في الحقيقة والواقع لم يكن مجرد لعب فقط بل كان إستهزاءً بالله وبآياته وبرسوله، قال تعالى في ذلك: (... قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ 65)؟ فهل هناك وزر أكبر من هذه الفعلة الشنيعة الظالمة، ثم بعد كل هذا تطمحون في أن يُقْبَلَ منكم أي تبرير أو إعتذار؟؟ لا،، (لَا تَعْتَذِرُوا ...), لأن إعتذاركم لن يفيدكم، فالذي أتيتم به لا ينفع معه إعتذار أو تبرير، فالواقع أنكم: (... قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ...), ومع ذلك فإن هناك فرصة لبعضكم، فضلاً من الله وتفضلاً، لأن الله تعالى لا يظلم الناس شيئاً وهو علام الغيوب، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم السر وأخفى، فإن علم الله تعالى مَنْ إستحق العفو منكم عفا عنه، فقال: (... إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ ...), كان له ذلك ومن كان على غير هذا من المجرمين فإننا: (... نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ 66)، فهل هذا العدل والإعتدال له مثيل في التاريخ أو متوقع حدوثه في المستقبل؟

هنا لدينا وقفة تأمل وعجب:
تصور تألق الرحمة وسعتها والعفو حتى عن الذين تورطوا في هذه المرحلة المتقدمة من الكفر حتى بلغوا حد التجرؤ على الله تعالى وأياته ورسوله بالإستهذاء ومع ذلك لم يشملهم كلهم بالعذاب لتفاوت درجات هذا الكفر والإستهذاء وخلفياته، فمنهم من غُرِّرَ به لجهل أو لضعف ،،، ومنهم مُحَرِّضٌ على ذلك الشر واللعب والإستهذاء لذا إستثنت عين العليم الخبير منهم طائفة قد تكون معرضةً للعفو ولكن هناك طائفة أخرى موعودةً بالعذاب.... رَبِّيْ !!!!!!!!!!! ما أرحمك وما أعدلك وما أكرمك؟؟

من هم المنافقون والمنافقات، وما شأنهم؟
المنافقون ... قد فصل الله تعالى حالهم وأحوالهم في سورة البقرة وكشف مخادعاتهم ومرضهم، وذلك في تسعة عشر آية كريمة "من الآية 8 إلى الآية 20" فبين فيها أنهم فصيل من الناس يَدَّعِيَ أصْحَابُهُ "بالقول فقط" إنَّهم مؤمنون وما هم بمؤمنين، بل هم يخادعون الله والذين آمنوا ولكنهم في الواقع ما يخدعون إلَّا أنفسهم وما يشعرون، ذلك لأن في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً على مرضهم وحكم عليهم بالعذاب الأليم بما كانوا يكذبون،،، يقول تعالى عنهم هنا في هذه السورة الكريمة بذكورهم وإناثهم: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ...), فهم ملة واحدة، وتوجههم واحد، وغايتهم واحدة، فهم جميعاً: (... يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ ...), لفساد عقيدتهم وسوء طويتهم وظلام وجدانهم: (... وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ...), وهذا أمر طبيعي ونتيجة منطقية مبررة لأن المعروف هو ضد توجههم ومعتقدهم الفاسد الذي يريهم الحق باطلا والباطل حقاً، ليست المسألة عندهم مجرد أمر بالمنكر ونهي عن المعروف، بل يفعلون كل هذا الشر بالجنوح والتفعيل المادي الملموس: (... وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ...), ظلماً وطمعاً وبخلاً وكراهية للخير أينما وجد، ومصيبتهم الأساسية هي أنهم: (... نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ...), وتركهم في طغيانهم يعمهون إذ أنه لا فائدة ترجى منهم: (... إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 67).

فهل نسيهم الله تعالى في كل شيء أم أنه نسيهم فقط في الهداية والإصلاح للخروج من تلك الوهدة السحيقة التي أوقعوا أنفسهم فيها؟
الواقع أنه رغم نسيانهم في ذلك إلا أنه لم ينساهم في الجزاء على هذه الأفعال الشنيعة فألحقهم بالكفار فَكَوَّنُوْا معهم طائفةً، بل أمةً واحدةً، ومن ثم: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ ...), جميعاً: (... نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ...), لا يخفف عنهم العذاب وهم فيها خالدون، لأنها: (... هِيَ حَسْبُهُمْ ...), لا بديل لهم عنها: (... وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ...), زيادةً على ذلك: (... وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ 68), فيها،،، شأنهم في ذلك شأن الذين كانوا قبلكم من الكافرين والمكذبين من أهل الكتاب والمشركين، لذا قال فيهم: (كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ...)، على الرغم من أنهم كانوا أهل قوة وبأس وأموال وأولاد وسلطان، وهذه قد تبرر إعتدادهم بأنفسهم وفرحهم بما عندهم وزهدهم في ما عند الله جهلاً وشقوةً، فهؤلاء السابقين: (... كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً ...)، بل: (... وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ...)، ولكنهم آثروا الحياة الدنيا وإطمأنوا بها وإستغنوا عن نعيم الآخرة التي كذبوا بها: (... فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ...)، وأذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا كلها، وأنتم فعلتم مثلهم تماماً: (... فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَاقِهِمْ ...)، وبالتالي قد أذهبتم طيباتكم فيها أيضاً: (... وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ...)، في كراهية الحق وحب الباطل، وحاددتم الله ورسوله كما فعلوا وإستهذأتم بالله ورسوله كما إستهذأوا برسهلم، فماذا فعل الله بهم عقاباً على هذه الأعمال الخبيثة الشريرة؟؟ (... أُولَٰ-;-ئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ...)، فما المترتب على ذلك؟؟ قال: (... وَأُولَٰ-;-ئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 69), فإذا كان إحباط أعمالهم في الدنيا والآخرة إستحقاقاً على ما عملوا، وأنتم أيضا قد عملتم مثلهم تماماً ما إستحقوا عليه إحباط الأعمال، فمن البديهي والمنطقي، بل ومن العدل أن تنالوا عقابهم سواءً بسواءٍ.

هؤلاء المنافقين الذين ظلموا أنفسهم وأدخلوها في نفق مظلم بفعل مَنْ أهلكهم الله بذلك الفعل، فقال سبحانه عن هؤلاء المنافقين: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ...)؟ من الأمم السابقة الهالكة، وماذا فعلوا؟ وكيف كان عقاب ربهم عليه؟، بدءاً من: (... قَوْمِ نُوحٍ ... ), الذين إستأصلهم الله بإغراقهم وإهلاكهم: (... وَعَادٍ ...), الذين أهلكوا بالطاغية وهي "الصيحة": (... وَثَمُودَ ...), الذين أهلكوا بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبعة ليال وثمانية أيام حسوماً: (... وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ ...), الذين أهلكهم بذباب من الباعوض سلطه عليهم: (... وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ...), الذين قد جمع الله لهم صنوفاً من العذاب جزاءَ عصيانهم وتكبرهم مع قربهم من قوم لوط زماناً ومكاناً, وما ألم بهم من عذاب الله، فلم يتعظوا ويرتدعوا بعذاب من كان قبلهم لا البعيدين ولا قريبي العهد بهم من قوم لوط، فعذبهم بالرجفة (الزلزلة)، ثم عذبهم بالصيحة، ثم أخذهم بعذاب "يوم الظلة" الذي أرسله عليهم،، سحابةً أظلتهم، فيها شرر من نار ولَهَب ووهَج عظيم: (... وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ...), قوم لوط عليه السلام، الذين عاقبهم الله على فسادهم وضلالتهم، فأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِيْنَ، ودمر قريتهم بأن جَعَلْ عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرَ الله عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّنْ سِجِّيْلٍ. كل تلك الأمم الهالكة: (... أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ...), وبينت لهم مغبة عنادهم وإصرارهم على ما هم عليه من الكفر والضلال والإضلال والظلم، وذكرتهم بمن قبلهم من المعاندين وما ألم بهم، فلم يصدقوهم أو يستمعوا لنذارتهم ونصحهم: (... فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ...), بأخذهم غفلةً دون إنذار بدليل مقنع، بل وفر لهم كل الوسائل التي تمكنهم من إعادة النظر في ما هم فيه من ضياع، بل وقد ذكرتهم رسلهم بمصير من كان قبلهم ومآلهم بعد أن كتب عليهم العذاب، (... وَلَٰ-;-كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 70)، فاستحقوا ما وقع وسيقع بهم من خسران مبين.

إلى الجهلاء الأغبياء الذين يدعون أن هذه السورة الكريمة فيها سيف أو دعوة لقتل الناس لكفرهم أو شركهم أو نفاقهم،، فقد أبدعت السورة في تفنيد كل من هذه الطوائف الفاسدة المفسدة الجبارة المؤذية حتى لله ولرسوله،،، الخ هل هناك أي تلميح من قريب أو بعيد بفرض عقوبة دنيوية على أي منهم ولو حتى بالجلد أو التوبيخ أو الطرد؟؟؟ هل خلت هذه السورة الكريمة من التوضيح والنصح والتذكرة والحض على مراجعة النفس قبل فوات الأوان؟ هل قام النبي الكريم أو أحد الصحابة بتحويل شخص من هؤلاء المردة على الكفر والنفاق إلى محكمة عسكرية أو مدنية أو تعذيرية أو قروية ...؟؟؟

إذاً،،، أيها المفترون على الله الكذب، كيف تتجرؤون على الله ورسوله بهذه الفرية التي عجز الشيطان نفسه من أن يأتيَ بها فجعلتم هذه السورة الكريمة الرحيمة العادلة سيفاً مسلولاً على خلق الله الذين خيرهم في الإيمان به "طواعية" أو الكفر به "خياراً"، و قد هدى كل فرد منهم النجدين وقال لهم صراحةً (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). هل فكر هؤلاء أدعياء "آية السيف" بأنهم بذلك الإدعاء يصفون الله بالضعف وعدم القدرة على قهر الناس ليعبدوه فخاف أن يخرج الأمر من يده فنسخ بآية واحدة كل آية فيها رحمة ومغفرة (تعالى الله عن كل ذلك وعن كل ما يأفكون علواً كبيراً). فهل من قهر السموات والأرض وقهر الجبال والبحار والجن والملائكة لا يستطيع أن يقهر بعض المخلوقات الضعيفة وينزع منها الإختيار فيجعلها مؤمنةً بالفطرة التي فطر الله الكون كله عليها، وأن يجعلها مقهورةً كغيرها من المخلوقات التي تمتاز عنها بضخامة الجرم كالفيل والديناصور، وقوة النظر كالصقور والنسور، وقوة السمع لدى صغار الزواحف والحشرات، وسرعة الجري وقوة التحمل.... الخ؟؟؟ أليس هذا أفضل وأيسر وأجدى من قتلهم بالسيف بعد أن خيرهم بإرادته وإذنه فاختاروا وتحملوا التبعة أمامه يوم القيامة. ألا يستطيع أن يجعلهم كلهم مؤمنين به ولا يعرفون غيره ولا يستطيعون؟؟ مالكم كيف تحكمون.

من هم المؤمنون والمؤمنات، وما شأنهم؟
بعد أن عَّرف الله تعالى المنافقين والمنافقات وفصَّل حالهم ومآلهم تفصيلاً شاملاً ودقيقاً معجزاً، تناول بعد ذلك المومنين والمؤمنات الذين لقبهم الله تعالى (بالمتقين) في أول سورة البقرة ووصفهم في ثلاث آيات بينات من الآية 3 إلى الآية 5، وبين في هذه السورة أيضاً حالهم ومآلهم وخصائصهم ودرجاتهم، فقال جل ثناؤه مبيناً ومفنداً سجاياهم وملامح هويتهم: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ ...), الذين آموا بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره بحق وصدق ويقين، إنما: (... بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ...), هدفهم واحد وغايتهم واحدة وتوجههم كذلك،،، ومن أهم خصائصهم أنهم معتدلون، إذ أنهم: (... يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ...), قلباً وقالباً، تفصيلاً وإجمالاً، حباً وإتباعاً ورضى وإقبال: (... وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...), بكل أنواعه وأصنافه، تجنباً ومحاربة وكراهية وإستهجاناً: (... وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ...), كتاباً موقوتاً، يُقبِلُون عليها حباً وعشقاً وهرولةً: (... وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ...), عن رضى وقناعة وإقبال، بل يتقربون إلى الله بالصدقات مزيداً وإضافة بعد الفريضة المكتوبة: (... وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...), طاعةً كاملةً يتسابقون فيها لبلوغ درجة الإحسان بصفة خاصة وفي أعمال الخير والبر والمعروف في غيرها بصفة عامة: (... أُولَٰ-;-ئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ...), وهذا وعد منه سبحانه، وهو لا يخلف الميعاد، (... إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 71).

فهذا وعد بالرحمة مطلقاً، ولكن ما نوع هذه الرحمة التي وعدهم بها تفصيلاً؟ يقول تعالى مفصلاً إياها: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ ...), بأنواعها من فردوس، ومأوى، وجنة نعيم، وجنات عدن،،، الخ، جنات من خصائصها أنَّها: (... تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ...), من ماءٍ وعسلٍ مصفى ولبن وكوثر،،، الخ: (... خَالِدِينَ فِيهَا ...), لا ينضب معينها ولا تنقضي خيراتها، ولا يفوتونها بموت أو بإنقضاء أجل مسمى بل خلود أبدي، ليس ذلك فحسب، بل: (... وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ...), فهذا النعيم كله ليس كل شيء، بل هناك ما هو أفضل من هذا النعيم الكبير، يبينه الله تعالى بقوله: (... وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ...), وجوه يوم إذن ناضرة إلى ربها ناظرة،،، (... ذَٰ-;-لِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 72)، بلا أدنى شك.

هذا جزء من السورة التي لا يزال بها مزيد من العجائب والغرائب، فهي تتكون من 129 آية لم نتطرق إلَّا إلى 72 آية فقط، ولكن دعونا نكتفي حالياً بهذا القدر الذي قد أبان لنا حدود مأساة المسلمين وخسارتهم في ضياع هذا القدر من النور المبين بهذا الكتاب الكريم، وكيف أن عدم التدبر لآياته التي فصلها الله تفصيلاً بعد إحكام كما رأينا في سياحتنا عبر واحة "التوبة"، الغناء ذات الشذى العطر.
تحية طيبة للقراء الكرام، وإلى اللقاء في جزء 3: (تفنيد الآيات المُدَّعَىْ عليها بأنها نُسِخُت بآيةِ/آياتِ السيف المزعومة).



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الأول:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الثاني:


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني: